دار الشعر بمراكش تحتفي باليوم العالمي للشعر في جهة درعة وتافيلالت
اختتمت ليلة السبت 22 مارس، بفضاء المركز الثقافي بتنغير، فعاليات الدورة الخامسة لتظاهرة ملتقيات الشعر الجهوية، والتي نظمتها دار الشعر بمراكش بتنسيق مع العديد من المؤسسات، احتفاء باليوم العالمي للشعر، في كل من مدينتي تنغير والراشيدية يومي 21 و22 مارس وشهدت مشاركة العديد من الوجوه الإبداعية والنقدية والفنية والتي تنتمي لجهة درعة تافيلالت. واحتفت الدورة الخامسة للملتقى الشعري الجهوي بتنغير بأحد الوجوه الإبداعية في الجهة، الشاعر والكاتب عبدالرحيم سليلي، والذي خط، بطلب من دار الشعر بمراكش، نداء الشاعر المغربي "21 مارس".
واحتضن المركز الثقافي بتنغير، ليلة 21 مارس، الافتتاح الرسمي للفعاليات والتي شهدت حضورا لافتا للكثير من الوجوه الإبداعية والفنية، ومسؤولين محليين وممثلين للسلطات الاقليمية والجهوية، كما تم افتتاح معرض لإصدارات شعرية ونقدية من منشورات دائرة الثقافة في حكومة الشارقة. وقدم الأستاذ عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، كلمة قدم فيها استراتيجية دار الشعر بمراكش منذ تأسيسها بتاريخ 16 شتنبر 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، والتي حرصت على الاحتفاء بالشعر والشعراء في توسيع لقاعدة التداول الثقافي في تنوعه اللساني وتنوعه الثقافي، وأيضا في حرص للاحتفاء بأجيال وتجارب وحساسيات إبداعية، الى جانب تفردها في ترسيخ أبعاد العمل الثقافي المؤسساتي في انفتاح على المحيط السوسيو ثقافي.
وقرأ الشاعر والكاتب عبدالرحيم سليلي، نداء الشاعر المغربي ليوم 21 مارس، مؤكدا في مستهله أن "منذ البدء وُجِدَتِ الكلمة لتكون سلاح الإنسان في مواجهة العالم، ورفيقة درب كفاحه فيه.. وكان لا بد لهذه الكلمة أن تختار هويتها؛ فانحازت للشعر المجبول على الانفتاح والمنحوت من طين الاستطاعة والتمَكّن، استطاعة جعلته الابتكار الإنساني الخارق، القادر على احتواء الكينونة بأشيائها وتفاعلاتها الظاهرة والخفية، بل إن قدراته اللامحدودة جعلته المهد الأول لكل الفنون بأصنافها المكتوبة والمرئية..؛"
لقد استطاع الشعر، يشير الشاعر سليلي، "فتح نافذته على أفق الدراما في محاولة جريئة لاحتواء الكينونة على ركح صغير، استطاع الحوار الشعري أن يختزل الأرض والإنسان فيه، ويضمن نوعا من التعايش التفاعلي مع قوى المحيط وأشيائه،... لقد صاحب الشعر الإنسان مذ تنفس نسمة الحياة على الأرض، لأنه كان الأقرب إلى روحه، فاستعمله لإحياء أفراحه، وواجه به عقوق الواقع في مواسم الأتراح"، لذلك يدعونا الشاعر عبدالرحيم سليلي "لنكن في مستوى رسالة الشعر، ونقل مرحى للسلام في زمن يُسخر فيه الإنسان كل طاقته لينتج آلات دماره، وليكن بيان الترحيب قصائد حالمة تنتصر للإنساني فينا، وتدبج للعالم أشعار حب تجعله مكانا صالحا للإقامة.."
فقرة "ضفاف شعرية" حوار أنماط الكتابة الشعرية
"ضفاف شعرية" ديوان أولي لملتقيات الشعر الجهوية في دورتها الخامسة، قرأ الشاعر عبدالرحيم سليلي نصوصا حديثة، بصفته مكرما في الدورة وكاتبا لنداء الشعراء المغاربة في يومهم العالمي، القصيدة التفعيلية، كما يواظب على أفقها الشاعر سليلي، والذي ظل حريصا على لغته الخاصة في التقاط أشكال التقاطع الممكنة بين اللغة العربية، بما تفتحه من إمكانات تخييلية، وأفق الشاعر الرحب في الانفتاح على اللانهائي. يقول في أحد قصائده: "ليس بيني و بيني سوايَ/ أنا غيمةٌ "تتهجَّدُ في مدخل الغابِ"/ حين تقصُّ الرياحُ ضفيرتها/ يتعفّنُ جرحُ الهواءْ". وعن "حرب" يؤشر المشهد بجلاء كما يلي: "الحرب التي أعْلَنْتَها حربا عليكْ../ الحرب التي/ سَمَّيْتها فجرا وشيكْ../ الحرب التي أثْخنْتَها حَرباً../ أضأتَ فتيلَها بدم قديمْ/ فَصَحَتْ حروفُ الوَحشِ فيكْ.".
قرأ الشاعر قاسم الأنصاري من نصوصه الحديثة، حيث تمنى "ليتني صرت نسيما/ أنفذ الى تلابيب روحك/ عبقا من زمرد القلب/ واحتراقا من لقياك.."، أما الشاعرة سميرة أملال فترى في البحر سخاء، ومنه خطت "بشهوة الحروف / تهم بي القصائد حشدا/ عن آخرها تسحق أزمنة طاعنة في البؤس/ ومن أقصى الانعتاق / أسقط منتشية في كمين القوافي". الفقرة الثانية من القراءات انفتحت أمام الشعر الأمازيغي، في عمقه التقليدي والحداثي، من خلال تجارب متعددة ومن أجيال مختلفة. أغطاف لحو، الشاعر والمؤدي، حيث يتغلف الشعر والإلقاء بالإنشاد ويصبح موسيقى تسري في القاعة وبين رواد الشعر. واختتم الشاعر عبدالعزيز فقهي، أحد المتوجين بجائزة أحسن قصيدة، برنامج ضفاف شعرية بقراءة حديثة تمزج الشعر بأسئلة وراهن اليوم.
"الشعر والفرجات" في الكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية
المنتدى الحواري لفعاليات الدورة الخامسة لملتقيات الشعر الجهوية، خصصته دار الشعر بمراكش لموضوع الشعر والفرجة تقاطعات جمالية، في لحظة معرفية ترنو الى استغوار أسئلة تتعلق بمقاربة جديدة لهذه الفرجات المغربية المتأصلة في الوجدان المغربي، واستنادها على النص الشعري. هذا المنتدى، والذي نظم يوم السبت 22 مارس صباحا في قاعة اللقاءات والاجتماعات التابعة للكلية المتعددة التخصصات في الراشيدية، وبتنسيق مع مختبر البحت في الدراسات الأدبية واللسانية والفنية والفلسفية وماستر التواصل السيميائي.
وافتتح السيد عميد الكلية المتعددة التخصصات الراشيدية بالنيابة، السيد محسن تيليوا، اللقاء بتأكيده على حرص الجامعة الانفتاح على المؤسسات الوطنية والدولية، والسعي الى تمكين الطلبة خصوصا طلبة الماستر والدكتوراه، من الاقتراب أكثر لفضاءات المعرفة والحوار. وتدخل في موضوع الندوة ثلة من الباحثين، الناقد الدكتور سعيد كريمي، والناقد الدكتور عبدالرحمان التمارة، والناقد الدكتور عبدالله بريمي، والأستاذة الطالبة الباحثة فتيحة يشو.
توقف الناقد سعيد كريمي في مداخلته على انفتاح الشعر على الفرجات، كما توقف عند شعر الملحون مستقصيا منابعه وجمالياته، مستوضحا الفرق بين الفرجة والأداء، وعلاقة الشعر بالفرجات، وصعوبة الحديث عن الفرجات بمعزل عن الشعر، وواصل الحديث عن الجذور الشعرية للفرجات، في عهد اليونان(الفرجات الدينية والديثرامب والملاحم، وكتابات سوفوكليس وثيسبيس وأرسطو)، والنسق الثقافي للأنماط الفرجوية الشعبية المغربية المختلفة، وتواشجها وتساوقها الثقافي (أمازيغية وإفريقية ويهودية وعربية..)، ثم عرج للحديث عن شعر الملحون، وأصوله الفيلالية (الشاعر سيدي التهامي المدغري، والمغراوي..) وامتداداته من تافيلالت إلى مكناس ومراكش، وآسفي وسلا وتارودانت (فن الكريحة)، وتطوره من الغرض الديني إلى أغراض أخرى (الغزل والحكمة والخمريات..)، وتداول الملحون لدى الحرفيين والصناع، وكونه يتشكل من مرددات غنائية في تفاصيل الحياة، ونسق يحتضن تراكما معرفيا، وبصمات ثقافية مرت بالمغرب، مما جعله يخلق تفرده، بأنساقه الفرجوية وفنون القول.
أما الدكتور عبد الرحمن التمارة، فقد تطرق لموضوع الشعر والفرجة، من خلال أهمية الربط بين النصي والبصري والمشاهدة والتمثل، والمنطق الذي يحكم الشعر والفرجة، ثم أكد أن فعل التجاور - وبمحددات معرفية وتعبيرية- ، هو ما يشكل عزلته وذاتيته الخاصة وتفرده، وفق نسق شعري فيه بنية غالبة، حينما يتجسد ويتحقق التكامل الدال. ومن جانب آخر، فقد ناقش الأبعاد الوجودية المستحكمة في علاقة الفرجة بالشعر، والغرض من ذلك، وهو محاولة فهم الإنسان.
وبخصوص مداخلة الدكتور عبد الله بريمي، فقد ركزت على تكسير مركزية النص في الدراسات النقدي، والباب الأول لفهم الشعر هو التلقي الواعي، بعيدا عن السطحية، وبأن التجاور يؤسس لمنطق الاختلاف والتجانس، ثم تساءل عن الأسباب التي تجعل الثقافة لا تؤطر في ما هو مؤسساتي، كما في الثقافة الغربية والثقافات الأخرى، كما تحدث أيضا عن تعدد الأنماط الفرجوية، والأشكال التعبيرية، والفرجات الشعبية (فن البلدي، وأحيدوس وأحواش ..) وخصوصيات العلاقة بين الشعر والفرجة.
وتأتي مداخلة الطالبة فتيحة يشو، لتفصل القول في أهمية الشعر في الحياة، وبأن حضوره الدائم فيها، راجع لكون الشاعر يمتح من ذاته ومحيطه، والشعر قد حاور المسرح منذ عهد أرسطو، ثم بينت الفرق بين الفرجة المستعملة في التراث اللامادي، ومراسيم الاحتفالات والأعياد والمناسبات (بوجلود وأحيدوس، وأحواش والحلقة والبساط..)، ومفهوم الأداء، ثم ميزت بين أشكال التعبير الشعبي، والطقوس التعبدية، وتوظيف القصص والحكايات الشعبية في الفرجات، وفرجة الأماكن وفضاءات الاحتجاج، ودور الشعر في بلورة الأنسنة، والقيم الإنسانية، والعلاقة بين الشعر والفرجة في سياقات خاصة.
وفي ختام المنتدى الحواري، انصبت مداخلات الحضور، على مواضيع ذات صلة بالمداخلات فتمحورت حول الفرجات المحلية (كالملحون في تافيلالت، وجهود الباحث الراحل عباس الجراري النظرية والتظيرية، والتهامي المدغري الشعرية والإبداعية)، والكاترسيس والتطهير الذي تحدثه الفرجات على الخشبة، بالإضافة إلى مسألة التجريب واعتباره أس كل التجارب وعلاقته بنظرية الأدب، والتجاور بين الشعر والفرجة، ونقل الفرجة من الفضاءات العمومية إلى الخشبة.
وتوقف الناقد سعيد موزون عند صعوبة التوفيق بين النص المكتوب ونص العرض، في غياب الوعي الجمالي والدراماتورجي لدى الكاتب والمخرج، بالإضافة إلى إشكالية التوليف بين النص الشعري والفضاء المسرحي، وأهمية السياقية والآنية والجدية في الفرجات الشعبية (أحيدوس مثلا)، والمنظور الوظيفي للأدب الشعبي، وكيفية الخروج من المعطى المحلي المغلق للثقافة الشعبية، وتأكيد أهمية علاقة التواشج والتناسج بين الشعر والفرجة (الأغراض النقدية والاجتماعية والمديح الصوفي والديني...).
وانتهى المنتدى الحواري، بتوصية لعميد الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، بجمع أعمال المنتدى في مجلة سيجلماسة.
"أنظام/ الشاعر" صوت الشاعر في اختتام التظاهرة
واختتمت فقرة "أنظام/الشاعر" الفعاليات يوم السبت بالمركز الثقافي بتنغير، باستضافة أصوات شعرية جديدة ومن أجيال وتجارب مختلفة، ضمن اختتام فعاليات الدورة الخامسة لملتقيات الشعر الجهوية. وتندرج هذه البرمجة الجديدة، والتي أطلقتها دار الشعر بمراكش في دورتها الأولى بجهة مراكش أسفي (2021) ودورة ثانية بجهة العيون الساقية الحمراء (2022) ودورة ثالثة بجهة سوس ماسة (2023) ودورة رابعة بجهة كلميم واد نون (2024)، ضمن تظاهرة "ست جهات.. ست ملتقيات شعرية جهوية"، للاحتفاء بالشعر المغربي وبالشعراء المغاربة.
وقدم الشاعر عمر الطاوس هذه المدونة الشعرية المغربية، على اختلاف أنماط ألسنها، بقراءات شعرية يمتزج فيها الحس الشعري بالغنائي وبالإنشاد خصوصا. وقرأ من ديوانه الشعري "أمغار" في إشارة الى الراحل "المايسترو" موحى أولحسين، هذا اللقب الذي سبق أن أطلقه عليه الرئيس الامريكي بيل كلينتون عندما حضر لأحد عروضه في البيت الأبيض. واختارت الشاعرة يسرى قشبو، أحد إشراقات دار الشعر بمراكش من مواليد تنغير، أن تقرأ من "جنوب الجسد.. شرق الروح" حيث أهدت "أُغْنِيَة لِوَادِي تُودْغَى": "دَعْنِي من هُنَيهَاتِ الفرح/ ِومن رسائل المساءْ/ دَعْنِي من رتابة الوقتِ/ ومن اًحاديث الغزلْ/ فَالشّوقُ سيدي: قَاتلٌ حين الْوَداعِ../ تعالى إلي وإلى جنبات وادي تودغى/ تعالى إلى ماضينا البعيدْ/ لنستعيد شيئا من (إِزْلَانْ نْ تِيفَاوِينْ)". ومن قصيدة حب ووفاء: "أيا زينب الحب فيك سما// كضوء القمر في دجى مبتلى** تزوجت صبرا وعشت الوفا// كنهر تدفق من مبتدى"
الشاعر احساين السملالي، من جماعة إكنيون، أعاد جمهور المركز الثقافي بتنغير الى طقس "أسايس"، حيث يمتزج الإنشاد بالغناء. واختتم الشاعر عبدالواحد الكوط، من تنجداد، فقرة الشاعر بقراءات شعرية افتتحها بنص من مجموعته الشعرية "لوعة الشعر": "يا طالب النصر لا تسأم لواعجَــه // واعــلم يــقــينا بــأن النــصــر يَــقتــربُ** لا تيأسنّ من الآمــال إن جَــدبت // واسْــلك ســبيــلا فــإن الحق يُكتســبُ** أقول والعين تجري في مدامعها // وفي فؤادي، سحــابٌ فوقه سحــبُ". ومن مقام آخر صد الشاعر الكوط: "أنا الأديب الذي من طول غربته/ دوى مرارا ولم يسمع له صخب// خدوا قصائدكم عني فقد همعت/عيني وسال على أجفانها الغضب// لا يعرف الشعر إلا من تجرعه/ ولا القصيدة إلا من به كرب".
وشاركت فرقة سجلماسة من أرفود لفن الملحون برئاسة الفنان عبدالعالي بريكي، أحد أيقونات فن الملحون في المغرب، في الجلسة الشعرية الأولى وضمن الحفل الفني لحفل الافتتاح. الفنان عبدالعالي بريكي، والذي يعتبر تجربة متميزة ورائدة في هذا الفن، والذي أمسى تراثا إنسانيا عالميا بعد تصنيفه الأخير من طرف اليونيسكو. فيما أحيت فرقة محمد اسكاوي، وهي فرقة موسيقية لها حضور وازن في الغناء التقليدي بالمنطقة، الأمسية الشعرية الثانية "الشاعر"، حفلها الفني.
ملتقيات الشعر الجهوية، مبادرة ثقافية تسعى الى الاحتفاء بالتنوع الثقافي المغربي، وتشجيع وتحفيز الأصوات الشعرية الجديدة، وتوسيع قاعدة الفعل الثقافي في اعتماده على القرب، ومد إشعاع الدار الى مختلف الجهات الترابية التابعة لها. ست جهات مغربية جنوبية، تشهد ملتقيات شعرية جهوية، في مبادرة نوعية غير مسبوقة، تسعى الى خلق تقاليد ثقافية جديدة تتناسب وراهن المشهد الثقافي اليوم في المغرب.