رسالة الأردن
مهرجانات ثقافية وفنية تزيد من وطأة صيف الأردن!
مهرجان الأردن الأول مازالت لعنة "إلغاء" مهرجان جرش تلاحق مهرجان الأردن، فالمهرجان بدورته التّجريبة العام الماضي كان محط انتقادات ومبعث استياء في الأوساط الثّقافية والشعبية، بعد أن ثارت شُبهات عن تنظيم شركة فرنسية صديقة "لاسرائيل" فعاليات المهرجان، لتبدأ ردود الفعل على اختلافها، النّقابات الأردنية دعت الى مقاطعة المهرجان بسبب تنظيمه من قبَل نفس الشركة التي نظّمت الاحتفالات بمرور ستين عاماً على قيام دولة "اسرائيل"، اعتذار عدد من الفنانين خوفاً من شُبهة التّطبيع، الإخوان المسلمون استغلوا الفرصة لحمدالله على التخلّص من مهرجان جرش، والدّعاء للخلاص من مهرحان الأردن الذي هو "عبث بأخلاق الأمة"! لهذه الأسباب ولغيرها أيضاً جاء مهرجان الأردن بدورته الأولى هذا العام (على اعتبار أن الدّورة السابقة تجريبية) بتنظيم أردني تام تُمثّله وزارة الثّقافة الأردنيّة، وبعض هيئات المجتمع المدني (نقابة الفنانين ورابطة الكتاب) دون أيّ تدخّلٍ من شركات أجنبية تساعدها في ذلك، في البداية كان يمكن التّشكيك في حقيقة الأمر لكن من يتابع فعاليات مهرجان يرى بوضوح الأخطاء التّنظيمية وقلّة الخبرة في الادارة الثقافية. الفعاليات التي أرادَ لها منظموها أن تكون منوّعة ومختلفة حملت عنوان "فرص التلاقي"، فجاءت موزّعة على خمسةٍ وعشرين موقعاً في محافظات المملكة جميعها وتستمر من (7 تموز الى 7 آب)، فهناك الحفلات الغنائية والحفلات الموسيقية النّخبوية والفرق الشبابية الأردنية والعربية والعالمية، بالاضافة الى ملتقى الشعر العربي الحديث، وأمسيات الأدب الساخر، وملتقى الفن التشكيلي الدولي، وملتقى الأفلام القصيرة، ومؤتمر الاعلاميات العربيات، هذا بالاضافة الى عروض مسرحية أردنية وعربية. إلاّ أن هذا الكم من الفعاليات لم يكن مُنظّماً بل غلبت عليه العشوائية والارتجال، فقد تمّ تنسيق بعض الفعاليات ضمن الوقت الضائع وقبل المهرجان بفترة قصيرة، كما أن أماكن الحفلات والعروض تم ترتيبها بشكل غير مدروس، البروشورات التّي تم طباعتها للحفلات والأمسيات كانت تُوزّع خلال الفعالية وليس قبلها.. قلة الخبرة كادت أن تُصيب المهرجان في مقتل. والمُلام الوحيد هنا وزارة الثقافة التّي اختارت المُنّسقين بناءً على أسباب "لا يعلمها إلا الله"!! فكوّنت فريقا واحدا من الأصدقاء يُديرونَ مهرجان الأردن، ابتداءً من المُنسّق العام، مروراً بالهيئة الادارية للمهرجان. حيث أناطت اختيار المشاركين لأشخاص تنقصهم الخبرة الكافية لانجاح هكذا مشروع ثقافي وطني. في حين تحمّل موظفو وزارة الثقافة الجهد الأكبر في الوقت الذّي اكتفى فيه المُنسّقون اللّذين استأجروا فيلا في أغلى ضواحي عمان بلعب الدّور الفخري! ملتقى الشعر العربي الحديث مرّ الملتقى خفيفاً في جمهوره وشعرائه وشعره فقد اختتمت أمسيات ملتقى الشعر العربي الحديث الذي أقيم في الفترة من 11 ـ 21/ 7/ 2009 ضمن فعاليات المهرجان. الملتقى الذي تولّت تنسيقه المباشر فنانة تشكيلية (هيلدا حياري) وتكوّنت لجنة الشعر المُساعده فيه من روائي وقاص وكاتبة مسرحية (هزاع البراري، مخلد بركات، انتصار عباس)، في حين غاب الشعراء عن تنظيمه فجاء مليئاً بالعثرات. رغم أن وزارة الثّقافة أخذت على عاتقها التواصل مع رابطة الكتاب الأردنيين قُبيل المهرجان، وطلب وزيرها اقتراحات من الرابطة لطرح أسماء المشاركين، إلا أن لعبة "العلاقات العامة" التي يُتقنها البعض أكثر من غيره، كان لها دور أساسي في اختيار الأسماء. فمالذّي يعنيه أن تتكرّر مشاركة ثلاث شعراء في مهرجانات شعرية أردنية في خلال أقل من ثلاث شهور؟ أحمد الملا من السعودية/ اسكندر حبش من لبنان/ زليخة أبو ريشة من الأردن، شاركوا ثلاثتهم في أيام عمان الشّعرية التي نظّمتها ادارة مسرح الفوانيس خلال أيام عمان المسرحية، ولم يكونوا الأكثر تميّزا وابهاراً ليتم دعوتهم مرّة أخرى!! في الوقت الذي غابت فيه بعض أهم الأسماء الأردنية والعربية. فغياب شعراء أردنيين مثل أمجد ناصر، ابراهيم نصرالله، يوسف أبولوز، طاهر رياض وغيرهم لم يكن مبرراً ولم يكن في صالح الشعر الأردني، خاصةً في ظل اعتذار بعض الشعراء الأردنيين عن أمسياتهم، فحبيب زيودي اعتذر قبل الأمسية بوقت قصير، ومحمود فضيل التل غاب عن الحضور، وجريس سماوي اعتذر كونه "موظفاً" في وزارة الثقافة وزهير أبوشايب قدّم أمسيات لكنه لم يُلْقِ فيها شعراً رغم وجود اسمه ضمن البرنامج الذي تمّ توزيعه على الصّحافة! الشعراء الذي وردت أسماؤهم على البرنامج الرئيسي للملتقى: سعدي يوسف وفاروق يوسف/ العراق، قاسم حداد/ البحرين، أحمد الشهاوي وفاطمة ناعوت/ مصر، سيف الرحبي/ عُمان (لم يحضر)، شربل داغر واسكندر حبش/ لبنان، أحمد الملا/ السعودية، منى وفيق/ المغرب، هدى أبلان وابتسام المتوكّل/ اليمن، المتوكل طه ويوسف المحمود/ فلسطين، أما الشعراء الأردنيين فهم: سعدالدين شاهين، محمودالشلبي، حاكم العقرباوي، حبيب الزيودي، محمد ضمرة، موسى حوامدة، نبيلة الخطيب، جريس سماوي، زياد العناني، راشد عيسى، عبدالله رضوان، محمد سلام جميعان، زليخة أبو ريشة، أحمد الخطيب، يوسف عبد العزيز، مها العتوم، وحكمت النوايسة. وقد تمّ اضافة أسماء شعراء أردنيين لم تكُن مُدرجة على البرنامج، ففي الأمسية التي أُقيمت في محافظة الكرك قرأ اسلام سمحان وفي السلط قرأ عيد النسور. المُلفت كان وجود شاعرة انجليزية واحدة ووحيدة شاركت في أمسيات الشعر "العربي" الحديث وعندما سألنا عن سبب وجودها، برّره الرّوائي هزاع البراري (من اللجنة المساندة) بتزكية من الشّاعر سعدي يوسف! وكأنّ كونها "صديقة" سعدي يوسف عذر وجيه ومُقنع لإقحامها ضمن ملتقى الشّعر العربي؟! الأمسيات بدت مُبهمة حتى في الإعلان عنها في الصّحف الأردنية، فقد كان الإعلان يأتي عن أمسيات شعرية دون تحديد أسماء الشعراء وكأنّ الأمر متروكاً للّحظة فلا تنسيق حقيقي ولا جدول نهائي.. وهذا ما حصل في أكثر من أمسية حيث اعتذر بعض الشعراء العرب لأنّ قراءاتهم جاءت في أيام متتالية. ولم تسْلم أماكن الأمسيات من الفوضى، فقد تغيّرت أكثر من مرّة دون التّنبيه عن ذلك، فيتم الإعلان عن الأمسية في مركز الحسين الثقافي لتُقام في بيت الشّعر وحين يتم الإعلان عنها في بيت الشّعر تُقام في رابطة الكتّاب ممّا سبّب الكثير من الإرباك والفوضى. هذا وقد عَزف عدد من المثقّفين والشّعراء الأردنيين عن حضور فعاليات الملتقى احتجاجاً على تغييب الشعراء الأردنيين وتكرار الأسماء الشعرية المُشاركة وتهميش الشّعر لحساب الفن. فقد أفضى الشاعر يوسف عبدالعزيز (أحد الشعراء المشاركين) لمجلة الكلمة أن "هناك عدم اكتراث لفعاليات الشعرعلى مستوى المهرجان المُكرّس للغناء في الدّرجة الأولى فعلى هامش المهرجان يتم اقامة مجموعة من الأمسيات الشعرية لاستكمال الشّكل الثقافي"، وأكّد الشاعر يوسف عبدالعزيز "إذا كان لابد من وجود مهرجان للشعر فينبغي أن يكون مستقلاً عن جسد المهرجان، وأن يتم تنظيمه تنظيماً دقيقاً من قِبل شعراء أردنيين معروفين بإبداعاتهم وصلاتهم مع الوسط الثقافي الأردني والعربي، فما حدث هذا العام كان ارتجالاً في العمل الثقافي، انعكس سلباً على تشكيل اللجان المُنظّمة وبالتالي على الشعراء الأردنيين والعرب المُختارين، فلقد غابت أسماء مهمة ودول لم يتم دعوة شعرائها مثل تونس، الجزائر، ليبيا، السودان، الامارات والكويت". محمد منير ومكادي نحاس في أولى حفلات المهرجان جاءت أولى الحفلات الغنائية في مهرجان الأردن يُحييها الفنان المصري محمد منير والفنانة الأردنية مكادي نحاس، حيث حضر الآلاف في مسرح الأرينا ـ جامعة عمان الأهلية الحفل الذي أنارت مكادي فيه الروح بصوتها الملائكي وحضورها الأخّاذ. مكادي فنانة ملتزمة (تغني لفرح الناس حتى وان كان الغناء حزيناً)، بدأت بأغنيتها "هكذا تركني حلمي ورحل" لتوقد في القلب حمّى الحلم ولتغني "نتالي" و "عمي ياأبو الفانوس" وتستحضر الفيروز بأغنيات تراقص الروح "البنت الشلبية"، "أهواك"، "أنا لحبيبي" وتقطف للفرح وردة لا تذبل في "بقطفلك" ولا تملك الاّ أن تُسافر مع صوتها الى البعيد وتحس بالعشب اليابس يتسلّق عتبات القلب حين تغني "لاتندهي". مكادي نحاس فنانة أردنية لم تُغوها أضواء الشهرة فظلّت محافظة على التزامها بفنٍِ نخبوي لجمهور يطرب للصوت الشجي والأغنيات الجميلة في زمن الضجيج لتغني مجموعة من أغنيات التراث العراقي، "ما أندل" و "صغيرون" "وياعمة" ولتحافظ على التراث العمّاني بـ "هيّا على هيّا". مكادي نحاس فنانة أردنية أنارت بداية الحفل الذي غنى فيه الفنان المصري محمد منير، سفير الأغنية النوبية البسيط الذي يغني للشعب الكادح ولفرح البسطاء. فقد غنى محمد منير "ياسمرة" و "يونس" لجمهور لم يُقاوم أغنيات الجميل الأسمر ليغني معه "علّي صوتك" و "أحمر شفايف" و "سوياسو" و "جاي من بلادي البعيدة"، ومن التراث الأردني غنى الملك "ياطير ياطاير"..! الحفلة الأولى من حفلات التّجلي كانت مميزة بحضور محمد منير ومكادي نحاس رغم بعض التحفظات على التنظيم الذي لم يؤثر على استمتاع الحضور بموسيقى مختلفة وجميلة. كاظم الساهر وزين عوض في ليلة تجلّي ما يزيد عن خمسة آلاف شخص حضروا في مسرح الأرينا ـ جامعة عمان الأهلية، حيث غنّى المطرب العراقي كاظم الساهر والأردنية زين عوض في ثاني حفلات التّجلي والطرب. الحفل استهلّته زين عوض بأغنيات منوعة تفاوتت بين الايقاع السريع والطربي وأغنيات فيروزية بتوزيعٍ بدا غريباً ومشوّهاً لكنه مناسب للطّريق الذي قرّرت الفنانة الشابة صعوده أخيراً بعد انتظار مُلتزم لم يكن مُجدياً على ما يبدو...!! زين التّي بدأت مشوارها الفني بذائقة موسيقية عالية وغناء ملتزم، قررت أخيراً أن تنضم الى "فنانات الفضائيات".. لكن من المحزن حقاً أن تتبع بصوتها الجميل ـ كما فعلت ديانا كرزون من قبلها ـ الموجة السائدة من الصخب فبعد هذا الكم من الأغنيات الرومانسية والوطنية الجميلة وحتى الأغنيات التي حملت أهدافاً نبيلة مثل "بإرادتنا والبر والاحسان" ، انتبهت الفنانة "الصاعدة" أخيراً أن هذا النوع من الالتزام والرّصانة لا يؤدي لجماهيرية عالية فكان لابد من فستان الشيفون بظهره المكشوف ليناسب ربما المرحلة القادمة بعد توقيع عقدها مع ميلودي ميوزك..!!! الجمهور الذي تفاعل مع أداء زين عوض الرّاقص على المسرح استقبل القيصر كاظم الساهر بموجة من التصفيق ليبدأ حينها "التّجلي" الحقيقي.. حيث غنّى كاظم الساهر من ألبومه الجديد "صور" و "أخيراً" و "المستبدة" ومن قصائد نزار قباني غنّى"أحبيني" و "زيديني عشقاً" وحين غنى "الشوبي العراقي" لم يُقاوم الحضور ـ الذي كانت أكثريته من العراقيين ـ رقص الشوبي. كاظم الساهر ظلّ محافظاً على ابتسامته واحساسه العالي مُتجاوباً مع الجمهور فخطا الى الأمام بعض خطوات بناءً على طلب جمهوره الجالس على يمين ويسار المسرح وغنى لهم "أنا وليلى"، ولم يقبل بالقسوة التى عامل بها المنظّمون أحد المعجبين الشباب حين قفز الى المسرح ليسلّم على الساهر إلاّ أنّ رجال الأمن هاجموه بعنفٍ أدمى وجهه. وَقد وقف كاظم مندهشاً من ردة الفعل العنيفة ومُطالباً الأمن بإعادة الشاب الى المسرح حيث عانقه ووَقّع له تي ـ شيرت أبيض! الأمين العام لوزارة الثقافة ترك منصة التشريفات ـ التّي كان يجلس فيها مع وزير الثقافة ـ و نزل إلى أرض المسرح ليتحدث بحدة مع المسؤولين عن الأمن والحماية، لاأحد حقيقة يعرف لمَ كان كان التنظيم رديئاً الى هذا الحد تلك الليلة؟ ولم ترك وزير الثقافة هو الآخر المنصة ليقف خارج المسرح؟ كواليس الحفل كانت مليئة بالخبايا.. إلاّ أنّ هذا لم يؤثر على استمتاع خمسة آلاف شخص بصوت كاظم الساهر وفنّه الرّقي. وتستمر فعاليات مهرجان الأردن حتى السابع من آب بفعاليات موسيقية وثقافية وأمسيات الأدب الساخر إلاّ أنّ هذا لا يعني أن إلغاء مهرجان جرش لم يكن اساءة لن يغفرها تاريخ الثقافة للحكومة الأردنية! تميم البرغوثي: نجمٌ أم شاعر؟؟ لجمهور احتشد قبل الأمسية بساعتين، قرأ تميم البرغوثي في دارة الفنون بتنظيم من مؤسسة خالد شومان، قصائد بالعربية الفصحى وأخرى بالعامية الفلسطينة والعامية المصرية تناولت جميعها على اختلاف مستوياتها الفنية الوضع السّياسي والقضية العربية الكبرى والأزلية، القضية الفلسطينية. تميم البرغوثي (مواليد 1977) جَذب قرابة الألف من جمهور الفضائيات و الـ "يوتيوب" الباحث عن الخطابة والضجيج وشحن المعنويات، فالبرغوثي الذي عُرف من برنامج "أمير الشعراء" الذي بثّته فضائية أبو ظبي يكتب الشّعر التقليدي المباشر الملىء بالحماس والثورة، شِعر لا يحمل جماليات اللغة ورموزها، بل قريب من الزّجل المحكيّ الذّي "يلعب" على وتر المقاومة الحسّاس عند الجمهور الباحثِ عن شعبية قضية في شاعر، عن المقاومة في الكلمات على الأقل في زمنٍ ما عادت ساحات المعارك الحقيقية تُحرز بطولات تُذكر! من قصائده الفصحى قرأ دكتور العلوم السياسية في جامعة جورج تاون الأمريكية، "بيان عسكري" و "في القدس" و "قصيدة" مهداة الى غزة، كما قرأ البرغوثي من الشعر الشعبي الفلسطيني (طمنو ستي ام عطا بأنه القضية من زمان المندوب وهي زي ما هيّه/ لسا بنفاصل عليها زي مابتفاصلي مع الغجرية/ بس اطّمني/ وصلنا معاهم لستة ونص بالمية) ومن العامية المصرية قرأ (في العالم العربي تعيش كما قط ساكن تحت عربية/ عينيه ماتشوفش م الدنيا الا الجزم/ في العالم العربي تعيش/ كما بهلوان السيرك تحتك بهلوان دايس عليه/ وفوق دماغك بهلوان دايس عليك والكل واقف محترم) البرغوثي نَجح في أن يكون نَجماً جماهيرياً على حساب الشعر، فالجمهور البسيط الذي يفتقد الى الحماسة ويبحث عنها في المهرجانات الخطابية يتابع تميم النجم المؤدّي أكثر من الشاعر، لكن يجب أن نتذكّر هنا أنّ الطلة الأنيقة والصوت الجهوري والالقاء المُتقَن لن يصنع من تميم البرغوثي شاعر القضية الفلسطينية ولن يجعل منه "محمود درويش" آخر!!!! عروض أفلام للفنانة بسمة الشريف أصبحنا لا ندري حقيقةً إن كان الهمّ الفلسطيني هو المُوضة الدّارجة والتي يظلّ لها "زبائنها" أم أنها حقاً الهمُّ الحقيقي والعبء الذي يظلّ يركض في ضمائر المبدعين والفنانين من أبناء الشّتات؟ فتحت عنوان "فلسطين بين الحقيقة والخيال" وفي مركز "مكان"، قدمت الفنانة الأمريكية من أصول فلسطينية بسمة الشريف (مواليد 1983) أربعة أعمال فيديو تجريبيّة تُراوح بين التشويش المستمر للحقائق والتاريخ من جهة والتشويش الذي يسيطر على الخيال من جهة ثانية، حيث تستعمل بسمة الشريف في أفلامها القصيرة اللغة والنص والصوت والصورة الثابتة والمتحركة لعرض التاريخ مربوطاً بالشجن والفاشيّة والرغبة. العرض الأول "تحت الاحتلال" ـ ثلاث دقائق، والعرض الثاني "بلا عنوان" ومدّته دقيقتان،كانا عرضان قصيرين وبلا حوار. "كان الأمر سيّان في كل مكان" هو العرض الثالث، ومدّته اثني عشرة دقيقة وجاء استعراضاً لصور مساحات مهجورة تقصّ حكاية فتاتين ينتهي بهما المطاف بشكل غامض على ضفاف جنّة ما بعد انتهاء العالم، وما بين الحقيقة والخيال تنجلي قصّة مجزرة سرعان ما تسكِتُها حال شجن وحزن غير مفهومة. العرض الرابع كان بعنوان "ابتدأنا بأن نقيس المسافات" ومدّته تسعة عشر دقيقة، حيث تتلاعب الصور بالمشاهد من خلال صور ثابتة لفترات زمنية طويلة مع نص ولغة وصوت للكشف عن رواية لمجموعة مجهولة الهوية تمضي وقتها بقياس المسافات التي تتحوّل إلى قياسات سياسيّة تروي الصورة والصوت التاريخ والمأساة والتعقيد في الهويّة القوميّة الفلسطينيّة. يكشف العمل حال من عدم الانبهار بالوقائع عندما تفشل الصورة في نقل المأساة! مهرجان فضاءات عمان والفنون في متناول الجميع في أماكن مختلفة من العاصمة، ولفئات من مستويات ثقافية متفاوتة جاء مهرجان موسيقى فضاءات عمان الذّي نظّمته شركة "أورانج رد" بالتعاون مع الهيئة التّنفيذية لمشروع "مدينة صديقة للأطفال" في أمانة عمان الكبرى، فعلى مدى أربعة أسابيع جاءت العروض الموسيقية والفنية والثّقافية كل نهاية أسبوع لتُقدّم موسيقى بديلة ومختلفة عمّا تقدّمه الفضائيات وقنوات الضّجيج. سعى المهرجات لخلق فرص تواصل مباشرة بين فنانين شباب وفرق أردنية من جهة وجمهور تختلف فئاته العمرية والثقافية من جهة أخرى، وذلك من خلال تنظيم الحفلات في الأماكن التّي ترتادها هذه الفئات وفي عدد من الحدائق العامة لمناطق عمان الغربية والشرقية على حد سواء، وذلك لتحقيق الشعار الذي حمله المهرجان وهو "الفنون في مُتناول الجميع". وقد شاركت كل من فرقة جدل الأردنية، النّغم الأصيل،شوهالأيام، وفرقة الأكاديمية الأردنية للموسيقى والفنانة الملتزمة مكادي نحاس، هاني متواسي، ايهاب مراد، وحسام حمود، شاركوا الجمهور البسيط الذي حضر بشكل كثيف في مناطق عمّان الشرقية ليستمتع بتنوّع موسيقي يتصدى لموجات التّفاهة الموسيقية وليستمع لفنون لم يألفها من قبل! وقد استهلّت الفعاليات على مدى الأربعة أسابيع عروض دبكة وعروض مسرح دمى (ميمو ستارز) تابعة لمشروع الفنون في متناول الجميع الذي تقدمه الهيئة التنفيذية لمدينة صديقة للأطفال/ أمانة عمان الكبرى في 15 موقع بشكل مجاني للأطفال حيث أتاحت لهم فرصة تعلم خمسة أنواع من الفنون من خلال الورش الفنية الأسبوعية وهي (دراما، موسيقى وغناء، فن الرسم، الدبكة، وصناعة الدمى). لابد من الاشارة هنا الى أن "أورانج رد" شركة خاصة تديرها كل من سوسن حبيب ولما حزبون، وتُعنى بتنظيم الفعاليات الثقافية والموسيقية النّوعية وتُعد واحدة من أهم الشركات الخاصة الدّاعمة للثقافة والموسيقى المختلفة في عمان من خلال رهانها على المواهب الشابة والعمل على تطويرها.
مهرجان الأردن الأول مازالت لعنة "إلغاء" مهرجان جرش تلاحق مهرجان الأردن، فالمهرجان بدورته التّجريبة العام الماضي كان محط انتقادات ومبعث استياء في الأوساط الثّقافية والشعبية، بعد أن ثارت شُبهات عن تنظيم شركة فرنسية صديقة "لاسرائيل" فعاليات المهرجان، لتبدأ ردود الفعل على اختلافها، النّقابات الأردنية دعت الى مقاطعة المهرجان بسبب تنظيمه من قبَل نفس الشركة التي نظّمت الاحتفالات بمرور ستين عاماً على قيام دولة "اسرائيل"، اعتذار عدد من الفنانين خوفاً من شُبهة التّطبيع، الإخوان المسلمون استغلوا الفرصة لحمدالله على التخلّص من مهرجان جرش، والدّعاء للخلاص من مهرحان الأردن الذي هو "عبث بأخلاق الأمة"! لهذه الأسباب ولغيرها أيضاً جاء مهرجان الأردن بدورته الأولى هذا العام (على اعتبار أن الدّورة السابقة تجريبية) بتنظيم أردني تام تُمثّله وزارة الثّقافة الأردنيّة، وبعض هيئات المجتمع المدني (نقابة الفنانين ورابطة الكتاب) دون أيّ تدخّلٍ من شركات أجنبية تساعدها في ذلك، في البداية كان يمكن التّشكيك في حقيقة الأمر لكن من يتابع فعاليات مهرجان يرى بوضوح الأخطاء التّنظيمية وقلّة الخبرة في الادارة الثقافية.
الفعاليات التي أرادَ لها منظموها أن تكون منوّعة ومختلفة حملت عنوان "فرص التلاقي"، فجاءت موزّعة على خمسةٍ وعشرين موقعاً في محافظات المملكة جميعها وتستمر من (7 تموز الى 7 آب)، فهناك الحفلات الغنائية والحفلات الموسيقية النّخبوية والفرق الشبابية الأردنية والعربية والعالمية، بالاضافة الى ملتقى الشعر العربي الحديث، وأمسيات الأدب الساخر، وملتقى الفن التشكيلي الدولي، وملتقى الأفلام القصيرة، ومؤتمر الاعلاميات العربيات، هذا بالاضافة الى عروض مسرحية أردنية وعربية. إلاّ أن هذا الكم من الفعاليات لم يكن مُنظّماً بل غلبت عليه العشوائية والارتجال، فقد تمّ تنسيق بعض الفعاليات ضمن الوقت الضائع وقبل المهرجان بفترة قصيرة، كما أن أماكن الحفلات والعروض تم ترتيبها بشكل غير مدروس، البروشورات التّي تم طباعتها للحفلات والأمسيات كانت تُوزّع خلال الفعالية وليس قبلها.. قلة الخبرة كادت أن تُصيب المهرجان في مقتل. والمُلام الوحيد هنا وزارة الثقافة التّي اختارت المُنّسقين بناءً على أسباب "لا يعلمها إلا الله"!! فكوّنت فريقا واحدا من الأصدقاء يُديرونَ مهرجان الأردن، ابتداءً من المُنسّق العام، مروراً بالهيئة الادارية للمهرجان. حيث أناطت اختيار المشاركين لأشخاص تنقصهم الخبرة الكافية لانجاح هكذا مشروع ثقافي وطني. في حين تحمّل موظفو وزارة الثقافة الجهد الأكبر في الوقت الذّي اكتفى فيه المُنسّقون اللّذين استأجروا فيلا في أغلى ضواحي عمان بلعب الدّور الفخري!
ملتقى الشعر العربي الحديث مرّ الملتقى خفيفاً في جمهوره وشعرائه وشعره فقد اختتمت أمسيات ملتقى الشعر العربي الحديث الذي أقيم في الفترة من 11 ـ 21/ 7/ 2009 ضمن فعاليات المهرجان. الملتقى الذي تولّت تنسيقه المباشر فنانة تشكيلية (هيلدا حياري) وتكوّنت لجنة الشعر المُساعده فيه من روائي وقاص وكاتبة مسرحية (هزاع البراري، مخلد بركات، انتصار عباس)، في حين غاب الشعراء عن تنظيمه فجاء مليئاً بالعثرات. رغم أن وزارة الثّقافة أخذت على عاتقها التواصل مع رابطة الكتاب الأردنيين قُبيل المهرجان، وطلب وزيرها اقتراحات من الرابطة لطرح أسماء المشاركين، إلا أن لعبة "العلاقات العامة" التي يُتقنها البعض أكثر من غيره، كان لها دور أساسي في اختيار الأسماء. فمالذّي يعنيه أن تتكرّر مشاركة ثلاث شعراء في مهرجانات شعرية أردنية في خلال أقل من ثلاث شهور؟ أحمد الملا من السعودية/ اسكندر حبش من لبنان/ زليخة أبو ريشة من الأردن، شاركوا ثلاثتهم في أيام عمان الشّعرية التي نظّمتها ادارة مسرح الفوانيس خلال أيام عمان المسرحية، ولم يكونوا الأكثر تميّزا وابهاراً ليتم دعوتهم مرّة أخرى!! في الوقت الذي غابت فيه بعض أهم الأسماء الأردنية والعربية. فغياب شعراء أردنيين مثل أمجد ناصر، ابراهيم نصرالله، يوسف أبولوز، طاهر رياض وغيرهم لم يكن مبرراً ولم يكن في صالح الشعر الأردني، خاصةً في ظل اعتذار بعض الشعراء الأردنيين عن أمسياتهم، فحبيب زيودي اعتذر قبل الأمسية بوقت قصير، ومحمود فضيل التل غاب عن الحضور، وجريس سماوي اعتذر كونه "موظفاً" في وزارة الثقافة وزهير أبوشايب قدّم أمسيات لكنه لم يُلْقِ فيها شعراً رغم وجود اسمه ضمن البرنامج الذي تمّ توزيعه على الصّحافة!
الشعراء الذي وردت أسماؤهم على البرنامج الرئيسي للملتقى: سعدي يوسف وفاروق يوسف/ العراق، قاسم حداد/ البحرين، أحمد الشهاوي وفاطمة ناعوت/ مصر، سيف الرحبي/ عُمان (لم يحضر)، شربل داغر واسكندر حبش/ لبنان، أحمد الملا/ السعودية، منى وفيق/ المغرب، هدى أبلان وابتسام المتوكّل/ اليمن، المتوكل طه ويوسف المحمود/ فلسطين، أما الشعراء الأردنيين فهم:
سعدالدين شاهين، محمودالشلبي، حاكم العقرباوي، حبيب الزيودي، محمد ضمرة، موسى حوامدة، نبيلة الخطيب، جريس سماوي، زياد العناني، راشد عيسى، عبدالله رضوان، محمد سلام جميعان، زليخة أبو ريشة، أحمد الخطيب، يوسف عبد العزيز، مها العتوم، وحكمت النوايسة. وقد تمّ اضافة أسماء شعراء أردنيين لم تكُن مُدرجة على البرنامج، ففي الأمسية التي أُقيمت في محافظة الكرك قرأ اسلام سمحان وفي السلط قرأ عيد النسور.
المُلفت كان وجود شاعرة انجليزية واحدة ووحيدة شاركت في أمسيات الشعر "العربي" الحديث وعندما سألنا عن سبب وجودها، برّره الرّوائي هزاع البراري (من اللجنة المساندة) بتزكية من الشّاعر سعدي يوسف! وكأنّ كونها "صديقة" سعدي يوسف عذر وجيه ومُقنع لإقحامها ضمن ملتقى الشّعر العربي؟!
الأمسيات بدت مُبهمة حتى في الإعلان عنها في الصّحف الأردنية، فقد كان الإعلان يأتي عن أمسيات شعرية دون تحديد أسماء الشعراء وكأنّ الأمر متروكاً للّحظة فلا تنسيق حقيقي ولا جدول نهائي.. وهذا ما حصل في أكثر من أمسية حيث اعتذر بعض الشعراء العرب لأنّ قراءاتهم جاءت في أيام متتالية. ولم تسْلم أماكن الأمسيات من الفوضى، فقد تغيّرت أكثر من مرّة دون التّنبيه عن ذلك، فيتم الإعلان عن الأمسية في مركز الحسين الثقافي لتُقام في بيت الشّعر وحين يتم الإعلان عنها في بيت الشّعر تُقام في رابطة الكتّاب ممّا سبّب الكثير من الإرباك والفوضى.
هذا وقد عَزف عدد من المثقّفين والشّعراء الأردنيين عن حضور فعاليات الملتقى احتجاجاً على تغييب الشعراء الأردنيين وتكرار الأسماء الشعرية المُشاركة وتهميش الشّعر لحساب الفن. فقد أفضى الشاعر يوسف عبدالعزيز (أحد الشعراء المشاركين) لمجلة الكلمة أن "هناك عدم اكتراث لفعاليات الشعرعلى مستوى المهرجان المُكرّس للغناء في الدّرجة الأولى فعلى هامش المهرجان يتم اقامة مجموعة من الأمسيات الشعرية لاستكمال الشّكل الثقافي"، وأكّد الشاعر يوسف عبدالعزيز "إذا كان لابد من وجود مهرجان للشعر فينبغي أن يكون مستقلاً عن جسد المهرجان، وأن يتم تنظيمه تنظيماً دقيقاً من قِبل شعراء أردنيين معروفين بإبداعاتهم وصلاتهم مع الوسط الثقافي الأردني والعربي، فما حدث هذا العام كان ارتجالاً في العمل الثقافي، انعكس سلباً على تشكيل اللجان المُنظّمة وبالتالي على الشعراء الأردنيين والعرب المُختارين، فلقد غابت أسماء مهمة ودول لم يتم دعوة شعرائها مثل تونس، الجزائر، ليبيا، السودان، الامارات والكويت".
محمد منير ومكادي نحاس في أولى حفلات المهرجان جاءت أولى الحفلات الغنائية في مهرجان الأردن يُحييها الفنان المصري محمد منير والفنانة الأردنية مكادي نحاس، حيث حضر الآلاف في مسرح الأرينا ـ جامعة عمان الأهلية الحفل الذي أنارت مكادي فيه الروح بصوتها الملائكي وحضورها الأخّاذ. مكادي فنانة ملتزمة (تغني لفرح الناس حتى وان كان الغناء حزيناً)، بدأت بأغنيتها "هكذا تركني حلمي ورحل" لتوقد في القلب حمّى الحلم ولتغني "نتالي" و "عمي ياأبو الفانوس" وتستحضر الفيروز بأغنيات تراقص الروح "البنت الشلبية"، "أهواك"، "أنا لحبيبي" وتقطف للفرح وردة لا تذبل في "بقطفلك" ولا تملك الاّ أن تُسافر مع صوتها الى البعيد وتحس بالعشب اليابس يتسلّق عتبات القلب حين تغني "لاتندهي". مكادي نحاس فنانة أردنية لم تُغوها أضواء الشهرة فظلّت محافظة على التزامها بفنٍِ نخبوي لجمهور يطرب للصوت الشجي والأغنيات الجميلة في زمن الضجيج لتغني مجموعة من أغنيات التراث العراقي، "ما أندل" و "صغيرون" "وياعمة" ولتحافظ على التراث العمّاني بـ "هيّا على هيّا".
مكادي نحاس فنانة أردنية أنارت بداية الحفل الذي غنى فيه الفنان المصري محمد منير، سفير الأغنية النوبية البسيط الذي يغني للشعب الكادح ولفرح البسطاء. فقد غنى محمد منير "ياسمرة" و "يونس" لجمهور لم يُقاوم أغنيات الجميل الأسمر ليغني معه "علّي صوتك" و "أحمر شفايف" و "سوياسو" و "جاي من بلادي البعيدة"، ومن التراث الأردني غنى الملك "ياطير ياطاير"..! الحفلة الأولى من حفلات التّجلي كانت مميزة بحضور محمد منير ومكادي نحاس رغم بعض التحفظات على التنظيم الذي لم يؤثر على استمتاع الحضور بموسيقى مختلفة وجميلة.
كاظم الساهر وزين عوض في ليلة تجلّي ما يزيد عن خمسة آلاف شخص حضروا في مسرح الأرينا ـ جامعة عمان الأهلية، حيث غنّى المطرب العراقي كاظم الساهر والأردنية زين عوض في ثاني حفلات التّجلي والطرب. الحفل استهلّته زين عوض بأغنيات منوعة تفاوتت بين الايقاع السريع والطربي وأغنيات فيروزية بتوزيعٍ بدا غريباً ومشوّهاً لكنه مناسب للطّريق الذي قرّرت الفنانة الشابة صعوده أخيراً بعد انتظار مُلتزم لم يكن مُجدياً على ما يبدو...!! زين التّي بدأت مشوارها الفني بذائقة موسيقية عالية وغناء ملتزم، قررت أخيراً أن تنضم الى "فنانات الفضائيات".. لكن من المحزن حقاً أن تتبع بصوتها الجميل ـ كما فعلت ديانا كرزون من قبلها ـ الموجة السائدة من الصخب فبعد هذا الكم من الأغنيات الرومانسية والوطنية الجميلة وحتى الأغنيات التي حملت أهدافاً نبيلة مثل "بإرادتنا والبر والاحسان" ، انتبهت الفنانة "الصاعدة" أخيراً أن هذا النوع من الالتزام والرّصانة لا يؤدي لجماهيرية عالية فكان لابد من فستان الشيفون بظهره المكشوف ليناسب ربما المرحلة القادمة بعد توقيع عقدها مع ميلودي ميوزك..!!!
الجمهور الذي تفاعل مع أداء زين عوض الرّاقص على المسرح استقبل القيصر كاظم الساهر بموجة من التصفيق ليبدأ حينها "التّجلي" الحقيقي.. حيث غنّى كاظم الساهر من ألبومه الجديد "صور" و "أخيراً" و "المستبدة" ومن قصائد نزار قباني غنّى"أحبيني" و "زيديني عشقاً" وحين غنى "الشوبي العراقي" لم يُقاوم الحضور ـ الذي كانت أكثريته من العراقيين ـ رقص الشوبي.
كاظم الساهر ظلّ محافظاً على ابتسامته واحساسه العالي مُتجاوباً مع الجمهور فخطا الى الأمام بعض خطوات بناءً على طلب جمهوره الجالس على يمين ويسار المسرح وغنى لهم "أنا وليلى"، ولم يقبل بالقسوة التى عامل بها المنظّمون أحد المعجبين الشباب حين قفز الى المسرح ليسلّم على الساهر إلاّ أنّ رجال الأمن هاجموه بعنفٍ أدمى وجهه. وَقد وقف كاظم مندهشاً من ردة الفعل العنيفة ومُطالباً الأمن بإعادة الشاب الى المسرح حيث عانقه ووَقّع له تي ـ شيرت أبيض!
الأمين العام لوزارة الثقافة ترك منصة التشريفات ـ التّي كان يجلس فيها مع وزير الثقافة ـ و نزل إلى أرض المسرح ليتحدث بحدة مع المسؤولين عن الأمن والحماية، لاأحد حقيقة يعرف لمَ كان كان التنظيم رديئاً الى هذا الحد تلك الليلة؟ ولم ترك وزير الثقافة هو الآخر المنصة ليقف خارج المسرح؟ كواليس الحفل كانت مليئة بالخبايا.. إلاّ أنّ هذا لم يؤثر على استمتاع خمسة آلاف شخص بصوت كاظم الساهر وفنّه الرّقي.
وتستمر فعاليات مهرجان الأردن حتى السابع من آب بفعاليات موسيقية وثقافية وأمسيات الأدب الساخر إلاّ أنّ هذا لا يعني أن إلغاء مهرجان جرش لم يكن اساءة لن يغفرها تاريخ الثقافة للحكومة الأردنية!
تميم البرغوثي: نجمٌ أم شاعر؟؟ لجمهور احتشد قبل الأمسية بساعتين، قرأ تميم البرغوثي في دارة الفنون بتنظيم من مؤسسة خالد شومان، قصائد بالعربية الفصحى وأخرى بالعامية الفلسطينة والعامية المصرية تناولت جميعها على اختلاف مستوياتها الفنية الوضع السّياسي والقضية العربية الكبرى والأزلية، القضية الفلسطينية. تميم البرغوثي (مواليد 1977) جَذب قرابة الألف من جمهور الفضائيات و الـ "يوتيوب" الباحث عن الخطابة والضجيج وشحن المعنويات، فالبرغوثي الذي عُرف من برنامج "أمير الشعراء" الذي بثّته فضائية أبو ظبي يكتب الشّعر التقليدي المباشر الملىء بالحماس والثورة، شِعر لا يحمل جماليات اللغة ورموزها، بل قريب من الزّجل المحكيّ الذّي "يلعب" على وتر المقاومة الحسّاس عند الجمهور الباحثِ عن شعبية قضية في شاعر، عن المقاومة في الكلمات على الأقل في زمنٍ ما عادت ساحات المعارك الحقيقية تُحرز بطولات تُذكر!
من قصائده الفصحى قرأ دكتور العلوم السياسية في جامعة جورج تاون الأمريكية، "بيان عسكري" و "في القدس" و "قصيدة" مهداة الى غزة، كما قرأ البرغوثي من الشعر الشعبي الفلسطيني (طمنو ستي ام عطا بأنه القضية من زمان المندوب وهي زي ما هيّه/ لسا بنفاصل عليها زي مابتفاصلي مع الغجرية/ بس اطّمني/ وصلنا معاهم لستة ونص بالمية)
ومن العامية المصرية قرأ (في العالم العربي تعيش كما قط ساكن تحت عربية/ عينيه ماتشوفش م الدنيا الا الجزم/ في العالم العربي تعيش/ كما بهلوان السيرك تحتك بهلوان دايس عليه/ وفوق دماغك بهلوان دايس عليك والكل واقف محترم)
البرغوثي نَجح في أن يكون نَجماً جماهيرياً على حساب الشعر، فالجمهور البسيط الذي يفتقد الى الحماسة ويبحث عنها في المهرجانات الخطابية يتابع تميم النجم المؤدّي أكثر من الشاعر، لكن يجب أن نتذكّر هنا أنّ الطلة الأنيقة والصوت الجهوري والالقاء المُتقَن لن يصنع من تميم البرغوثي شاعر القضية الفلسطينية ولن يجعل منه "محمود درويش" آخر!!!!
عروض أفلام للفنانة بسمة الشريف أصبحنا لا ندري حقيقةً إن كان الهمّ الفلسطيني هو المُوضة الدّارجة والتي يظلّ لها "زبائنها" أم أنها حقاً الهمُّ الحقيقي والعبء الذي يظلّ يركض في ضمائر المبدعين والفنانين من أبناء الشّتات؟ فتحت عنوان "فلسطين بين الحقيقة والخيال" وفي مركز "مكان"، قدمت الفنانة الأمريكية من أصول فلسطينية بسمة الشريف (مواليد 1983) أربعة أعمال فيديو تجريبيّة تُراوح بين التشويش المستمر للحقائق والتاريخ من جهة والتشويش الذي يسيطر على الخيال من جهة ثانية، حيث تستعمل بسمة الشريف في أفلامها القصيرة اللغة والنص والصوت والصورة الثابتة والمتحركة لعرض التاريخ مربوطاً بالشجن والفاشيّة والرغبة.
العرض الأول "تحت الاحتلال" ـ ثلاث دقائق، والعرض الثاني "بلا عنوان" ومدّته دقيقتان،كانا عرضان قصيرين وبلا حوار.
"كان الأمر سيّان في كل مكان" هو العرض الثالث، ومدّته اثني عشرة دقيقة وجاء استعراضاً لصور مساحات مهجورة تقصّ حكاية فتاتين ينتهي بهما المطاف بشكل غامض على ضفاف جنّة ما بعد انتهاء العالم، وما بين الحقيقة والخيال تنجلي قصّة مجزرة سرعان ما تسكِتُها حال شجن وحزن غير مفهومة.
العرض الرابع كان بعنوان "ابتدأنا بأن نقيس المسافات" ومدّته تسعة عشر دقيقة، حيث تتلاعب الصور بالمشاهد من خلال صور ثابتة لفترات زمنية طويلة مع نص ولغة وصوت للكشف عن رواية لمجموعة مجهولة الهوية تمضي وقتها بقياس المسافات التي تتحوّل إلى قياسات سياسيّة تروي الصورة والصوت التاريخ والمأساة والتعقيد في الهويّة القوميّة الفلسطينيّة. يكشف العمل حال من عدم الانبهار بالوقائع عندما تفشل الصورة في نقل المأساة!
مهرجان فضاءات عمان والفنون في متناول الجميع في أماكن مختلفة من العاصمة، ولفئات من مستويات ثقافية متفاوتة جاء مهرجان موسيقى فضاءات عمان الذّي نظّمته شركة "أورانج رد" بالتعاون مع الهيئة التّنفيذية لمشروع "مدينة صديقة للأطفال" في أمانة عمان الكبرى، فعلى مدى أربعة أسابيع جاءت العروض الموسيقية والفنية والثّقافية كل نهاية أسبوع لتُقدّم موسيقى بديلة ومختلفة عمّا تقدّمه الفضائيات وقنوات الضّجيج.
سعى المهرجات لخلق فرص تواصل مباشرة بين فنانين شباب وفرق أردنية من جهة وجمهور تختلف فئاته العمرية والثقافية من جهة أخرى، وذلك من خلال تنظيم الحفلات في الأماكن التّي ترتادها هذه الفئات وفي عدد من الحدائق العامة لمناطق عمان الغربية والشرقية على حد سواء، وذلك لتحقيق الشعار الذي حمله المهرجان وهو "الفنون في مُتناول الجميع". وقد شاركت كل من فرقة جدل الأردنية، النّغم الأصيل،شوهالأيام، وفرقة الأكاديمية الأردنية للموسيقى والفنانة الملتزمة مكادي نحاس، هاني متواسي، ايهاب مراد، وحسام حمود، شاركوا الجمهور البسيط الذي حضر بشكل كثيف في مناطق عمّان الشرقية ليستمتع بتنوّع موسيقي يتصدى لموجات التّفاهة الموسيقية وليستمع لفنون لم يألفها من قبل!
وقد استهلّت الفعاليات على مدى الأربعة أسابيع عروض دبكة وعروض مسرح دمى (ميمو ستارز) تابعة لمشروع الفنون في متناول الجميع الذي تقدمه الهيئة التنفيذية لمدينة صديقة للأطفال/ أمانة عمان الكبرى في 15 موقع بشكل مجاني للأطفال حيث أتاحت لهم فرصة تعلم خمسة أنواع من الفنون من خلال الورش الفنية الأسبوعية وهي (دراما، موسيقى وغناء، فن الرسم، الدبكة، وصناعة الدمى). لابد من الاشارة هنا الى أن "أورانج رد" شركة خاصة تديرها كل من سوسن حبيب ولما حزبون، وتُعنى بتنظيم الفعاليات الثقافية والموسيقية النّوعية وتُعد واحدة من أهم الشركات الخاصة الدّاعمة للثقافة والموسيقى المختلفة في عمان من خلال رهانها على المواهب الشابة والعمل على تطويرها.