يكشف الكاتب العراقي في هذا التقرير عن مهازل دولة التجديد الديمقراطي على الطريقة الطائفية، وعن السبل التي تتم بها المساومات على القوانين التي تتقدم بها الكتل المختلفة كل لمصالحها الفئوية الضيقة، وكيف أن هذا كله يتم على حساب الشعب العراقي ومستقبله، وهو الكتلة الغائبة عن تلك المحاصصات الطائفية وديموقراطيتها الزائفة.

موضوعات خطيرة بحاجة إلى مكاشفة تفصيلية صريحة

عصام الياسري

 

ما بين فيلم نور زهير في سرقة القرن، والمقترح النيابي لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وشبكة محمد جوحي وتورطه في التسجيل السمعي بصري في محيط مكتب رئيس الوزراء السوداني مع عدد من الضباط والموظفين، وخروج القاضي حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة في البرلمان العراقي للكشف في مؤتمر صحفي عن معلومات خطيرة، هناك العديد من الحلقات المفقودة التي عقدت الأمر على إيجاد مخرج لضبط إيقاع "الحبكة" التي أراد لها المخرج في نص السيناريو الذي وضعه، لتكون، بداية خاتمة النهاية السعيدة "هبي أند" حقيقي لأفعال البشر في دولة التجديد الديمقراطي على الطريقة الطائفية.

كشفت مؤخرا وسائل الإعلام من أن برلمانيين من القوى الكردية والسنية والشيعية اجتمعوا في مطلع شهر أيلول لمناقشة التصويت في البرلمان على ثلاثة قوانين مقترحة سابقا في سلة واحدة، بصفقة تمت نتيجة "مساومات"، من بينها، مشروع قانون تعديل الأحوال الشخصية العراقي المثير للجدل، مقابل تعديلات تقدمت بها الكتل البرلمانية الشيعية في الإطار التنسيقي. والثاني، مشروع قانون العفو العام الذي تطالب به الكتل البرلمانية السنية. والقانون الثالث، الذي تطالب به الكتل الكردية "إعادة الممتلكات" التي شملها بعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل إلى أصحابها. ولم يتضح بعد متى سيتم التصويت على تلك القوانين الثلاثة.

وشهد الاجتماع الذي استمر لساعات نقاشات حادة ومشادات بين الحاضرين، إلا أنه أسفر في النهاية عن موافقة الكتل على التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية "لامتصاص ردود الفعل المحلية الغاضبة وتجنب استفزاز المنظمات الحقوقية الدولية"، ورفع السن المقترح لزواج الفتيات إلى 15 عاما بديلا عن "تسع سنوات". فيما طالب رؤساء الكتل البرلمانية الكردية بإلغاء آثار سياسة التعريب التي انتهجها نظام حزب البعث المحظور. وكان مشروع إقرار قانون "إعادة العقارات" الذي تقدمت به الكتل البرلمانية الكردية أحد أبرز الخلافات مع زعماء الكتل البرلمانية السنية.

مشروع قانون "العقارات" ذلك، يقترح إعادة الأراضي إلى أصحابها الأكراد والتركمان، لكن زعماء السنة يرون أن هذا سيكون قرارا "غير عادل" بحق ملاكها الحاليين من العرب والسنة الذين عاشوا على هذه الأراضي واستثمروا فيها على مدى العقود الخمسة الماضية. لكنهم اتفقوا على أن تشكل الحكومة المركزية لجانا لتقييم هذه الأراضي بأسعارها الحالية ودفع قيمتها إلى أصحابها الأصليين، على أن يتم تخصيص مبالغ التعويض وإدراجها في الموازنة السنوية والتصويت عليها لاحقا.

ويقول أحد النواب الكرد: إن هذه المشكلة لم تحل لأكثر من عقدين من الزمن بسبب عدم وجود اتفاق بين الكتل البرلمانية. "الآن تم الاتفاق على كيفية حلها ونحن ننتظر التصويت على القانون في مجلس النواب"، إلا أنه أضاف "لن يكون هناك تصويت الآن لأن الاتفاق يتطلب التصويت على القوانين الثلاثة في جلسة واحدة.. بمعنى، علينا أن ننتظر حتى تنتهي الكتل من إستكمال "المساومات" للمضي لتحقيق مصالحها الفئوية على حساب الدولة والمجتمع لنعرف ماذ سيحل بتعديلات قانوني الأحوال الشخصية والعفو العام.  

وعلى صعيد الانتخابات المبكرة، فعلى الرغم من بعض الاستقرار السياسي في البلاد، فإنه، بناء على الأحكام المتعلقة ببرنامج حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ليس من المرجح على المدى المنظور القيام بمثل هذه التدابير. إلا أن المحللين القريبين من "الإطار التنسيقي" أشاروا، بأن الانتخابات المبكرة مدرجة في برنامج حكومة السوداني، إلا أن الظروف السياسية الحالية في العراق لا تستلزم مثل هذه الخطوة. وفي مقابلة مع موقع "المنطقة الجيدة ـ الإخباري"، ناقش سامي الجيزاني العضو البارز في تيار الحكمة إمكانية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، مشيرا إلى أنه على الرغم من أنها جزء من برنامج الحكومة، إلا أن "ظروفا وبيئة محددة" مطلوبة لتنفيذها. وأكد أنه في حالات عدم الاستقرار أو الجمود السياسي، يمكن النظر في إجراء انتخابات مبكرة لمعالجة القضايا التي تشهدها البلاد. إلا أن هناك من يشيرون إلى أن الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، قد تكون "استراتيجية" لممارسة الضغط السياسي من أجل التنازلات أو استعادة السلطة المفقودة.

وفيما يعاني العراق بسبب تدني منسوب المياه من التغير المناخي والتصحر، تشهد العمليات العسكرية التركية داخل العراق تنامي ملحوظ بعد توقيع وزيري دفاع العراق وتركيا مذكرة تفاهم في منتصف أغسطس في أنقرة تهدف بحسب مسؤولي الجانبين، إلى تعزيز الجهود ضد حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، الذي يحافظ على وجود عسكري في المناطق الجبلية في إقليم كردستان شمال العراق على مدى العقود الأربعة الماضية. وجاءت مذكرة التفاهم في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق في أبريل ـ نيسان الماضي وتعهد تركيا خلال الزيارة بتزويد العراق احتياجاته المائية، إلا أن ذلك لم يحدث ولم يمارس الجانب العراقي لحد الساعة ضغوط تذكر على أنقرة ومنها خفض التعامل التجاري والصناعي. على العكس، فإن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، تحدث عن تعزيز التنسيق من خلال رفع مستوى التعاون الأمني الثنائي بين الطرفين، دون أن يفسر ـ لمصلحة مَن؟ ـ وما فائدة العراق وكيف؟.

الخلاصة: رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يتولى السلطة منذ أكتوبرـ تشرين الأول 2022، وعد انتهاج خطة سياسة موجهة نحو التنمية الخدمية وتحسين الوضع الاجتماعي ومكافحة الفساد والتضخم. إلا أن، تضارب المصالح بين مختلف المعسكرات السياسية والعرقية والدينية، والفساد والهياكل الإدارية غير الفعالة، جعلت من الصعب حتى الآن تنفيذ برنامجه الحكومي، مما يضع البلاد أمام تحديات هائلة وحرف الجهود الشعبية لتحقيق الإصلاح والعدالة الاجتماعية بإتجاه معاكس يزيد من عدم الثقة بالحكومة وتراكم الأزمات والفقر.

متى يتوقفُ أصحابَ السلطةِ عنْ حبسِ أنفاسِ العراقيينَ؟
إثر التصريحات الشديدة اللهجة للمرجعية الدينية في النجف الموجهة لأقطاب الحكم، والداعمة للمتظاهرين امتدت رقعة المظاهرات في تشرين 2019 وتزايد حجم المشاركين فيها في العاصمة بغداد والعديد من المحافظات العراقية وانتقلت السلطة المطلقة من استعمال الرصاص الحي والغاز المسيل إلى القتل عمدا بواسطة المتفجرات والمفخخات الحارقة والقنابل الصوتية والدخانية الشديدة الانفجار ومواجهة الشباب في ساحات التظاهر عسكريا للحد من تواجدهم وإنهاء حراكهم بأي ثمن. اليوم تعود ماكينة القمع بذات الأساليب وذات الأدوات من جديد، ونقرأ بوسائل الإعلام من أن الحكومة العراقية أنفقت مئات الملايين من الدولارات لشراء 732 ألف قنبلة جديدة من قنابل الغاز المسيل للدموع - للمرة الأولى- في العام الماضي من كوريا الجنوبية واشترت 478 ألف قنبلة إضافية في النصف الأول من هذا العام وتم تخزينها ـ بالفعل ـ في العديد من المحافظات والجنوبية على وجه التحديد...

نسأل، لأي غرض يتم شراء هذا الكم من القنابل التي ليس فيها فائدة لدرء خطر عسكري يتعرض لأمن البلاد حيث من المعروف أنها تستخدم في انتهاكات حقوق الإنسان فقط؟.

يقودنا ذلك إلى سؤال آخر: هل القائمون على رأس "السلطة المطلقة" الذين يسيطر عليهم هاجس الخوف من السقوط المحتوم تحت الضغط الذي يفرضه الواقع الشعبي الميداني دون هوادة، من وزراء ونواب ووكلاء ومستشارين ومديرين، أوكلت لهم مهمة إدارة شؤون الدولة لحين من الزمن. هم فعلا لهذه الدرجة من السذاجة حينما يرددون، بهدف التخويف، أمام المجتمع الذي لفظهم، بأنهم باقون، وزوالهم أن تحقق فسيذهب بالبلد نحو الهاوية المحتومة؟.

ليس غريبا أن تمارس "السلطة" أساليب العنف المفرط بحق أبناء شعبها عندما يتعلق الأمر بمصيرها السياسي. لكن وبحسب علم المنطق، الأمر غريب، حينما تمارس الخداع والكذب لتظليل الرأي العام  لتمرير صفقات مشبوهة تضر بمصالح الدولة والمجتمع، مثل شراء "قنابل الغاز" أو مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، بشقيه، القانوني، والموقف من المعارضين للتعديل. وهي أساليب شبيه بالتي أفرزتها أحداث تشرين وتجاوزت حدود اللياقة الأخلاقية على المستوى السياسي والاجتماعي. مثل توجيه الاتهام بالعمالة والانحراف ووقوف أياد أجنبية وراء كل حراك شعبي معارض... الغريب أيضا، أن تظهر فئة من الانتهازيين والنفعيين ممن يسمون بمثقفي وصحفيي ومفكري "الإسلام السياسي" في وسائل الإعلام للقيام بحرب ما يسمى "بخلط الأوراق" بأسلوب منمق لمصلحة طرف سياسي لا يخلو من رسائل مبطنة لإشاعة التخندق الطائفي. عندئذ، سيكون "رد الفعل" الشعبي بدافع الحرص على هيبة الدولة ومصالحها العليا، حينما تنقض السلطة الفاشلة العهد وتتعامل مع المجتمع باستعلاء وقتل الأبرياء بدم بارد، ليس كواجب أخلاقي المبدأ بهدف التغيير فحسب، إنما من الناحية القانونية والدستورية مسؤولية المجتمع برمته للحفاظ على أمن الدولة ومصالحها...

إذن، أي هاوية، أكثر من التي أوصلت إليه العراق هذه الطبقة السياسية. فالعراق في أقسى محن مر بها إبان حكم النظام البائد، الحصار، الحروب، المجاعة والأحكام الجائرة. ومن بعد احتلاله، تعطيل مؤسسات الدولة وحل الجيش وقوات حفظ الأمن والشرطة من قبل الحاكم الأمريكي "بريمر" تحت ضغط وإصرار طبقة انتهازية من الكرد والعرب الذين جاؤوا مع المحتل لتسلم أدوات السلطة. لم يحدث أن ذهب العراق إلى المجهول، بسبب وعي العراقيين "بناته وأبنائه وشبابه" وشعورهم بالمسؤولية إزاء وطنهم الذي أحبوه ومن أجل سيادته ووحدة ترابه ومستقبل أبنائه قدموا التضحيات.

إن شعار حراك تشرين المركزي في ساحات التظاهر "نريد وطنا" شعارا جامعا، يحمل العديد من الدلالات الوطنية والمعنوية والقيمية، ويجسد حجم قداسة "الوطن" عند العراقيين مقابل مفهوم "المصالح الطائفية" التي تتباكى عليها فئة سياسية فاشلة ماسكة بالسلطة منذ عقدين دون أن تحقق أي نجاح يذكر سوى التخلف ودمار الانسان العراقي وإشاعة الفساد.

وعلى ما يبدو، أن بعض من يتبوأ مراكز في الدولة العراقية، لا زال فاقد العقل باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية قبل أن تحل الصدمة وتقع كارثة ما لا تحمد عقباه. وبعضهم لا زال لا يدرك أنه في النهاية سيغادر، لأمرين، أولهما: إنهم شركاء في كل ما يحصل من خراب وظلم وانتهاك للقيم المجتمعية التي يحاسب عليها القانون والدستور. والأمر الثاني، أنهم جزء من فئة ما يسمى بـ "الحيتان الكبيرة" للفساد التي تمسك بسلطة "الدولة العميقة" المحمية على يد منظومات ميليشياوية غير شرعية تشكل خطرا على مستقبل الشعب والدولة.

يبقى السؤال المهم الذي لا يستطيع أي من المؤسسات الثلاث الإجابة عليه: ما أوجه الصلة بين إفراغ الدستور من محتواه القانوني عندما يتعلق الأمر بقضايا المجتمع ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم فساد سياسي وإقتصادي وإداري وقتل الشباب العراقيين الأبرياء عند خروجهم للتظاهر من أجل تطبيق الدستور لتحقيق مطالبهم. وبين تجيير الدستور لتحقيق مصالح الطبقة الحاكمة؟. 

الغريب: إن كل رؤساء الوزارات على مدى الحكومات المتعاقبة، لم يفسر أحدهم لمواطنيه تصرفاته صراحة، ذلك، ليس خوفا من الدخول في سجال دستوري ينتهكه مرة تلو الأخرى، بقدر خوفه من تركة سياسية وعقائدية وأيديولوجية ثقيلة تهدد مصيره السياسي. وبالنهاية فإن الدستور أن تعلق الأمر بمصالح هذه الطبقة، لا يشكل جوهر القضية. لكنها، أي الطبقة السياسية، مستعدة لأن تجاهر بتطبيقه حد تسويف "القسم" جورا. يبقى، على الشعب في ظرف موضوعي يتناغم بشكل مع مجمل الحدث، ان لا يقبل البحث عن مخرجات ترقيعية، إنما الإصرار على تغيير هذه الطغمة الفاسدة ـ دون رجعة..  فالشعب بحسب الدستور، أنه مصدر السلطات وصاحب قول الفصل إذا ما بقي بعيدا عن عقلية أصحاب السلطة وصراعاتهم الطائفية الخانقة.