رغم الفضولية والتطفل، وقيود المجتمع، إلا أن الإنسان، يستطيع أن يختلس لحظات، يحلق فيها مع من تهوى نفسه، ليعيش لحظات السعادة. إلا أنه، وكما كتب جورج أوريل في روايته (1984) عن الأخ الأكبر، وكيف أنه يَعُد على الناس أنفاسهم، وأصبح كل شيء محدد، وقابل للتحديد، أصبح الحب، وكل اللحظات الخاصة، تحت السيطرة.

الحب في زمن الجي بي اس

شريف العصفـورى

 

 تعلقت بها لم تكن أبدا في منظور القادم ولا في رؤية المستقبل، ولكنني أحببتها وانتهينا، ينمو الحب بالحنان، تسقيه بعض المبادرات، اللطف، السؤال، التوق، نعم التوق للذوبان في حضن، كان اللمس صعبا وغير متخيل، مدينتنا مزدحمة وسكانها طوال الألسنة، طفيليون ومتطفلون، مرضى نفسيون، شبقى ومضطربون، تتنازعهم مُثُلٌ عليا، فوق السحاب وهم غرقى في كل سافل الافعال، لا يقاربون المُثل بِمَا يفعلون ولكنهم، كلهم مسرور السياف، على الأقل بألسنتهم. أردنا المشي على شاطئ البحر، أن نتخيل ان العالم قد خلى من كل أثقاله من الاشياء والبشر، وأن نعيد قصة حواء وآدم، دون شجرة تفاح أو جميز، دون حية أو شيطان، تجولنا في ساعات الصباح الباكرة، تخيرنا السماء الماطرة، أو السماوات العابسة بغيوم تحجز الشمس، مشينا دون مقصد ودون سوء قصد، أعجبتنا الغمامة، والمطيرة ظهرها وعصرها، ابتللنا قبل ان نعود إلى مظلة المطر، اعتقدنا أن ماء السماء مباركة لنا، اغراء لتكرار المشي والتجوال بين سحاب السماء ورمال البحر. تواعدنا كثيرا في نفس المكان، وذهبنا لعين المكان، بين السماء والبحر، قالت سأحضر افطارا المرة القادمة، افطرنا سويا في كل مرة تقابلنا، شربت الشاي وفطائر الجبنة، تحليت بالكيك، بالشيكولاتة هي كل حلواي، الشيكولاتة هي لون البشرة تحت شمس الصيف على حافة البر مع البحر، أصبحنا نعيش على الحافة بين الوله والعشق، لا أعلم أيهما بالغ الشدة؟  طلبت هي الحضن الأول، كان صامتا طويلا، شلت فيه الحركة، وما تحركت الا أمواج البحر والنوارس، ومتطفل يعرض ايجار شمسية، كانت السماء غائمة، كما نحبها دائما. الف ميعاد و ميعاد، كلت كليلة أو تعبت، صار طقسنا حضننا الصامت، ما عدت أطيق الصبر، قبلت رأسها المحجب، ألف قبلة و قبلة، ثم القبلة الثانية بعد الالف مباشرة على الشفاه، شهقت و ما عادت تستطيع التنفس، ضربت بكلتا كفيها على خديها، صرخت دعني أتنفس، أجبتها ما حاجتك للهواء وقد اعطيتك رئتاي؟ عندما تكرر طقس العناق، تحررت أذرعنا من وصايا الوعاظ، عصرتها عصرا، عرفت من لمساتها عقارب سويعات اللقاء، متى نعانق، متى اقبض حتى أسمع طقطقات عظامها، متى اترك حتى تسيل من بين ذراعيّ، متى نهم بالعودة إلى الأرض بعد طواف السماء. كثيرا ما رن هاتفها الجوال، اتفقنا على تجاهل كل المهاتفين، و التثاقل عن أي نداء، ألح الهاتف في الرنين والضوضاء، تهيأ لي أن الرنين يحمل بين طياته غضب و سعار طلب، مرة وحيدة، قطعت ما أنا فيه، طلبت منها أن ترد، ردت ففوجئت بسيل من الصراخ و العويل الغاضب، لطمت حبيبتي، لأول مرة ينتهي عناقنا باللطم، سألتها عن الأمر؟ قالت : والدها طلبها و لم تجبه، فاختلق عذرا للحديث الى جارتها هديل وهي عروسة جديدة و زوجها ضابط أمن وطني، اختلق قصة عجيبة، أنه رفض خروجة لها في رحلة مع الكلية، و انها حبيبتي قد هددته بالانتحار، و يريد اللحاق بها قبل أن تفعلها المجنونة ! سألتها وبعدين؟ قالت: أبي وشقيقي وشقيقتي وهديل ورامز زوجها الضابط عند المسجد أول الطريق، وان والدها يقول أن رامز استخدم امكانيات الامن الوطني لتحديد مكان الهواتف المحمولة مثل مسلسل الاختيار ٢، وان برنامج المواقع جي بي اس قد حدد موقع هوائيات المحمول و أوصلتهم الى محيط المسجد، قلت لها بسيطة، ادخلي المسجد من عند الميضة، و بللي ثيابك و اخرجي دامعة و مهدلة و ابكي بحرقة، اصرخي في رامز "الحمد لله، كدت افعلها و انتحر، لولا هداية الله و هاتف سماوي جاءني اثناء وجودي بالمسجد. رامز ابتلع القصة بكاملها، بكى شقيقها وشقيقتها، ظل والدها صامتا لايام طويلة، ثم فاجأها ذات مرة، وسألها: مع من كنتِ؟