معركة حرية الصحافة والكتابة النواب... و التساؤل عن (ديمقراطية ) حقيقية دون حرية

رسالة الأردن

طارق حمدان

ليس امتياز للصحفي أو الكاتب الإفصاح عن رأيه، وإنما هو حق مشروع يبتدأ من أسفل الهرم صاعدا قمته، وليس ضيق النفس هو الناتج الوحيد عن أمراض الرئة والقلب والشرايين، بل هو أيضا ناتج عن الاكاسيد والأبخرة المنبعثة من كل ما هو فاسد، والجريمة الكبرى هي الإسهام سواء كان بقصد أو غير قصد في إرضاع وتغذية هذا الفساد، عندها تصبح الصورة اقرب إلى من يغذي المسخ وهو لا يعلم انه سيلتهمه في يوم من الأيام. وقد يكون جلد الذات هو أكثر الأمور إثارة للاستغراب، حين تستعذب الذات ضرب نفسها والتنكيل بها، كونها تحمل في أعماقها رغبة في أن يسيطر عليها من أحد ما، وأن يستذلها ويفرض عليها أحكامه القسرية و الكسرية .

وهكذا كانت صدمة المثقف والصحفي الأردني، عندما اقر مجلس النواب وبتناغم وانسجام مع الحكومة، التعديلات التي أوصت بها لجنة التوجيه الوطني فيما يتعلق بحبس وتوقيف الصحفيين والكتاب، وبهذا تطفو من جديد أزمة عدم الثقة الموجودة أصلا بين النواب وبين المواطن العادي ، طارحة الكثير من الأسئلة حول أداء النواب و حول مستوى الكفاءة وطريقة العمل، وحول ثقافة الديمقراطية والأسس والمعايير التي يتم فيها الترشح والانتخاب. إحدى الكتاب الأردنيين كتب يقول في إحدى الصحف الأردنية " معظم النواب انتخب بصفة فردية تمثل ولاءات جهوية أو عشائرية لا على أساس توجهات فكرية أو سياسية أو برامجية. وهذا جعل قرارات الكثيرين من النواب تحتكم إلى اجتهادات شخصية منطلقة من معادلات مصالحية أو مواقف لا يمكن محاسبتها على أساس برنامج أو طرح كان التزمه النائب وقت انتخابه ".

وتشهد الساحة الأردنية في هذا الوقت، حالة من التساؤلات و الاستغراب والاستهجان جراء مواقف النواب الذين يفترض أن يكونوا هم الداعي الأول للديمقراطية وحرية التعبير، لا أن يرسخوا النظم الباتريركية والرجعية. نقرأ بعض المقاطع من مقالات ظهرت في الصحافة المحلية في الفترة الأخيرة ، فهنا كاتبة تقول " تعديلات مجلس النواب، مجلس الشعب، مجلسنا، أو ما كنا نظنه مجلسنا، غلظت من سقف العقوبات المالية وأبقت على الحبس واستحدثت جرجرة الصحفيين وأصحاب الرأي إلى المحاكم، وأخرجت لنا مولودا معاقا "، كما يتساءل كاتب آخر " لا اعرف لماذا تم زج اسم الصحافة في ديباجة الأسباب الموجبة لتوثيق الإرهاب.. ولماذا تحول القلم إلى قنبلة والحبر إلى ديناميت عند السادة النواب ؟ " وآخر يتساءل " ما فعلته فئة من النواب يعتبر سابقة في تاريخ البرلمان عبر العالم، فأي برلمان يسمح بذبح الحريات ؟ ".

وبصورة نادرة الحدوث، مازالت تشهد الساحة الأردنية، حملة غير مسبوقة يشنها أصحاب الأقلام ضد مجلس النواب الذي يسبح عكس التيار الشعبي ، مع أن هنالك الكثير أيضا ممن يقيم تلك التحركات بأنها لازالت ضعيفة بعض الشيء ولا ترقى لمستوى وحجم الكارثة التي قد تحل بأصحاب الأقلام والحريات العامة في الأردن. إذن هي معركة تدور رحاها الآن بين أصحاب الأقلام وبين مجلس النواب، ولا احد يعلم إلى الآن من سيكون الرابح في النهاية . يذكر بأن مشروع القانون الذي تم إقراره من قبل مجلس النواب ، تم عرضه على مجلس الأعيان في الأسبوع الفائت، حيث رفض ذاك الأخير تمرير عقوبة الحبس، مما رأى فيه البعض استجابة لضغوطات المثقفين والصحفيين، وفي هذه الحالة يتم رفع القرار مره أخرى إلى مجلس النواب، حيث يواجه القانون إصرارا نيابيا منسجما مع الحكومة بالإبقاء على العقوبة بشكل نص صريح في قانون العقوبات .

"خطة التنمية الثقافية في الأردن"
" التنمية " قد تكون الآن هي كلمة السوق أو (الموضة ) الجديدة إن صح التعبير، في الوقت الذي أصبحت فيه كلمات مثل " النهضة والتقدم والتطور " من (الموضة) القديمة التي عفا عليها الزمن. "التنمية " كلمة سال عليها الكثير من الحبر، ومن المتفق عليه أن مفهوم التنمية هو مفهوم شامل لا يقتصر على جانب واحد أو على قطاع معين، ويرى الكثير أن ليس ثمة تنمية ثقافية ولا تنمية اقتصادية ولا تنمية اجتماعية، فإما أن تكون التنمية شاملة أو تكون تنمية عرجاء واهية لا تؤدي غرضها، فمن الصعب العثور على أي منطقة في العالم تتمتع بمستوى ثقافي عالي وبنفس الوقت يكون المستوى الاجتماعي والاقتصادي منخفض، أو أن تكون منطقة ذات مستوى اقتصادي جيد وفي نفس الوقت يكون المستوى الاجتماعي والثقافي منخفض.
تصريحات كثيرة من قبل وزارة الثقافة ، تتحدث فيها عن خطة " تنمية ثقافية " وتطلق ألعابها النارية احتفالا برصد عشرة ملايين دينار،وحصولها على موازنة تبلغ ثلاثة أضعاف الموازنة التي كانت تحصل عليها، وتتحدث عن مشاريع بنى تحتية وبناء مجمع ثقافي ضخم يحوي العديد من المرافق، يتضمن قاعة أوبرا تتسع للآلاف، بالإضافة إلى العديد من المشاريع التي يتم الحديث عنها، والتي لاأرغب في ذكرها حرصا على مزاج القارئ كي لا يصاب بالملل، تحت ظلال أسئلة كثيرة تقفز في وجه أي مراقب أو متتبع للوضع الثقافي في الأردن.
هل ينقص المواطن الأردني المعدم والفقير، المزيد من هدر الأموال على أمور لاتعالج الجوهر وموطن الخلل في الحالة الثقافية في الأردن ؟
هل تظن الجهات الرسمية فعلا أن الأموال وبناء المتاحف وقاعات الأوبرا ودور العرض والمهرجانات قادرة على رفع مستوى الثقافة ؟
يرى الكثير من المثقفين الحقيقيين في الأردن، أن تلك المجاميع الثقافية والبنى التحتية لا تؤدي دورها إطلاقا في الحراك والعمل الثقافي، وهي ليست سوى ديكور وإكسسوار مزيف لا يلبث أن يعلوه الصدأ ويجتاحه الغبار، والتي تستخدم في معظم الأحيان لأسباب سياسية وشكلية وإعلامية، وكلنا يعلم والأمثلة كثيرة على مجاميع رياضية وثقافية في البلاد العربية لم تبنى إلا لأسباب تتعلق بأحداث سياسية أو أنشطة دولية لاستضافة أناس من الخارج .في الوقت الذي نلمس فيه شعور الجماهير والمواطن البسيط العادي بالحاجز والجدار الكبير، الذي يفصله و يحول دون إشراكه في تلك الأمور، إبداعا أو تمويلا أو استمتاعا أو استفادة، فهو لايلتفت إليها بكونه يحس ويعلم تماما بأنها تمضي في منأى عنه وتسبح في فلك آخر، لأنه لا صلة حقيقية أصلا بين الطرفين..
فهل يدخل ذلك ضمن نطاق (التنمية) الثقافية التي يحتاجها المجتمع !!

بين المغلوب والمطلوب...
عند استطلاع بعض آراء الكتاب والمثقفين نجد بأن كثر هم من يصرخون بأن التنمية الثقافية المطلوبة ليست سوى فتح باب الحرية الفكرية، وحرية الرأي والتعبير، فكما هو معروف أن الثقافة ليس لها أي معنى دون حرية. وبأن التنمية الثقافية المطلوبة هي محاربة الجهل والأمية، والتخلص من المحسوبية والشللية، والاهتمام بالإعلام وتثقيفه فهو سيف ذو حدين، إن لم يكن تثقيفيا ومهنيا حرا، فهو بالضرورة أداة تخلف ودعاية رخيصة، فلخلق حالة ثقافية يجب أيضا أن يكون هناك إعلام جاد ، يرتفع إلى المستوى المطلوب لتعميق وعي الفرد وإشراكه في التفاعل وإسهامه في خلق مساحة بناء حقيقية، لا إعلام ينحصر في المسلسلات البدوية، وتراث استهلك منذ فترة طويلة، وبرامج لمناقشة مشاكل سطحية وتافهة، وأغاني دون المستوى.

أصوات تنادي بأن التنمية الثقافية المطلوبة هي إفساح المجال للمبدعين الشباب، والتخلي عن الديناصورات المصابة بالعمى ، وتعديل المناهج التعليمية التي تفرض الجهل القسري وتكرس الامية الثقافية، والتي تخلو في معظمها من الحد الأدنى للثقافة، وخصوصا ما يتعلق منها باللغة العربية، حيث يغيب عن المناهج التعليمية كل الفكر والأدب العربي والعالمي الحديث، وتقتصر على كلاسيكيات فقيرة فكريا وفنيا وضعت في قالب واحد لتناسب أطراف عديدة. وأصوات تنادي بأن التنمية الثقافية المطلوبة هي التركيز على كيان المواطن لتأكيد وعيه بحريته وكرامته وقدراته العملية والفكرية، عن طريق تطوير البنى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية بشكل عام. وبأن التنمية الثقافية المطلوبة هي الوقفة الحقيقية في سبيل دعم حرية الرأي والتعبير ، والوقوف بشكل جاد في وجه العديد من الجهات التي تمارس الإرهاب الفكري على الكاتب والمثقف و الصحفي والمواطن العادي، كما يجري حاليا من لجوء الجهات الرسمية إلى تعديل قانون المطبوعات والنشر، لتشديد عقوبة الحبس ورفع الغرامات على الكتاب والصحفيين، ولتكريس ممارسات الترويض و الترويع . ولم يكن دانتي هو الوحيد الذي كتب على باب جحيمه " ايها الداخل من هذا الباب اقطع عنك كل أمل " ، فهناك أيضا باب جديد سيدخله كل مثقف وصاحب قلم حر في الأردن، بحال تم تطبيق قانون النشر والمطبوعات الجديد، الشيء الذي نخشاه ونرجو أن لا يتم .

tarikil@yahoo.com