استيقظت مهرولاً على تبادل الصياح بين أمي وابن الخالة. ـ خالتي.. خالتي! وصل ابن الخالة إلى غرفتنا فوق السطوح وهو يلهث.. استفهمته أمي عن سرّ هذا الصراخ الباكر. ـ عمّي.. هكذا كان ينادي أبي.. قبضوا عليه. خيّم صمت ثقيل على المكان.. حتّى أنها عوت، ولم نسمعها. ـ آش عشاك الليلة؟ ـ أمّي.. أمّي. ـ عا.. عا.. عاعاعاعا.. عا. لم يسبق لي أن التقيت ببنت الفحّام. ـ عا.. عاعاعا.. عاعا.. عاعاعاعا.. عاعا. يا لها من ليلة ساخنة! داهمني خوف مرعب.. مالها تصرخ هذه الليلة أكثر من العادة؟ انزلقت بين أحضان أمّي وأنا أرتعش من برد سروالي المبلّل بالبول. ـ كم عمرها؟ أعلمنا جدّي بأن أبي كان مريضاً وقد قضى سبعة أيّام في الغرفة المخصّصة للمرضى داخل السجن. ـ ربّي يخليك، نكونوا معك فزواجك إن شاء الله. ـ لا.. لا.. اتركوني.. أبعدوني عن وجهها.. لا أريد أن أراه. وضعت رأسي على حزام سرواله واحتضنت نصف فخذه بين يدي.. أردفت قائلاً: قال أبي وابتسامة تحاول أن تحلّ محلّ التعاسة المنتشرة على وجهه: ـ عمّك لا يبيع الفحم.. إنّه يستخرج الفحم الحجري من المناجم. ـ هل يمكن أن نغيّر لون الفحم إلى الأزرق؟ قلت. ضحك أبي كثيراً والإثارة ما زالت تملأه. ـ أأ.. أأ........... أأ.. أ....... أأأ... حركة غير عادية خلف الجدار.. المشي والمجيء.. حفيف الأحذية.. رنين الأصوات.. لم أتعهد مثل هذه الأصوات.. ـ أين أمّك؟ سألت جارة الطابق الأول. ـ من؟ اللافاطمة؟ أنا هنا في الجهة الأخرى من السطح.. أصبّن بعض الحوائج. سمعتها تخبر أمّي: أخيراً مول الأمانة خدا أمانتو. ابتعدت عن الجدار السماوي.. أمعنت النظر طويلاً في جدار سمائي الزرقاء. استيقظت ذلك الصباح على صوت أبي وهو يسأل أمّي عن أحوالنا وعن أوضاع المنزل. ـ فين الولد؟
ـ ما بك تصرخ هكذا يا وحش؟ اطلع.. الصباح لله.. الناس مازالوا ناعسين.
ـ ماذا سنتعشّى الليلة؟
ـ ما بك؟
ـ بنت الفحّام.
ـ ما بها؟
ـ تصرخ.
ـ لماذا تصرخ؟
ـ لا أعرف!
ـ مسكينة بنت الفحّام.. قالت أمّي وهي، مثل أبي، غائبة.
ـ هي أصغر من السيمو بسبع، أو سبع عشرة سنة؟
ـ والسيمو كم عمره؟
ـ الله أعلم يا حبيبي.
ـ أنا هنا أبابا.. بنت الفحّام ماتت.
ـ شحال هادي باش ماتت؟
ـ هادي سبع شهور.. أجابت أمّي؟
تتضافر في قصة الكاتب المغربي وشائج متعددة من الاجتماعي والسياسي إلى الشعبي والأسطوري في كتابتها للعوالم التحتية الثرية لمدينة طنجة، وفي استخدامها لمنظور الطفل في رؤية ما يدور في هذا العالم الخصيب وتفاعله معه.
جداران