الأمر إذن يحتاج لجنازةٍ تليق بدموعها، لا يعنيني الفقيد لذاته، في جنازة كلب السيد يتقافزون، وفي جنازته إن يحضروا يتنابحون .
في الطريق إلى المستشفى كادت تنهرني لأنني لا أملك هاتفًا نقالًا تحدث به صديقاتها حتى لا تفوتهن فرصة المشاركة في الجنازة.
قال الطبيب في مستشفى الكلب، وهي تتساند علي، المشكلة الآن ليست في وفاة زغلول، علينا أن نعجّل بفحص كرنبة خوفًا من انتقال العدوى إليها.
زغلول لم يكن يترك قطةً في غنجها، يقذف شباكه، تدللت عليه كثيرًا، خمشها بأظافره، هل تحتاج ممارسة الحب أحيانًا للشدة ؟ أدماها، وأدمى قلبها .
مات شهيدًا، قلت، وأنا أعضّ على شفتي من الداخل خشية أن تنفرط سخريتي .
قالت بعصبية، لا، من حب فعف فشف ..
كانت ستلبّي ولعه – لولا تعجّله – دائمًا الرجال متعجلون، لا يستطيعون أن يصبروا على تمنع امرأة .
لم أشأ القول بأنه دفع حياته ثمن تهوره .
الحي أبقى من الميت، قلت لها في خشية، خوفًا من ثورتها المعتادة حين أذكرها بأن هناك من البشر من يستحق الرعاية بجانب القطط، تربط ترمومتر علاقتنا مقابل اهتمامي بها، كان أهلها قد ائتمنوني عليها قبل سفرهم، ظللت أعودها إلى أن تولد بيننا هذا الإحساس الواقف في منطقة ما بين الصداقة والحب، وقفت خيانة صديقها القديم حاجزًا بينها وبيني .
على عجل اندفعت لأنقذ كرنبة، وأهاتف الصديقات، ولكن كالعادة المصائب لا تأتي فرادى، ماتت كرنبة، كيف يعيش العالم بدون الأنثى؟!
مات زغلول، وقتلها … يا لتوحش الذكر الذي لا يجيد لعبة الحب فينهي العالم وينتهي معه.
جنازة لا تليق بالأعزاء، أنا وهي، وصديقتان ..فقط
حاولت أن أفهمها أن أربعة أيضا كانوا في جنازة موزارت، هكذا العظماء، كادت تطردني لولا مهابة الموقف .
تقدّمت الجنازة في منطقة ليست بعيدة عن مسكنها، حتى لا تشقّ علينا الزيارة فيما بعد (كان هذا اقتراحي)
كانت المداولات على أشدّها بألا ندفنهما معا ,القاتل والقتيل .
قالت إحدى الصديقات: لم يقتلها، لقد أحبها مع سبق الإصرار والترصد.
وانتهينا إلى أن نفصل بينهما بقالب طوب فقط، حتى تستطيع كرنبة أن تستمتع بالعذاب الذي سيحيق بزغلول .
قالت الأخرى ربّما تسامحه، فلتكن قريبةً منه .
حفرّت المقبرة، ووضعت الأعزاء، الريحان وأزهار الليمون لكرنبة فقط، وشاهداً من الطوب، إلى أن نجهز آخر من الرخام .
قلت، كان زغلول سينتحر حزنًا وصمتًا، الحمد لله أن ماتا معاً، سوف يصالحها في العالم الآخر، كيف يحتمل العالم دون أنثى يحبها .
في طريق العودة ..تتشمّم الأرصفة بعينين شاحبتين، وبصوت شحيح باغتتني .. قل لصديقك هذا الذي اسمه موتسارت أن يصنع كونشرتو لكرنبة في الأربعين.
مقهى سويس كورنر ”