كأنه يعيش هنا الآن.. بيننا، الشاعر الفرنسي جاك بريفير، وهو ينبهنا الى هناك دم فوق سطح العالم في استدعاء لصوت الشاعر القادم، هذه المرة من الماضي، وهو يستشرف هذا المستقبل المتحول، حيث دم الحروب والأطفال وصراخ الأمهات.. في مواجهة آلة التقتيل والإبادة وسقوط الأقنعة وتعري الحقائق كل شيء ينزف أمام حقيقة العالم اليوم.

أغنيَةٌ في الدم

جَاكْ برِيـفِــير

ترجمة: مصطفى الرادقي

 

هُناكَ بقعُ دمٍ كبيرةٍ فوق سطحِ العالمْ

إلى أينَ يَمْضي كلُّ هذا الدمِ المُنتشِرْ

هَلِ الأرضُ هي التي تَشربُه فتَثْمَلْ

مُضحِكٌ هذا السُّكرُ إذاً

جدُّ هادِىء .. جدُّ مُضجرْ

لاَ الأرضُ لاتَثمَلْ

الأرضُ لاتَدورُ جانباً

إنها تَدفعُ بانتظامٍ سيارتَها الصغيرة فُصولَها الأربعة

المطرْ... الثلجْ...

البَرَدْ...  الطقسُ الجميلْ

أبداً إنها ليستْ سَكرى

إنها تسمحُ لِنفسها بصعوبةٍ من حينٍ لآخرْ

بانْفجارِ بركانٍ صغيرٍ شَقِيْ

إنها تدورْ الأرضْ

إنها تدورُ مع أشجارِها ... حَدائقِها ... بُيوتِها ...

إنها تدورُ مع بُقَعِ دَمِها الكبيرَة

وجميعُ الأشياءِ الحيّةِ تدورُ معها وَهْيَ تنزفْ

وهيَ لاتهتَمْ

الأرضْ

إنها تدورُ وجميعُ الأشياءِ الحيّةِ تَشرعُ في الصراخْ

إنها لاتَهتمْ

إنها تدورْ

إنها لا تكفُّ عن الدوَرانْ

والدمُ لا يكفُّ عن الجَرَيانْ ...

إلى أينَ يَمضِي هذا الدمُ المُنتشِرْ

دَمُ القتلَى ... دَمُ الحُرُوبْ

دَمُ الفَاقَة ...

ودَمُ الرجالِ المُعَذبينَ في السُّجونْ ...

دَمُ الأطفالِ المُعَذبينَ بِهُدوءٍ من لَدُنِ آبائهِمْ وأمهاتِهِمْ ...

ودَمُ الرجالِ الذي يَنزفُ منَ الرأسِ داخِلَ الأقبِيَة ...

ودَمُ البَنّاءْ

حينَ يَنزلقُ البَنّاءُ ويَسقطُ من أعْلَى السّطحْ

والدمُ الذي يَأتِي والذي يَسيلُ كَشَلاّلٍ

مع الوَليدِ الجَديدْ ...مع الصَّبِيِّ الجديدْ...

الأمُّ التي تَصرُخْ ... الطفلُ يَبكِي ...

الدمُ يَسِيلْ ... الأرضُ تَدُورْ

الأرضُ لاتَكفُّ عن الدوَرانْ

الدمُ لا يَكفُّ عن الجَرَيانْ

إلى أينَ يَمْضِي كلُّ هذا الدمِ المُنْتَشِرْ

دَمُ المَضْرُوبينَ على رُؤوسِهِمْ ... المُهَانِينْ ...

المُنْتَحِرينْ ...المَرْمِيِّينَ بالرصاصْ ... المَعْدُومِينْ ...

ودَمُ الذين يَموتونَ هكذا..في حادثَة ..

يَمُرُّ شَخصٌ في الشارعِ

وكلُّ دمِهِ في جَوْفِهِ

ثم فَجأةً ها هوقد ماتْ

وكلُّ دَمِهِ مَقذوفٌ إلى الخارجْ

والأحْياءُ الآخَرونْ يَعمَلونَ على إخفاءِ الدمْ

يَحمِلونَ الجَسدْ

لكنَّ الدمَ عَنِيدْ

وهناكَ حيث كانَ القَتيلْ

فيما بَعْدُ بِكثيرِقليلٍ من الدمْ

شديدِ السّوادْ يَتمدّدُ مَا زالْ...

دَمٌ مُتَخَثِّرْ

صَدَأ الحياةْ صَدَأ الأجْسادْ

دَمٌ رَائِبٌ كالحليبْ

كالحليبِ لمّا يَدورْ

لمّا يَدورُ كالأرضْ

كالأرضِ التي تَدورْ

مع حَليبِها... مع أبْقارِها...

مع أحْيائِها...مع قَتْلاَها...

الأرضُ التي تَدورُ مع أشجارِها...مع أحْيائِها...مع بُيوتِها...

الأرضُ التي تَدورُ مع الأعراسْ...

مَراسِمِ الدّفنْ...

القَواقِعْ...

الكتائِبْ...

الأرضُ التي تَدُورُ وتَدُورُ وتَدُورْ

مع جَداوِلِ الدمِ الكُبرَى .

 

 

 من ديوان :( كلمات )، منشورات غاليمار/سلسلة شعر،باريس،1946.