يسافر عشاق الفن التشكيلي لمدة شهر كامل، في رحلة بصرية ممتعة، تأخذهم إليها لوحات قرابة 100 فنان مصري، اجتمعت ضمن معرض “مبدعون خالدون” الذي أصبح حدثا سنويا يسلط الضوء على ثراء التجربة التشكيلية المصرية وتنوع المدارس والأساليب فيها ومدى انفتاح فنانيها على العالم مع الاحتفاظ بملامح الهوية المحلية.
ويستضيف أتيليه العرب للثقافة والفنون “غاليري ضي” برئاسة الناقد التشكيلي هشام قنديل، النسخة الخامسة من المعرض، بدءا من الأحد 27 يوليو الجاري. ويمثل المعرض إحياء لذاكرة الفن التشكيلي المصري، بما يتميز به من تنوع أعمال كبار الفنانين التشكيليين، مع كم هائل من إنتاجهم الذي يعرض الكثير منه لأول مرة للجمهور. وقال الناقد التشكيلي هشام قنديل إن أبرز سمات دورة معرض “مبدعون خالدون” هذا العام، مشاركة أعمال الفنان الكبير حسن سليمان أحد رموز الحركة التشكيلية المصرية، وأعمال الراحلين عزالدين نجيب ومصطفى الفقي وعصمت داوساشي وفرغلي عبدالحفيظ وحلمي التوني، وسيكون هناك جناح خاص لعرض أعمال كل منهم.
وأضاف أن المعرض يضم أجنحة متميزة أيضا للفنان الكبير الراحل الدكتور سيد عبدالرسول ويتضمن معظم أعماله الخزفية وبعض اللوحات، بجانب أجنحة أخرى للراحل عبدالمنعم مطاوع والراحل جمال المرسى والراحل خلف طايع، والفنانين محمود أبوالمجد وصلاح طاهر وإنجي أفلاطون وعمر النجدي ومصطفي أحمد وأحمد نبيل سليمان وسلمى عبدالعزيز وجمال قطب وعبدالرحيم شاهين وعطيات سيد وعبدالعزيز درويش وصبري عبدالغني ومصطفى مشعل وحسن محمد حسن وجميل شفيق ومصطفي حسين وطوغان وفهد الحجيلان ومحمد الطراوي وحسن راشد.
وتظهر في المعرض أعمال ثلاثة فنانين سعوديين راحلين كانوا عاشقين لمصر وهم فهد الحجيلان وسمير الدهام وعبدالله نواوي. وتضم حديقة ضي الزمالك الخارجية، أين تعرض أعمال “مبدعون خالدون”، مجموعة من الأعمال النحتية لكبار النحاتين المصريين مثل محمد رزق ومصطفي متولي وعبدالحميد حمدي وأحمد جاد ومأمون الشيخ.
ويحظى معرض “مبدعون خالدون” منذ سنوات، باهتمام الفنانين الكبار والنقاد، وعنه قال الدكتور أحمد نوار رئيس مجلس إدارة جمعية محبي الفنون الجميلة، إنه سعيد بفكرة معرض “مبدعون خالدون” مشيدًا بجمع نماذج من أعمال فنانين راحلين في مصر بدءا من الجيل الأول وحتى الآن. وأضاف نوار أن “مبدعون خالدون” يمثل تاريخا غير مسبوق في الحركة التشكيلية نظرا لأهميته على المستوى الفني والثقافي والتاريخي أيضا، وهو نموذج لحالة الوفاء لكبار الفنانين.
وأكد أهمية المعرض لطلاب الفن التشكيلي والشباب وأساتذة الفنون ووزارة الثقافة متمثلة في قطاع الفنون التشكيلية، مردفا “أعتقد أن لجنة المقتنيات لابد أن تلقي نظرة على هذا المعرض لأنه يحمل في طياته جزءا مهما من تاريخ الحركة الفنية المصرية الحديثة.”
وكان الناقد رضا عبدالسلام، قال في تقييمه لفكرة معرض “مبدعون خالدون” إنه “شاهد كل أعمال هؤلاء المبدعين قبل وفاتهم وغيرهم، ممن لم تتح لهم فرص عرض أعمالهم، ومع ذلك توقف بعض الوقت أمام لوحات ومنحوتات البعض ليلملم ذاكرته الحية لجماليات فنية وإبداعية، أبت أن تنسى أو تتناسى هؤلاء الموهوبين الرائعين الذين ساهموا بقدر كبير في ساحة التشكيل المصري الحديث.”
وتابع “كل واحد منهم يستحق الدراسة والإشادة بتجربته ومشوار حياته، لقد استوقفني قليل من الأعمال لم يسبق لي مشاهدتها.. وأسأل: ماذا يمكننا أن نفعل أمام نتاجهم وتراثهم الإبداعي وكيف لنا الحفاظ عليه وصونه من الضياع والاستنساخ لنفخر به أمام أنفسنا والعالم؟”
وسبق للناقد عزالدين نجيب وصف معرض “مبدعون خالدون” بأنه “يمثل حالة وفاء للمبدعين ويدعم الذاكرة التشكيلية المصرية العميقة الممتدة مثل نهر النيل والممتلئة بجينات إبداعية متوارثة لدى أطفال كل المصريين، لا يتوقف توالدها جيلا بعد جيل، لكن نسبة منها قليلة للغاية هي التي تجد الرعاية والتشجيع في سن الطفولة والمراهقة فتواصل تدريب مواهبها بالدراسة والصقل، ويسفر الكثير منها عن عبقريات فذة، قد لا نعرف منها إلا ما يساوى قمة جبل الجليد العائم الذي يختفي أغلبه تحت سطح البحر.”
وفي تقييمه للدورات السابقة للمعرض، كتب: “100 فنان يمكنهم تحريك جبال الصمت والتجاهل والنسيان في حياتنا الثقافية، وقد تغبطنا عليهم – بمعيار الحضارة والإبداع – بلاد تغدق الأموال والاهتمام والرعاية على فنانيها وتفخر بوجود تراثهم على أرضها، وهم نابعون من أرضها وهبوا حياتهم للفن، وألف عمل يبلغ مستوى الكثير منها أعمال الفن العالمي الحديث بكل من الغرب والشرق”.
ويُعد غاليري ضي (أتيليه العرب للثقافة والفنون) من أبرز المنصات الثقافية والفنية المستقلة في القاهرة، ويُعنى برعاية ودعم الفنانين التشكيليين العرب، خاصة الشباب، من خلال إقامة المعارض والملتقيات والندوات الفنية.
ويُعد معرض “مبدعون خالدون” الذي ينظم منذ العام 2018، أحد أبرز الفعاليات التي ينظمها غاليري ضي، ويهدف إلى تكريم رموز الفن التشكيلي العربي الذين تركوا بصمة دائمة في المشهد الفني. يجمع المعرض أعمالاً لفنانين راحلين ساهموا في إثراء الحركة التشكيلية، ويُسلّط الضوء على تنوّع أساليبهم وتجاربهم. ويأتي هذا المعرض تأكيدًا على استمرارية تأثير هؤلاء المبدعين، وحرص الغاليري على توثيق إرثهم الفني للأجيال القادمة.