درحت مجلة "الكلمة" أن تستخدم القراءة التطبيقية، إعمالا للقراءة الواعية، ليدخل بها القارئ إلى أعماق العمل المقدم، فلا يتوقف على مجرد القراءة السريعة، ولكنها دعوة للتأمل. فبدأت –في أعداد سابقة-مع الرواية المنشورة في ذات العدد. وهنا نقرأ معا بعض نماذج من القصة القصيرة المنشور في هذا العدد.

الشعرية في القصة القصيرة

شوقي عبدالحميد يحيى

 

أعتقد أنه لم يعد جديدا القول بأن القصة القصيرة، هي أقرب الفنون الأدبية للشعر، القائم على الذات، أكثر من اعتمادها على الشخصيات، وكثيرا ما تأتى في شكل استعادة الذكريات، التي لا تستغرق سوى لحظات، تتوافق والمساحة الزمنية المتعارف عليها في القصة القصيرة، وهو ما نجده كثيرا في قصص هذا العدد. فنجد الكثير من القصص القصيرة، يتحدث فيها السارد بضمير المتكلم، أي انها أقرب للبوح منها للحكى، فتُخرِج مكنون الذات الساردة، وعلاقتها بواقعةٍ معينة، وما يمكن أن تستدعيه من أشخاص أو احداث، لا تذهب بعيدا عن المحور الذى تتناوله القصة.

كما أنها-القصة القصيرة-تعتمد كثيرا على الإيحاء، او الإشارة للبعيد، أو استخدام المحسنات البديعية، اللفظى منها والمعنوى، التي تعنى أكثر من التصريح المباشر، مثل المجاز الذى يساهم كثيرا في أدبية الإنتاج السردى (فضلا عن الشعرى) والتشبيه والطباق والمقابلة والجناس والتورية، وغيرها، وهو ما يجعلها تلفظ المباشرة، وتطلب من القارئ أن يُعمل فكره، والربط بين الأشياء وصولا إلى الرؤية المستخلصة من السطور، حتى لو لم تكن هي بالضرورة ما عَنِيَه الكاتب من قصته، فالمهم أن ينشئ القارئ رؤيته هو التي أوحت السطور المكتوبة إليه بها، لا رؤية الكاتب، التي لا تعنينا بقدر ما يعنينا ما تنضح به السطور والكلمات. وكم هي الأعمال التي اختلفت القراءة مع الكاتب، وهى الاستفادة التي تعود على الكاتب من اتساع تلك القراءات، فضلا عن تحول القارئ من السلبية إلى الإيجابية، حينها.. وحينها فقطن يمكن القول بأن الإبداع قد أتى أثره. وهو ما نسعى إليه في قراءة القصص المنشورة في هذا العدد.

القصة

       من بين وقائع الحياة المعاشة، يتخير الكاتب منير عتيبة، مشاهد قصصه، فهو يعيشها ويتعايش معها، ومن خلالها، يُضمر مكنون قصصه، الذي بنفذ بها إلى الأعماق، غير أنه يسوق من خلال المعاش، ما يقود إلى تلك الأعماق، فتتبلور القصص، والروايات، في رؤية كلية، يجمع فيها بين الواقعى ومنطقه، والرمز ودلالته.

ففي المقطع الأول من "القصة" نتعرف على روتينية الحياة التي يعيشها السارد، وفجأة، ودون أن يعرف السبب، يريد أن يكسر هذا الروتين، فيتعجل الذهاب للبيت، وهو يمنى نفسه بلقاء غير كل اللقاءت السابقة، لكنه يفاجأ بما لم يتوقع، والذى كان النتيجة لأفعاله السابقة –مع الزوجة-، حيث يعلم أنها تسعى لما تفتقده .. مع السباك.

وفى الوحدة الثانية "القصة مرة أخرى"، نعيش نفس القصة، ولكن بنبض مختلف. حيث نجد السارد يتمهل، مع الجيران وأهل الشارع، وكأنه يكسب الوقت، خاصة بعد أن ذهب إلى البيت، وتأكد له أنه زوجته مع السباك. فيعود إلى الشارع من جديد.

فنحن إذن أمام تجربة جديدة في قصة "قصة" ، يتدرج فيها من الخاص إلى العام، فيقدم قصته على مرحلتين زمنيتين، تحملان الحركة، والدراما التي تصنع "قصة" و"القصة مرة أخرى". ولم يلجأ إلى تقسيم القصة إلى وحدات سردية، مثلما يفعل الكثيرون، ولكنه يعيد نفس القصة مرة أخرى، بذات الأحداث، ولكن بعد مرور الزمن، الذى لم يذكره الكاتب، ولكن تغيير رتم الحياة، والاهتمامات هي ما يحدد مرور الزمن. ففي القصة، نجد انصراف السارد عن الأمور العامة، بينما في الجزء الثانى يصبح هناك وجود لها، فتتغير الرؤى، والرؤية، فكأننا ننظر إلى ذات الوقائع، ولكن زاوية الرؤية هي ما يختلف. فبينما ترتكز "القصة" على الحلم الذى يعيشه السارد، باللقاء الحميم بزوجته. نجدها في "القصة مرة أخرى" تتطرق إلى { ألقى السلام على المعلم فرج صاحب المقهى ووقف يستمع إليه وهو يشكو من سوء الحال، وتفكيره الجدى فى إغلاق المقهى وصبيه الذى يسرقه لكنه لا يستطيع الاستغناء عنه، والضرائب التى تأخذ الجلد والسقط، والزوجتين السمينتين وأولادهما ومطالبهم التى لا تنتهى}، أي أننا بعد أن عشنا الحلم، الشخصى للسارد، أو الانغماس في الهم الفردى، في الوقت الذى لا يهتم بتلك التفاصيل، فتبدأ المعوقات-الخارجية- في الظهور، فضلا عن الاهتمام بها، والتي تتمثل في مشاكل الحياة وظروفها، والتي لا نعدم وجود الرؤية السياسية التي تُهيمن على كل تلك المشاكل، خاصة إذا قرأنا {ذهب إلى المعلم فرج وأخبره أن له صديقا فى الضرائب يمكن أن يحل له كثيرا من مشاكله}. والتي تعنى أنه بالمحسوبية، والواسطة، يمكن أن تُحل المشاكل، وهو ما يكشف عورات المجتمع، ويضعنا في بؤرة الرؤية السياسية، والتي تستدعى البحث عن الرمز. كما أنها ترسم الأجواء المحيطة بالسارد، الذي نستطيع أن نلمح التغير في تصرفاته بين "القصة" و"القصة مرة أحرى". حيث نجد أن هناك دوافع شخصية، ودوافع اجتماعية.

 ففي "القصة" سنجد أن السارد عندما عاد إلى البيت، سمع-من الخارج-ما يشبه الاعتداء على الزوجة، وعندما اقتحم البيت، ووجد السباك وجمع له حاجياته، وامره بالمغادرة {نظر السباك إليهما نظرة ساخرة، وغادر بخطوات بطيئة، لف ذراعه حول كتف زوجته، نظر إليها فخورا ببطولته التى أنقذتها، نظرة الكراهية التى رآها فى عينيها أخمدت سعيره!!}. ففعل الزوج هنا كان إيجابيا-من وجهة نظره-، رغم أنه لم يكن على مراد الزوجة { نظرة الكراهية التى رآها فى عينيها}، فهى بطولة وهمية، حيث يمكن فهم أن الزوج لم يكن يؤدى واجبه نحو الزوجة، بما يرضيها، خاصة أنها كانت{ترتدى قميص نوم لا يلاحظ لونه عادة، يدخلان الفراش برزانة، تحرك يدها على صدره وفخذيه، تقبل شحمة أذنه، يغمض عينيه ويجوس بيديه خلال جسدها دون أن يشعر بحركة يديه، يحاول استجماع همته داعيا الله أن تمر الدقائق المقبلة على خير، تنتهى رغبته بعد أقل من نصف دقيقة من التحامه بها، يضغط على نفسه نصف دقيقة أخرى وأحيانا دقيقة كاملة حتى لا تغضب منه}. فالزوجة من ذلك الوصف. تبحث في السارد عما تريد، والزوج رغم كل ذلك كان يحاول أن يكون إيجابيا. غير أن تلك النظرة تجاه الزوج، تتغير في "القصة مرة أخرى" فقد تحول إلى السلبية، وكأنه وصل لمرحلة اليأس، اليأس في إشباع الزوجة، اليأس في أن يكون (رجلا) وفق الرؤية العامة، التي تضع رجولة الرجل في علاقته بالزوجة، وهو ما يقودنا للرؤية السياسية. فعندما يَعُدْ –في هذه المرة-إلى البيت{ وقف أمام الباب، سمع صوت زوجته؛ كأنه قادم من بئر، يتذلل: واحد آخر من فضلك!.... صوت عدنان السباك الضخم يرن فى أذنيه: إنها ثالث مرة، ألا تشبعين؟}. أي انه سمع ما يوحى باستمتاع الزوجة مع السباك، فما كان منه إلا العودة حيث كان، متعللا بأنه نسى أن يدفع لبائع العرقسوس، فعاد إليه وجلس على المقهى، حتى أتى إليه السباك قائلا {الحساب عشرين جنيه يا أستاذ مسعود، كله تمام، لقد قمت بالواجب وأكثر!} فدفع له. ولا يفوتنا اختيار الكاتب لكلمة (متعللا) والتي تفتح الأفق على اتساعه لقراءة سلوك الزوج.

فإذا ما أخذنا الدوافع الشخصية للسارد، وحالته مع الزوجة، سنجد أنه كان وحيد أبويه، ويخشى أن يأتي الابن فيعانى مثلما عانى هو. وأنه يكبر الزوجة بما يزيد عن العشر سنوات، وهو ما زرع في نفسه أنها لا تريد أن تأتى بالابن منه. كما تأتى محاولاته لأن يكون إيجابيا، كما في مثل ضرب سعيد الحاوى للطفل الذى كسر له البراويز بكورته، فانتزع الطفل من بين يديه وتكفل هو بدفع قيمة البراويز، وكذلك ذهابه إلى المعلم فرج وإخباره أن له صديقا فى الضرائب يمكن أن يحل له كثيرا من مشاكله. كذلك تأتى محاولته لكسر الروتين الحياتى الذى يعيشه، سواء لطبيعة عمله كموظف في الشهر العقارى، او أن الدولة هي التي وضعته في دوامة العيش الروتينى، فلا يفكر في التغيير، فقد حاول أن يكسر هذا الروتين كنوع من التغيير الذى يمكن أن يأتي بالجديد-على المستوى الشخصى-او كأنها عملية تعويض عن الحالة النفسية التي يعيشها، فكل تلك دوافع نفسية، منطقية، تسهم في تكوين الشخصية التي عليها السارد. كما يمكن أن تكون دعوة أيضا للتغيير العام، والذى لم يستطعه. غير أن مقابلة مرت كما لو أنها مرور الكرام، لكنها بعيدة الدلالة، فتستدعى الرمزية التي أضغمها الكاتب بحرفية، ذلك حين يتحدث عن السباك، وبعد أن دخل عليه {زوجته تقف محتدة فى مواجهة السباك الشاب الضخم}. فالسباك "شاب" يملك ما لايملك هو، وهو ضخم، أي لا يستطيع أن يفعل له شيئا، لذا {حمد الله أن السباك لم يغضب ولم يلقه أرضا}. فنحن هنا أمام مقابلة بين قوى وضعيف. أو بين من يملك ومن لا يملك، فالمواجهة غير محسوبة النتائج.    

ولذلك تحولت الإيجابية التي سعى إليها في "القصة"، إلى السلبية-في مواجهة موقف الزوجة والسباك-في "القصة مرة أخرى" حيث جاءت بما يعنى أنه لايسمع ولا يرى ولا يتكلم. وكأنى بمنير عتيبة، يشخص حالة الإنسان المصرى، الذى عجز عن الفعل، سواء بالعوامل الجمعية، والتي أثرت بالضرورة على العوامل الفردية، ليصل إلى حالة أن ما يجرى لا يعنيه، فهو يعلم أن الزوجة سلمت نفسها للسباك، للقوى والقادر، بعد مرور السنين، وهى تعانى عجز الزوج، الروتينى، الذى يرفض الثورة على الأوضاع، وهو بدوره ترك كل شيء يجرى كما شاء له القدر أن يجرى، وهو المسكوت عنه في القصة بجزأيها، وإن جعل الأحداث ترسم معالمها.

فالقصة هنا-وهو ثراء للسرد-يمكن قراءتها على النحو الاجتماعى، حيث أثرت الظروف الاجتماعية في سلوكه الواقعى، فأصابته نفسيا، بما أدى إلى عجزه عن الفعل ..  مع الزوجة.

ومن جانب آخر يمكن القراءة على المستوى السياسى، حين نرى عجز السارد عن الإتيان بالولد، إلى جانب الروتينية التي يعيشها السارد (الرمز)، والرغبة في خرق هذه الروتينية، لكن عدم تساوى الكفتين، يقف حائلا بينه وبين ما يريد، فأصابته بالإحباط، والفشل .. مع المجتمع. وليصبح الفعل في القصة هو التحول، او التطور في الشخصية.

أبيض مرقط برقع سوداء!
لا شك أن 25 يناير 2011، زرعت الأمل في نفوس الأفراد، وتمنى الجميع أن يشارك فيها، حتى أولئك الذين عُرفوا بحزب الكنبة، وهم كبار السن الذين لا يستطيعون المشاركة بأنفسهم. فكانت أمنياتهم، لو عاد بهم الزمن للشباب من جديد، وهو ما يحلم به سارد القاص والروائى أحمد طوسون في قصته التي استمدها من وحى تلك الذكرى، ذكر الأمل الذى كان. فيرسم المشهد الذي يحيل إلى الواقع النفسى لسارده منذ البداية، حيث تبدأ القصة {تزحف الشمس ببطء من الشارع إلى النافذة}. فإذا كانت الشمس هي الضوء، فإنها تزحف من الشارع، الضاج بالحياة، محاولة الدخول إلى داخل ذلك البيت الذى أظلم بفعل مرور الزمن، وخروج السارد إلى المعاش، ليعانى الوحدة مع زوجة تعانى آلام الروماتيزم، وزواج الابن، وظهور أعشاش العنكبوت في سقف البيت. ثم يأتي خطاب -من الزمن-فهو مجهول المصدر، دون مقدمات، ليعود به إلى أيام الصبا والفتوة، حيث يجد المظروف ليس به سوى صورة له مع زملائه، بالقمصان البيض، والبنطلونات الرمادية. وليتأمل من بالصورة ليجد أنه الخاسر الوحيد فيها، بينما تحقق الآخرون في شتى المجالات. حيث تعيده الصورة إلى مظاهرات 17،18يناير، وانه لا يستطيع التغيير وحده. إلا ان الخطاب لا يحمل كلمات سوى (يوم الثلاثاء 8 مساء بالميدان معرض كاريكاتير ضد الفساد). لتستحضر فورا يوم الثلاثاء 25 يناير 2011، وثورة يناير المغدورة، التي لم يذكرها الكاتب مباشرة، ولكنه أوحى بها، بالإشارة (يوم الثلاثاء) و (الميدان) الذى أصبح علامة ورمزا لا تُخطئه القراءة. فتدب الحياة في عروقه، ويبدأ البحث عن القميص الأبيض، أى البحث عن ذلك الزمن الذى كان فيه إيجابيا، رغم أن زوجته تُذكر أن لديه قميصا أبيض، أو كان له قميص أبيض في يوم من الأيام، وهو الإيحاء بمرور الزمن.

ويرتبط اللون الأبيض بالفترة الزمنية، التي .. كانت {كان يتطلع إلى القمصان البيضاء وتتراءى أمامه صور عبد الناصر بالجرائد القديمة التي يحتفظ بها والد صاحبه ويقول لنفسه: كم كانت ستصبح الصور قاتمة بدون الأبيض} فترة الثورة، وفترة أحلام الشباب. رغم أن الأمن، والتكميم، أضاع بهجة الأبيض، وحوله للسواد {هاتوه .. حين أفاق كان اثنان من أصحاب الملابس السوداء يشهران سلاحيهما في وجهه بينما وقعت عصا ثالثهم فوق ظهره فتهاوى على الأرض}. ومن بين أصحاب الملابس السوداء، يأتيه صوت أحد رفاقه في الصورة، ويؤكد أنه سبق ان حذره. فيرد عليه السارد: على الأقل تقابلنا من جديد. ولنصبح أمام أكثر من رؤية، أضمرها الكاتب وراء السطور: استعادة معنى كلمته من قبل، بانه لن يستطيع وحده. فهنا نرى تفرق الأصدقاء، فبينما هو حافظ على أحلام الشباب، فها هو الصديق باع أحلام الشباب. كما أن استعادة تلك الواقعة، في ذلك التوقيت، تعنى تجذير الحدث، ولماذا قامت ثورة يناير، وكأنها ما قامت إلا على ذلك النظام الذى امتد من يوليو 1952. والذي ظن الناس أنها ثورة بيضاء. بينما كانت الملابس السوداء تلطخ الثوب الأبيض، الذى أصبح هو المسكوت عنه في قصة أحمد طوسون. والتي يمكن أن تنضوى تحت لواء الشعر بكل أبعاده.

 

والليل وما وسق
تبدأ الكاتبة جمالات عبد الليف قصتها و"الليل وما وسق"، باستخدام عنوان يتناص مع الآية (17) من سورة الانشقاق، مضمنة المعنى الكلى للقصة، دون أن تشير فيها إلى ذلك العنوان من قريب أو بعيد. وكأنها دعوة لقراءة الآيات من السورة، والتي تتضمن "لتركبن طبقا عن طبق" . فالليل بما يوحيه من الغموض، وانتشار الكائنات التي لا تظهر إلا في الظلام، أو الأماكن المخبوءة. وما وسق، والتي تعنى وما حوى فتحضر براءة الطفولة التي وكأنها تقرأ الغيب، فضلا عن الإشارة إلى تلك الحشرات التي تؤرق مضجعها {قط أسود، يتربص بأرنبة أمي عيناه ترسلان بريقا أخافني فصرخت، استيقظت أمي وكذلك جدتي نهرتاني ودفعتا بي إلى الحِرام الصوفي الخشن الملقي فوق المصطبة والمليء بالحشرات الصغيرة المزعجة}. ولنصل إلى الآية" لتركبن طبقا عن طبق" والتي يقول المفسرون عنها، أنها تشير إلى تغير الحال، فتشير القصة إلى التغير من الاستقرار في ظل الأب الذى ذهب إلى اليمن، على التشتت، والانهيار الذى تعانى منه الأسرة بعد غيابه.

ثم جاء اختيار الكاتبة للطفلة، والتي لم يكن اختيارا عشوائية أن تكون طفلة، لا طفلا، لأن المعروف هو تعلق الابنة بالأب دائما يكون أكثر من تعلق الطفل به. ففي قصتها وكأنها تضع الإنسان، والذى لا يتجاوز عمره بالنسبة للكون من حوله مرحلة الطفولة، والتي يقف حائرا أمام قضايا الكون الكبيرة.. مثل أين يذهب الموتى؟ وما مصيرهم بعد الموت؟ فكان اختيارا مستترا، تركته الكاتبة للقارئ كى يُعمل فيه فكره.

كما كان اختيار ذهاب الأب لليمن، موضع سؤال، أو تساؤلات كثيرة، لم تدخل الكاتبة في تفاصيلها، وتركته للقارئ، ومنها على سبيل المثال: لماذا كان الذهاب إلى اليمن؟ ولماذا لم يعد؟ وكم فقدنا في تلك الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولاجمل؟ وهل لتلك الحرب علاقة بمأساة يونيو 67؟ وهل كان لغياب الأب في تلك الحرب من دور في ضياع الأم، أو الأسرة –بمعنى آخر-والتي استخدمت فيه الكاتبة الفراغات العديدة بالقصة، واكتفت بالإشارات الدالة على ما وراءها، مثل أن البيك يسكن في قصر، ويعيش وحده، وهو ما يرسم المسرح المهيأ لارتكاب جريمته، دون أن يقع في المسئولية. ثم الجملة الحبلى بالمعانى، والتي لم تزد فيها الكاتبة عن {غير أن البيك شجعني على فكرتي، أعطاني ثمرة حلوة المذاق قال – أسمها تفاح}. فهنا يمكن أن نقرأ –دون أن تكتب الكاتبة، مدى الفقر والحرمان الذى تعيشه تلك الطفلة (المستقبل)، فهى لا تعرف، فلم تر من قبل تلك الفاكهة المسماة "تفاح"، كما نقرأ التدخل البشرى للبيك عندما يشجع الابنة على الصعود فوق سطح البيت العالى، وكأنه التدخل المادى في تهيئة مسرح الجريمة. التي تكتمل عندما تنزل البنت من سطح البيت (العالى) وتبحث عن أمها، فلا تجدها، غير ان الكاتبة تصف المشهد لينطق هو بما حدث {طرقت باب البيك. فطالعني وجهه المكتنز باللحم، كانت آثار خرابيش فوق وجهه الذي بدي غاضبا مخيفا}. لكنها تجد ملابس الأم في صندوق الزبالة، وهنا يتضح أن "البيك" اخذ ما أراده من الأرملة، وألقى بها في صندوق الزبالة. كما أن عدم وجود الأم هنا. يشير إلى الضياع، ضياع الأم، وضياع الأسرة كاملة. وكأن الكاتبة تناولت مشكلة الذهاب إلى اليمن، وآثارها البعيدة التي يدركها مُتخذ القرار، والتى لم تتوقف فقط على مجرد الهزيمة المُذلة فيها، ولكن الآثار النفسية، تجاوزتها، لسنوات وسنوات بعدها.

وهكذا فرد الليل جناحيه على كل أجواء القصة، وكأن الساردة تعيشه، بكل ما يحتويه، من أحلام وهواجس وكوابيس، فُرضت عليها، من ذهاب الأب إلى اليمن، التي لا تعلم عنها شيئا، وتسأل {أين سماء اليمن هل تبعد كثيراً عن سمائنا؟؟}. ولتتجلى براءة الطفولة، ولانهائية المسافة التي تفصل بين العالمين، عالم الطفولة البريء وعالم الضياع.   وهذا هو الإبداع الحق، الذي يشير، دون أن يصرح. والذى يبلور القضايا الكبرى في حجم القصة القصيرة، والتي تُثبت أنها قادرة-إذا ما توفرت الموهبة والخبرة-أن تتناول القضايا الكبرى، إلى جانب أن يشعر القارئ بالمتعة، والرغبة في المتابعة، وهى إحدى العناصر ذات الأهمية في الإبداع عامة.

 

سفن لا تستريح
استخدم الكاتب سمير لوبا في قصته "سفن لا تستريح" عنوانا لا يرد له ذكر في قصته، بصيغة مباشرة. فقارئ القصة، لا يجد أي ذكر لسفن تسير أو حتى ترسو. لكن قارئ القصة لا يجد غير السارد، يعيش الذكريات، فهى عملية بوح،  فيجد أن حياته تلاطمتها الأمواج الحياتية، بين الفرح، والحزن الذي خيم على مجمل الأيام، فتبدأ القصة بما يوحى بذلك { فى ظلمة تمحو ملامح المكان، كتلة بشرية سوداء قابعة في كرسى). فالظلمة تمحو الملامح، فلا ضوء هناك، حتى أن السارد نفسه يبدو ككتلة سوداء، ما لها من ملامح، فلم يعد أمامه غير السير وراء الذكريات التي لا تحتاج لإضاءة. فترجع به إلى النور الذى رافق صدور أول قصة له منشورة في الجريدة التي تحمل في ذات اليوم نبأ {انه فى يوم سبت حزين على العدو، نجحت قواتنا في إسقاط طائرة استخبارات للعدو تحمل أثنى عشر خبيرا له} حيث يكون ذلك في شهر مايو 1970، وهو ما يستدعى بصيص الأمل ببدء ما عُرف بحرب الاستنزاف، بعد النكسة الكبرى في يونيو 1967. حيث تتضاعف الفرحة الفردية، ببداية الأمل في أن يكون كاتبا، وبالفرحة الجمعية، بالإيقاع بتلك الطائرة. وتسير الحياة بالسارد، فنتعرف على معاناته، مع القلم، من الحياة وشظفها. إلى ان تقع أحداث غزة الدامية، والتي معها يشعر العربى بالضياع، فيبحث عن نفسه، وكأن الظلام لم يزل قابضا على النفوس، فلا يعرف الإنسان نفسه، فيبحث عنها، في الظلام، بعد أن فقد الرغبة في كل شيء ف{يمد يده للهاتف، ينفض ترابا تكدس على السماعة، يغمس اصبعه في فتحات قرص دوار يديره، فلم ينتظر وبلهفة متلعثما يسأل: أستاذ سعيد هنداوى موجود؟}. وعندما يفاجأ القارئ بالاسم، يعود للبداية فيقرأ {لم ينس سعيد هنداوى أول شعور بالغرور العذب يسرى في دمه} ليعلم أنه هو ذاته "سعيد هنداوى. فإذا ما عدنا إلى التليفون المستخدم سنجده معطل، وما السارد يكلم إلا نفسه، وهى إشارة أخرى للوحدة والصدأ الذى على النفس. ولتتوقف القصة عند البوح. لتعلن –أيضا-ان القصة القصيرة، تكاد أن تكون قصيدة شعر نثرية. وليظل المسكوت عنه، أن ما يجرى على أرض الوطن ليس ببعيد عن مشاعر المواطن الفرد.

وصايا عادية
رغم أن الموت حقيقة لا جدال فيها، وما وراءه هو الشغل الشاغل للإنسان المصرى، منذ عصور ما قبل التاريخ، إلا انه فى ذات الوقت، يتشبث بالحياة، وكأنه يصنع امتدادا لحياته على الأرض، رغم أنه – وفقا للسائد، حتى الآن-لا يدرى بما يدور عليها بعد مغادرتها. ويتأمل الكاتب أشرف التعلبى هذه القضية في قصة قصيرة لا تتجاوز السطور المحدودة، لكنها تقترب كثيرا من الشعر في التكثيف، والتأمل اللحظى، في قصته "وصايا عادية" والتي نجح كثيرا في اختيار كلمة (عادية) لأنه يتحدث عن شيء بات (عاديا)، فأن يموت الإنسان، وتتعدد طرق موته، فهو شيء عادى، وأن يحاول أن يمد في سنى عمره، حتى بعد وفاته، عادى. فالسارد هنا يطارده الموت طوال أيام الأسبوع، وهى الدورة التي يدور فيها الإنسان على الأرض، بتنوعها ومذاقاتها، وكأنه يتحدث عن عمر الإنسان على الأرض، وكم هو ضئيل، خاصة أنه من بين طرق عديدة، يتخير أضيقها، وكأنها إشارة الى الطريق الذى يتخيره، إن كان له اختيار، رغم توهمه بأن له هذا الاختيار { صباح كل يوم أعبر تلك الحارة الضيقة بمحض ارادتي، رغم وجود ثلاثة شوارع أكثر منها رحابة}. فهو يوهم نفسه أنه هو الذى اختار. ورغم قصر مدته على الأرض، إذا ما قيست بعمر الأرض، وقِدمها، ذلك الذى استعاض عنه الكاتب بتلك العبارة {قد يرجع عهد بناءها إلى أيام الخديوي توفيق أو إسماعيل}. ثم يبدأ القاص في استعراض مناظر الحياة، أو محطاتها، التي تُولى سريعا، وتُصبح ذكرى، فيطلب من صديقه أن يرسل الرسائل التي لم يرسلها لحبيبته{التي كتبتها إلى امرأة من زمن الحب القديم}. وينجو الإنسان من مسببات الموت، لأسباب غير معلومة، لماذا تعرض لها، ولماذا ينجو، فيطلب من صديقىه أن يُدفن في قريته البعيدة المنسية على الخريطة، ربما أراد أن يجعل لها ذكرى – كما فعل خيرى عبد الجواد مع بولاق الدكرور، وكما فعل منير عتيبة مع المحمودية-وأن يصنعوا له تمثالا، لكنه شعر ان هذا مُبالغ فيه، فأخذ يتنازل عن بعض من هذه المطالب. ثم طلب من صديقه في يوم آخر ان يحافظ على كتبه، وألا تباع تلك الكتب، كما رأى كثيرا من تلك الأمور، لكن الصديق يخبره بأن هذه التي ربما لن تنفع القادمين من بعده. ثم يتأمل الأشياء من حوله، كإنسان، ليرى المبنى العتيق، ويرى الشجرة التي استطاعت أن تصمد بشُباكه ثمانية أيام دون ماء، وهو ما يعجز عنه الإنسان. وكأنه يضع الإنسان في مقارنة مع المخلوقات من حوله. وأخيرا يغامر السارد بالسير في الطريق المتسع، مغامرا بالسير في زحام الحياة، وكأنه قرر أن يعيش الحياة، وأن يتناسى الموت، ولو لبعض الوقت، ففرح صديقه {وما زلت حائرا حتى اليوم عن سبب سعادة صديقي، هل كانت لنجاتي، أم لتخلصه من الوعود التي قطعها علي نفسه، ولن يرافق جثماني إلي النجع البعيد}. وهكذا استطاع التعلبى أن ينفذ إلى عمق تفكير الإنسان المصرى، منذ ما قبل التاريخ.

وقد يتساءل القارئ، لماذا توقف الكاتب عند الأيام بستة أيام فقط، رغم أن المعروف أن أيام الأسبوع سبعة، لا ستة؟ ليكتشف أن الرؤية البعيدة التي خبأها الكاتب وراء الأحداث العادية، تشير إلى الكون بأكمله، حيث يستدعى ذلك للذاكرة الآية رقم 38 ومن سورة ال(ق) والتي تنص على (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) فخلق الإنسان، وهو من بين (وما بينهما) تم في ستة أيام، أي ان مرحلة من الخلق قد أتمت دورتها، وللإنسان أن يبحث عن الجديد، فكان قراره بتغيير الحارة التي (تخيرها) للسير فيها، فيقرر السير في (الشارع) الكبير، متناسيا الموت، ويبدأ في ممارسة الحياة، بلا خوف، او بحث فيما لا يعلمه.

ليتحول الفكر في رؤية الكاتب، ويعيش الحياة، مثلما تفعل كل شعوب الأرض – المتحضر-. وليثبت أن القصة القصيرة قادرة على أن تطوى الحياة بأكملها في قبضة القصة القصيرة.

قط ذكر لقِطةُ وحيدة
استطاعت الكاتبة هناء متولى، في قصتها "قط ذكر لقطة وحيدة" أن تُكثف عالما يمتد لعشرات السنين، في القالب القصصي، دون أن تنزلق إلى القصة القصيرة جدا، أو تقع في محظور التطويل، أو الحكي. وإن كان الإطار الخارجي للقصة لم يخرج عن إطار الذكريات التي يمكن أن تمر بالإنسان في اللحظة، إلا انها تحمل في أعماقها تلك الحركة، او الدراما، التي يتحول معها القارئ، ليتابع الفعل المنتقل من السكون إلى الفعل. فلا تقف عند مجرد المعاناة، والتباكي عليها، وإنما هي تقرر، وتبدأ فعل الشراء لقط يؤنس وحدة قطتها، وما قطتها إلا هي الساردة ذاتها. فما حدثتنا القصة عن القطة، وإنما كان الحديث عن الساردة، التي عانت كثيرا {لتمنع تدفُّق الذكريات لفتاة كانت مُدلَّلة، لم تختبر من الحياة إلا أحسن ما فيها، حبيبة والديها تنتقل للعيش مع زوج خائن، ثُمَّ الطلاق ورحلة البحث عن الذات، ثُمَّ فرص عمل خائبة، فصدمات من الصديق والقريب، فالفشل الذي يعقبه فشل، ففقدان الوالدين، وجحود الأخ، والعزلة الاختياريَّة، حتَّى انتهَت أخيرًا لعرض رخيص ومتأخر يضمن لها العمل والجنس في آن!} فقد عانت الساردة من فعل الخيانة، مع الزوج الذى كان، ثم الخيانة التي تأتيها من أصحاب العمل والأصدقاء. كما كان التدليل من الوالدين، كبير الأثر في حدوث ذلك الإحساس بالفشل، لذا كان استدعاء الكاتبة لذلك التدليل، ما ضاعف، ومنطق ذلك الإحساس. ثم تلقى الكاتبة بفحوى القصة عندما تأتى بالجملة {حتَّى انتهَت أخيرًا لعرض رخيص ومتأخر يضمن لها العمل والجنس في آن!}. فالاحتياج كلاهما، العمل والجنس، هو الدافع للموافقة على العرض (الرخيص).

وقد أجادت الكاتبة في التعبير عن حالة القلق تلك، بفعل المقابلة، أو التناقض الذى توحى به الجملة الأولى في القصة {الماء البارد يتدفَّق على جسدها؛ فيتحوَّل إلى بخار كثيف يملأ فراغ  الحمَّام} فالماء البارد، قد لا يستخدم إلا لتهدئة الإنسان كي يستطيع النوم، ثم الماء البارد لا يتحول إلى بخار. إلا انها حيلة من الكاتبة للتعبير عن سخونة الجسد، الذي حول الماء البارد إلى ساخن. ثم تأتى كل الأوصاف التالية {تدعك جسدها بعنف حتَّى تخدشه؛ فينزف، تجلس على الأرض. أسفل الدشِّ مباشرة. تترك الماء يدقُّ رأسها. تحاول البكاء. تتسوَّل دمعًا؛ فلا تجد} لتعلن عن الحالة النفسية العصبية، التي تعاني منها الساردة، وتقف قيود المجتمع وتقاليده حاجزا، وحائلا دون التحقق، فيتسبب ذلك في المعاناة النفسية. ولا تجد الساردة وسيلة إلا بالإسقاط على القطة الوحيدة معها في البيت، لتقرر أن تشترى لها قطا، في الصباح. فكان المسكوت عنه هو الصراع بين الحياة والقيود، بين الذات والآخر، وقد اشارت إليه مجرد إشارة في {ثم الطلاق ورحلة البحث عن الذات}. الأمر الذى يمكن معه اعتبار القصة بحث عن الذات، بحث عن الكائن الحى، وهو ما يؤكد أن القصة القصيرة بالفعل هي أقرب الفنون الإبداعية قربا من الشعر الذى يعتمد على البوح، او يلتصق بالذات المبدعة.      

الحب في زمن البى جى اس
وضع الكاتب شريف العصفورى رؤيته كاملة في العنوان، إلا انه لم يُفصح لقارئه عما يريده كرسالة من القصة، مستغلا أن القليل فقط هو من يعرف برنامج البى جى إس. غير أن الحب يمنى القارئ بالعودة إلى الرومانسية، فيشده إلى معرفة القصة. وإذا كان الحب من خصوصيات الإنسان، لايبوح به إلا لأقرب الأقربين إليه، فإذا كان الحب هنا يمارس في وسط مجهول، فلا بد أن الظرف قد تتغير، وهو ما سكت عنه الكاتب، كحيلة من حيل القصة القصيرة، سعيا وراء جذب القارئ للقراءة. فتستدعى قصة "الحب في زمن البى جى إس" إلى الذاكرة، رواية الإنجليزى جورج أوريل، تلك التي زرع الأخ الكبير فيها أجهزة التنصت داخل البيوت ليراقب كل حركات وسكنات الشعب. فهنا تستدعى القصة برنامج (البى جى اس) التي يستخدمها رجال الامن الوطنى، والتى يستعين بها للتعرف على مكان أي إنسان، حتى لو لم يكن يفعل غير أن يمارس حريته. فالسارد، يقع في الحب رغم أنه لم يكن في تخطيطه. وتحضر البيئة لتفرض سطوتها على المحبين اللذين كانا يفضلان الغيوم، والمطر، وكأنه سياج يحمى خصوصيتهما. {طلبت هي الحضن الأول، كان صامتا طويلا.. صار طقسنا حضننا الصامت .. قبلت رأسها المحجب، ألف قبلة وقبلة، ثم القبلة الثانية بعد الالف مباشرة على الشفاه}، فالفتاة محجبة، وهو لم يطلب العناق، أي أن الأمور لم تخرج عن المألوف. رغم أنهما اتفقا على عدم الرد على التليفونات، إلا انه امام الإلحاح طلب منها أن ترد، لتلطم بعدها الخد وتصرخ، فتساءل عما حدث، لتخبره أن والدها طلبها، ولم ترد، وكانت قد طلبت منه القيام برحلة مع الكلية فرفض، فهددت بالانتحار. وظنا من الأب أنها انتحرت لجأ للجارة المتزوجة من أحد ضباط الأمن الوطنى، فاستخدم البرنامج لمعرفة المكان، وهم في الطريق إليها. وإلى هنا تبدو القصة –على المستوى الفردى-قصة عادية، لا تلفت نظرا، او تثير انتباها. إلا أن الكاتب لم يشأ ان يقدم (حدوته) للتسلية، ولكنه يشير إلى شيء يحدث على أرض الواقع، ويرسل بذلك رسالة إلى أن حرية الإنسان تُنتهك، بمعرفة هذا البرنامج، ومستخدميه، وهم جهاز الأمن الوطنى. إلى جانب أنها ترسل رسالة أخرى، وهو أن هناك الكثير من اختراعات التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب أنها تسعى لخدمة الإنسان. إلا ان هذا الإنسان ذاته، كثيرا ما يستخدمها استخداما شريرا، وكأن انسان العصر يسعى لتدمير الإنسان أكثر من سعيه لتيسير حياته على الأرض. ورغم أن الأخ والأخت والجارة وزوجها، قد اقتنعوا بما ألَّفته هي للنجاة من الموقف. بما يعنى أنهم اقتنعوا جميعا بأهمية البرنامج الذى ساعدهم باللحاق بالحبيبة قبل أن تنتحر. إلا أن القليل هو من يعرف الحقيقة، فيسألها والدها: مع من كنت؟ فيجتمع في القصة الرؤيتان المتجاورتان، دون انفصال. الرؤية الشخصية، والرؤية المجتمعية، والتي يمكن استخلاصها في كل الإبداع، رغم تنوعه.