الأدب النسوي في الخليج
محور مجلة "الدوحة" القطرية
اختارت مجلة الدوحة في عددها الأخير موضوع (الأدب النسوي في الخليج)، ليكتب فيه عدد من الكتاب والأدباء بمن فيهم كاتبات عربيات وخليجيات. تقول المجلة في تقديمها للملف: (الأدب النسوي الخليجي مثله في هذا مثل الأدب الذكوري، نبتة طبيعية في تربة الوطن وتتطلع الى نمو وازدهار يتفتح في أرجاء الأرض المحلية أولا، ثم تنتشر في الأقطار العربية، على أمل أن تحدث اختراقا ما، بطريقة أو بأخرى، نحو عالمية ممكنة من خلال ترجمات أو رغبة من العالم في أن يتعرف على مجتمعاتنا من خلال الأقلام النسوية. وأسماء الكاتبات الخليجيات كثيرة ومتنوعة، ليس فقط من حيث النوع الأدبي أو بلد المنشأ، ولكن خصوصا من خلال الخبرة والمستوى وعمق الطرح الفكري والاجتماعي للكاتبة، لذلك فإن أي مقاربة للأدب النسوي في الخليج لا بدّ لها من أن تأخذ كل هذا التنوع بعين الاعتبار، لا سيما وان هناك أسماء برزت منذ عقود ولاتزال على عطائها، مقابل أسماء أخرى أضاءت في مرحلة ثم خبت، وكأنها اعتزلت.. وظاهرة الاعتزال في الأدب النسوي في العالم العربي عموما وفي الخليج كذلك، موجودة بكثافة تسترعي الانتباه. لكن، وأيا كانت الظروف فإن ما يهمنا هو تلمس عوامل اندفاع الأدب النسوي في الخليج وليس عوامل انكفائه لدى بعض الأسماء. ربما تكون الصحافة بعد انتشار التعليم في صفوف البنات، هي من أبرز العوامل المنشطة للأدب النسوي في الخليج، وعندما نقول الصحافة لا نقصد الإعلام المكتوب فقط، إنما المسموع أيضا، وخصوصا المرئي الذي دخل كل بيت ووصل الى كل إمرأة ورجل. وكذلك يعتبر اتساع رقعة الحرية المعطاة للمرأة، قياسا بما كان قائما من خمسين أو ستين سنة مثلا، من أبرز محركات انتشار الأدب النسوي في الخليج. طبعا هناك عوامل أخرى ومحفزات متنوعة تقف وراء وقوف المراة الخليجية جنبا الى جنب مع الرجل الخليجي، على أرض الشعر والرواية والسيرة والقصة والمسرح وغيرها. وهذا الملف من (الدوحة) يتطرق الى كل تلك العوامل، محاولا تبين تأثيراتها على نتاج كاتباتنا في الخليج).
وبعد أن يسوق عبد اللطيف الأرناؤوط الخلاف القديم الجديد حول مصطلح الأدب النسوي أو الإبداع النسوي يقول (إن الأدباء من الرجال سبقوا المرأة الأديبة في الخليج بالنهضة الأدبية مدة خمسة عقود تقريبا، منذ القرن التاسع عشر...) ويؤكد إن شعر المرأة العربية بدأ محاكاة للشعر العربي في عصر النهضة، وتقليدا له في مختلف مراحله، فنظمت المراة في الخليج العربي شعرا اتباعيا ورومانسيا يعبر عن تطلعاتها الى الحرية، ويرسخ قيمها الإنسانية والاجتماعية والطبيعية، وطغى اهتمامها بقضيتها على الموضوعات الأخرى بحكم معاناتها، وقد مرّ الشعر النسوي في الخليج العربي بمراحل أدبية تماثل شعر الشاعرات العربيات الماجدات في المجتمع العربي زمن النهضة.. ودافعت المرأة الخليجية عن حقوقها المستلبة، وعبرت عن الظلم الواقع عليها بشعر تقليدي وبقافية موزونة.
كما يؤكد الأرناؤؤط أن الاتجاه الرومانسي كان من أبرز اتجاهات شعر المرأة الخليجي المعاصر، بحكم طبيعة المرأة العاطفية، وميلها الى تصوير معاناتها النفسية، لكنها كإنسانة مبدعة، كانت تخضع في مجتمعها لرقابة مشددة... وقد تحدث الكاتب عن مثال لشاعرات الخليج الدكتورة زكية مال الله يقول عنها: في مجموعتها الشعرية (على شفا حفرة من البوح) قصائد نتنسم منها نكهة معينة لا تتوافر لشعر الشعراء المحدثين الذين ينهلون من معين الثقافة الغربية، في قصائدها تعبير عميق عن الاشعور يصل الى حدّ التجريد. وغن جمالية الشعر في قصائدها ذات دلالة تثير الوعي، وعمق الإحساس والشعور، وهي تستند الى عناصر درامية، وتستمد مادتها من الخلفية الدينية والخيال السحري الذي ينقل الإنسان الى عالم غريب من الرمزية والعمق الفكري، وغنى الصور والحركة.
من جهته يقول الدكتور عبد المنعم تليمة: مرّ بنا أن إبداع الخليجية ينصرف جله الى حقل الإبداع الأدبي، ومع هذا نشهد أن المثقفة الخليجية قد طمعت الى التخصص في درس الأدب ونقده الى جوار طموحها الإبداعي الى إنتاج الأدب وصياغته. نشهد أن الكويتية فاطمة صالح العلي، والسعودية مريم بوبشيت، والعمانية آسيا البوعلي، قد جمعن بين الإبداع القصصي والشعري والروائي، والدرس الأكاديمي للأدب.. بل نشهد القطرية هدى النعيمي تبدع في الفنّ القصصي، وتجتهد باطراد فريد حتى حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم التجريبية الدقيقة من كلية علوم القاهرة. ثم يقول: نريد القول أن المبدعة الخليجية ثبتت موقعها العصري في إبداع الفنّ الأدبي، شعرا وقصة ورواية وسيرة ذاتية، وشيدت مواقع مشهودة في حقل الدرس العلمي البلاغي والنقدي، وفي حقل العلم التجريبي، فدلت بهذا على وعيها بوحدة المعرفة.
ويذهب الدكتور صابر الحباشة من تونس الى أن هناك طفرة تشهدها الساحة الخليجية على مستوى الكتابة النسائية، ولا سيما في قطاع الرواية تحديدا، وهي طفرة كمية، للنظار المتعجل، ولكنها تخفي، عند التأمل، باطنا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا لافتا. أما الكاتب السعودي علي الدرورة فيقول في مقاله المعنون بـ (الجسد المؤدلج ان الأدب في المملكة العربية السعودية هو الرائد خليجيا في الرواية تحديدا، فقد صدرت الروايات منذ سبعة عقود ثم خبا نجمها وعادت للظهور، ولكن المراة السعودية قادتها وبقوة الى أفق أرحب حتى خرجت من عباءتها وصارت نجمة في سماء السرد من مجرد رواية واحدة، وتوالى نهر متدفق من الروايات حتى طغت على الشعر. وإذا عدنا الى الستينات حتى الثمانينات نجد أسماء لامعة في عالم الرواية، فهناك سميرة خاشقجي، هدى الرشيد، هند باغفار، رجاء عالم، نورة الغامدي، مها الفيصل، ندى أبو علي، وغيرهن الكثيرات. واضاف: خلال العقد المنصرم خرجت أسماء لمعت في عالم الرواية وحققت عالما من الشهرة لم تحققها المراة الروائية في الوطن العربي في السابق، ومن أسماء الروائيات السعوديات، اميمة الخميس، زينب الحفني، مها باعشن، ليلى الجهني، نسرين غندورة، مهرة العصيمي، وجمة العبد الكريم، قماشة العليان، آلاء الهذلول، سمر المقرن، رجاء الصانع، أميرة المضحي، عائشة الدوسري، وغيرهنّ).
أما الكاتبة الإماراتية ظبية خميس فقد كتبت دراسة تحليلية لأدب المرأة في الخليج بعنوان: أدب العورة تقول فيه: في رأيي أننا في مرحلة تحول وانتقال ثقافي وحضاري وسياسي كبيرة حاليا. وأن التغييرات الحادة في المجتمعات الخليجية والتقدم المادي السريع وتحول المنطقة الى بوتقة للعولمة على كل المستويات لابدّ أن يفرز طرقا جديدة للتعبير عن الذات، ولابدّ أن تأثير ذلك كله طال المرأة وروحها وقضاياها ووسائلها للتعبير عن ذاتها بما في ذلك التعبير الأدبي والفني. وهي مرحلة سوف يرافقها الكثير من الانتاج الابداعي والأدبي، غير أن النقد الحالي لا يواكب ذلك بدرجة السرعة نفسها.
ويذهب الدكتور مراد عبد الرحمن مبروك في مقاله (سنوات الضياع) الى أن الملامح الفنية المستحدثة شكلت بعدا جوهريا في الرواية النسائية الخليجية بعامة والسعودية بخاصة في العقدين الأخيرين لأسباب تتعلق بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية والحياتية التي طرأت على الواقع الخليجي بعد حرب الخليج 1990، وما أحدثه هذا التغيير من عصف في شتى مناحي الحياة الأدبية لا سيما الروائية.
وكان للروائية الخليجية دور بارز في رصد أحداث الواقع ومتغيراته من خلال تشكيل روائي مستحدث يحاول مواكبة الأشكال الفنية الجديدة في الرواية العربية. وتمثل ذلك في روايات بعض الروائيات الخليجيات مثل: ليلى العثمان في الكويت، وفوزية رشيد في البحرين، ودلال خليفة في قطر، أما في السعودية فقد برز عدد كبير من الروائيات في العقود الأخيرة مثل سميرة خاشقجي، ورجاء عالم، وأمل شطا، وصفية عنبر...
وكتبت الدكتور شيرين أبو النجا (الخروج من العتمة) محاولة تلمس خصائص الكتابة الأدبية النسائية في الخليج. كما تحدثت عن رواية بنات الرياض، التي قالت عنها انه من أعراضها ظهور العديد من الروايات المماثلة، وإن لم تتمكن من الوصول الى شهرة عمل رجاء الصانع. كما حاول من جهته الكاتب السعودي الدكتور عبد الرحمن بن محمد الوهابي تلمس خريطة الرواية السعودية في دراسته (غضبة الحرملك) قائلا: لقد مارست المرأة السعودية الكتابة وفقا للأجناس الأدبية بنوع من الشدّ والجذب، فلم تكتب المرأة أولا مصرحة باسمها في الصحف السعودية، بل كان ذلك تحت أسماء مستعارة أو بأسماء رجال، وكان حمد الجاسر وعبد الله بن خميس وغيرهما يكتبون بأسماء نساء تشجيعا للمرأة لخوض الكتابة..
ويؤكد الكاتب أن أول ديوان فني هو الأوزان الباكية وكتبته ثريا قابل، ونشر في لبنان عام 1963، وبدأت المرأة في كتابة القصة القصيرة منذ الستينات في الصحف مثل ما كتبته فوزية غوث في في قصة، أمل عام 1963 في صحيفة عكاظ.. وتعد نجاة خياط أول من نشر مجموعة قصصية عام 1966 بعنوان مخاض الصمت، وسميرة خاشقجي ثانيا في عام 1969 في مجموعتها الجميلة بعنوان وتمضي الأيام.