يكتب القاص المغربي هنا لحظة تواصل عابرة، سرعان ما ملأت راويها بنوع من التحقق المفقود في بلاد تكره أبنائها، ولكنها فيما يبدو تتيح من خلال أحاسيس أبنائها ببعضهم البعض ما مكن الراوي من الخروج من تلك المواجهة جذلان مترنحا، وقد انتابه فرح لم يعشه في حياتي كلها كما يقول!

سيدة

قصة قصيرة

علي عبـدوس

 

تجاوزت عقدها الثالث، تشبه الخنساء، ممتلئة، في عينيها بريق مغناطيسي، دون أصباغ، تتواصل بطلاقة دون قيود أو تكلف. متحجبة حجابا طبيعيا غير مبالغة في ألوانه. عيناها على الزبون، وأناملها التي خلقت لقطف النجوم، تتحرك بحيوية على لوحة مفاتيح الكومبيوتر.

هي المسؤولة في هذه الإدارة عن "الشكايات"، وأداء الضرائب المتنوعة عن السكن…

انتظرت دوري، بعد التحية، جلست قبالتها على كرسي وثير، وضعت ملفي على مكتبها الفخم، وقفت لترتب بعض أوراقها في درج زجاجي وراءها، قامتها متناسقة، وجديتها بادية على حركاتها الثقيلة المتزنة.

جلست، سألتني بابتسامة جميلة كشفت عن أسنان بيضاء ناصعة متراصة، وحس أنثوي رفيع لا يخفى على العين الفاحصة.

استفسرتني عن "مشكلتي"، حكيت لها بتركيز عن زيادة الضريبة التي أضيفت هذا العام…

أعطيتها أوراقي، مسحتها بعينيها النافذتين باحثة عن رقمي الضريبي، طارت أناملها على مفاتيح الحاسوب، نظرت إلي، وأكدت:

-نعم، هناك زيادة خمسة في المائة هذا العام، على عينة من السكن.

-أية عينة؟

- كل من يملك سكنى فيها مرآب تجاري.

- مرآبي لا يسع لسيارتي الصغيرة، والزقاق لا يتعدى 7 أمتار عرضا … تزينه الحفر، ومجاري المياه المخرومة.

قطعت حبل احتجاجي بابتسامة:

-أعرف كل هذه الأمور، أنا موظفة أساعد المواطنين إذا وقع خلل أو خطأ مطبعي في فواتير الأداء.

- وما العمل؟

- "خلص، واشكي"...وسأسجل شكايتك…

صمتت، تنتظر، وتنقر بسبابتها الأنيقة مكتبها، وتنظر إلي بأسف وأسى دون أن تنطق…

غصت في زوايا عينيها، رأيت سحابات متناثرة تمر بصورة آلية في محجريها؛ تبلل حزنا قديما في صحراء شاسعة من التعثرات والحظ المر، والمؤامرات البئيسة…

أحسست دون عناء بجاذبية التعاطف معها، نسج الصمت ذلك التآلف الودي الذي نحسه تجاه أشخاص نصادفهم أول مرة، وكأننا نعرفهم منذ زمان … دون زخرفة، أو تصنع…

تيقنت بأن نسب الأرقام التي تتعامل بها يوميا مع المواطنين لتغيير أو حذف أو زيادة ضريبة، لا علاقة لها بالضريبة التي تؤديها في حياتها.

كسرت الصمت مستفسرا: سأشكو لله كره وطننا لنا، وأؤدي الضرائب مرغما!

  • هل أنت متزوجة؟

رفعت طرفها حيية متلعثمة:

  • عندي واحد!

خفضت عينيها الجميلتين على شاشة الكمبيوتر.

  • ألا تضيفين ثانيا؟ حلل الله اربع زوجات للرجل.

تحركت في كرسيها الناعم، تحللت أحاسيسها متناثرة ملأت القاعة والذات، ضخ قلبها دما مدرارا حول وجنتيها زهرتي أقحوان قانية، وقفت، ردت لي أوراقي مؤكدة:

  • سأعالج مشكلتك.

صافحتني براحتها الناعمة الملتهبة.

  • سأتصل بك قريبا.
  • في باب المكتب، وضعت سبابتي على شفتي، ارسلت لها قبلة.
  • ردت لي قبلتها بزم شفتيها …

غادرت جذلان مترنحا، انتباني فرح لم أعشه في حياتي كلها..

 

وجدة، ١٩شتنبر٢٠٢٤ /المغرب.

قصة من مجموعة قصصية ( ترميم الحرية) قيد التنقيح للنشر.