قصائد من وجع الغياب وتلمس ضوء الأثر بعض من أبواب ما تفتحه الشاعرة المغربية دامي عمر وهي تكتب هنا قصائد نأت بغير قصد في اتجاه البياض سواء عن الليل ومرارة الفقدان أو عن وحشة السواد حين يضيق الأمل أو بحثا عن المشاعر التي تخلو الى الانزواء.. كما صوت الشاعر اليوم وهو يعلو على أصوات الدمار والإبادة.

تهويدة ليل صغير

دامي عـمـر

 

)                                         إلى روحها الطاهرة(

 

 الليل

زجاج أسود يمتص البهرجة

ظل الغائب غابة  تتمطى على

          البلاط

                          الكنبات

                                          الستائر

 عطر العرعار يرجرجه شعرك

وسردية المكابرات اليقظة

هسيس العتمة

عيون صغيرة

تحلق كفراشات شقت للتو الشرنقة

..

 

الليل

قد لا يأتي غده

وقد يأتي وخيما

معبئا بالطرود المفخخة

غارقا في أقاليم

      التيه

               والضباب

                            والمسغبة

تنبث لي كف أخرى

أحس بها كما  جنديٍّ بكفه المبثورة

أمَسِّد ذراعك المتعبة من  دق المشط في نولك الأزلي

أضمد وخز الشوائب في أناملك العشبية

 

...

 الليل

ندِيّ ككف العناية

أشب من جُدوة في أنفاسك

أنزل مع المطر الهاطل من سماء  عينيك

أتمايس على تهويدة الحمد في صوتك الرخيم

أقفز على قنن المكابدات

  ينتزعني النهار من حضنك الوديع

أفقد رشاقتي

أتعثر في أولى خيوط الضوء

بينما أنت كراهب بوذي

يحرس السُّدى صمتَك الجليل

                                             

...

 الليل

مبصر

يا "حنا "

أعرفك وسط أقاليم الظلام

أرسمك في السديم

بأكمام واسعة وذيل ثوب يشبه الغمام

في الحلم أسكنك بلاد السلام

أخفيك بأرداء الليل

من نهار تفيض أوداجه بـآهات متعبة

وترسم أناملك على الخرقة أشكال الفجائع الصابرة

 

...

 الليل

 نول الحكايات الوديعة

يغدو  العالم لغة

السدى منك ومني اللحمة

تحدثينني عن الشرفة المعلقة في السماء

 عن الغزلان الشاردة في مراعي الحلم

عن حقول الزعفران ساعة المغيب

أنجذب إلى عالمك المغري بالشعر

لغة ..لغة ..

عشقت لأجلك اثنين

ليلَك  ... والشعرَ

وها شوكة الضوء تفقأ عين الليل

وتُمْنَى القصيدةُ بالغياب

...

 

نأمة حلم لقلب داكن

أنا رسامة جداريات المدن الموحشة

عازفة الأوتار المشدودة إلى أذرع الكادحين

مزينة الندوب على صدور الواقفين في العصف الشوكي

أحيك الحلم

من ابتسامة صغيرة على شفة ذابلة

من شعاع راعش في نظرة غائبة

من عناصر مجهرية

مهملة كسطر نمل يقطع حثيثا جادة مضطربة

كدمعة بريء أمام المقصلة

أنا في الأصل صانعة قلائد من خرز

كل الأعناق تستحق قلائدي

عنق الذئب كما عنق الغزال

عنق الحصاد كما عنق السنبلة

عنق الزجاجة كما عنق الرجاء في قعر الجب

هناك دائما متسع للحلم

متسع للجنون

متسع للحياة

عرفت هذا في فواتح الوجع

في الآه أفتها أنفاسا لأجنة في الرحم

في الحلم خيول برية

وحيتان  أوركا غير مدجنة

في الحلم شاعر يكتب شعرا من دم ومن عرق

أحلام ..أحلام ..أحلام

                                               هناك  أحلام ممكنة

من طين ومن عرق

 صغيرة

كفراشات قد تغير مجرى  الريح في سماء ملتهبة

وهناك احلام مقدودة من نجمة نافقة

خفيفة

 تحط على الكتف  فجأة

ثم تختفي مخلفة شقا غائرا في مرايا السأم المقعرة

الأحلام اقترافات لا تسجل في كراسة الأخطاء

ولا في سجل السوابق لدى الفقراء

 

ثوبةُ شاردة

يا رب ها أنا ألملم ما تناثر من كلامي هنا وهناك

على الدرابزين وبين التخاريم وفوق المرايا الصماء

فوق رؤوس الموتى في ألأضرحة

وعلى أوراق  النعناع والريحان

فوق أوراق  متناثرة على السجاد كأسماك نافقة

ها أنا ألملم كلماتي التي لم تكن وحيا ولا حكمة ولا شعرا

أضغط على حنجرتي كي تكف عن لف الحبال

أضغط على رئتي كي تكف عن نفخ الريح في جماجم المعنى

أشل يدي كي لا تغزل الضوء بالماء

يا ربي ها أنا أمثثل للخرس

حتى لا تنكشف عوراتي

أمثثل للعمى كي لا تسقط أوراق الكنايات

أمثثل للصمم كي لا تتعرى الأساطير والخرافات

يا رب هذه بضع قصائد نأت بغير قصد

لا أدري إن كانت سترعى في عشب ندي

أم سيذبحها بالسكين جزار

إن كانت ستحلق في سمائك المضاءة

أم تمتصها هاوية و قرار

قصائد كتبت فيها عن الحب

حب أحب نفسه

كلما رأى حبيبين

صاح : يا الله !

كتبت فيها عن الأمل

حين ضاق بنا صنعناه من دقيق ومن ماء

طائرا من ورق يغرد حين تفجُر الأغنيات

كتبت فيها عن الجمال

حين داخت البوصلة بالألوان

و تنكر الغرباء للغرباء

يا رب تلك قصائدي

منحت فيها للنهر مجرى دمي

للطريق التي أكلتها العتة نعلا جديدا

للقمر أرجوحة تليق بكوكب شارد..