ملخص:
عرف الشعر العربي المعاصر ظاهرة الغموض التي ألح عليها الشعراء استجابة لظروف كثيرة أحاطت بالنص المبدع، ونظرا لاستلهام الشعراء من مصادر متعددة، لم يعد النص غناء أو حداء أو تلاعبا بالألفاظ بل أشكالا موغلة في التعقيد، وهندسة معنوية متنوعة، وفي الوقت الذي كان فيه الناقد القديم متحرقا إلى بلاغة الوضوح، مترددا بين الحكم لصالح الغموض أو عليه كان الناقد المعاصر يفضل الشعر المشفر المطعم بما استقاه الشاعر من رؤى الغرب وثقافته مازجا ذلك بأعلاق التراث والذاكرة ليضعنا أمام شعريات مغايرة.
مقدمة:
كان الناقد العربي القديم يقول أعذب الشعر أكذبه، ويكاد الناقد المعاصر أن يقول أروع الشعر أغمضه، فاللغة المشفرة المرموزة الموشحة بالظلال هي لغة الشعر الأولى في راهننا لأنها تستدعي من القارئ إلماما بصنعة الشعر وثقافة لم تعد محتكرة في فئة النخبة، وفي عصرنا العامر بالوضوح ثمة مناطق لا تزال معتمة، فالشعر الواضح فاضح، لأنه ليس منجما فكريا تشرأب نحوه الأعناق؛ بل طريق معبد ملّ من قطعه القراء، فكأن الشعرية المعاصرة تكاد ترسو على منطق الانزياح والتناص والانحراف والمباغتة. وباتت الرموز والأقنعة والقصص الأسطورية التي لا يوظفها بحذاقة إلا الشعراء الفحول خٌشبا مسندة ترفع من سقف الإبداع، لكنها في بعض الشعر دليل التيه والغرف من فلسفة الغرب، ومؤشر على غياب الفكر العميق والفلسفة العربية التي باتت تخبط خبط عشواء فتستعير جمالية المستقوي والمهيمن، وترواح بين مدارسه السريالية والدادئية والرمزية، وهو أمر يغري بالبحث في هذه الظاهرة، ورصد بواعث تجليها عند شعراء الحداثة مع تتبع أسبابها، ومصادر انتشارها في النصوص ثم نعكف على تقييم الشعر الذي يتخذها مهمازا للإبداع، مستعينين بالمنهج التحليلي الوصفي والمقارنة بين الذائقة العربية والغربية، فهل يمكن أن يكون الغموض طريقا للإبانة، وللإثارة والشعرية؟ وهل التمادي فيه يميد بالقصدية إلى منعزل ضيق؟ ثم أليس الشعر العربي في طبيعته شعر وضوح وفلق، وشعر الغرب شعر ضبابية وغسق؟ وهل الغموض أزمة تلق أم كبوة تعبير، وهل يمكن القول إن الإغراق في الغموض ترجمة لحداثة عربية اتكأت على الحضارة الغربية وتنصلت من الموروث؟
1. الحداثة بين العرب والغرب:
تعني الحداثة الشعرية العربية الحركة التجديدية الواسعة ذات الرؤيا الفلسفية والجمالية والتاريخية التي أُحدثت في الشعر العربي- انطلاقا من عام 1947م- فيما يشبه انقلابا جذريا شاملا لم يكن قطيعة مع سياق الواقع الحضاري الخاص، بل إحالة على سياق المعاصرة الغربية أو محاولة تمثلها داخل السياق الذاتي([1])؛ وهي أيضا حركة لنفي النموذج في الشعر كفعل معاكس لحركة إحياء النموذج في الأدب «فهي رفض للشكل بل هي نفي للتشكل النهائي المولدَ للنموذج الكامل الواضح القابل لأن يصبح سلطة في ذاته، ومطية لممارسة السلطة من الخارج»([2])؛ وتجلت آمارات الحداثة بعد سلسلة اخفاقات للحاق بركب النهضة الغربية، إذ يشير الدارسون إلى أن العرب أخفقوا في إدراك الثورة أو النهضة سواء على مستوى التنظير أو التطبيق، فكان حديثهم عن النهضة أو الثورة حديثا عن مشروع لم يتحقق كاملا أو عن مشروع لم يكتمل حتى على صعيد التصور الذهني، الشيء الذي يسمح بتسميته بأسماء مختلفة حسب الظروف والأحوال، فهو تارة نهضة أو يقظة، وهو تارة بعث أو ثورة.([3])
وبالتالي فمصطلح النهضة قد صيغ بعديا للتعبير عن شيء قد كان، عن واقع تاريخي محدد المعالم والصفات، كامل الوجود والمقومات. كما أن مصطلح الثورة مرتبط بالثورة الفرنسية، وبقي العرب يراوحون منذ القرن الماضي بين مهماز النموذج الحضاري الغربي، وسند النموذج الحضاري العربي الإسلامي، لتأكيد الذات في معمعة التحدي، وكان ينتهي بهم المطاف دائما عند اختيار أحد النموذجين إلى خوض حرب مع النموذج الآخر مما خلق تناقضا وجدانيا انعكس جليا على الخطاب المعاصر([4])؛ فكلما اشتدت عليهم وطأة الواقع المرفوض كان هروبهم إلى الأمام أشد وأعنف، وكلما تعمق وعي العرب بالانحطاط ارتفع مستوى طموحهم النهضوي.
وقد دأب أدونيس على التنقيب عن آمارات الحداثة في الحضارة العربية القديمة، فوجدها متجسدة في تيارين «الأول سياسي –فكري- ويتمثل من جهة في الحركات الثورية ضد النظام القائم بدءاً من الخوارج وانتهاء بثورة الزنج مروراً بالقرامطة، ويتمثل من جهة ثانية في الاعتزال والعقلانية "التي أرادت تثوير العقل السني الأشعري الذي كان قصاراه أن يدل على صدق النبي ثم يعزل نفسه، والذي ردع وكبح في النهاية مسيرة نهضة الماضي التي شيّدها عقل المعتزلة والفلاسفة والعلماء»([5])؛ كما يتمثل حسب أدونيس في الالحادية، وفي الصوفية على الأخص. أما التيار الثاني ففني، وهو يهدف إلى الارتباط بالحياة اليومية كما عند أبي نواس، وإلى الخلق لا على مثال خارج التقليد وكل موروث، كما عند أبي تمام»([6])؛ فكأن الحداثة عنده هي المعارضة القصوى شبه المطلقة للرسمي المتعارف، ومناجزة للسلطة العليا سواء أكانت سياسية أو أدبية أو حتى ماورائية.
وعندما طالع أدونيس تاريخ الحداثة الشعرية العربية وجدها متقدمة على بقية الميادين الأخرى، فجزم بأن الحداثة الشعرية العربية تكاد أن تضارع في بعض وجوهها الحداثة الشعرية الغربية، وعلى هذا الأساس لا يمكن قياس تطور الشعر على التطور الاجتماعي الاقتصادي، لكن الحداثة العربية المتكئة على الحداثة الغربية في النهاية منيت بخسارات ومآزق متعددة منها:
- العجز عن تعريب الفكر الغربي أو مواكبة الترجمة لنقل رصيده المعرفي.
- التجني في قراءة الموروث الثقافي العربي، أو عدم امتلاك آليات موضوعية للحفر والتنقيب.
- عدم القدرة على تلبية الحاجات المعرفية الجديدة للواقع الحضاري.
- التضخم في الطموح النهضوي بربطه بقيادة الانسانية بدل جعله في اللحاق بالركب الحضاري الراهن.
- ظهور تركيبة معرفية مضطربة لا تتحدد إلا في سمات التعدد والانهيار، التعارض والغموض.([7])
وشتان بين الحداثة الغربية والعربية، فالشعر الغربي الحديث يقف«بنية مليئة بالانفجارات والدلالات وأصداء ثورات متعددة ضد الكنيسة والعقل في البدء، والتعلق بالعلم والروحانية فيما بعد، وبين الاستيلاب التكنولوجي والنزوع الميتافزيقي، تتحرك الحداثة الغربية ثورة تتمرد لتبلغ الحدَ الأقصى، وتتعقلن جداولاً قياسية، وهندسة بنيوية وتتسامى لتصل إلى ما يشبه الأفلاطونية الجديدة»([8])؛ فمن الخصوصيات التي صاحبت الحداثة الغربية أن فيها تمردا وثورة في مختلف الميادين نابعة من روح المجتمع، نافذة من أعماق تحولاته، تتويج لصراعه مع العوائق الحضارية (الكنيسة، الاقطاع، الملكية،) كما أنها شمولية، لا سقف لتطلعاتها ولا ميدان شذّ عن حركتها يتعانق فيها العلمي بالأسطوري والشعري بالعقلي.
أما الحداثة العربية فلا يرتبط مفهومها بمفهوم العصرية كنتاج لتحول عضوي في السياق الحضاري العربي، وإنما هو إحالة على العصرية الغربية بخلفيتها الفلسفية الجمالية أو تمثل لسياق الآخر في سياق الأنا المفرغ تقريبا من الشرط التاريخي، لذلك نجد الحداثة العربية تقرأ الواقع عبر نموذج نقدي يضطرب بتوتر بين الشرق والغرب، بين القول، والفعل، وتصبح سياقاً تراكمياً لا إجرائيا للقطيعة يجمع بين التكنولوجي والعشائري، الديمقراطية الثورية والإرهاب الديكتاتوري، وتناقضات كثيرة معممة تحت لوائح البلاغة الغامضة التي تحجب الاستلاب في الماضي، والفوضى في الحاضر، والاغتراب في المستقبل([9])؛ ويبدو الشاعر العربي المعاصر خلالها في صورة اللبيرالي الذي لا تاريخ له، يكون ملتقطا لمركبات ذهنية من فضاء الفكر الأوروبي ينثرها هنا وهناك مقطوعة الصلة كما يقول الجابري بموطنها غريبة يتيمة في الفضاء الذي تنقل إليه.
فيصير وعي العرب مجرد احساس بالفارق بين الحضارتين أي حصيلة مقارنة ومقابسة لا حصيلة تحليل وممارسة، وكلا النموذجين آخذ بالابتعاد عنهم باستمرار، النموذج العربي يتوغل في الماضي أكثر، والنموذج الغربي يتوغل في المستقبل([10])؛ وهم في آن واحد متمسكون بحلم قرب انهيار الحضارة الغربية لتعطى لهم مفاتيح قيادة العالم من جديد([11])؛ ويراهنون في غيبوبتهم النهضوية على الجغرافيا المتنوعة والتاريخ التليد، ولا يقل الوعي الحالم عندهم عن الوعي الكابوس الذي يحذرهم من الرسوف في الانحطاط. والاندحار والانقراض، وكانت النتيجة خطاب نهضوي لا معقول فاقد للقدرة على رؤية حلمه النهضوي من خلال شروط منطقية واقعية كفيلة بتحقيقه، وخطاب وجدان لا خطاب عقل لا يزال يعبر عما يجده الكاتب العربي في نفسه من انفعالات إزاء الأحداث وليس من منطق الأحداث، والموقف في هذه الحالة هو الهروب إلى الأمام بنبذ خرافات الماضي أو إلى الوراء برفض جاهلية العصر، فبتنا بين فكي ماضوية يمينية واغترابية يسارية. وهناك في منتصف الطريق خطاب وعي غير واعي بنفسه، قد يكون سلفيا جديدا يتبنى لغة ليبرالية، أو لبيراليا جديدا يبحث عن شيء نافع في البضاعة السلفية الموروثة([12])؛ أو في صورة فلسفة تحررية وطنية تتبنى الماركسية التاريخانية التي سعت جهدها إلى استعادة المكتسبات اللبيرالية الأصلية قصد اجثتات جذور السلفية من فكرنا العربي في سعي إلى التوفيق بين اللبيرالية و الماركسية أي بين ماضي الغرب ومستقبله. ([13])
2. الغموض بين القدماء والمحدثين:
إن مصطلح الغموض استناداً إلى أكثر الذين درسوه من العرب والغربيين يتحدد في خاصية: «الايحاء، التعدد، التلبس، وهو الحدَ الفاصل بين القصيدة المسطّحة والقصيدة المغلقة، والدلالة التي تبقى على رغم كثافتها، وصعوبتها قابلة للفهم والتواصل»([14])؛ ويعرّف الباحث "رماني" الغموض بأنه «قرين الغرابة الناجمة عن إلغاء العقل وتعطيل المنطق، كسر قوانين الثبات الموضوعي، اختراق تخوم المألوف والمعلوم، والارتماء في عالم الانزياح الدائب في تأسيس بلاغة جديدة»([15])؛ وينجم الغموض الفني عن توظيف الأقنعة التي تكون في الاستعمال الشعري غالبا شخصيات تاريخية يختبئ الشاعر وراءها ليعبر عن موقف يريده أو ليحاكم من خلالها نقائص العصر الحديث، ويخلق القناع أسطورة تاريخية لا تاريخا حقيقيا، فقد يكون تعبيرا عن التضايق من التاريخ الحقيقي، وسعيا لخلق بديل له، إلى جانب استغلال الأسطورة التي تعد من أجرأ المواقف الثورية فيه، فدأب الشاعر العربي على استعادة الرموز الوثنية واستخدامها في التعبير عن أوضاع الانسان العربي في هذا العصر، مما أسعف الشاعر على الربط بين أحلام العقل الباطن ونشاط العقل الظاهر، والربط بين الماضي والحاضر، والتوحيد بين التجربة الذاتية والتجربة الجماعية لإنقاذ القصيدة من الغنائية، والتنويع في أشكال التركيب والبناء([16])؛ وبقدر ما غرق بعض الشعراء في التكرار والسطحية بحشو القصائد بالأساطير غادر البعض الآخر ضفة الوضوح ليغرق النص الشعري في أبعاد الغموض والعمق الفني.
- موقف القدماء من الغموض:
ترمق ظاهرة الغموض كسمة بارزة في الشعر المعاصر والحديث، كما كانت مثار بحث نخبة من النقاد القدامى بحثا لم يكن مستفيضا منذ أن تطور العقل العربي وتساوق في احتكاكه بالعقل اليوناني والفارسي والهندي فانتقل الشعر من طرق تعابير مألوفة إلى طرائق أخرى مغايرة صدمت القراء والنقاد، فاتهموها بالتعقيد والغموض وافساد كلام العرب، «فلم يأخذ الغموض في شعرنا القديم شكل الظاهرة إلا عند اشتداد النزاع حول مسألة القديم والحديث التي ترجمت حركة الفعل الاجتماعي والفلسفي في محاولة الخروج عن الأيديولوجيا السائدة والثقافة الموزونة، محاولة تجسيد الرغبة في التغيير التي أفرزها الواقع الحضاري الجديد»([17])؛ ولم تفلح حركة الحداثة العباسية في توسيع مجال البعد الشعري والانتصار للغموض رغم مساندة بعض النقاد لها.
إذ كان عبد القاهر الجرجاني يفرق بين «المعاظلة وبين تتبع حوشي الكلام الذي هو التعقيد، فكان يرى التعقيد "ما يتعبك ثم لا يجدي عليك، ويؤرقك ثم لا يروق لك»([18])؛ واستثنى الغموض الناتج عن المعنى التخييلي الصادر عن تجربة عميقة «على أن المعنى إذا كان أدبا وحكمة، وكان غريباً نادراً فهو أشرف مما ليس كذلك»([19])؛ وكان ابن حزم القرطاجني في كتابه منهاج البلغاء يقول: «أفضل الشعر ما حسنت محاكاته، وهيأته، وقويت شهرته أو صدقه، أو خفي كذبه وقامت غرائبه؛» مما يدل على أن القدماء جعلوا الغموض آية من آيات الشعر الحسن الرائق، ويمكن أن نشفع هذا الطرح برأي إسحاق الصابي القائل «إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه، لأن الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه، وأفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه».([20])
فالعرب القدامى وإن تحدثوا عن قيمة الغموض كإضافة فنية تستحوذ على الانتباه وتدعو للتأمل، إلا أنهم لم يكونوا على صعيد واحد، فكانت الذائقة الفنية لا تزال تمجّ القديم، وتزري بأصحابه، فتعيب عليهم الخروج من ضيق الوضوح إلى فسحة الغموض عندما تحولت الدولة منذ العهد الأموي من دولة مشاركة للشعب وموجهة لحركته نحو المستقبل إلى دولة تطالب الشعب أن يسهر فقط على حمايتها، وانقسمت الثقافة إلى ثقافتين ثقافة نوعية ويمثلها رجال السياسة، الأدباء، الشعراء الكتاب، وثقافة شعبية وتمثلها فئات الشعب المتباينة([21])؛ و إننا نقف حيارى من شعر غامض كموقف حاجبي عبد الله بن طاهر عندما استهجنا طريقة أبي تمام عندما قال في ممدوحه:
وهن عوادي يوسف وصواحبه فعزما فقدما أدرك السؤال طالبه
فبادراه بعد أن نال عطية ممدوحه: لماذا تقول ما لا يفهم، فأجابهما، ولما لا تفهمان ما يقال؛ والآمدي مع ذلك في موازنته الشهيرة بين الطائيين يصف شعر أبي تمام بالتعقيد والغموض، ويضيف لها مصطلح الاستكراه، وكأنه يحكم سلفا بكراهية هذا اللون من الشعر، ويمجّ شاعرية تنتحل هذا الوضع، ويرُدّ ما خبط فيه أبو تمام لإيقاعه الألفاظ في غير موضعها، ولجعل الأفعال لغير فاعلها حتى وإن كانت من باب الاستعارة. يصفها بأنها كلام سلسال متعالق موصول، وكأن الشاعرية في ذهن الناقد العربي القديم كانت تقوم على التجزيء والفصل في الشعر([22])؛ ثم يعزو عبد العزيز الجرجاني ظهور الغموض في بعض شعر المتنبي إلى فساد النظم، ولأن المتنبي كان أحيانا يفصل بين المتعلقات قبل تمامها كقول المتنبي:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه صاحبه
فكان الأجدى في نظره أن يقول وفاؤكما بأن تسعدا؛ وبين الآمدي والجرجاني شراكة تحكيمية فكلاهما يصفّ الغموض بجنب التعقيد، وينزله منزلة العيب إلا أن الأول يراه أحيانا في كثرة الموصولات ويجده الثاني في الفصل([23])؛ وهو شعر كان يراه الجرجاني متعبا للفكر مكدا للخاطر تنوء من حمله القريحة. ولم يكن النقاد سواء في ذلك، ففي اعتقاد أبي هلال العسكري أن جوهر البلاغة إيضاح المعنى وتحسين اللفظ رافضا كل ما يؤدي إلى التعمية، فالغامض في عرفه ابهام واستغلاق وتكلف([24])؛ يخبط فيه الشاعر بسبب التدقيق في المعاني، ويؤازره في الطرح ابن سنان الخفاجي.
على أن أكثر آراء القدماء صلابة ومنهجية ما توصل إليه عبد القاهر الجرجاني من خلال نظرية النظم التي جعلها أساسا بنى عليه نظرته للإبداع الفني في مختلف مستوياته، فالتعقيد حسبه يكمن في الاخلال بالبناء التركيبي للغة، وخرق بنيتها([25])؛ حينما يودع المعنى على حد تعبيره في قالب خشن مضرس، والمعقد المليح هو ما يتمكن القارئ من فك شفراته باستعمال ثقافته وتمكنه من أدوات الحفر والتنقيب، فإن عجز وهو يمتلك الأداة فذلك من أسوء الشعر. أما الغموض ففي نظره من اللطائف التي تمتع النفس والعقل، لأنه سمة جمالية تختص بالإبداع وتتصل بطبيعة المتلقي([26])؛ بسلوك الشاعر لطريقة نظمية تحول الكلام عن دلالاته المباشرة إلى دلالات خفية عن طريق الاستخدام الفني المتميز للغة عندما يكون صاحب الصنعة متفوقا في الجمع بين أعناق المتنافرات، والعقد بين الأجنبيات بمعاقد فنية على حد تعبيره.([27])
وقد سلك ابن الأثير بعدهم مسلكا وسطا تارة يُحبب إليه الغموض في الشعر وتارة يفضل الوضوح وتراه يدافع عن شعر أبي تمام الغامض ويراه صاقلا للتمكن من القريض لأنه يدرب القريحة على فنون القول والفهم، فالغموض في عرفه يقع في المعاني من جهة التركيب لا في الألفاظ المفردة، فمن حفظ شعر الرجل، وكشف عن غامضه، وراض فكره بذائقته، أطاعته أعنة الكلام([28])؛ وكان حازم القرطاجني يستهجن الإغماض والإغلاق الواقع في المعاني أو العبارات، واجتهد في تحديد علل الغموض الراجع للمعاني أو للألفاظ أو لكليهما معا. ([29])
- موقف المعاصرين من الغموض:
أما شعراء العصر الحديث فكانوا أكثر جرأة في خوض غمار الغموض والإلحاح عليه حتى ليبدو الغامض القديم واضحا جليا أمام الحديث المعتاص، وإذا كان الغموض قد جرى الحديث عنه عربيا ومعاينته منذ الفترة العباسية قديماً فإنَه لم يتجسد كحركة فنية مقصودة فعلياً إلا في النصف الثاني من القرن العشرين «مع نكبة 1967م كمؤشر دلالي هام تاريخياً وفنياً»([30])؛ فقد تحطم من حينها النموذج الثوري العربي بعد عام 1967م أو المؤشر التاريخي الأكثر دلالة على نهاية حقبة من الوضوح، وبداية مرحلة غامضة تمتد من بداية السبعينيات إلى اليوم مليئة بالهزائم والاحباطات والآلام والأحزان، والتفكك الشامل والغياب الديمقراطي، والحضور المزمن لكل أشكال القمع والارهاب 1967-1973م، كحرب الاستنزاف، والحرب الأهلية في لبنان. وبتحطم هذا النموذج بدأت رحلة الشعر العربي نحو الباطن، لينعكف على الذات الرمادية مجتراً جروحها أو ذاهلاً عما حوله في تعويض ميتافيزيقي وصوفي أو غارقا في موقف الرفض والتجاوز([31])؛ فصار الشعراء يلحون على الغموض في أشعارهم، ويتبنونه كطريقة للتعبير، فصار شاعر مثل أدونيس يذيع بين الناس أنه كلما ازداد وضوحا ازداد غموضا، في حين كان محمود درويش يحمد الغموض، ويرى إعجاز الشعر في غموضه فيصدح قائلا:
لن تفهموني دون معجزة
لأن لغاتكم مفهومه
إن الوضوح جريمة([32])
والشعر كما وقر في ذهن النقاد والفلاسفة العرب القدامى صناعة ووزن وقافية وخيال معقول، وتناسب مطرد بين اللفظ والمعنى، ووضوح لذلك «فكان الشعر العربي واضحاً في أكثره، وتراجعت نسبة الغموض فيه إلا قليلاً أمام زحف الحسية والعقلانية والمباشرة، وما تستدعيه جميعها من نزعة المحافظة على النظام، وحرص شديد على النموذج، وتآلف صميمي مع الوضوح.»([33]) ثم صارت القصيدة بمرور التجارب والمحاولات «عالماً لغوياً مركباً، لا يأخذ دلالته إلا بعد انتهاء الكتابة، بل بعد انتهاء القراءة التي تمثل كتابة أخرى يتم فيها إنتاج المعاني الشعرية، تتحرر اللغة من سوابقها النحوية والمعجمية، وتدخل في حالة انصهار جمالي، تخرج فيها جديدة في أكثر ملامحها»([34])؛
ويرتد الغموض الفني المشهود في الشعر المعاصر إلى الرؤيا العرفانية للشاعر المعاصر عندما يتبدى في صورة الحكيم الخارق المستشرف للعوالم المعتمة، فأَولى الشعراء والنقاد في الحقبة الحديثة عناية فائقة بمفهوم الرؤيا، وأصروا على ضرورة مثوله في النص الشعري كبعد هيولي يمسك بزمام النص وعناصره فيهبها الحياة، فجوهر الحداثة في نظر أدونيس يتجلى في الرؤية الإبداعية([35])؛ والرؤيا تجاوز الواقع دون الانسلاخ الشامل عنه، هي نوع من المعرفة الفلسفية الحدسية التي تخرج التجربة الفنية في حرارتها الأولى، وصدقها الحقيقي. إنها الأداة التي «تنقل القصيدة من عالم القوة إلى عالم الفعل عبر التقمص الداخلي والحلولية في قلب الأشياء والتجسيد في لغة جمالية»([36]).
وتتسم الرؤيا بصفة الغموض لأنه ملازم لطبيعتها المتعلقة بباطن الوجود، وكلية التجربة بلغة الرمز، التي تعد المعبر الوحيد الذي يمكن من خلاله إيصال الدلالة اللامحدودة التي تتخطى حدود العقل والحس المباشر. فرؤيا الشعر الحديث هي رؤيا القرن العشرين باتجاهاته المتعددة (الرومانسية، الرمزية، السريالية، الوجودية) التي عمادها الوجود ككل في مستواه التجريدي الخالص، كبديل للوجود الجزئي (السياسي والاجتماعي) الذي كان أساس الرؤيا القديمة.([37]) لكن الرؤيا قد تفشل في أداء مهمتها الجوهرية في الشعر، فتبدو القصيدة في حالة من الزخرفة البديعية والتراكم الفوضوي المشبع بروح المنطق التقريري الواضح، أو تظهر قصيدة مطموسة متهالكة مبتورة لا تنتج سوى الابهام المغلق. لأن التحويل فشل في إخراج الانفعال من فوضاه والتجربة من حالتها البدائية.([38])
والقاعدة المفصلية في ذلك أن الغموض يمكن أن يأتي كمسحة وليس كسيل عرم، وهو ما تفضله نازك الملائكة في صورة جرعة فنية، "تجعل المعاني مثيرة للتعطش في نفس القارئ، فيحس وهو يقرأ أنه يلمس المعاني ولا يلمسها في الوقت نفسه، فالأفكار تزوغ ولا تثبت، وفي القصيدة إيماء إلى المعنى يبقي الذهن متطلعا، ويريد ولا يلمس ما يريد، وينال شيئا وتفوته أشياء."([39]) كما ألح شعراء الحداثة على أن يكون الشعر من وحي التجربة الفنية، وليس مجرد رصف للكلمات والتعابير. ويعرّف غنيمي هلال التجربة بأنها الصورة الكاملة النفسية أو الكونية التي يصدرها الشاعر حين يفكر في أمر من الأمور تفكيراً ينم عن عمق شعوره وإحساسه.([40])
وتتجسد التجربة الشعرية بغموضها الداخلي عبر رؤيا إبداعية تحويلية في لغة رمزية تخفي في طبقاتها العميقة دلالات متعددة، تنمو ظلالها وتزداد ثراء في كثافة الإيقاع لتُؤلف حقلاً دلالياً عضوياً ينفتح دوماً على القراءة، ومن هنا تبدو التجربة الشعرية غامضة بطبيعتها بوصفها تجربة ماورائية تصدر عن الذات الباطنية، ويتضمن الانفعال الشعري قدراً ضرورياً من الغموض لأنَه ينبثق من أغوار النفس، ومن حيز المعاناة الصادقة بفوضاها وتداخلها وديمومتها؛ ومن هنا لا تصدر التجربة الشعرية الحديثة عن فكرة واضحة، إنما عن صورة مظلمة بشتى الانفعالات، يوجهها الحدس نحو الأبعاد القصوى، سعياً وراء كشف المجهول.([41]) وقد تربك التجربة الشعرية القصيدة عند اعتمادها على ثقافة مكثفة مكرسة فتلقي عليها هالة من الإبهام والاستعجام بسبب الانسياق وراء الانفعالات المتداعية، والتفاني في البحث عن الجدة في غير مواضعها، كالخلل الذي أصاب تجربة شعراء مجلة "شعر"، فاتساع التجربة وثراءها الخصيب لا يعني مطلقاً إفراغ هذه التجربة من المحتوى الحضاري، وتعليقها في فضاء الرؤيا الميتافيزيقية.
يقول محمود درويش في كلام طلسمي أشبه بالأحاجي التي ترنم بها شعراء عصر الضعف:
من الأزرق ابتدأ البحر
هذا النهار يعود من الأبيض السابق
الآن جئت من الأحمر اللاحق
اغتسلي يا دمشق بلوني
ليولد في الزمن العربي نهار
2. بواعث الغموض في الشعر المعاصر:
- فساد الفلسفة الغربية وغياب الفلسفة العربية:
كانت آثار الحرب الأولى والثانية مرعبة على العالم الغربي فكبدته دماراً وخوفاً ومرضاً، مما دفع الإنسانية الغربية إلى إعلان احتجاجها الصارخ ضد هذا العلم القاتل، وهذا العقل الطاغي، وهذا النظام التكنولوجي الفاسد الذي هيمنت عليه البورجوازية القديمة التي تحولت مع بدايات القرن العشرين إلى إمبريالية ديكتاتورية، وراح الغرب يحمل شعار الحلم لا الواقع، الخيال لا العقل الروح لا المادة، الفوضى لا النظام، التحول لا الثبات، المغايرة لا الهوية، ووجدت أكبر معبر عنها هي الدادئية([42])؛ والسريالية والشعر الحديث كلَه([43])؛ إذ ضخمت العقل الباطن، والاستسلام للإلهام في صياغة الصور وعدم الاعتداد بالمنطق([44])؛ وقد حذر بعض النقاد الغربيين العرب من أن يقعوا في شراك هذه الفوضى التي يشهدها الغرب، فقد جعلتهم يخرجون من عالم الصفاء والوضوح إلى عالم الغرب الغامض والمتشابك، وصار مفكرو الغرب يرون الحضارة الأوروبية قائمة على مفهوم فلسفي مضطرب، وأساس عقلي خاطئ، محذرين أن تنتقل العدوى إلى الشرق فتفسده.
ومنذ الفكر الديسوسيري البنيوي وجدت الفلسفة الغربية ضالتها في اللغة، فهي نظام مستقل له قواعده المستقلة عن الإرادة الانسانية كما باتت اللغة نظاما من العلاقات والاختلافات الثنائية المتعارضة ليست لأجزائها هوية أو جوهر أو حتى وجود خارجها. وسرعان ما وقع الغرب في العدمية الفلسفية بالقول إن الأسماء لا علاقة لها بمسمياتها، وإن الإشارات ليس لها علاقة بما تشير إليه، وإن وجدت هذه العلاقة فهي علاقة واهية خلافية، ما يعني أن العقل ليست له علاقة كبيرة بالواقع، وأنه غير قادر على الإحاطة به، كما يعني أن النسق اللغوي ذاته يسقط في قبضة الصيررة والعدم، ويدخل الانسان الغربي في مرحلة المادية السائلة.([45])
فالفلسفة الغربية متعددة متداخلة يضرب بعضها بعضا، ويلغي بعضها بعضا، نرى فيها نظريات مادية مندسة إلى جنب نظريات روحية، ونظريات تلغي الإنسان وتلغي الإله، فما يحدث الآن في بعض الفلسفة الغربية الحديثة هو إعطاء الجنس واللذة والرغبة أسبقية معرفية على كل الأشياء. بل إن الجنس بدأ يحل محل اللغة، فالرغبة لا يمكن الحكم عليها من خارجها، ولذا فهي تتحدى التفسير، ومن يتمسك بها تماما لا يسقط في الميتافزيقا بسبب اكتفائها بذاتها، فهي دال ومدلول في آن، فالغرب بين مادية صلبة تتجلى في عبادة الجسد ومادية سائلة تتبدى في عبادة الجنس.([46]) ففي عالم السيولة الكاملة تختل علاقة الدال بالمدلول حسب فلسفة نتيشه، فالدال فقد علاقته تماما بمدلوله، والواقع في نظرهم مثل العمل الفني مكون من صور مجازية من صنع عقل الانسان، لذا فهذا الواقع مجرد وهم وتعبير عن إرادة القوة، وكان نيتشه من خلال فلسفة السيولة من أوائل المشككين في موضوعية أي نص بإلغاء الرؤية التقليدية للنص التي تفترض ثنائية النص والحقيقة، ثم استحال الأمر إلى أمر واحد فلا شيء خارج النص حسب دريدا.([47])
وقد تكون الفلسفة الغربية معذورة في تيهها الطويل، لأنها ولدت في حضن العلم الحاقد على كنيسة القرون الوسطى التي حاربته واضطهدت العقل أيما اضطهاد. ومن ثم تضمن جزء هام من نتاج الفكر الأوروبي العداء لكل ما هو مسيحي وديني وإلهي، لكن أي عذر نجده لهؤلاء الذين ينقلون ركاماً فلسفياً يقال له حداثة دون وعي بأن هذا الركام قد استنكره أصحابه بعد أن استنفذوا كل طاقاته، من هنا عمقت الآراء الفلسفية الشعر العربي الحديث وزادته غموضا بسبب عدم تعمق فلسفته، ولأنها آراء تطابق حقائقه المعاشة، وظروف مجتمعه، ومن ثم كان تبنيها يُحدث شرخاً في الخطاب الشعري، فليغز أبياته، ويوحش معانيه، ويخل برؤياه، «فالفكر الفلسفي العربي اليوم في أغلبه هو نتاج عقل أوروبي في المصطلح والمنهج والوظيفة إذ أنَ النموذج الفكري الغربي هو الذي يشكل عمليتنا المعرفية سواء أكانت معرفة تابعة أو مضادة، إذ لا سبيل إلى الحديث عن فلسفة عربية خالصة، فهي جمع وتعليق وتعريب وحاشية لمتن فلسفي أوروبي.»([48])
وضعف العقل العربي وتراخى عن البحث بعد اتكاء مرضي على فلسفة الغرب، مما جعل الخطاب الفلسفي العربي حلقة مفتوحة داخل البناء الفكري والوجداني للأمة، فحاول الشعراء أن يكبدوا عقولهم عناء الاجتهاد في استلهام آراء فلسفة عربية وتطعيم النصوص بها ليزيدوا النص الشعري أبعاداً وأعماقاً فوقعوا في الغموض، وفي الإبهام أيضاً. «فالخطاب الفلسفي العربي ظل غائباً ضائعاً في واقع حداثي متراكم وموزعاً بين فلسفة غربية تغريه، وأيديولوجيا متسلطة تسكنه، فكان النتاج نصاً مشوهاً لا تاريخياً، ولم تفلح محاولات التأصيل الفلسفي القليلة في الخروج من عزلتها، فلم يجد الشعر العربي الحديث زاده الفلسفي إلا ما جمعه من هنا وهناك ليصل إلى حالة الغموض أو الابهام، هذا الغياب الفلسفي جعل الحداثة تعاني كثيراً على مستوى الرؤيا والكتابة.»([49])
وأمام هذا الشعر الفلسفي الطلسمي يصير المهتمون بالمعاني والحِكم أفضل الشعراء فينقلب المقياس النقدي القديم الآميدي الذي يقول إن أبا تمام والمتنبي حكيمان أما الشاعر فهو البحتري، ليصبح العكس هو الصحيح لأن النقاد المعاصرين باتوا يغلبون الرؤيا والعمق الفكري على التلاعب بالألفاظ وعلى التفوق في السبك، وفي ذلك مخالفة أيضا لفلسفة المعاني المطروحة في الطريق، تلك الفلسفة الجاحظية التي قتلت الإبداع في المعنى وجعلته محصورا في اللفظ، وتجلت سمات ذلك في عصور ضعف الأدب العربي، فالفكر العظيم وحده حسب الشاعر المعاصر يصنع القضايا المعاصرة، ولذلك يتسائل أدونيس متحيرا "هل أنا في حياة لا تعرف الفكر العظيم؟ ليس لها إذن قضية عظيمة، ليس لها إذن عمل عظيم؟([50])
و يأتي الشاعر أدونيس في طليعة الشعراء الحداثيين الذين حاولوا جهدهم تطعيم الشعر والنقد بالرؤى الفلسفية، فأوقع الشعر العربي في الغموض والإبهام وأحياناً في الخواء واللاجدوى. ففي تجربة أدونيس الشعرية «يتغلب العقل الفلسفي على الشعور الاجتماعي، وتطغى الهندسة البيانية على الشعر الأدونيسي، لتجعل منه مجالاً معرفياً مكثفاً، هذا الشعر الذي يقاس على شعر جيل كامل من الشعراء ليس غامضاً بقدر ما هو فارغ بل هو غامض بسبب حضور الخواء في ألياف لغته».([51]) وهو خواء وجداني يدل على تخمة ثقافية وخطل نظرية النخبة التي تبناها بعض الشعراء في باب الحداثة إبان المنتصف الثاني للقرن العشرين أو بعد هزائم 1967.
- الغرف من المذهب الإشراقي الصوفي والسريالية:
طرأت أمور كثيرة في التعامل مع الشعر وفهمه بتأثير من السريالية، فأصبح انفتاح الشعر على الفهم هو العدو الأكبر للكشف، لأن مهمة الشاعر الأولى هي إخراج اللفظة من الحيز العقلي حتى تصبح لعبة الكلمات بما فيها من إيحاءات صوتية أهم بكثير من قيمتها السمانتية الدلالية، ولهذا يتسم جانب كبير من الشعر الحديث بالغموض، ويرجع احسان عباس الأمر إلى غياب قصدية التوصيل المباشر بين الشاعر والجمهور، وإنما يكون هذا التوصيل بمقدار ما تتمتع به لغة الشاعر من نزعة ثورية، بل إن هذا التوصيل غير وارد إذا لم يكن هناك جمهور يستطيع ذلك، لأن هذا الجمهور سيتكون مع الزمن.([52])
ثم وجد الشعر الحداثي ضالته في الشعر الصوفي، فراح يغرف من نظراته ورؤاه، وتجلى النص الصوفي في نظرهم منجماً فكرياً وفنياً بأبعاده العجائبية والماورائية والجمالية، فاعتبروه شعراً حداثياً مليئاً بالرؤى، وألحوا على الشاعر المعاصر أن يسلك مسلك المتصوفة في رؤاهم الكشفية، ليبلغوا قمة الفن، وهذا ما جعل نصوصهم تعج بالرموز، لكون النص الصوفي يتخذ الرمز طقساً للتعبير، والتأثير، وقد كانت عناية العرب بالنص الصوفي نابعة من التأثر بالغرب، ومذهب السريالية الذي شاع في الشعر الغربي، فشعروا بالتناغم الماثل بين السريالية والتصوف، «فيقول المذهب الاشراقي: إن العالم المرئي ليس إلا صورة لعالم سَري لا مرئي تجهله العلوم والفلسفات والأديان العلنية التي لا تدرك إلا العالم المحسوس، وبين هذا العالم الواضح العقلي، وذلك العالم الصوفي الغامض توجد مراسلات كشفية، لا يستطيع قراءتها إلا العارفون (الشعراء والمتصوفة)».([53])
ولقيت فكرة المراسلات قبولاً وتقبلاً من مختلف المذاهب الفنية التي عرفها الغرب «فغذت نظرية كاملة لدى بودلير، وفلسفة الشعر الحديث، والمبدأ العام للمذاهب الأدبية الجديدة. وكانت الرومانسية ترفض العالم المدرك بنظامه العقلي، متجاوزة إياه إلى عالم روحاني سرَي يتم بلوغه عبر الحدس والخيال. وكانت الرمزية لا ترى في الوجود الواقعي غير صورة وهمية ومعبرا إلى الوجود الباطني الحق، وكانت السريالية سعيا لاهثا وراء هذا العالم للمجهول عبر الخيال والحلم.»( [54]) وكان من نتائج هذه الآراء السريالية الإشراقية الصوفية نص غامض غرائبي، لأن نقل هذه المعرفة الماورائية، والتجربة المحجوبة يؤدي إلى التزحزح عن اللغة المعجمية التواصلية، والتوسل إلى نقلها بلغة فيها انحراف وعدول وانزياح لعدم قدرة اللغة الاعتيادية على نقل التجربة الروحية.
والعجيب أن التصوف الفكري سبيل فني استمرأه السرياليون والوجوديون، وحتى بعض أنصار التيار الماركسي، فمن يختار السريالية مذهبا ربما لم يجد بدا من الانتهاء الى التصوف، في شكل من أشكاله، وفي الإيمان الوجودي بعبث الحياة دافع قوي للتصوف، أما الماركسية فالأمر فيها مختلف، ولهذا أمكننا أن نقول أن الثائر الماركسي إن اتخذ التصوف مهربا من الواقع ومن الموت، فإنه بذلك ينتقل إلى مرحلة جديدة مهما تبقى من آثار ماركسية في شعره.([55]) والفرق بين التصوف لدى السرياليين والوجوديين (على ما قد يبدو بينهما من شركة) أن الأولين يبحثون عن حقيقة كبيرة ضائعة، وأما الآخرون فإنهم يتمرسون شعريا بتوافه الحياة للسمو فوقها. وتلك هي صوفية الاحتراق في التجربة، والخروج من رمادها، ولكن هذا اللون غير كثير الوجود في الشعر الحديث، «ومن ثم تغدو الميتافزيقا مرادفة لهذا الشعر الذي انسلخ عن ذاته الواقعية والتاريخية ليذهب بعيداً في أغوار الرمز وباطن الأسطورة، ليؤسس لنا عالماً آخر لا عهد لنا به، عالم الحداثة الذي لم يفصح عن مكنون دلالته في تعريف واضح.» ([56])
وبسبب التأويل الذاتي والبعد الرمزي أولع شعراء الحداثة بنصوص المتصوفة القديمة واعتبروها خرقا لمفاهيم الشعر القديمة، وممارسته المرتكنة للنمودج المحتذى، فكان أدونيس يولي عناية فائقة بنصوص "النفري" لأنها تمثل في نظره قطيعة كاملة مع الموروث في مختلف أشكاله وتجلياته، وبهذه القطيعة يجدد الطاقة الإبداعية العربية، ويجدد اللغة الشعرية في آن، إنه يكتب التاريخ برؤيا القلب، ونشوة اللغة، فيرفع الكتابة الشعرية إلى مستوى لم تعرفه قبله، في أبهى وأغرب ما تتيحه اللغة.([57]) «وأضفت الرؤيا في الشعر العربي الحديث غموضاً متراكماً ممزقا يتلذذ بالتجربة الأليمة هروباً من عالم مزيف مهيمن بكل سلطاته المرئية واللامرئية إلى عالم ماورائي مستقبلي لا يبدو إلا في لحظة صوفية». ([58])
وكان إعجاب الحداثيين بالنصوص الصوفية لأنها تمثل كتابة أشبه بالحلم تختفي الروابط ويذوب الزمن وتنفتح متاحات الرؤيا، ومتاهات التصور، ويصبح تفجر الفكر هو تفجر اللغة، بالخروج عن الفكر المنغلق تتحرر اللغة من عقال التقليد والحجر، ويرد لهما مهمتهما الجوهرية: الغوص في أعماق الذات والوجود، والكشف عن أبعادهما، "ويمتلئ هذا التفجر بالإشراقات المفاجئة، والتوترات المتضادة، المتعانقة، بحيث يبدو النص كأنه يتدفق على مسرح الذات، في صور تتداخل وتتخارج تتقارب وتتباعد خارج كل سببية كأنها الحلم." ([59])
- مقاطعة الجمالية القديمة والغرف من الجمالية الغربية:
انحصرت الجمالية العربية القديمة في الاتجاه الحسي الذي تدركه الحواس بهداية العقل، أما الجمال المعنوي الذي يدرك بالحدس فإنه ظل قليل العناية عندهم، فانصرفوا إلى الجمال الشكلي المجسد في القصيدة المنتظمة قواعدها في إطار الصنعة، وحتى النقاد الذين تفطنوا إلى التأمل كالآمدي أو الحرية كالقاضي الجرجاني أو معنى المعنى كعبد القاهر الجرجاني لم يغيروا جذريا من حقيقة الأمر، لأن قصارى جهودهم أنهم خففوا من ضغط القاعدة بإضفاء شيء من الروح عليها، ولم يفلحوا في التحرر كلياً من قوانين الصنعة([60])؛ فكان مرتكز الجمالية الشعرية القديمة الوزن بوصفه إيقاع الوحدة والانسجام والتوازن والتكرار، وبالعلاقات الصورية (التشبيه، الاستعارة) على أنها مرآة لوجود صفة التكامل والتقارب والوضوح([61]).
ويستغرب الباحث رماني عدم صياغة العرب لنظرية جمالية من وحي القرآن والاكتفاء بالعودة للشعر الجاهلي، ولكن لم تكن كل حالات الجمالية القديمة من طراز وصف الباحث السابق، فقط نشأت نظرية جمالية عند العرب قديما في العصر العباسي ألغت الوضوح الجاهلي معيارا للجمال والتـأثير، بل صار هذا الوضوح على العكس نقيضا للشعرية، كما يراها الجرجاني، فالجمالية الشعرية تكمن بالأحرى في النص الغامض المتشابه، أي الذي يحتمل تأويلات مختلفة، ومعاني متعددة.([62])
وفي الوقت الذي كانت فيه الجمالية العربية ترسف في حالة من الجمود الموروث، عرفت الجمالية الغربية سلسلة من التحولات بما يتماشى والفكر والحضارة الأوروبية والأمريكية. «فكان مفهوم الجمال منذ سقراط إلى كانط استغراقاً في النظام الذي يجد كماله في الطبيعة، ومن ثم كان الجمالي تمثلاً للخارجي، والفن محاكاة للعالم، ومنذ كانط إلى غاية القرن العشرين تحول المفهوم الكلاسيكي، وحطمت قوانين المفاهيم الجمالية بتحويلها من الموضوعي الثابت إلى النسبي المتحرك، من علم للمجردات الخارجية إلى علم للذات الباطنة، وسادت فكرة أن العالم ليس سوى صوراً من إدراكنا.»([63])؛ ولهذه الاسباب أضحت الجمالية الغربية الحديثة ترى الجمال غريباً كما فعل بودلير في "أزهار الشر" وتتعامل معه كلحظة من معاناة تعايشها في حالة تحسس عميق، لا كفكرة يستوعبها العقل بتدرج منطقي. مثل التسليم بمساواة الجميل بالقبيح، ومحاولة القبض على الجميل في اليومي المبتذل والمعقد الغامض. مما يؤدي إلى عالم سمته الجمالية القلق والاضطراب والتلذذ الذاتي بلحظة التحول والتشكل الدائم.([64])
والجمالية العربية الحديثة تشهد التباساً في المفاهيم وتهافتاً في النظريات ناهيك من أنها صارت مستوحاة من الجمالية الغربية، فليست الجمالية العربية الحديثة إلا وجهاً آخر للجمالية الكانطية وما جاء بعدها، فهي تأسيس للذوق الفردي والذاتية المفرطة، للكشف الحر والتجربة البكر والغريب الغامض، وهي تعرية للذات والعالم << ([65])؛ ومن هنا جاءت الحداثة العربية ثورة جمالية تقوم على المحتمل والمتعدد الذي يتلبس في لغة تستعصي على الوضوح، ولا تبين إلا لتكشف عن رؤيا مغايرة، عن معرفة في طور التشكل يعاينها الإنسان في لحظة من الزمن الهارب، إنها الثورة الجمالية، وبانتشار هذه الجمالية المنكسرة في صميمها المتضخمة في شكلها تراكم سلطان الغموض على النص الشعري الحديث عند أكثر الشعراء ليدخل ساحة الابهام ويقطع صلته بالواقع والتاريخ، وأضحت الجمالية المعاصرة تبتغي الغرابة الشعرية لتحطيم كل أساس مشترك بين الشعر والواقع لتؤسس جماليتها المنفردة الخصوصية التي تحيا في ثورة دائمة على الجمالية العامة. ([66])
3. الخاتمة:
إن الفوضى التي غرق فيها العرب عندما صدمتهم حضارة الغرب شككتهم في العديد من القضايا التي كانت بمثابة المسلمات، وكان لهزائمهم السياسية أمام الغرب الطاغي، وهزيم حداثته وبروقها انعكاس شرطي على فكرهم وإبداعهم الذي اتسم بالتيه والغربة والثورة والنقمة، وكانت أساليبهم الفنية الموغلة في الغموض، والممغنطة بالرمزية ترجمانا لانبهار ممزوج بانهيار القيم الفنية الموروثة، أو اهتزاز عنيف لها في أحسن الحالات. وقد وقف النقاد القدامى عموما من الغموض موقف المعارض عندما كان الشعر بدويا ارتجاليا، فكان أبلغ الشعر أفصحه وأوضحه، وعندما تبدلت الأذواق وتنوعت الأعلاق، وربت الحضارة الإسلامية صار الغموض من اللطائف التي تمتع النفس والعقل، وغدت الشاعرية تفوقا في الجمع بين أعناق المتنافرات، والعقد بين الأجنبيات بمعاقد فنية، فكانت نظرة هؤلاء استشرافية لا تختلف عن نظرة الناقد المعاصر بيد أنهم أجمعوا كلهم على رفض المبهم والمعقد المغرب. فشتان بين المعقد المليح، وبين الاغماض والإغلاق.
حُبب إلى المعاصرين الغموض وأولعوا به فرصفوا في أشعارهم الأقنعة والأساطير والرموز الدينية والصوفية والطبيعية والتاريخية، وأضحت القصيدة منجما فكريا ومجالا لترويض أعنّة الكلام واستغوار مصادر المعرفة، ولا يثقف هذه المعادلة سوى الشعراء الفحول المتمكنون من القريض الذين لا يجعلون الغموض غاية تطلب أو حجاب عن رؤيا لم تكتمل، أما السطحيون المتشاعرون فالوضوح أرحم لهم من كتابة نظم أغرب من طلسم فرعوني. ويختلف الغموض عن الابهام الذي يلغي مسافات التفاعل بين النص والواقع، وبين الشاعر والمتلقي، وهذه الظاهرة الغربية عن الشعر الغربي والشرقي جعلت النقاد الغربيين يمجونها وينفرون منها حين أدمن عليها شعراءنا واستقوى بها من ليس لهم نصيب كبير من الشاعرية.
وعليه إذا حضرت الرؤيا والتجربة الشعرية وتجديدات اللغة باحترافية ووعي مؤسس كان الغموض إضافة فنية للقصيدة ومطلباً ضرورياً لها، لكن إن تحول الغموض إلى غاية مطاردة، ومحاولة لائذة للتميز والاستئثار بالمعنى، تدخل القصيدة في دائرة الإبهام، وهي مرحلة تنسف الفن والجمال في الشعر لأنها ناتجة عن خلل ما في بنية القراءة –الكتابة- أو عن فساد في الطبيعة الجمالية والفنية للشعر.
جامعة الشلف الجزائر
- قائمة المصادر والمراجع:
- إبراهيم رماني: ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، وحدة الرغاية الجزائر 2008
- ابن الأثير: المثل للسائر ج2، تع أحمد الحوفي، بدوي طبانة، دار الفجالة، القاهرة، د,ت.
- أبو الحسن بن هلال العسكري، الصناعتين، تح مفيد قميحة، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت 1994.
- أبو القاسم الآمدي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تح، محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية بيروت لبنان 1924، ص14.
- احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة الكويت 1978.
- احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، 1978.
- أدونيس الشعرية العربية، دار الآداب،ط2، بيروت1989.
- أدونيس: الثابت والمتحول، صدمة الحداثة، دار العودة بيروت، 1978.
- أدونيس، فاتحة لنهايات القرن، دار العودة بيروت، 1980.
- حازم القرطجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح محمد الحبيب خوجه، ط3 دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1981.
- دفيد هوبكنز، الدادئية والسريالية، الهنداوي مصر 2012.
- رفعت زكب محمود عفيفي، المدارس الأدبية الأوربية وأثرها في الأدب العربي، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، 1992.
- عبد العليم محمد اسماعيل علي، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، دار الفكر العربي القاهرة،2011.
- عبد العليم محمد اسماعيل علي، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، دار الفكر العربي القاهرة،2011.
- عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، تع محمود شاكر أبو فهر، مكتبة الخانجي القاهرة، 1984.
- عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تع، محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، 1991.
- عبد الوهاب المسيري، فتحي التريكي، الحداثة وما بعد الحداثة، دار الفكر دمشق، 2003.
- عزالدين اسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي، دار الفكر العربي 1974.
- علي بن عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تح محمد أبو الفضل ابراهيم، علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي القاهرة.
- غنيمي هلال: النقد الأدبي، دار العودة، بيروت، 1973.
- محمد درويش: الديوان، دار العودة، ط8 بيروت 1981.
- محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية، ط5، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 1994.
- نازك الملائكة، سايكولوجية الشعر ومقالات أخرى، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر، 2000.
الهوامش:
([1])إبراهيم رماني: ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، وحدة الرغاية الجزائر 2008، ص06.
([2]) المرجع نفسه، ص44.
([3]) محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية، ط5، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 1994، ص 21
([4]) ينظر المرجع نفسه، ص23.
([5]) نفسه، ص40.
([6])أدونيس: الثابت والمتحول، صدمة الحداثة، دار العودة بيروت، 1978، ص09.
([7])إبراهيم رماني: طاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، ص41.
([8])المرجع نفسه، ص22
([9]) نفسه، ص35،
([10]) محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية ، ص 24
([11]) المعطى وارد خاصة لدى التيار السلفي إذ أن سقوط الغرب في الخطاب النهضوي العربي يمليه الشعور الدفين والمقموع باستحالة النهضة القيادية العربية الاسلامية مع حضور الغرب كنهضة قائمة، فلا بد من سقوطه، ولا يختلف طرح السلفي عن طرح اللبيرالي التقنوي فدعوة لا ننهض إلا بما نهضت به أوروبا يتناسى قائلها مسلسل الغرب النهضوي الطويل الذي سلكته دون منافسة أو قمع، أما الذي يوفق بين الطرحين فلا يبعد عن جريرة التناقض، فيضع كشرط للنهضة غياب غرب الأمس وغرب اليوم، فالخطاب العربي النهضوي بكل اتجاهاته يسعى لتحقيق معادلة مستحيلة، عندما يسقط الغرب ستنعدم القوى الخارجية المعرقلة لنهضتنا، وإذ ذاك سنتولى قيادة البشرية. ينظر المرجع نفسه، ص33 36
([12]) نفسه ص43.
([13]) محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية، ص57.
([14]) ابراهيم رماني، الغموض في الشعر العربي، ص07.
([15]) المرجع نفسه، ص46.
([16]) ينظر احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، 1978 ص133.123
([17]) المرجع نفسه، ص114.
([18]) عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز، تع محمود شاكر أبو فهر، مكتبة الخانجي القاهرة، 1984ص196.
([19])المرجع نفسه، ص196.
([20]) ابن الأثير: المثل للسائر ج2، تع أحمد الحوفي، بدوي طبانة، دار الفجالة، القاهرة، د,ت، ص414.
([21]) عبد العليم محمد اسماعيل علي، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، دار الفكر العربي القاهرة،2011، ص10.
([22]) ينظر أبو القاسم الآمدي، الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تح، محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العلمية بيروت لبنان 1924، ص14. ص 227
([23]) ينظر علي بن عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تح محمد أبو الفضل ابراهيم، علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى الحلبي القاهرة، 1961، ص98
([24]) أبو الحسن بن هلال العسكري، الصناعتين، تح مفيد قميحة، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت 1994 ص41
([25]) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص117.
([26]) عبد العليم محمد اسماعيل علي، ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث، دار الفكر العربي القاهرة،2011، ص20
([27]) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تع، محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، 1991ص 136.
([28]) ابن الأثير، المثل السائر، ج3، ص 8
([29]) حازم القرطجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تح محمد الحبيب خوجه، ط3 دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1981، ص172.
([30]) إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص08.
([31]) المرجع نفسه، ص122.
([32]) محمد درويش: الديوان، دار العودة، ط8 بيروت 1981، ص16.
([33] )إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص113.
([34]) المرجع نفسه، ص38.
([35])ينظر أدونيس الشعرية العربية، دار الآداب،ط2، 1989، بيروت، ص 112
([36]) المرجع نفسه، ص135.
([37])المرجع نفسه، ص135.
([38]) إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص135.
([39]) نازك الملائكة، سايكولوجية الشعر ومقالات أخرى، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر، 2000، ص 49
([40]) عنيمي هلال: النقد الأدبي، دار العودة، بيروت، 1973، ص290.
([41]) إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص151.
([42]) الدادئية ظاهرة فنية دولية ولدت سنة 1916، سعت إلى قلب الأفكار البرجوازية التقليدية في الفن، لكنها كانت مناوئة للفن، فوضع أصحابها حبهم للمفارقة والوقاحة في مقابل جنون العالم الذي جن جنونه، وكانت السريالية الوريث الرسمي لها سنة 1924، ينظر دفيد هوبكنز، الدادئية والسريالية، الهنداوي مصر 2012، ص11.
([43]) المرجع نفسه، ص21.
([44]) ينظر رفعت زكب محمود عفيفي، المدارس الأدبية الأوربية وأثرها في الأدب العربي، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، 1992، ص92
([45]) عبد الوهاب المسيري، فتحي التريكي، الحداثة وما بعد الحداثة، دار الفكر دمشق، 2003، ص35.
([46]) المرجع نفسه، ص 39.
([47]) ينظر المرجع نفسه، ص 43.
([48]) إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص75.
([49]) المرجع نفسه ، ص76.
([50]) أدونيس، فاتحة لنهايات القرن، دار العودة بيروت، 1980، ص12 ([50])
([51]) المرجع نفسه، ص157.
([52]) احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة الكويت 1978، ص07.
([53]) ابراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص24.
([54]) المرجع نفسه، ص25.
([55])احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، ص166.
([56]) ابراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص124.
([57]) أدونيس الشعرية العربية، دار الآداب، ص: 66.
([58]) المرجع نفسه، ص136.
([59])ينظر أدونيس الشعرية العربية، ص: 66.
([60]) عزالدين اسماعيل: الأسس الجمالية في النقد العربي، دار الفكر العربي 1974.، ص412-413.
([61]) إبراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص92.
([62]) أدونيس الشعرية العربية، ص 54.
([63]) ابراهيم رماني: الغموض في الشعر العربي الحديث، ص87-88.
([64]) المرجع نفسه، ص90.
([65]) نفسه، ص100.
([66]) نفسه، ص93-98.