نقاش قديم حديث يتجدد باستمرار كلما تعلق الأمر بموضوع المسرح العربي وأزمة مركبة للنص الدرامي خصوصا في ظل التزايد الملحوظ في عمليات الاقتباس والترجمة وقد عبر الكثير من المسرحيين عن انشغالهم الدائم بفقر ملحوظ للنصوص المسرحية القادرة على ترجمة جزء من أسئلتهم وانشغالاتهم الجمالية وقدرتهم على إبراز كتابتهم الركحية وتقديم رؤاهم الإخراجية.

أزمة النص المسرحي

 

هناك ضرورة ملحة لتضافر الجهود في كل ما من شأنه الإسهام في رفع مستوى النص الأدبي المسرحي. و يؤكد الكثير من النقاد والأكاديميين أن المسرح العربي يعاني من أزمة غياب النص المسرحي الفاعل الذي يجذب الملتقى للفعل المسرحي.

ويرون أن هناك إشكالية في النص منذ ظهور أول نص مسرحي عربي مع اللبناني مارون النقاش عام 1847، تتمثل في أنه لم يتكون عندنا مفهوم مشترك وواضح لأوليات النص المسرحي، مما جعل البعض مازال يعتمد على الأعمال المترجمة من مختلف الثقافات، بدلا من وجود نصوص تؤسس لمسرح عربي قادر على البقاء في وجدان الجمهور ويؤدي دوره التثقيفي والتنويري.

وفي هذا الإطار أكد عدد من الكتاب والنقاد وجود أزمة في النص العربي مسرحيا، وأن هناك ضرورة ملحة لتضافر الجهود بين المؤلف والمخرج أو المعد والمؤسسات الثقافية في كل ما من شأنه الإسهام في رفع مستوى النص الأدبي المسرحي ليضاهي الأجناس الأدبية الأخرى قيمة أدبية.

وقالوا في تصريحات خاصة إننا بحاجة إلى الوصول إلى المتلقي من خلال مفهوم المسرح العربي المعاصر وسماته، وتوسيع الرؤية حتى تقترب الأزمة من الانفراج ويؤدي المسرح دوره المنوط به.

الناقدة والأكاديمية الأردنية عائشة الجمل، تؤكد وجود أزمة في النص المسرحي عربيا، حيث تتمثل مظاهر الأزمة في: ندرة النص المسرحي، وقضية الإعداد المسرحي، وإشكاليات ترجمة النصوص الأجنبية، وإشكالية المضمون ومدى انسجامه مع متطلبات الواقع العربي، وإشكالية اللغة المسرحية بأبعادها المختلفة، إضافة إلى وجود أشكال مسرحية تستغني نسبيا عن النص.

وتوضح أن من أهم عوامل ندرة النص المسرحي، انصراف المؤلفين إلى أنواع أخرى كالرواية مثلا بفعل الإحباط المعنوي نتيجة التشويه أو التحريف عند عرض النص على المسرح، والانصراف إلى أنواع أخرى نتيجة ضعف الإقبال على نصوصهم واكتفاء المخرجين بالإعداد أو الاقتباس والترجمة، منوهة كذلك بطغيان عناصر أخرى كالسرد أو الشعر غير الموظفين دراميا على التأليف المسرحي، كما يقل الاهتمام بقراءة النصوص الجادة لضعف الترويج لها من قبل الناشرين، أو لأن طبيعة النص المسرحي تختلف عن عالم الرواية والقصة، لأنها تستخدم أدوات كتابية خاصة قد تهم المخرج أكثر مما تهم القارئ.

وتشير الجمل، وهي حاصلة على الدكتوراه من الجامعة الأردنية في موضوع أزمة النص في المسرح العربي المعاصر، إلى وجود بعض المحاولات المؤسسية لدعم النص المسرحي، إلا أنها ليست كافية، لافتة إلى دور النقد وإسهامه في تفكيك إشكاليات النص المسرحي عندما يبنى على أسس علمية منهجية.

من جهته، يقول الناقد والكاتب المسرحي عبدالكريم جواد من سلطنة عمان “إن قضية النص المسرحي في العالم العربي مهمة وذات جدل أيضا، حيث يوجد انفجار في النصوص ولكن ما الذي يصلح منها بالفعل وسط هذا الكم المعرفي والانفجار في استخدام وسائل الإبداع المختلفة ومنها المسرح”.

ويضيف “تم تقديم أطروحات وصيغ كثيرة للنص المسرحي، حتى ظهرت عبارة موت المؤلف المسرحي”، متسائلا “هل تراجع المسرح العربي يرجع إلى أزمة في النص؟مؤكدا وجود مجموعة من العناصر وليس النص المسرحي فقط تتسبب في تراجع المسرح عربيا في ظل رؤى واجتهادات مختلفة، مشيرا إلى أن التقدم في المسرح العربي في الستينات والسبعينات في القرن الماضي من خلال النصوص المسرحية يختلف عن عصرنا الراهن حيث إن لكل عصر أطروحاته وجدلياته.

ويتابع جواد “أعتقد أن في العصر الحالي لم تعد مناسبة أطروحات السبعينات والستينات والثمانينات، حتى تلك أصبحت اليوم أطروحات كلاسيكية تقليدية، لأننا اليوم بحاجة إلى رؤى تتجاوز تلك الحدود إلى مناطق ومساحات إبداعية أكبر وأكثر تأثيرا في المجتمع”، مشيرا إلى أن تألق المسرح ينبع من المعاناة الاجتماعية، ويصب فيها، وبالتالي الصيغة تأتي عندما يكون هناك كاتب مسرحي يستطيع أن يتأمل ويستطيع أن يصل إلى المجتمع في صميم قضاياه وهمومه.

بدوره، قال الكاتب الفلسطيني طالب الدوس، الحاصل على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان الدوحة المسرحي السادس والثلاثين مؤخرا، “أتفق مع نظرية وجود أزمة في النص المسرحي على المستوى العربي”، مشيرا إلى أن “هذه الأزمة لها أبعاد مختلفة منها استسهال الكتابة، فالأفكار موجودة، ولكن هناك استيرادا للأفكار الغربية ربما للانبهار بها، في حين ينبغي علينا أن نستفيد منها في فتح آفاق جديدة تخص مجتمعنا العربي”.

ويوضح أننا يمكن أن نعالج ظاهرة ضعف النصوص العربية من خلال الورش التي من خلالها يمتلك الكاتب المهارات الأساسية للكتابة المسرحية، ومن ثم العمل على تنمية الموهبة عند الكاتب، فيدرس المسرح العالمي ويستفيد من التجارب العالمية، مشددا على أن إعطاء ورش ومحاضرات نظرية دون ممارسة الكتابة الفعلية ومواصلتها لن يحقق أهداف الورشة في الارتقاء بالكتابة المسرحية.

ويبدي الدوس عدم انزعاجه من التجريب في الكتابة المسرحية، لافتا إلى أن تخصيص جوائز عربية في الكتابة المسرحية من شأنه الدفع بأفكار وأقلام جديدة في هذا المجال.

على الجانب الآخر، يرى الناقد المسرحي القطري حسن رشيد أن المسرح العربي لا يعاني أزمة نص، بل إن هناك المئات من المؤلفين في العالم العربي ومازالت هناك كنوز من النصوص العربية، ولكن لا ننبش عنها فهناك أعمال عربية صالحة إلى اليوم ومنها مسرحيات لمحمود دياب وسعد الله ونوس وغيرهما، بل هناك شباب أيضا لهم تجارب متميزة، ولذلك نحن بحاجة إلى العودة إلى هذه النصوص ومواكبتها في إطار فني جديد وهي موجودة في الخليج وفي الكثير من الدول العربية وفي الهيئة العربية للمسرح.

ويضيف “إننا نشجب ونقول ليست هناك نصوص قوية ولكني أرى أن النصوص متوفرة في كل المكتبات، ولكن تحتاج إلى ناقد بصير يبحث ويفرز النصوص التي تستحق أن تقدم على المسرح العربي”.