السينما الجزائرية تحتاج دعما رسميا أكبر
احتضنت جامعة أحمد بن بله في مدينة وهران الجزائرية، الشهر الماضي، وعلى مدار يومين مؤتمرا دوليا لبحث واقع السينما الجزائرية، تحت عنوان “رهانات الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر: بين الآفاق والتحديات”، شارك فيه عدد من المتحدثين بين أكادميين وخبراء ومهتمين بالفن السابع.
وجاء هذا المؤتمر الدولي كما يوضح البلاغ الخاص به ضمن جهود الجزائر “لترقية قطاع السينما باعتبارها صناعة وفنا، حرصا منها على مواكبة التطورات الفنية والتكنولوجيات الحديثة لاستغلالها موردا لخلق الثروة والنهوض بالتنمية الثقافية الوطنية، ولإعادة رسم خريطة القطاع محليا ودوليا وإدراجها ضمن الإستراتيجيات الفعالة لدعم الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، وينبغي أن تتشكل الجهود وفق قواعد التكوين العلمي الرصين في تخصصات مهن فنون العرض، عبر المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والفنون، ومن خلال مؤسسات التعليم العالي التي تضمن تكوينات مختلفة في مهن السمعي البصري وفنون العرض، الأمر الذي يستوجب صياغة ترسانة قانونية ترافق هذه التحديات، لتفتح آفاقا فنية جديدة في سوق الصناعة السينمائية، وترقية المؤسسات الخدمية في المجال نفسه”.
ورأى البلاغ أن “عالم السينما أضحى صناعة رئيسية بكل الموارد اللازمة التي تقع تحت تصرفها بفضل تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال والرقمنة، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تمتع المواطن الجزائري بحق استهلاك المنجزات الفنية الثقافية العاكسة للقيم الأخلاقية الراقية ولمفهوم الهوية الوطنية ومعنى الانتماء، عبر الدعائم الإلكترونية المختلفة والقاعات المجهزة للعروض السينمائية الفنية،حيث تتمتع السينما بالقدرة على تقريبنا من الحالات الذهنية المتشعبة للارتباط دائما بالماضي ومعايشة الواقع ومسايرة المستقبل من خلال تعزيز الطروحات الفكرية، الفنية والجمالية عبر مسارات التكوين المختلفة”.
صورية مولوجي: السينما أضحت فرصة لتطوير مجالات ثقافية وتنمية الاقتصاد
وبهذه المناسبة، أبرزت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، الأهمية التي توليها السلطات العمومية للفن السابع والتي تجسدت في صدور قانون يتعلق بالصناعة السينمائية فضلا عن إنجازات أخرى لترقية هذا المجال.
وقالت الوزيرة، في كلمة ألقاها نيابة عنها المستشار بالوزارة نبيل حاجي، بمناسبة افتتاح الطبعة الثانية للمؤتمر الدولي أن “السلطات العمومية تولي أهمية لقطاع الفن السابع التي تجسدت في قانون يتعلق بالصناعة السينمائية الذي صدر قبل فترة في الجريدة الرسمية وأيضا مختلف المنجزات التي ترافق هذا المنحى”.
وعلى رأس هذه الإنجازات ذكرت مولوجي تخرج دفعة الثانوية الوطنية للفنون من خلال بكالوريا الفنون وافتتاح المعهد الوطني للسينما في الموسم الجامعي القادم ناهيك عن التفعيل الميداني للاتفاقية الثنائية بين قطاع الثقافة والفنون والتعليم العالي والبحث العلمي من خلال برامج السينما في الجامعة والمسرح الجامعي وكذا إقامة ورشات تكوينية وتفعيل دور نوادي السينما والمهرجانات والفعاليات السينمائية.
وفي مجال تطوير وترقية الصناعة السينمائية أكدت الوزيرة أن قطاع الثقافة والفنون “يعمل أيضا على مرافقة المستثمرين لتجسيد مشاريعهم في مختلف مجالات السينما بالتنسيق مع الهيئات المختصة ودعم المبادرات الرامية إلى بناء الأستوديوهات والمدن السينمائية ومؤسسات التكوين المتخصصة ومجمعات قاعات السينما خاصة في ظل تطور هذا المجال بفعل الثورة الرقمية والتحولات التكنولوجية التي تعرفها هذه الصناعة المرهونة هي أيضا بالتطور الاقتصادي والتقني الذي يشهده عالم الصناعات الثقافية”.
وبخصوص هذا المؤتمر أبرزت أنه “يشكل انفتاحا حقيقيا للجامعة الجزائرية على القطاع وهو امتداد للجهود التي تبذلها الحكومة ومن خلالها وزارة الثقافة والفنون لتطوير وترقية قطاع الصناعة السينمائية الذي أضحى اليوم يشكل لبنة أساسية في تطوير مجالات ثقافية وفنية متعددة وأيضا مصدرا للتنمية الاقتصادية في البلاد”.
وأضافت أن مختبر فهرس الأفلام الثورية في السينما الجزائرية المنظم لهذا اللقاء “يقوم بمبادرات هامة لفتح آفاق التعاون والشراكة مع قطاع الثقافة والفنون وقد تجسدت بالتوقيع على اتفاقية تعاون في 2022 مع المركز الوطني للسينما والسمعي والبصري الأمر الذي يشكل خطوة هامة ترمي إلى التكوين ومرافقة الباحثين في إنجاز بحوثهم الأكاديمية والتفكير المشترك لإنشاء حاضنة لمرافقة وتطوير المؤسسات الناشئة في هذا المجال”.
المؤتمر الدولي جاء ضمن جهود الجزائر لترقية قطاع السينما باعتبارها صناعة وفنا، حرصا منها على مواكبة التطورات الحديثة
ومن جهته أكد ممثل وزير التعليم العالي والبحث العلمي، علي شكري الذي قدم كلمة عن طريق تقنية التحاضر عن بعد أن تنظيم هذا اللقاء يدخل ضمن الإستراتيجية التي ينتهجها قطاع التعليم العالي في ترقية مجال الفنون بصفة عامة والصناعة السينماتوغرافية على وجه الخصوص.
وقد برمجت ضمن هذا اللقاء مداخلات لمختصين حضوريا وعن بعد تتناول عدة محاور تدور حول السينما في جوانبها المتعددة سواء بوصفها فن وصناعة وكذا الجانب الاقتصادي والآفاق المستقبلية للتكوين السينمائي في الجزائر كما أضاف السيد شكري الذي يشغل منصب مدير عام للتعليم والتكوين العاليين بالوزارة.
كما يتزامن هذا المؤتمر الذي تحضره كوكبة من الفنانين مع إحياء اليوم الوطني للفنان المصادف لـ8 يونيو وفق ما ذكره مدير جامعة وهران 1، عبدالمالك أمين في كلمته الافتتاحية، مبرزا أهمية الدولة التي توليها للصناعة السينمائية التي لها دور كبير في شتى الميادين منها التاريخية والثقافة والاقتصادية.
وتركزت أشغال هذا الملتقى الذي شهد مشاركة جامعيين من مختلف مناطق الوطن ومن الخارج على تقديم محاضرات حول السينما بوصفها فن وصناعة ومحاولة فهم وتفكيك التحديات التي تواجهها الصناعة السينمائية في الجزائر إلى جانب موضوع السينما الرقمية وإشكالية التكوين الفني، والتشريعات الفنية للعمل السينمائي في الجزائر، بالإضافة إلى محور اقتصاد المعرفة السينمائية وإشكالية الإنتاج السينمائي والدعم العمومي ودور المؤسسات الناشئة في ترقية اقتصاد الصناعة السينمائية.
كما تطرقت مداخلات الأكاديميين والخبراء إلى أهمية تكوين الطلبة في مجال الصناعة السينمائية والرواية في السينما والسينما الجزائرية المعاصرة بين القيم الوطنية والأجندة الأجنبية واستخدام السينما في نكبة فلسطين 1948 والسينما الجزائرية بين المدارس السينمائية والعالمية والخصوصية التكوينية.
وحاول المؤتمر في نسخته الثانية الإجابة على مجموعة أسئلة من بينها: ماهي آليات ترقية الصناعة السينمائية في الجزائر؟ وهل تكتفي السينما بدور الناقل المرئي للتفاعلات الاجتماعية فقط، أم أنها فعل اجتماعي، ثقافي، سياسي واقتصادي؟ أم أنها تقنية بوصفها فاعلا تكنولوجيا مؤثرا في المكونات الحضارية، التي تميز الشعوب والأمم عن بعضها؟