غرائبية السرد في هذه القصة وما تمتاز به من خيال خصب ـ نابع من تمثل تراثه الشعبي ـ تمنح القارئ منظورا مختلفا وثريا لعلاقة المرأة بالرجل، وتؤكد على إمكانيات كاتب سوداني يعد بالكثير.

كانَتْ وكَانَ وكَانَتْ الأُخْرَى

منصور الصويم

*(كانت)
خرجت البنت البيضاء كدودة الأرض وهي تعتِب قليلاً وتمسح على فخذها الأيمن من أعلى لأسفل. في ليل الأمس عادت هذه البنت متأخرة عن مواعيدها اليومية، كانت مرتبكة وحزينة وأخيراً جداً جائعة، كانت تسكن وحيدة، كانت لها شقة، لها وحدها، كانت جائعة، هذه البنت التي تعتب الآن قليلاً وتمسح بيدها على فخذها. في ليل الأمس رَمَت البنتُ الدودةُ حقيبتَها على أقرب مقعد وهرولت صوب مطبخها الصغير، فهي وحيدة في شقتها الصغيرة ومطبخها الصغير، لكنها لم تجد طعامها اليومي، وجدت بيضتين، خفقتهما وشوتهما سريعاً وابتلعتهما، كأن لا شيء، ظلت جائعةً، الدودة البيضاء تتلوى. عادت إلى حقيبتها المرمية على المقعد، كل هذا في ليل الأمس، أفرغت الحقيبة، سقطت مناديل ورقية وزجاجة عطر وصندوق بودرة وصباع أحمر شفاه متموج ونحيل ذكَّرَها بجوعها وخلوّ حقيبتها من كل شيء، لكنها هذه البنت بهدوء واتزان دخلت غرفتها، أضاءت نوراً خافتاً، ارتمت على فراشها اللين، وهي ممددة خلعت جيبها الأزرق ثم بلوزتها الحمراء، تمددت عارية وأخذت تتلوى كدودة تتمرق أمزاقاً. لتتناسى الدودةُ ـ البنتُ جوعَها وأشياء أُخر أخذت تُعِدُّ جسدَها ليمارس عادته السرية اليومية، كانت تمُُصُّ أصبعها وتمرر أناملها على ردفيها وفخذها حين اكتشفت اكتناز هذا الفخذ الأيمن. تلوت الدودة وحدقت بِشَرَهٍ في فخذها الممتلئ والمكتنز، لعقته بلسانها، بلعت ريقها، عضته حتى احمرّ، عضته حتى أدمته، لعقت الدم، اهتزت من النشوة، اتسعت حدقتاها وانفرجت فتحتا أنفها في نشوة وتلذذ، أنزلت قدمها من الفراش، حافية هرولت، عبرت الصالة الصغيرة، وَلَجت المطبخ، على الطاولة لمحت السكين. كان حاداً ولامعاً. وقفت قرب بوتجازها، قبضت بأصابع كفها اليسرى على الفخذ الممتلىء، من أعلى، من أسفل، على أمشاطها، ظهرها مقوس وذقنها يحتك بترقوتها اليسرى، قطعت من أسفل الى أعلى شريحة عريضة ودامية من فخذها المكتنز، كان مكتنزاً، امسكتها بيدها وطرحتها على الطاولة ثم أجْرَت عليها السكين. ما حدث متوقع لإنسان جائع توفَّرَ له لحم طري وشهي. شَوَت البنتُ جزءاً من الشرائح وأعَدَّت بالجزء الآخر شوربة ساخنة وشهية. قبل أن تنام البنت لم تنس أن تضمِّد فخذها مكان الجرح، حَشَتْه بقطن عادتها الشهرية وناااااامت. « في نومها ستحلم بـ(كان) عشيقها الذي باعته في سوق أبوجا في واحدة من لحظات فقرها المريعة، ندمت بعد ذلك، حلمت به وهو يلوِّح لها بلسانه، كان أحمر ولزجاً وهو يلتصق بوجهها، ستخرج في الصباح وهي تعتب قليلاً». نااااااامت.  

*(كان)
لم يُفِقْ (كان) من صدمة بيعه بسوق العشاق القدامى بأبوجا. مر على هذا شهور وما زال يحن لانطلاقاته الوردية قرب النيل وفي حدائق الشهداء وفي برندات السوق العربي. كان مذهولاً من استسلامه والخوف الذي تلبسه من مالكته الجديدة. كان يحاول إخفاء تولهه بها وبقدراتها السحرية على الفراش ـ تجلس قدّامه ترص قصعات العصيدة على الصحون الكثيرة أمامها وتجري عليها ملاحات الشرموط والروب والبربور... إلخ، تفعل كل هذا وهي واقفة والعرق يسيل على ساقيها، (كان) وراءها يتابع سيلان العرق فوق ساقيها الكاكاويتين، أحس بها تحاول الالتفات إليه وأحس أيضا بأنه سينتصب، يحدث هذا كل يوم، تلتفت إليه وبعينيها شبق مجنون، يحدق بعينيها والدماء عنيفة وحارة تلاطم جدران أوردته وتتصاعد إلى وجهه. المهم، عند المساء، كل مساء منذ أن اشترته، تعمد إلى تدليكه بالدلكة والخمرة وتبخيرة ببخور التيمان وسقيه مستخلص شراب القورو ـ اعتاده مع الأيام رغم طعمه المر ـ بعدها تصوروا ما الذي يحدث؟، كانا يتفارشان من بعد العشاء وإلى أن يتحول إلى شيء صغير ونحيل تمسكه هي بعد الخاتمة وتُقبِّله قبلة حارة ثم تطويه وتضعه أسفل وسادتها لصق جوالها المخملي ومحفظتها المتخمة بالدنانيير. في الحقيقة لم يكن يدري أن له هذه القدرة الخارقة على المسافدة ولِثَمَان ساعات متواصلة دون أن يحس بأدنى تعب وإلى أن يتحول إلى هذا الشيء الصغير والناحل الذي يرقد أسفل المخدة ملاصقاً للجوال والمحفظة الممتلئة، يستمع إلى شخيرها الموسيقي ويحلم بغد سريع يكون فيه مساء به دلكة وبخور وثمان ساعات وقبلة حارة على شيء صغير وجاف يكون هو.

وإليكم ما يحدث في الصباح: تستيقظ المالكة وتطمئن أولاً على ممتلكاتها أسفل الوسادة، تنظر إليهم بحنوّ وحب وكأنهم أبناؤها، الجوال ثم المحفظة وأخيراً ، أخيراً عشيقها المملوك، حسب وثيقة الشراء القابعة ببطن المحفظة. ياللحب وهي ترمي بالمحفظة بين نهديها المكتنزين لتستقر هناك وتنعم بالدفء والحنان، يا للحب وهي تتفقد جوالها الوردي وتفتش عن رسائل لا تأتي، وياللحب وهي تنفخ على الحبيب وتفركه بين يديها بلطف ثم تمطه وتمطه ثم تسقيه بالبزازة من عصير مستحلب الجقجق المخلوط بعصارة لب الهالوك النيء، فينتفخ رويداً رويداً ثم يتمدد ويعود (كان) كما كان، يا للحب.  

*(كانت... قليلاً)
في ذاك الصباح الذي خرجت تعتب فيه قليلاً ـ بسبب فخذها الجريح ـ (كانت) مزحومة بحلم الأمس، (كان) العشيق المباح، لسانه القرمزي يلعقها، يطوقها، يبللها، (كانت) تحس بحنين مريب ولهفة مخزية وبقدميها تجرجرانها صوب مكان انوجاده عند مالكته الجديدة. « في الحقيقة حين استيقظت هذا الصباح لمست بيدها فخذها الأيسر وفكرت بتناول وجبة إفطار لكنها تذكرت الحلم و(كان) وجلسات ما، فحنت إلى إشراكه في وجبة الفخذ القادمة ـ الأيسر بالطبع. هذا لا ينفي تناولها شيئاً بمثابة إفطار سريع، قضمت حلمتيها الورديتيين وأعدتهما إفطاراً خفيفاً لشخص يسعى حمية». كانت تبحث عنه.  

* (كانت الأخرى لا تفرط)
في هذا الصباح ـ صباح البنت التي تعتب ـ أحست (كانت) الأخرى، بحساسية العاشقة التي لا تخطئ بنذر اختطاف، ضمت (كان) بعينيها ومسحت ببصرها الهواء، اشتمت روائح الغريمة منسابة مع نسيم الصباح، هتفت: إنها تقترب.كانا قد بدآ للتو توزيع وجبات الإفطار للزبائن حتى أن عرقها لم يرشح بعد ويسيل على فخذيها فكان (كان) مسترخياً وهو يخلط شَطَّة الدُّنْقَابَة بِشَطَّة دِليِّخ الحبشية، لكنه سمعها تهتف: إنها تقترب، فانقبض قلبه. في الحقيقة كانت قد دخلت السوق، تهش عن وجهها حدقات المتعطلين ببنابر أبوجا تحت ظلال رواكيبها الفسيحة. (كانت) تهش الشهوات وتسيج شهواتها بحنينها المجروح، تعتب وتمضي في دروب أبوجا ذات شبق. (كانت الأخرى) أحست باقتراب الفم اللهف والشعر المشتاق والنهدين اليتميين... قذفت الصحون وطرحت قصعات العصيدة ودفعت زبائنها خارجاً، أحس (كان)، في الحقيقة أحس لسانُهُ باْقتراب لسان يتحلب ونهدين يتراعشان لهفة، (كانت) تُغلِّقُ الأبواب. حين انتبه إلى العرق غزيراً يغطي ساقيها كانت (كانت) تطرق الباب، (كانت الأخرى) التفتت إليه، العرق يرشح من مسامها ويسيل، (كان) منتصباً بأكمله وهي ترمي بأثوابها وتتعرررررى، (كانت) بقبضتيها وجبينها وركبتيها تضرب الباب، (كان) يغوص متمرغاً في العرق وملامساً نشوة التلاشي، غرزت أظافرها في طلاء الباب، في حديد الباب، عضت بأسنانها حديد الباب، (كانت الأخرى) تمرر كفها على جسده المضمحل وترتعش وترتعش، (كانت) تحطم الباب، أمامها.... (كانت الأخرى) تسوي خصلاً طائرة وتعدل ثوبها على كفلها الباذخ، (كان) داخل المحفظة يتشمم روائح نقود طازجة ويسمع بعيداً ضربات قلب العاشقة. المحفظة بين نهدين وثيرين تتوهَّط................. حسناً يا سادة هذا ما حدث.