في رحلة قداس صوب العشق المنتهى، يقدم الشاعر المصري أنشودة حزينة، أم لعلها ترنيمة درامية شعرية، حول تلك الأحاسيس القصية التي ما تنفك الكشف عن شعرية مكتنزة بوشائج وترانيم أقصى صفاء السريرة.

السيدة الملكية والولد القروي

عزت الطيري

لمجدِ يديْنِ
استفاق على مطر الوردِِ
يلتفُّ حولِ
أصابعَ من لهفةٍ،
وأظافرَ من كستناءٍ زها، وانتهى، لحدائقَ من
سوسنٍ هامسٍ، يتناومُ فى ترفٍ،
ويزغردُ
يا يدها
لدروبِ زبرجدها،
وخطاها تسيرُ على الغيمِ،
يبتل ماءٌ
بأعطافِ سجادها
وجوى عاجها،
لمعراجها
وكنائسِ ضحكتها
يستوي العاشقُ القروي
يقيم صلاة المساءِ،
لقمصانها الزرقِ، علقها،
فوق حبلِ غسيلِ خيالاتهِ:
هاهنا موقعُ الصدرِ،
زُخْرُفُهُ
وزخارفهُ السومريةُ،
موقعُ معركةٍ
بين زوجي حمامٍ،
حصانينِ من غبطةٍ وحريرٍ،
غديرينِ من عسلٍ وحليبٍ مُصَفَّى
ترقرقَ موجُهما..
ثم رفَّا... وَهَفَّا...
على ُفلَّةِ البطنِ والسرَّةِ الملكيةِ،
والخصرِ،إذ يتدوَّرُ
يعزف معزوفةً،
عند عُشبٍ، يطلُّ
على مرجِ فُلٍّ
تَخَفَّى
ولفَّ
بأهدابهِ
كل ركنٍ
وحَفَّا
وما كفَّ هذا القميصُ عن الرفرفاتِ
على خيطِ أوهامهِ،
بل وواصلَ تحليقهُ
واستخفَّ بأفعالِ مجنونها،
حين شفَّ القميصُ،
وما رحمَ الروحَ
مارحمتْ هزهزات مشاويرهِ،
قلب صبٍ،
وما جفَّ سيلُ دماه
لو ارتطمتْْ
رأس هذا الفتى،
بالنواقيسِ،
تقرعُ أضلاعَه،
وتجزُّ
بها
رأس حلمٍ،
وأنفا
وألفٌ من الطيرِ
تنقرُ فى رأسهِ، الغضِّ،
تلقطُ حَبَّا
ولاثمَّ معجزة،
ستفسِّرُ أحلامهُ
ولا ثم سجن سوى سجنها
نزولا
الى
م
ر
ج
ها
فضةُ البرقِ،
قصديرُ لوعتهِ،
ونحاسُ مزاميرَ، تصدحُ،
فى البهوِ، توقظهُ من حديدٍ جثا،
وأناخَ بأكسيدهِ،
كى يراقبَ لؤلؤةً تتشظَّى، حنينا،
على بسمةٍ،
ويشاهدَ وهْجَ رنينِ أساورها
هل يساورها الخوفُ
لما ترى مايساورها، صار بعضَ هسيسٍ،
يميسُ على ركبتينِ
من المرمرِ الثرِّ،
يلمعُ،
مثل شموعٍ،
على بوحِ أيقونةٍ،
تتدلى على صدرها
وتضىء الطريقَ، الى بيتِ ياقوتةٍ،
نظرت للفضاءِ،
أظلت على السحر يدلى بأسرارهِ
تحت شباكِ أسرارها
..............
صعودا
صعودا
إلى معبدِ الريحِ،
عند بحيراتهِ،
فى العصور الجميلةِ،
أعمدةٌ من رخامٍ الأعاصيرِ، مركبةُ الملكاتِ،
يزيّْنها لوتسٌ، فى انتظارِ الأغاريدِ،
يحرسها فارسٌ، دون مهرتهِ،
وفنارٌ يقود المراكبَ للتيهِ،
نافورةٌ، يبستْ من تعتِّقها، ونقوشٌ تدلُّ على عاشقٍ
طاعنٍ فى الخديعةِ،
يمشى على الماءِ، يبتلُّ ماءٌ، بأمطارِ نيرانهِ
ويقيمُ طقوسا،
يوزع قربانهُ
فى خشوعٍ،
على سمكٍ،
ونوارسَ،
تخرجُ ثم تغيبُ،
ويختلط الصبحُ بالصبحِ،
لا الشمسُ
ترحلُ عن عرشها الليلكىِّ،
ولا القمرُ البابلىُّ يغيبُ
..............

(ترنيمة)
تتنفس كالصبحِ،
وتثَّاءب كالفجرِ،
إذا شحَّ النورُ
تقيمُ شمالىَّ الوردةِ
وجنوبىّ التفاحِ الأحمرَ

شرقىَّ اللوزِ،
وكانت تفاحا أحمرَ
ومواكبَ برقوقٍ،
وهديرا يتَّبعُ خطاهُ هديرْ

(استطراد)
وكنت ُ أنا بفضولٍ ما، أتلمس عبقا يسرى
من خلفِ الأذنينِ،
يلامس رمانا،
والحد الفاصلَ مابين الرمان وبين الرمانِ
وكان الرمان رحيقا، ولصيقا بالرمانِ،
يحطُّ عليهِ العنبُ الوردىُّ،
ويلقى حبّتهُ الفواحةَ فى القممِ المنشغلةِ،
بدبيبِ الإحساسِِ،
وكان المشهدُ مختصرا جدا
فرخامٌ يعلوهُ الأبنوسُ
وأبنوسٌ عاتٍ
لايوقفهُ الشلالُ،
يغطيه الزغبُ، ويحميهُ التعبُ،
فقلتُ بأنّىَ لن أتعبْ
مادام العزف سيبدأ من هذيانِ سلالمىَ الموسيقيةِ،
حتى آخر سريانِ المذهبْ
فاذهب لمداكَ، تحاصركَ الخمسونُ،
ويحسدكَ الفتيانُ،
ويكرهك الشُّيَّبْ
هل باحَ الرطبُ،
بعسلِ حلاوتهِ،
هل نضبتْ آبارُ اللوز،
إذا أدليت بدلوكَ،هل تشربْ؟
هل كفَّتْ كفٌ عن ترحالٍ فى مدنِ الملبنْ؟
هل ضاعت كالماءِ
وغاصت فى الإسفنجِ الألينِ فالألينْ؟
هل لفَّتْ كل ضراعاتٍ، وأحاطتْ بأنينِ الموز،
كما لفَّ حريرٌ، شرنقةَ القزِّ وأسكَنَها وتمكّنْ؟
فارجع لقصيدتك الأرحبْ
وتدلل وترقّبْ
وتجمَّلْ بالحلمِ
وكن فى حضرة مولاتك،
منكسرا ومؤدبْ
كن حَمَلاً وحماما
لاتكن الذئب ولاتكنْ الثعلبْ

(غزلية أولى)
لأجلكِ قلتُ لكل البناتِ
اللواتى طرقن على باب قلبىَ،
قلبىَ مرتحلٌ، منشغلْ
لأنك إذ تخطرين على مخمل الليلِ،
يرتعشُ الليلُ، يسكب ماء النعاسِ ويشرب ُ شاي الأمل
لأنكِ نافورةٌ من ضياءٍ
وقارورةُ من عسلْ
لأنك أروع شاديةٍ فى الحقول،
وأروع راعيةٍ، فى الجبل
وحين َتَغََنَّى الحمامُ على باب بيتكِ،
قالت بيوت القرى،
قد عرفنا الأناشيدَ، قالت شبابيكُ بستاننا،
وامتلكنا الزجلْ
وقال الغزالُ،
أبادلُ مسكى بأنفاسها، والمغانم لي،
والخسارةُ، واردةٌ،عندها،
دون أدنى جدل
وقال المريدُ، لشيخِ الصبابةِ،
هب لي حجابا يقربنى من حياض الغزلْ
فصاح به الشيخُ، هب لي جناحا، يطيرُ بنا،
ويباعدنا عن دروب الدجلْ
وقال الفتى الفردُ ياريحُ كوني على الصبِ عطراً
وقالت فتاةُ القصيدةِ، كونى جحيما، مقيما،
على من نوى العشقَ، لكنه لم يكابدْ،
ولم يرشق الشمسَ فوق الجبينِ،
ولم يحمل الجبلينِ، على الصدرِ،
لم يعبر البحر دون كللْ
فبكى واعتراهُ الخجلْ
وقال أجلْ
أسوّى لبنت الخريدةِ، حلوى من الغيمِ،
ماءً من الوردةِ المستحمَّةِ،
تمثالَ شمعٍٍ يليق بها،
وبصدر القرنفلِ،
لونِ الحدائقِ،إذ تتمسَّحُ
كالقطط المنزليةِ، فى ثوبها الكرنفالِ،
وتأخذُ فتنتها من مواء البنفسجِ، فى خدِّها،
وهَْوَ يغمر حمرتَهُ بنحيبِ القُبَلْ

(غزلية ثانية)
سأصنعُ من نمنماتِ الأرابيسكِ،
فى مِقعدِ الفجرِ
أرجوحةً، وأعلِّقُها بحبالى
وادهنها بحليبِ النجومِ،
أزخرفها بغناء الحجلْ
سأصنع أرجوحتي لحبيبي
وأُجْلِسُهُ فوق سرج ابتهالي
أطيِّرُها في فضاء الدوالى
إلى أن تلامسَ نهدَ الخيالِ
وأن تمتطى سوسنات الجبلْ
أقول تعالى
تعود وقد حمِّلتْ بالشذا والمدى
وارتعاش الطلل
تعود وقد عاد فيها حبيبي
وفى كفِهِ نعنعٌ راقصٌ
وفى صدره ذهب خالصٌ
وفى جيده وَلَعٌ ناقصٌ...،
وقلائدُ من لؤلؤٍ مكتمل

شاعر من مصر