(عن وكالات، جرائد ومواقع الكترونية): «النكبة ليست من الماضي، النكبة مستمرة إلى اليوم» (إلياس خوري)
توفي الكاتب والناقد الأدبي والأكاديمي اللبناني إلياس خوري اليوم الأحد عن 76 عاما، وفق ما أفاد به مقربون منه، بعد مسيرة قدّم خلالها مؤلفات حظيت بتقدير عالمي وعُرف فيها بكونه من أبرز الأدباء المناصرين للقضية الفلسطينية. وقال مقربون من الأديب والصحافي الذي استمر في الكتابة حتى آخر أيامه إن خوري المولود في بيروت سنة 1948 توفي صباح الأحد بعد معاناة جراء مشكلات صحية في الأمعاء استدعت مكوثه في المستشفى للمعالجة أشهرا طويلة.
وإلى جانب كونه كاتبا وروائيا مبدعا، عُرف إلياس خوري بمناصرته الثابتة للقضية الفلسطينية. وروايته الأشهر "باب الشمس" التي نُشرت عام 1998، تُعتبر عملا أدبيا بارزا في هذا السياق، حيث تناول فيها سردا مؤثرا لتجربة اللاجئين الفلسطينيين وتاريخهم. الرواية بُنيت على أصوات اللاجئين وحكاياتهم الشخصية، وهي تجسد معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل حقه في العودة والحرية. وتحولت روايته "باب الشمس" إلى فيلم سينمائي، وهذا زاد من انتشار قصته وأثرها.
استمر خوري طوال حياته في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، سواء من خلال رواياته أو مقالاته الصحفية، مؤكدا على أن الأدب يمكن أن يكون أداة نضال ومقاومة ضد الظلم. وإلى جانب عمله الروائي، كان إلياس خوري ناقدا أدبيا بارعا. وعمل محررا في عدد من الصحف والمجلات الثقافية، مثل مجلة "الكرمل"، وكان له دور كبير في تطوير النقد الأدبي الحديث في العالم العربي. كما عمل أستاذا للأدب العربي في الجامعة اللبنانية وفي عدد من الجامعات العالمية، حيث نقل خبراته لطلاب الأدب والشباب الطامحين في مجال الكتابة.
يتميز أسلوب خوري بالسلاسة والعمق، حيث يدمج بين الواقع السياسي والإنساني، وهذا يجعل أعماله تعكس المأساة الفلسطينية وتجارب الحرب الأهلية اللبنانية. ويعدّ إلياس خوري من الروائيين العرب الذين يتخذون من الرواية وسيلة للمتعة والمعرفة؛ في تجربة متنامية تتراكم فنا وإنجازا ضمن رؤية حداثية توظف التراث العربي والعالمي، وتحتل القضية الفلسطينية حيزا كبيرا في رواياته.
وأفاد مقربون من الأديب والصحافي الذي استمر في الكتابة حتى آخر أيام حياته، أن خوري، المولود في بيروت سنة 1948، تُوفي صباحا بعد معاناة جراء مشكلات صحية في الأمعاء استدعت مكوثه في المستشفى للمعالجة أشهرا طويلة. وبدأ خوري، المولود في كنف عائلة مسيحية أرثوذكسية في منطقة الأشرفية في بيروت، الاهتمام بالقراءة منذ الصغر، وتأثر خصوصا بأعمال الروائي اللبناني جرجي زيدان وروايات من الأدب العربي والروسي الكلاسيكي. وأظهر منذ شبابه تأييدا للقضية الفلسطينية، وكان مؤيدا للمقاومة الفلسطينية عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، قبل الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وقد كتب العديد من الروايات أهمها "باب الشمس" و"الجبل الصغير" و"يالو"، كما أصدر العديد من الدراسات كان من أهمها "تجربة البحث عن أفق" و"زمن الاحتلال" وهما كتابان نقديان صدرا على التوالي في عامي 1984 و1985. وحاز جائزة فلسطين للرواية عن رواية باب الشمس 1998، وجائزة الرواية المترجمة عن رواية مملكة الغرباء 1996، كما ترجمت رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والسويدية والنرويجية والعبرية.
ويزخر رصيده الأدبي بأعمال كثيرة تناول فيها موضوعات متنوعة تشمل الذاكرة والحرب والمنفى، وقد تُرجمت إلى لغات عدة منها الفرنسية والإنكليزية والألمانية والعبرية والإسبانية. ومن مؤلفاته "الوجوه البيضاء" و"رائحة الصابون" و"أبواب المدينة" و"مجمع الأسرار" و"رحلة غاندي الصغير". لكن أشهر رواياته هي "باب الشمس" الصادرة سنة 1998، وتتمحور حول نكبة الفلسطينيين ورحيلهم القسري عن أراضيهم أثناء قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقد حُوّلت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي بتوقيع المخرج المصري يسري نصرالله. حتى إن ناشطين فلسطينيين شيدوا سنة 2013 مخيما سموه "قرية باب الشمس" على أراض خاصة تعود ملكيتها لفلسطينيين، وذلك احتجاجاً على توسع إسرائيل في بناء مستوطنات وعمليات الإخلاء القسري في الضفة الغربية المحتلة.
وعمل خوري أيضا في السلك الأكاديمي، إذ درّس في جامعات عدة في الولايات المتحدة ودول عربية وأوروبية، وكان أستاذا زائرا للأدب العربي الحديث والأدب المقارن في جامعة نيويورك في 2006. وإلى جانب القضية الفلسطينية التي تناولها في روايات عدة، تطرق خوري أيضا إلى الحرب اللبنانية (1975 – 1990) في العديد من أعماله، بينها "الجبل الصغير" في سبعينات القرن العشرين. ونال خوري خلال مسيرته الطويلة جوائز عربية وعالمية عدة، بينها جائزة سلطان بن علي العويس سنة 2007. كما له الكثير من الدراسات النقدية والمجموعات القصصية المتنوعة.
غزة "نموذج لحب الحياة"
كان لخوري أيضا تجربة صحافية طويلة، إذ ترأس خلال الفترة من 1975 إلى 1979 تحرير مجلة "شؤون فلسطينية" بالتعاون مع محمود درويش. كما كان مدير تحرير مجلة الكرمل من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة السفير من 1983 إلى 1990.
واستمر خوري الذي ترأس أيضا تحرير الملحق الثقافي لجريدة النهار اللبنانية، في الكتابة حتى الأسابيع الأخيرة من حياته، رغم دخوله المستشفى ومعاناته مع المرض. وفي مقال خطّه من سريره في المستشفى في تموز/يوليو بعنوان "عام من الألم"، استذكر خوري معاناته من "وجع لا سابق له"، وكتب "غزة وفلسطين تُضربان بشكل وحشي منذ ما يقارب العام أيضا، وهما صامدتان لا تتزحزحان. إنهما النموذج الذي أتعلم منه كل يوم حب الحياة".
وفور انتشار نبأ وفاة خوري، انتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي رسائل تعزية كثيرة من لبنان والبلدان العربية، أشاد أصحابها بالأديب الراحل وبرفعه لواء القضية الفلسطينية بلا كلل على مدى عقود.
ونعت المفكرة والناقدة اللبنانية علوية صبح "رفيق العمر لسنوات"، ووصفته بأنه "أديب كبير وصديق كبير، و"رمز من رموز الرواية العربية الحديثة" الذي كان له "عالم خاص محوره قضية فلسطين".
من جهته، نعى الكاتب اللبناني حسن داود الروائي "الكبير" الذي تشارك معه العمل في جريدة السفير التي توقفت عن الصدور قبل سنوات، مشيدا بـ"دفاعه المستمر عن حقوق النشر للكتّاب". وقال إن "الرواية اللبنانية ذهبت معه إلى أبعد مما كانت تصل" مع من سبقوه.
إلياس خوري روائي لبناني جمع بين هم الأدب ووجع فلسطين
تميزت رواياته بأصالة الأسلوب وعمق السرد، ومن أشهرها "باب الشمس" الصادرة عام 1998 وتناولت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وحُولت لاحقا إلى فيلم سينمائي. شارك في تحرير عدة مجلات وصحف، منها "الدراسات الفلسطينية" و"النهار" و"القدس العربي". وترجمت أعماله إلى لغات عدة وحصل على جوائز عديدة مثل جائزة فلسطين الكبرى وجائزة الثقافة العربية من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونيسكو). توفي في 15 سبتمبر/أيلول 2024 بعد معاناة طويلة مع المرض، واعتبر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين أن وفاته "خسارة كبيرة للمشهد الثقافي العربي".
مولد ونشأة إلياس خوري
ولد إلياس خوري في 12 يوليو/تموز 1948، بمنطقة الأشرفية بالعاصمة اللبنانية بيروت، لعائلة مسيحية أرثوذكسية من الطبقة المتوسطة، وتزوج وله أبناء. بدأ اهتمامه بالقراءة منذ صغره، متأثرا بأعمال الروائي اللبناني جرجي زيدان، وروايات من الأدب العربي والروسي الكلاسيكي.
الدراسة والتكوين العلمي
أكمل إلياس خوري دراسته الثانوية عام 1966 في بيروت، ثم درس التاريخ في الجامعة اللبنانية وتخرج منها عام 1971، كما حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس.
التجربة السياسية والأدبية لإلياس خوري
عرف عن إلياس خوري أنه أحد أبرز الأدباء المناصرين للقضية الفلسطينية، إذ زار عقب دراسته الثانوية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن عام 1967، وانضم في العام ذاته إلى حركة فتح إحدى فصائل فتح. غادر الأردن بعد أحداث "أيلول الأسود" عام 1970، وسافر إلى باريس، قبل أن يعود إلى لبنان شارك في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 وأصيب بجروح خطيرة.
منذ عام 1972 عمل خوري في مجلات وصحف عدة، منها مجلة "مواقف"، و"شؤون فلسطينية"، و"الكرمل"، و"السفير"، و"الدراسات الفلسطينية"، وصحيفة "النهار"، و"القدس العربي". كما شغل منصب المدير الفني لمسرح بيروت، وكان مديرا مشاركا لمهرجان سبتمبر للفنون المعاصرة.
تميزت رواياته بأصالة الأسلوب وسلاسة السرد وعمق تصوير المشاعر الإنسانية، ومن أبرزها "عن علاقات الدائرة"، و"أبواب المدينة"، و"رحلة غاندي الصغير"، و"مملكة الغرباء"، و"رائحة الصابون"، و"أولاد الغيتو". كما اشتهر بتأليف رواية "باب الشمس" عام 1998، والتي تناولت سردا مؤثرا لتجربة اللاجئين الفلسطينيين وتاريخهم، وحُولت إلى فلم سينمائي من إخراج المصري يسري نصر الله. ترجمت رواياته إلى لغات عدة، منها الإنجليزية والفرنسية والهولندية والألمانية والعبرية وغيرها، كما ألف 3 مسرحيات وكتب مقالات وكتبا نقدية.
وإلى جانب عمله كاتبا روائيا، درّس في جامعات محلية ودولية من بينها جامعة نيويورك وشيكاغو وجورج تاون وبواتييه (في فرنسا) وجامعة لندن وجامعة برلين والجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية والجامعة اللبنانية. وبشأن القضية الفلسطينية قال إلياس خوري في تصريحات إنه يعتبرها "قضية إنسانية، بل هي أكبر قضية إنسانية في الزمن الحالي". ووصف تجربته السياسية بأنها كانت "حماس شاب يشارك من خلال الحس الإنساني، والتماهي مع المهمشين والمقهورين لأنه واحد منهم".
المؤلفات والإنجازات
ألف إلياس خوري خلال مسيرته مجموعة من الروايات زادت عن 10، وترجمت إلى لغات عدة، من أبرزها:
عن علاقات الدائرة 1975.
باب الشمس 1998.
أبواب المدينة 1981.
رحلة غاندي الصغير 1989.
مملكة الغرباء 1993.
رائحة الصابون 2000.
إنها نائمة 2007.
سينالكول 2012.
أولاد الغيتو 2016.
كما حاز جوائز وأوسمة عدة منها:
جائزة فلسطين الكبرى عن روايته "باب الشمس".
جائزة الثقافة العربية من منظمة يونسكو عام 2011.
وسام جوقة الشرف الإسباني 2011.
جائزة كتارا للرواية العربية عام 2016.
توفي إلياس خوري يوم الأحد 15 سبتمبر/أيلول 2024، عن عمر ناهز 76 عاما، بعد معاناة مع مرض استدعى مُكثه في المستشفى أشهرا طويلة. ونعاه أدباء وكتاب وفنانون من مختلف الدول العربية، منهم المؤرخ اللبناني فواز طرابلسي، والروائي الفلسطيني أحمد حرب، ورسام الكاريكاتير السوري سعد حاجو، والشاعر المصري زين العابدين فؤاد.
ونعته حركة فتح معبرة عن "فخرها واعتزازها بهذه القامة الروائية وبما جسدته من إرث سيكون وثيقة لكل الأجيال السابقة واللاحقة ولسان حق فلسطيني بلغات الإنسانية المؤمنة بنضال شعبنا الفلسطيني وصولا للحرية والخلاص". واعتبر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وفاته "خسارة كبيرة للمشهد الثقافي العربي"، مؤكدا أن "إرثه سيبقى أمانة للأجيال المتعاقبة".
مسار مثقف ملتزم
كتب إلياس خوري في القصة والرواية والمسرح والنقد الأدبي، ودرّس في عدد من الجامعات العربية والأوروبية، وكان أستاذاً زائرا للأدب العربي الحديث والأدب المقارن في جامعة نيويورك عام 2006. استهواه العمل في المجال الإعلامي والصحافة الثقافية، فانضم إلى مجلة «مواقف» عام 1972، وأصبح عضوا في هيئة تحريرها، وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة «شؤون فلسطينية» بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محررا لسلسلة «ذكريات الشعب» الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة «الكرمل» من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة «السفير» من 1983 إلى 1990، ورئيس تحرير الملحق الثقافي لصحيفة «النهار» من عام 1992 إلى عام 2009، ورئيس تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية» حتى أوان رحيله. وكان عموده في جريدة «القدس العربي» الذي دأب على تحريره منذ سنوات طويلة، ذا صيت كبير بين قرائه.
وفي جميع كتاباته كان الراحل مثقفا مهموما بما يجري في الوطن العربي، وملتزما بالدفاع عن قضاياه المصيرية، وفي طليعتها قضية فلسطين، التي التحم بها وآمن بعدالتها إيمانا صوفيا.
من أشهر أعماله في الرواية التي تميزت ببنائها المعقد، في ما هو يتناول الموضوعات السياسية والأسئلة الوجودية، نذكر رواية «باب الشمس»، التي أعادت سرد الحياة الملحمية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان منذ نزوحهم عام 1948، وقد أُنتجت كفيلم سينمائي يحمل العنوان نفسه للمخرج المصري يسري نصر الله عام 2002؛ ورواية «رحلة غاندي الصغير» التي تدور حول مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال أحداث الحرب الأهلية. تُرجمت مؤلفاته الأدبية والفكرية إلى أكثر من عشر لغات، وحاز جائزة اليونسكو للثقافة العربية لعام 2011 تقديرا للجهود التي بذلها في نشر الثقافة العربية والتعريف بها عبر العالم.
القضية الفلسطينية
نادر الحدوث أن يتعاطى المشهد الثقافي والأدبي الفلسطيني مع أديب عربي على أنه فلسطيني تماما، فهذا إجماع نادر استحقه الروائي اللبناني إلياس خوري. وبمجرد أن انتشر خبر رحيل إلياس خوري حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات التعزية، فيما نعت الجمعيات والمؤسسات الثقافية الراحل، وقدمته على أنه فلسطيني الهوية والهوى، إنه حالة نادرة من الرحيل، فرحيله يعني أن تفقد فلسطين واحداً من عشاقها وواحد من أبرز الأصوات وأنقاها وأجملها. كانت القضية الفلسطينية هي شاغل الراحل من خلال كتاباته، سواء الإبداعية أو النقدية، وكذا مقالات الرأي، وكما يقول هو إن «القضية الفلسطينية بالنسبة لي هي قضية وطن بأكمله وليست قضية الفلسطينيين وحدهم». لذا حاول خوري صياغة تفاصيل هذه القضية من خلال استعادة الذاكرة وبالتبعية استعادة تأسيسها، وتعتبر روايته «باب الشمس» من أهم ما كُتب أدبياً عن فلسطين، ولكن ليس في صيغة نضالية مباشرة، وهو ما يضرب أغلب الكتابات التي تناولت حياة الفلسطينيين، فالأمر موقف إنساني في المقام الأول، أو كما يقول إلياس في أحد حواراته.. «أنا كاتب ملتزم بالمعنى الإنساني للكلمة. لم أكتب (باب الشمس) لأنني ملتزم فلسطينياً أبداً بل لأنني ملتزم بإنسانيتي. ومن لا يلتزم مع فلسطين، لا بد عنده مشكلة في إنسانيته وليس في عروبته. وحين ندرس النكبة، فباعتبارها لا تزال تحدث الآن».
فقيد فلسطين وابن قضيتها
على المستوى الفلسطيني الرسمي نعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» الراحل إلياس خوري في بيان رسمي قالت فيه إن خوري رحل بعد مسيرة نضالية طويلة كرسها من اجل فلسطين، وسخّر فيها قلمه وإبداعه ونشاطه لتوثيق السردية الفلسطينية وحماية الحق وإيصال الصوت الفلسطيني إلى كل مكان.
وجاء في البيان أن الحركة تسجل فخرها واعتزازها بهذه القامة الروائية وبما جسدته من إرث سيكون وثيقة لكل الأجيال السابقة واللاحقة ولسان حق فلسطيني بلغات الإنسانية المؤمنة بنضال شعبنا الفلسطيني وصولا للحرية والخلاص من الاحتلال.
وتحفظ الحركة لهذه القامة الروائية الوطنية تاريخ التصاقه بالقضية وكل ما قدمه لفلسطين من ترأسه لمجلة شؤون فلسطينية، وأداة للتحرير في جريدة الكرمل، وتحرير سلسلة ذكريات الشعب في مؤسسة البحوث العربية، وأصدره مجموعة من الروايات اللافتة والتي كان أبرزها «باب الشمس» قصة اللجوء الفلسطيني التي اعتبرت واحدة من ضمن أفضل 100 رواية عربية ترجمت لأكثر من عشرة لغات.
كذلك نعت شخصيات أدبية فلسطينية الراحل على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كتب الأكاديمي والشاعر الفلسطيني عبد الرحيم الشيخ في رثاء صديقة خوري نصا مكثفا مليئا بالاستعارة والدلالات، حيث قال: «لم أتخذ بيرقا للقتال، ولا خاتما للرسائل، ولا رشوت الخلود، بالحناء والتوابيت. لم أرتجل خطبة قبل موتي. وحين حاربت، ولا حرب إن غاب العدو، لم أنتصر، في مديح الخسارة، ولم أنكسر. وقعت على سيفي، قبل أن أقرأ الملامة في عيون الشهود إذ ناصبوني العداء قبل أن يعرفونني: يا له من عاشق! يا لها من عاشقة! يا له من نزال! في الحب حرب، قلبان، جيشان، لا سحابة، ولا غابة، ولا انتظار للبرابرة، ولا للمغول. لا حل في الوهم، تجلسه إليك، ولا منّ في الوقت، تسقطه عليك، ولا خريطة.. فالورد أبيض، في الكف، صامت، والروح بيضاء، على ثقفة الرمح، تصرخ، الآن: لحظة، لحظة، لحظة… كي أزرع القلب وردة في جبال الجليل».
أصوات فلسطينية
أما الناقد والأكاديمي الفلسطيني عادل الأسطة فتذكر مع رحيل خوري، اليوم الذي رحل فيه عميد الأدب العربي طه حسين، كان ذلك في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 حيث قال: «لم يلتفت إلى خبر موته لانشغال الناس بالحرب ومتابعتهم لها، وفي حرب أكتوبر 2023 / 2024 يرحل علم كبير مهم من أعلام الرواية العربية نصير الحق الفلسطيني الروائي إلياس خوري. وتابع معلقا على عمل روائي بقي معلقا مع رحيله: «الرواية لم تكتمل.. كنا بانتظارها».
أما الشاعر الفلسطيني والأديب غسان زقطان فعلق على رحيل خوري قائلا: «سلّم من الندوب العميقة رحيل الأصدقاء.. إلياس خوري الراحل بكامل جماله.. وداعا». وتابع معلقا على رحيله في ظل رحيل أخيه الأكبر قبل أيام: «أيقظتني من حزني وأخذتني الى حزني».
الكاتب والشاعر وسيم الكردي استحضر لقاءه الأول مع الراحل خوري في نص شاعري، حيث كتب على صفحته على الشبكة الاجتماعية قائلا: «التقيته مرة واحدة، في مسرح المدينة في بيروت، كانت الحياة تطل من بين يديه كأغصان متشابكة، ترسم الفضاء بنسغها. كانت تنبت من بين كلماته، نظراته، نبضاته.. وتطل على كل وقت. وتأخذنا معها إلى نصوصه قصصه وروايته.. ولكنها كانت تأخذنا أيضا إلى معنى أن يكون المرء إنسانا ذا رؤية وخطوة وهوية.. في حياته حياة وفي موته حياة، إنه إلياس خوري».
أما الروائي ربعي المدهون فقدم خوري بصفته الإنسان والروائي الذي أثرى الرواية الفلسطينية وأغنى السرد العربي. بدوره استحضر الباحث الفلسطيني عماد موسى مقطعا من رواية «باب الشمس» جاء فيه: «ترمي في حفرة جماعية. يغيب الناس لأن لا اسماء لهم، ويصبحون مجرد أرقام، هذا هو الرعب يا ابني، الرعب هو الرقم، لذلك حمل الناس صور الموتى والمفقودين، وجعلوها بديلا عن الأسماء».
وتابع: «قام خوري في تحفته «باب الشمس» بالتشمير عن ساعديه وخاض في عبء الذاكرة ورعب النسيان، وما كان لأحد من الكتاب العرب أن يكون بهذا القرب من ضمير أهل فلسطين. وما استطاع أحد عرباً أو فلسطينيين قبله من أنسنة النكبة وتجاوز جمود التاريخ». وأضاف موسى: «وُلد في عام النكبة، وغادرنا اليوم».
وكتب نور مصالحة الأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني الذي يقيم في بريطانيا، على صفحته على شبكة فيسبوك قائلا: «هناك الكثير من الأشياء الرائعة التي يمكننا أن نقولها عن إلياس خوري، بما في ذلك حبه لفلسطين والتزامه بها». وتابع: «لكن هذا الشخص جسد أيضا أفضل ما لدينا في العالم العربي».
كثر أيضا تذكروا مقاطع معروفة من أعمال خوري الروائية ومن هؤلاء فنان الكاريكاتير الفلسطيني محمد سباعنة، الذي انتقى عبارة: «الإنسان يرث بلاده كما يرث لغته، لماذا نحن فقط من بين كل شعوب الأرض علينا أن نخترع وطننا كل يوم!». أما الروائي أكرم مسلم فوصف خوري بـ«الفدائي الحبيب والمُحبّ» وتابع: «كم اتّسعتَ بفلسطين وكم اتّسَعتْ بك!».
وكتب المخرج المصري الذي يقيم في إسبانيا باسل رمسيس بعد ساعات على رحيل خوري قائلا: «جزء من الأهمية الشديدة لإلياس خوري.. ليس موقفه من فلسطين ومشروع التحرر فقط. هذا موقف ينبع من وعي وقناعات فكرية وسياسية. الجانب الذي لمع به إلياس خوري بشكل كبير أنه لم يكن من جماعة الاصطفاف الأعمى وراء أي جهة».
محمود درويش
ربطت إلياس خوري بالشاعر محمود درويش علاقة أدبية وفكرية وشخصية، فقد التقى الاثنان في بيروت وعملا معا في مركز الأبحاث الفلسطيني وفي مجلة «شؤون فلسطينية» ومجلة «الكرمل» وكتب خوري العديد من الدراسات حول أشعار درويش. هذه الأشعار الذي يستحضرها في رواياته، خاصة «أولاد الغيتو» بجزأيها تحضر تأويلات نقدية وآراء ظاهراتية فيها، من خلال شخصيات روائية يختفي إلياس وراءها، فما يرد على لسان الشخصيات الروائية يرد في دراسات إلياس ومقالاته. وبما أن الموضوع الفلسطيني هو موضوع «أولاد الغيتو» بجزأيها، وبما أن أحداث الرواية يجري قسمها الأكبر في فلسطين في الفترة التي عاصرها الشاعر، فإن حضور بعض تجاربه يحضر في الرواية، وأبرز تجربة وأكثرها شهرة هي علاقة الحب التي ربطته بالفتاة اليهودية التي كتب فيها القصائد. إنها ريتا، الدال الرمزي لفتيات يهوديات عرفهن الشاعر.
إدوارد سعيد
يرى إلياس خوري أن قارئ الأدبين الفلسطيني والإسرائيلي يجد تفوقاً أخلاقياً في الأدب الفلسطيني، وهذا هو الذي جعل إدوارد يقول: إن المثقفين الإسرائيليين هم مجرد مثقفي ضواحي. والعبارة أوردها إلياس في مقاله «إدوارد سعيد: المثقف اليهودي الأخير». وإذا كانت مقالات إلياس ومقابلاته لا تخلو من ذكر إدوارد، فإن رواياته أيضا لا تخلو من هذا الجانب، سواء على لسانه أو على لسان شخوصه. ففي رواية «باب الشمس» (1998) يرد اسم إدوارد سعيد على لسان بعض الشخصيات، حين يأتي السارد على استقباله كاترين الفرنسية، التي جاءت لتمثل نصاً مسرحياً كتبه جان جينيه، وتسأل هذا السارد: لماذا يكره الناس الفلسطينيين؟ يجيب: احترت ماذا أقول لها. أأخبرها عن تمزق الحرب الأهلية، أم أقول لها ما قالته نهيلة للضابط الإسرائيلي: نحن يهود اليهود. إن عبارة «الفلسطينيون هم يهود اليهود» عبارة كان إدوارد يعلمها لطلابه، ويقولها على مسامع أصدقائه. (عادل الأسطة، مقال بعنوان إلياس وإدوارد)
وفي حوار متخيّل كتبه خوري، إدوارد سعيد، يقول.. أعرف أن الأموات يستطيعون مخاطبتنا، لكننا لا نعرف كيف يستطيع الأحياء التحاور مع الموتى.. لم أكن اعتقد قبل ذلك أن للموت طعم الجريمة.
سؤالي هو عن نوع جديد من المنفى يسود اليوم في العالم العربي، ويحتاج إلى نقاش جديد، افتراضي هو أن مثقف المشرق العربي صار منفيا في وطنه. كيف أجرؤ على قول هذا وسط الربيع العربي، وبعد إسقاط النظامين الاستبداديين في مصر وتونس؟ هل قَدَرنا أن نختار بين شكلين من الاستبداد: العسكري والأصولي؟ أم هو خطؤنا نحن؟ هذا هو المنفى الجديد الذي نواجهه، وأنا متأكد من أنك تعرف معنى ما أقول. (من كلمته في الجامعة الأمريكية في بيروت، في الذكرى العاشرة لرحيل إدوارد سعيد).
المثقف بأل التعريف
كتب العديد من المثقفين المصريين والعرب في صفحاتهم على فيسبوك عدة عبارات في رحيل إلياس خوري ـ وإن كانت معظمها كليشيهات الوادع المعهودة، إلا أن منها المختلف قليلاً، نذكر منها ما كتبه الروائي المصري رؤوف مسعد. «من يترك إرثاً ثقافياً مهماً في الكتابات النقدية والروائية مثل إلياس خوري لا تغادرنا روحه الوثابة الخالقة المبدعة مع جسده الفاني».
وكتب الباحث الاجتماعي والكاتب عمار علي حسن.. «رحل عن دنيانا اليوم الأديب اللبناني إلياس خوري صاحب العطاء الغزير في عالم الثقافة، فهو الروائي والقاص والمسرحي والناقد والأكاديمي، الذي قام بتدريس الأدب العربي في جامعة نيويورك، والمحرر الثقافي الأول في صحيفة «النهار» لسنوات طويلة، ومع كل ذلك هو الإنسان الودود. غياب خوري خسارة كبيرة للثقافة العربية، وعزاؤنا أنه سيظل موجودا بما تركه من كتب أدبية متنوعة. رحمة الله عليه».
وكتب الروائي والناقد المغربي أحمد المديني تدوينة على «فيسبوك» جاء فيها «يوم حزين للرواية العربية والأدباء العرب في لبنان وكل مكان، برحيل الكاتب الملتزم والروائي الفذ إلياس خوري، عزاؤنا واحد في هذا الفقد الجلل ولروحه السلام».
وكانت تربط الراحل علاقة قوية بالثقافة المغربية والمثقفين المغاربة، عبّر عنها في مقال نشره العام الماضي في صحيفة «القدس العربي» من باب التضامن مع المغرب إثر فاجعة زلزال «الحوز» حيث كتب «تذهب إلى المغرب لتتعلم دروس الأساتذة الكبار في زمننا: عبد الكبير الخطيبي الذي أخذنا إلى الخط العربي؛ محمد برّادة الذي نقل المشرق إلى المغرب، مثلما نقل المغرب إلى المشرق؛ محمد بنّيس الذي رسم الشعر المشرقي مغربياً؛ عبد الله العروي مفكّر النهضة الجديدة؛ عبد اللطيف اللعبي الشاعر الذي حوّل الفرنكوفونية إلى أحد أشكال اللغة العربية؛ فاطمة المرنيسي التي هي إحدى رائدات الدراسات النسائية؛ وطبعاً من دون أن ننسى جان جينيه وصديقته ليلى شهيد. وفي المغرب تعلّمنا أخيراً من عبد الفتّاح كيليطو كيف نقرأ التراث ونعيد قراءة ماضينا بحاضرنا، وحاضرنا انطلاقاً من ماضينا».
ويضيف «هذا المغرب الشاسع الجميل الذي تفوح منه روائح مطبخ زرياب التي حدّثنا عنها للمرة الأولى الكاتب السوري فاروق مردم بك، والتي هي روائح الحضارة والنكهة والعادات الجميلة، كلها تأتي من هناك، من أرض هي لنا أرضٌ نعود إليها لأننا لم نخرج منها يوماً، لأنها كانت ولا تزال بلاد الجمع بين العرب والبربر، بين التواريخ المتعددة لثقافتنا العربية ولحياتنا العربية».