باب نافذة خاص بأصوات شعرية جديدة يستضيف شاعرا وفاعلا ثقافيا رياديا يسهر على مبادرات لدعم للشباب وينمي ثقافتهم ومهاراتهم الإبداعية الشاعر المغربي محمد أشرف الشاوي يكتب نصا شعريا قريبا من نفسه بل أقرب الى سيرة شعرية أوتبيوغرافي إبداعي لحياة صغيرة تنفتح على مصائر مختلفة وهذا العدم واليأس المرير الذي تضج بها الكلمات والصياغات لا شيء يبدو مثيرا للاهتمام بالمرة.

تهزِمك الخطوةُ!

محمد أشـرف الشاوي

 

تهزِمكَ الخطوَة أو وقْعُها

ثمّ ترْميك الطّريقُ إلى حيث تشيّد لنفسِك سِيّاجًا

ترْميك كما لو أنّك مُعدَم الخَطو

تنسَى أنّك سليل المشّائين وحفيدُهمْ الوحيد،

تُنكر لكَ أجدادَك..

 

أنت جدّ الطّريق ولو حافِيًا مَشيت

لنْ تُدرِك الأمر في بادئه

لكنّك وعندَما تستريح،

سترسُم خطواتٍ معوجّة وتتذكّر أسلافَك في أوقيانوسيَا واليَابان والخِيرالدة..

ستخطو كما لو كان ظهرُك هلَالًا!

 

تفزِعك الخطوةُ،

أنتَ للّيل جذّابٌ ومادّةٌ

تحزِنك المشيئة وتنهضُ سكرانَ

خائِفاً تنظرُ بكلّ الازدراءِ لصورةِ "محمّد شُكرِي"

وتسألُ: لماذا تقاسِمه لعنةَ الكِتابة وتاريخ المَشيِ وترّهات الأجداد؟!

ليسَ خبزُكَ وحدَه حافِياً!

 

أتلمّس الحوائط وأكتبُ عن الخطوِ

مائِلاً، مقوّساً، ومالِحاً كان سعيُ المارّة في طَريقِي!

أنا للّيل لستُ منْه أهرُب

على الأقل؛ ليسَ اليوْم ولا غداً

غداً موعِد الخَطوِ وطوافٌ كبيرٌ للمشّائين من أجدادي وأحفادِهم

أنَا سليل الشّوارِع والممرّات والدّروب والأزقّة الضّيقة..

لا أزال أراوِغُها وإنْ ضَاقت!

 

غداً تميلُ عزائم أهل هذا الخَرابْ

وأنا لَن أنتظِر حتّى ذلِك الزّمن!

سأفرُّ قبلَه بخطواتٍ قليلَة..

وقْع الأقدامِ في الدّروب والمصائر لا يخدشُ فيّ شيئاً، ولا يلدغ منّي سوى ممرٍّ!

أمّا أنا فكثِير الممرّات وقليل البُكاء.

 

لنْ يفرّ اليومَ أحدٌ من الذين مرّوا

كلّهم ظنّوا أنّهم مرّوا بسلامْ..

لنْ تعيشَ اليومَ بطنٌ ولنْ يكتَب لقدمٍ أن ترسُم استقَامتها!

للذين داسُوا بأعيُنهم هذا الخَراب..

ألم يكن منطقيًّا أن ينسحِب أيّ يأسٍ، أيّ أمل؟ وأي ذرّة تشكِي ألـمَها للتّراب؟

من قدْ يهدِي نومه للتّراب؟

أمّا أنا فغيرُ مبتئسٍ إطلاقاً بأن أغيّر به حمرةِ خدّي..

أنَا جدّ منطقيّ، يمكنُ للأرض والتّراب والرّيح أن يلسعوا كلّ أذرعي وممرّاتي وأحْرفي!

ولنْ أشتكِي.

 

ما زلْت أخاف الخُطوة

وأزدحِم من الدّاخل جدّا

أبْكي دونَ دخّان أو خدٍّ

ما زلتُ أشكو خِشيَتي من تسارُع دقّات قلبِي لشخصٍ آخر

أعرفُ جيّداً أن الأمور تتغيّر

أعرُف أنّي أجفُّ في الزّمن الحاضِر

وأذكُر يومَ أمسْ

ما زلتُ أخشَى جدًّا، لكنّي واعٍ بخصوصيّات المرحلة!

 

هذه اللّيالي..

أشربُ قلّة نومي

أنامُ عاريًا ومعي أحْلامِي

لا أجدُ ضالّتي سوى في كتابةِ الطّريق بخطواتٍ زائلةٍ.

 

الطّرق/السّكك تتحمّل عنّي أجزاءً صلبةً من العُمر،

تخفّف من شدّة حرارتِه التي تسكنُني

وترمينِي للهامِش أعزلًا..

تجعلُني أنْسى فيها أيّامًا كثيرةً

تتفتّح أمام آلامي جملةً واحدةً

أعرفُ أنّي ما كنتُ لأداري وطأةَ اليوميّ

لو لم أسلُك طرقًا غيرَ أخرى!

 

أنا للطّرق فيهَا أدَاوي جراحًا تأصّلتْ

بها ألمّ شمل عائلةٍ من زلّاتي التي تجذّرتْ

أنا مِلكُ الطّرق وحدَها!

دونَها يُسدّ الفضاء ويضيقُ بما رحبَ

ولا تجدُ أخطائِي منافذَ لتسير بهَا.

 

يعْجبُني "المشيُ" كثيرًا

يحرّرني من كلّ شيءٍ يطُول،

يقطعُ دابرَ الوسواس الذي يستخفّ بحُزني.

 

الخطواتُ تتبنّى منطقًا آخر!

تسجلّ انطباعَها الأوّل دون خجلٍ غيرِ مطلوب،

وتستحيلُ جدّا

حينمَا لا تُأخذ على محملِ الصّرامة.

 

مشَى بي الوَجع إلى حيثُ لا رجوع..

اشتدّ عود الأمل فزادنِي الضّيق

ولم يرأف بي أحدٌ فسلكتُ الطّريق

تلكَ لا تفكّر أبدًا،

أو تفعلُ حينمَا يؤشّر صاحبُها بيدِه مطوّلًا.

 

 

أخطو يتيماً في هذه الحياة الميْتَة

دونَ عقْل أو ذاكرةٍ تعمَل

أتركَ الانطباع الأوّل للخطوةِ الأُولى

وأرقّق أطرافي أحزّزها

حتّى تناسب مقاسَ اليوميّ.