وغنيت معك: أنا بعشقك ويا خلى القلب ولو تعرفوا بنحبكم كده قد إيه. استلقيت إلى جوارك وكان وجهى مواجها للسقف وصدرى مواجها للسقف ونفس هادئ يرفعه ببطء ويهبط به ببطء، استمتع بصوتك المتسرسب من نبع عشق وأنت تحكين عنه حين يباغت الروح بإطلالة مفاجئة من بعد غياب، فتومض عيونك بلهفة الشوق. وتعزف الروح سيمفونية حب عذبة. توحدت معك، وفى غمرة توحدى كتبت أوراقا كثيرة على هوامشها رسوم وشخبطات، أغنيات وأشعار، وحين قرأتها بصوت مسموع اكتشفت إنها لا تصلح للبقاء خارج ادراجى الخاصة فأخفيتها وظللت أياما صامته أمارس طقوسا خاصة لاستعادتى واستعادة لغتى فى الكتابة. وفى النهاية كتبت القصة التالية.
متجاورين هكذا نسير، يدى ليست فى يدك ولا أصابعنا متشابكة، ولا أنت تمطرنى بأعذب كلمات الحب، ولا أنا أمنحك ابتسامات مثيرة أو نظرات دافئة، لكنى اعرف انك تحبنى، وتثق أنى أحبك ولا شئ أكثر.
فقط نتراسل على فترات متباعدة، نتبادل الأخبار والحكايات الصغيرة العابرة فنبدو كصديقين حميمين. وحين نلتقى هكذا صدفة فى مدينة لا جنوبية نفرح بالشوارع التى رغم اتساعها مزدحمة تمنحنا فرصة التخفى عن عيون ربما تعرفنا، رغم إننا نسير هكذا متجاورين وبين كتفينا مسافة تكفى لمرور عابر.
بعيوننا المسكونة بدهشة أبناء المدن الصغيرة والقرى البعيدة ننظر لعشاق المدينة الذين يغيظوننا ويمارسون الحب علانية. متخاصرين، ومتشايكى الأصابع، ومتلاصقى الأكتاف، تشير إلى بنت تسند رأسها على كتف رفيقها وتقول ضاحكا مستفزا اياى:
– شايفة!!
فأشير إلى ولد يلف ذراعه حول خصر رفيقته، واستعير نبرتك الساخرة:
– شايف!!
نضحك حتى تمتلئ عيوننا بأشياء كانت مخبوءة، تدفعك لتقمص روح ولد شقى مسكون بالنزق.. وفجأة تقفز امامى معترضا طريقى. بصوتك القوى المرتفع تزلزلني:
– سأقبلك أمام الجميع.
جسدك الأطول من جسدى، جسدك الاعرض من جسدى يملأ الأفق
أمامى ويعزلنى عن كل شىء الا نزقك الطارئ، فيقفز إلى عينى خوف الجنوبيات وحذر القرويات. وفى لحظة أهرب منك إليك وألوذ بك منك فتتراجع.
– لا تخافى كنت أهرج.
لا تهرج أعرفك بالفعل تريد.تتقمص روحا أخرى غيرك لتمنحك القدرة على الفعل. لكن ماذا وأنا فى نفس اللحظة لم أتقمص روحا أخرى غيري؟؟
– الجنوبيون لا يعرفون كيف يمارسون الحب.
– لا يستطيعون
– لا يعرفون. لا يستطيعون. النتيجة واحدة.
– نعم، نعم واحدة
ولابد إننا اتفقنا على ضرورة الفعل وألا ما الدافع وراء سيرنا بهذا الصمت الثقيل والذى لا تقطعه سوى التفاته قصيرة من أحدنا إلى الأخر، والتقاء نظرات مرتعشة تحاول التخفى. لابد إننا نبحث عن مكان يلائمنا يكون أكثر أمنا وانغلاقا من أنفسنا.
كازينو معزول لا يرتاده الكثيرون، لا يوجد به إلا اثنان أو أربعة على الأكثر ندخله بقلوب مرتجفة وأنفاس محبوسة. وهناك على منضدة بعيدة معزولة عند التقاء جدارين نجلس متقابلين، وجهى فى وجهك، ويداى إلى جوار يدىك، أرى ارتعاش أطراف أصابعك، واضطراب أنفاسك وأنت تدندن بأغنية عاطفية.
فى إصبعى خاتم له رأس هرمى تضغط عليه بسبابتك، وتستمتع بآهة صغيرة أطلقها وأنا اسحب يدى وأزجرك بنظرة غير صارمة، تتحول لابتسامة خجلى وأنت تبدل أكواب العصير وتضع يدك على قطرة تركتها شفتى على حافة الكوب.
– بصى.
وابص إلى حيث تلتقى عيناك على ولد غارق فى تقبيل بنت مستسلمة. سريعا اهبط ببصرى على سطح المنضدة الزجاجى. وعوضا عن كلمات الحب أقول وأنا أرسم رقم (50) على السطح الزجاجى
– عارف، كامل الشناوى كان يقول أنا وشريكة حياتى لابد إن نكون رقم (50) أكون أنا – الشناوى – الخمسة الكبيرة الضخمة وتكون هى الصفر الصغير وبدونه لا تكون الـ 5 = 50
ارفع وجهى عن المنضدة فتلتقى عيناك المحتفظتان ببريق خاص بنظراتى المرتعشة. وأعود ارسم خمسة كبيرة وفى ظلها أضع صفرا صغيرا
– اعتقد أننا نمثل هذا التصور.
تصمت وتحدق فى الفراغ الذى بيننا، وكأنما تتأمل الخمسة الكبيرة والصفر الصغير.
– يناسبنا، يناسب ولد جنوبى، وبنت جنوبية.
ربما أعجبتك اللعبة إذ مددت سبابتك ورسمت خمسة كبيرة وفى حافتها المدببة ألصقت صفرا صغيرا، ثم رسمت خمسة ووضعت الصفر الصغير فى داخل تجويفها. تظاهرت أنى لا افهم الذى تعنيه، وظللنا سويا نرسم كل الأشكال الممكنة للخمسة والصفر.
* * *
وهكذا تنهين قصتك يا أسما بحيلة مراوغة لتمرير الحب. والذى كتبتيه ليس حبيبى النزق والتى كتبنيها ليست أنا. وهل سيجرح كبرياءك أن تكتبى أنى أحبه ولا أثق انه يحبنى، وهل سيجرح كبرياءك أن تقولى أنى أراه يختفى مع أخريات وأقول ربما يعطينه صدور حنان. قصص الحب يا أسما لا تحتمل التنظير والتأطير لا تحتمل التوقف لحظة الكتابة إنها طوفان مشاعر نسكبها، ابحثى عن لغة أخرى. لغة تجرح الفردوس الذى يسكنك وتخرج المسكونة به روحى. ذلك الذى يشبه الحزن وما هو بالحزن، يشبه الخوف وما هو بالخوف، يشبه الفرح وما هو بالفرح.
ذلك الذى يجعلنى حين يغيب حبيبى أبدو كشجرة هجرتها زقزقة العصافير، أو بيت هجرته بهجة ساكنيه. وحين يباغتنى بإطلالة مفاجئة من بعد غياب تلون البهجة عينى فأملأ فراغات الدنيا غناء وصخبا وأحلام.