هنا صوت شاعر وأديب ظل يتمسك بخيط الحكمة في مواجهة جنون القوة، الشاعر والأديب الألماني فولكر براون عاشق ابن عربي والذي أصدر دواوين شعرية عديدة وكتب وروايات ومسرحيات، لعل التيمة المهيمنة على أعماله هي طغيان البعد الإنساني والروحي، خريج جامعة كارل ماركس في لايبزيغ ومدير مسرح برلينر أونسومبل انتخب مديرا لقسم الآداب بأكاديمية الفنون بألمانيا، ظل براون مناصرا للمظلومين في العالم واعتبر وظيفة الشعر هي مواجهة جنون القوة بالحكمة والعقل والتفكير في السلام.

دعوهم يكسروا أشعارهم

فولكـر بـراون

مقدمــة

دعوهم يكسروا أشعارهم ويحزموها لنار المجد!

دعوهم يولّفوا قوافي وردية كإشارات مرورعلى طريق بَوادي الكلمات!

قصائدنا صمامات للضغط العالي في شبكات أنابيب الأشواق.

قصائدنا أسلاك تلغراف، متوترة دون توقف، مدججة بالكهرباء.

قصائدنا تطلع كأشجار لها آلاف الجذور

في أكوام الأسرار على وجه البسيطة العجوز.

وتتفرع إلى آلاف الآفاق.

قصائدنا لابد أن ترينا مروجاً تحت انحناءات جسور الأفكار.

أن تصل الأحلام بقبة السماء.

أن تطرد قشعريرة الخوف عن الجلد.

ولابد أن تُمترس بالشمس صدورنا.

 

الجـــاز

هذا هو سر الجاز:

نغمة 'الباص' تنفلت من الأوركسترا المتحنطة.

الطبول تقرع رؤؤس الأغنيات الغبية.

البيانو يشرّح جثة الطاعة.

الساكسوفون يكسر قيود النوتة الموسيقية:

تزلزلي أيتها المفاصل: نحن نعزف مقطوعة جديدة،

كل ما أنا قادر عليه وماأنا بحاجة إليه هو: أن أكون أنا أنا-

وأن أكون هذه الأنا هنا بالذات: وأن أكون أنا نفسي هو الذي يغني.

من أنقاض انسجام النغم الرنان المعتم

ومن شجيرة النوتة الموسيقية العارية يتصاعد شيء ما مرفرفاً فوقنا

هو نبضات قلب البانجو وصرخات الساكسوفون:

إنه انسجام أنغامنا نحن: وحدةً متحركة

كل واحد يعزف أبدع ماعنده كي تتكامل النغمة المشتركة.

تلك هي موسيقى المستقبل: كل واحد مبدع!

لك الحق أن تكون أنت، وأنا هو أنا:

ولن نتحالف إلا مع من يكون هو نفسه،

فريداً في الكُره وفريداً في الحب وفي النضال.

 

من تحولات فولكــر براون

ولدت يوم أحد وظل الحظ يلاحقني:

لم أنكسر تحت وطأة القنابل، ولم يمتصني الجوع

بكل أنواعه.

نشأت على الحدود بين مدينة وقرية.

أقول إن الحظ يلاحقني، وأنا أدرك كم هو مستغرب مذاق ما أقول.

افتتحت مساحات جديدة، غزلتها بنفسي، ورأيت حقول ساكسونيا

تعانق المصانع المهدمة.

لكنني أدرك، لحسن الحظ، أن كل هذا قليل

وأن يومي لم يمتلئ بعد حتى الحافة القصوى

وأن ماينجزه بلدي لم يزل ضامراً.

ومع هذا أتحدث عن الحظ، فالمعارك الضارية نائية.

الضربات لاتخترق في جسدي المسامات.

لا أتراجع حين أطلق صرخاتي، ودون خجل

تستمعون أنتم إلى ماأقول.

 

بحث شاق

إلى جانبي، ليلاً

لا ألمس أيتها الحبيبة

سوى سطح الجسد

لا أجد في الألياف ما أبحث عنه

ولا تستطيع أن تكشف لي حتى العضة ما أريد

أبقى على السطح، دون أن أغوص إلى القاع المظلم

حيث ينمو العشب الغريب ويزهر

في المكان الذي لم تصل إليه بعد

خطواتي الثقيلة الظل.

كيف يمكنني أن أقتحم يا ترى

هذا العمق؟ أين أجد النظرة

السابرة غور هذا الحقل المغلق؟

أبحث
وأحفر بيديّ وبأضلاعي

منقباً عن كنز لابد أن يوجد في مكان ما

ولابد لي أن أجده يوماً ما، وأن أظل أبحث عنه

دائماً وأبداً.

 

توج فولكر براون بالعديد من الجوائز، لعل من أهمها جائزة "هاينريش هاينه" عام 1971، وجائزة "هاينريش مان" في عام 1980، و"بريمر للآداب" عام 1986، وفي 1988 حصل على الجائزة الوطنيّة بألمانيا الشرقيّة على الرغم من أنّه كان مراقبا من جهاز مخابراتها. وفي عام 1992 حاز جائزة "ذاكرة شيللري"، وجائزة النقد عام 1996 وجائزة "إريوين ستيماتر" في 1998، وفي عام 2000 حصل فولكر براون على جائزة "بوشنر" وهي أهم جائزة أدبية في ألمانيا، وتوج بجائزة "أركانة العالمية للشعر" من بيت الشعر في المغرب عام 2015.