في حوار بليغ يخطه الشاعر المغربي هنا، بينه وبين حبر القصيدة، كشف لوشائج الكتابة والذات المسكونة بالقصيدة معا، حيث يتحول الحوار الى صوت داخلي عميق يتخلل النص ويتجه الى أفق مختلف تستطيع الكتابة حينها أن تجيب فيه على جزء من انشغالات الذات الجديدة.

هل أنا الريح أيها المداد؟

محمد بلمو

كيف وأنا أعزل

إلا منك

أيها المدادُ

تتهادى متمردا

متهورا

لا تأبه بفرح الأرز

لا تعنيك الديونُ

وأحجيةُ الرأسمال

يستهويك الطيشُ عادة

حين يفزع الصبر من صبري

حين يضيق النهرُ بأشجاري

تجفل الخيول من ظل حشائشي

ينتفض النحل

يسيح في الحقول الرطبة

في جنان أوهامك

يفيض النهر

بالألم

يختلي الفجرُ

في غرفة الانتظار

بالكاد

يتوسطها كرسي شارد

ومنفضة كئيبة

تقول لي:

أكتب

وانثر جسدك رمادا

على الأغاني

وزع غضبتك على القوافي

وثورتك على المنافي

أكتب مصيرك

المجنون

...............

تقول لي:

اللامتوقعُ

باب الحكاية

للبداية

اللامتوقعُ

جبل السهو في جرح البلاد

فلملم أشياءك

وأحلام النهر

واحذر نزلة شمس

ضربة درب

قد تطوح بنا عواصف صديقة

قد يصل الزبى

حافة الأرض

حدود الصقيع

فأشعلُ نار كمدي

في كبدي

كي أتدفأ

تقول لي

أكتب أيامك الهاربة

تجفل من هواء المدينة

ورائحة الوقت

أكتب كالعادة

رسائل

تقارير

شكاوي

أنا المدادُ

تتحرش بي العطالة

إذا لم تكتبْ

سأغضب

تسألني

من أين جئت

بكل هذه الطيبوبة

إلى عالم أجلف

يوزع النكبات والقتلى مع كل باقة ورد

وبسمات بلهاء للمشاهدين

كلما أعادوا الزمان إلى طرواته

واحتسوا الحب في شايه

وانغرق في روحهم أثرْ

تقول لي........

تقول لي.........

لما لا تتركني لحظة

كي أتأمل الجسر

كم هو منتش

يحتسي قهوته

في الركن الأقصى للبلاد

لما المرارة وحدها تغريك

أيها المداد

بالمتاعب

تجر شفتاي للعواصف

وتأبى على غزلي

ولعب طفلتي

وشموس شطحاتي

لما لا تنخطف

أيها المداد

بفرحي

كلما انزاح عن بخله

وزارني في البهو البارد

كي أنتشي

قليلا

بعشرة العصافير

وزقزقات العبور

لما لا تهجرني

إلا لتعيد لي عاصفة أخرى

وجمرا صعب المراس

وبعض الموسيقى

-لحسن الحظ-

كلما تذكرتَ سراديبي

وتلك الأشجارُ

 غرسنا معا

في حديقة الوفاء

هل أنا الريح

أيها المداد

كي لا أخلو لقبلاتي

والقصائد المصطفة  في الطابور الطويل

هل أنا الريح

كي تدير طاحونة زيتك

أيها المداد

بأوجاعي

ورفات الضحايا

كي تزعم أن الحروف

عبيدُ نزواتك

والكلمات تسمح لها باستراحة حين تشاء

وحين لا تشاء

تحشرها في القبو المظلم

في صفوف الضرورة

هل أنا الريح

كي تنسى بوقاحة

 أن شجرة التوت

التي أكلنا منها مرارا

رحلت في القطار الأخير

بلا وداع

بلا وداع

لما لا تأخذني يوما للروابي

كي أخلد للفراشات الباذخة بالهشاشة

وألهو مع الظلال الرهيفة

أم أن إسمنتك شره

لهذا الحد

يعشق الأحزان والنيران الكثيفة ورائحة الموت والقتلى بالمئات

لما لم تفكر لحظة

حتى

في باقة ورد

تهديها لانشراح الناي

يهدهدني

بالفرح الضئيل

بالحقول المهربة

إلى بياض الكلمات

لما تنسى دائما

أني صديق الحقول

وأن لي ذكريات مرح

مع الضفدع

النملة

النزهة

البيدر

الفيافي

وأني لم أمدح قط

غير الربيع رفقة حماري الأشهب

أم أنك وفي لقسوة الحديد

لما لا تأكل مرة من تفاحتي

ألا تأكل

ألا تفرح

ألا تصلي

ألا ترقص

ألا تدخل المرحاض

أيها المداد؟

وماذا في روحك من روحي

كي نحتسي الشاي معا

 كل صباح؟

ماذا سأفعل

أيها المداد

بالتناص

والقوافي

 وبالجناس

وبالقياس

وقد نزع البحر

جلبابه الثقيل

في المتحف القديم

واختارت الأمواج

التخفف من الرتابة

وأعجب الزبد برقصة البداهة

أم أن قدر الانزياح جيوش حزن

ومقابر جديدة تتسكع في العقول

ماذا سأفعل

أيها المداد

بكل هذه الحروف التائهة

في بيداء إسمنت أجلف

تبحث عن ماء المعنى

كي أرتوي

ولا أرتوي لحظة

لا أرتوي

ماذا سأفعل

أيها المداد

بكل هذه الإيقاعات الصاخبة

والسيد القتل يسكن الشوارع

يكسر أبواب البيوت

عنوة

ويدخل

يدخل

دعني أرجوك

لانزياح الفواكه النادرة

سئمت طيشك

وهدير الحروب الذي ينعش مزاجك

ويقتلني

دعني من دموعك

من دمائك

دعني

أتتلمذ في رحاب التين

ارسم بحرا وديعا للجميلات

في مأمن من حماقاتك

دعني

لحظة

للفرح

للانتشاء

للغناء

دعني

أيها المداد

دعني..

شاعر من المغرب