يقدم القاص المصري هنا مشهدا شديد الكثافة والدلالة يتجلى فيه الرمزي والاستعاري من خلال اليومي والمبهظ، حيث يدور السرد في حضور شبح الموت الوشيك، في وحدة لغسيل الكلى، مظهرا علاقة المرضى فيه بالحياة والموت.

الممر

السادات طه محمد

فروع أشجار الكافور تلامس حواف النوافذ. والأجساد الممددة فوق الأسرة تتسرب منها نظرات للضوء المعشق للفروع. أما أصوات ماكينات غسيل الكلى فتعطى صفيرا يبتلع كل أصوات العنبر، الأكف مستسلمة فى ارتخاء فوق الملاءات المتآكلة.الوجوة الشاحبة تواجه السقف المدلاة منه مراوح بالكاد تلف وقد غطاها التراب وبقع الذباب المتناثرة والمقززة، متصل بكل ماكينة خرطوم يشف عن خيوط الدم الحائرة ما بين الصعود والهبوط للجسد.

حركت المرأة البدينة رأسها وقالت: إمبارح قبضت الجمعية... واشتريت كفن كل شوية أحسس على قماشه.
ردت جارتها بصوت خفيض: نفسى اشتريه لكن ابني صاحب عيال
قطعت حديثهما ضحكة رنت... وجاء الهمس: وردية عزة.
بادرها العجوز: صابحك فل يا قمر.
فردت الملاءة على ساقيه وقالت: آه يا عجوز
كز على أسنانه بوجع وأسبل عينية: تتجوزينى يا عزة؟
ضحكت: حاسب... الخرطوم حيفلت من ذراعك!
بلع ريقه وقال: وماله... شكة الحبايب عطر.
أشاحت المرأة البدينة بيدها وقالت فى استغراب:
يا عجوز... لسه فيك رمق!
كان الهواء يداعب نوافذ العنبر، جرت عزة فى الممشى وأغلقت النافذة ثم مالت بنصف جسدها فوق السرير المجاور للحائط.
قالت فى ود: وشك رايق النهاردة. العجوز عاوز يتجوزنى.
حرك شفتية: امبارح... ماتت أمال.
طافت على شفتيها ابتسامة وقالت: ياريت نعيش قدها.
لمس يدها ورمقها بأسى.
سحبت يدها فجاءت أصابعه فى إطار الدبله... تنهدت ثم خلعت الدبله وألبستها فى اصبعه.
قالت وهى ترمق يده الضامره: منتظرة منك دبله وايديك متحنيه.
ارتسمت ابتسامة على وجهه وهمس: أنا دلوقتى عريس!
وقبل أن تغادر سريره... مد يده وأخرج تفاحة.
هزت رأسها: خليها شوية... بعدين ناكلها سوا.

راحت عند الباب وكان العجوز يميل بجنبه... عصرته نوبه سعال حتى برزت عيناه وتقيأ. بتأثر انحنت عليه... بالكاد يلتقط أنفاسه مددت ساقية وخلعت الخرطوم من ذراعه. غاص الرجل فى فراشه فبدا كالكهل وهو يعطى ظهره للحائط، حركته كان الجسد ساكنا... أغمضت عينيه واستدارت، حدقت بأسى فى الأجساد الممددة. تسمرت مكانها... وعلى مقربة لم تنتبه للوجه الباسم وهو يرفع يده بالتفاحة.