نتذكره بأطروحته حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر والتي ظلت مرجعا أساسيا للباحثين والنقاد العرب، وقد حصل عليها من جامعة جنيف والتي بدأ العمل عليها في «السوربون»، بإشراف المستشرقِ الفرنسي الشهير "جاك بيرك". الشاعر والناقد الشهيد السوري كمال خير بك(1935- 1980)، والذي استشهد سنة 1980، هو ضيف ذاكرة شعرية للعدد الجديد من الكلمة والذي يواصل إرهاف ذاكرتنا الشعرية العربية لرواد الحداثة، وقد صدر للشاعر العديد من الدواوين منها دفتر الغياب، ومظاهرات صاخبة للجنون، وداعا أيها الشعر، والبركان الأنهار لا تعرف السباحة في البحر.

قصائد

كـمال خـيـر بك

 

1 ـ منفى

نحن الكلمات المنفية

نحن الصدفات المرمية

في قاع العالم، في آبار الوطن

نحن الأوراق المنسية

في جيب الريح، و في أدراج الزمن.

لكنا نبقى،

نحن البحر، ونحن الغرقى

نحن المطرُ.

من يسمع هذا الشاعر يبكي،

ريشته تبكي،

فوق رصيف الليل،

تقوس، تنكسرُ ..

***

 

2 ـ أسئلة

الحياة تراكم كالقش حول صراخي

والصدى زهرة ذابله

تتساقط فوق حطام القصائد، فوق حطام الرؤى الماحلة،

اليد التي قبلوها انحنت واستقامت

والرياح التي اسرجوها مضت. من صهيل

الرياح، وأي أضاف إلى الأرض صوتاً،؟

وأي الخناجر أكثر موتاً؟

وأي الكلام يقين؟

***

 

3 ـ زواج مع الموت

يا أصحابي اني تركت لكم أشعاري ومجاذيفي

في أدراج الصيف

ووهبت لكم عصر الوطواطْ

فغداً حين يمزق جلدي

هذا الملك الضيف

سأغادر من بوابة نهدي

كي أقطن كوناً من مطاطْ.

الساعة ترضع أنفاسي

ما أقسى دقات الساعة

والجمهور الغاصب يغلي

ويحطّم جدران القاعة :

لا تغضبْ يا طفلي الأحمقْ،

يا أسيادي المخلوعين

الكلمات الحلوة أضيق

من ضحكات المعتوهين.

هذي سفني المجنونة

سفن الرفض ِ

تمخر أحجار الأرض.

سئمت، سئمت روحي

هذي الشَفة الرْخوة

ماء البحر

فلتسكت أفواه الحبر

ولتنطقْ آذان الصخر

هذا العالم، شيخ، يشتم، يجري

نحو سرير القبر ..

إن الموت جنون أخضر يغري.

 

4. قصور الجريمة

وجههم يغزو عصافيري وأصنامي الصغيره
وجههم يفقأ عينيه على وجهي،
وأقداري، وحبي
ويغطي، عن عيوني، وجه ربي
وجههم وجهي الذي ماتت به شمس الظهيره.
اتخموني، اتخموا مستقبلي
بسراب الامل ِ
جَّوعوني، جوعوا حزني الخصيب
بالهتافات العقيمه
وبنوا، في كوخي الحر الحبيب،
الف قصر للجريمه.

***  

 

5. مسرح

مثلكم تتراكض كل العصافير في شجر الاعتقال
مثلكم يتصاعد صوت الينابيع ذبحاً، و بعض الرجال
حاصروا الشاهد الوحيد على مسرح الاغتيال
مثلكم، كنت ملقى وجرحي
ساهر، يتنفس صوت الرصاص، وحولي وطن هارب ( كنت ميتاً
مرّ من جانبي، رآني
مرّ من جانبي حارس الجرح، لكنه لم يشأ أن يراني.

 

كمال خير بك شاعر ومقاوم سوري ولد في مصياف عام 1935 تعود أصول عائلته إلى مدينة القرداحة بمحافظة اللاذقية، منتمي للحزب السوري القومي الاجتماعي، بدأ تعليمه الابتدائي في مدارس اللاذقية ونال الشهادة الثانوية فيها، وبرزت موهبته الشعرية في بداية شبابه، حيث بدأ بكتابة الشعر وهو في سن الـ15، حتى أنه عارض الشاعر «بدوي الجبل» في قصيدته الشهيرة «خالقة» من خلال قصيدة نظمها مستخدماً نفس القافية والوزن ولكن برؤيته المختلفة كلياً عن رؤية البدوي. انتقل إلى بلدة الكورة في شمال لبنان بداية عام 1952 وعاش فيها وتزوج من نجاة نجار وله منها ولده الأول زياد، ثم انتسب للحزب السوري القومي الاجتماعي، حصل كمال خير بك على دكتوراه في الأدب العربيِّ من جامعة جنيف عبر أطروحته «حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر»، والتي بدأ العمل عليها في «السوربون»، بإشراف المستشرقِ الفرنسي الشهير "جاك بيرك"، ثمّ أتمّها في جامعة جنيف عام 1972، صدر له أربعة دواوين شعرية واستُشهدَ كمال اغتيالاً سنة 1980 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.