يواصل الكاتب المغربي استقصاء حضور ثيمة الحرب في الرواية العربية، ولدى كاتبات تحديدا. وقد سبق أن تناول في العدد الماضي من الكلمة نص الروائية هدى بركات، هذه المرة يتناول نص الروائية الفلسطينية المرموقة سحر خليفة "ربيع حار".

الحرب في الرواية العربية: ربيع الذاكرة

قراءة في رواية "ربيع حار" لسحر خليفة

ميلود بنباقي

1 ـ كثافة الذاكرة:
تشحذ سحر خليفة ذاكرتها، وذاكرة نساء حوش العطعوط في نابلس القديمة، وهي تزيح النقاب عن ويلات الحصار ومآسي الاجتياح الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية عقب انهيار اتفاقية أوسلو، نابشة كذلك في مذكرات رشيد هلال (المرافق الصحفي للمرحوم أبي عمار) متسللة إلى مقر الرئيس عرفات برام الله، ربيع 2002 وهو محاصر بالجنود والدبابات والوعيد، مانحة الحدث الروائي مرجعيته الواقعية وسنده التاريخي وقوته الموضوعية. لذا يجوز لي أن أنعت رواية "ربيع حار" بكونها رواية الذاكرة بامتياز، أو بكونها استعادة فنية لتجربة تاريخية أبت الكاتبة أن تتركها حكرا على المؤرخين والسياسيين والباحثين وحدهم.

2 ـ شخصيات مرتبكة:
أمام الحرب الطاحنة والموت المتربص في كل لحظة وفي كل شبر، تصارع شخوص الرواية عجزها الوجودي. تتجرع ترددها القاتل وتجتر تساؤلاتها المرة متمتمة في انكسار واضح: "هذا قدرنا"، "معزوفة موت ولازم نرقص". يربكها السؤال اللغز: ما العمل؟ الاستسلام المذل أم المقاومة؟ وحين تعدم الجواب المقنع وتستبد بها الحيرة، تذوب في جلدها خجلا وخوفا وتغرق في يأس مطبق يقودها للعدمية. فالشباب فقدوا الأمل في المستقبل وأصبحوا قنابل متحركة تتحدى الحصار الطويل الخانق وتقاوم الحواجز وحالة الطوارئ الصارمة وتردد: "أهناك أمل؟ أهناك مفر؟" لكن وسط هذا السواد تلوح بارقة أمل بين الفينة والأخرى، تجعل الحياة ممكنة. فهذا مجيد يحاول أن يحس بأنه "ما زال ابن الدنيا وهاوي الغناء والموسيقى". يبحث في ويلات الحصار عن الحفلات والمسابقات الغنائية والشهرة و "بعض الرفقة أو بعض الدفء"، لكنه يفشل، يغرق في الدم ويتنفس الدخان وينتبه إلى انقضاء صلاحية أمله القديم في أن يعيش للموسيقى والغناء. مجيد واحد من أبناء جيله الذين ولدوا وتربوا في الاحتلال، يقيم ألفة مع الموت. لا يفر ولا ينفر منه. خبر واقع الاحتلال وتناقضاته المرة: الثورة/ الإذلال، الفداء/ العمالة، النذالة والتجسس/ التضحية بالنفس... تناقضات ومفارقات يختل معها العقل وتغمر النفس بأحاسيس غريبة.

3 ـ هدوء ما قبل العاصفة:
تعري رواية "ربيع حار" واقع حرب طويلة الأمد، وتنبش خبايا صراع أزلي يضرب بجذوره عميقا في التاريخ الفلسطيني ويحول المنطقة إلى بؤرة احتلال مرير يحفل بالدم والحصار والقصف والقتل والأسر والسجون والمطاردات والحواجز والإذلال. برومانسية سوداء تنتقي مشاهد إنسانية مؤلمة تفتح الجرح الفلسطيني على مصراعيه وبواسطتها تقدم مأساة الإنسان الفلسطيني المغلوب على أمره في أدق تفاصيلها عارية كما هي دون أصباغ ولا مجازات. وبسخرية لاذعة تبين اختلال ميزان القوة بين الجلاد والضحية.

تصف الرواية بحسها المرهف وشاعريتها الرقيقة أجواء ما قبل الغزو الوشيك الموسوم بالتوجس والهواجس والأدعية ونصب المتاريس وتوقع الأسوأ. فهذه "نابلس تغرق في الصمت والتوجس"، والناس يسخرون من عجزهم عن صد الصواريخ والطائرات بأدواتهم البدائية وأسلحتهم البسيطة "أنت تقاتل الإف 16 بالمقليعة!" هذا الاختلال في الموازين يولد تحولا جذريا في وسائل المقاومة ويفرض عليها تغيير سلاحها وخططها الحربية لمواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي. فبالإضافة إلى الرصاص والديناميت يصبح الجسد الآدمي الحي وسيلة فتاكة للدفاع وإرباك العدو وإسقاط أكبر عدد من الضحايا في صفوفه. يكاد المحارب الفلسطيني في أجواء الاحتلال الرهيبة أن يفقد آدميته ويدنو من نمط حياة كائنات حية أخرى. فهو في الغابة يحيا مثل الخفافيش، يختبئ بالنهار ويتسلل بالليل. بعيد عن أسرته وأهله وأصدقائه، مختف في الجبال والأدغال يبحث عن "ذكرى سعيدة تجعله يحس أنه إنسان" (ص: 157) يستعيد بها ماضيه الجميل.

يكبح المقاتل، وهو في ذلك الوضع، رغبات الجسد والروح، فلا يستحم ولا يحلق ذقنه ولا يترك لمشاعره مجالا كي تنتصر وتسيطر عليه. فيتحاشى مجيد أي حديث عن صديقته لورا وهو يجري حوارا مع سعاد، مفضلا الحديث عن هموم الناس بدل الخوض في همومه الخاصة "أخبار الناس، إنسي لورا، أخبار الناس" (ص: 155). لكن سعاد لا تستسيغ هذا الموقف فتتساءل بدهشة وإنكار: "هل ينسى المرء عواطفه بكل سهولة؟" (ص: 158). يسرح ببصره عنها ويصر على إبعاد لورا عن حديثهما. يصر على الابتعاد عن "نقطة ضعفه"، البقعة الرديئة في ذاكرته. تحول مجيد من شاب يهوى الحياة ويحب الغناء إلى مقاتل يطارده جنود الاحتلال وتطلبه السلطة الفلسطينية أيضا، وبهذا التحول الجذري تتغير مشاعره وتتبدل نظرته للحياة وللناس. فيرى علاقته السابقة بلورا مجرد "ولدنة وطيش شباب"، أي أنه صار يغلب هموم شعبه على همومه العاطفية وموضوعاته الشخصية، يقول: "هؤلاء الناس هم المساكين، وليست لورا". (ص: 161). يتسلح مجيد بالقسوة ليداري ضعفه وينتصر على الخوف والاستسلام. "لازم نكون زي الصخرة ما تزحزحها هبات الريح" (ص: 161). لكن طرفا آخر في الصف الفلسطيني، تمثله سعاد، ينتصر لنقيض هذه المعادلة. فهي تغلب المشاعر الإنسانية النبيلة وترفعها سلاحا يبدد ضجر الحرب ويخفف قسوتها وتؤمن بأن الحرب لا يجب أن تجردنا من آدميتنا ولا يجب أن تسم علاقاتنا بالجفاء. تهمس لمجيد بحزن: "هذا العدو مثل الآلة، وها نحن نصير مثل الآلة. أهناك أمل؟" (ص: 161).

4 ـ هؤلاء الناس مثل الأيتام:
لا يملك الفلسطيني في غمرة الحصار غير أسلحة خفيفة وبدائية، ومئونة ضئيلة "خبز وحبوب، وشاش وقطن ومطهر" (ص: 175). المقاومون الذين يتصدون للدبابات والمدافع الثقيلة والطائرات، ويتهيئون لمجابهة الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث الأسلحة هم "شباب ببدلات رياضية وستر من جينز أو البالات، أحداث صغار، كهول كبار، وبعض الفتيات" (175). لكن برغم هذا التفوق في العتاد فالجندي الإسرائيلي "ليس مخيفا"، فتى في مقتبل العمر، غر قليل التجربة، وجهه ناعم "مثل وجه فتاة" (ص: 180)، خائف ومرتبك عكس المقاتل الفلسطيني الذي خبر جميع الشدائد والمحن، بدءا من الوقوف الطويل أمام الحواجز والطوابير إلى المواجهات الدامية والمداهمات والمطاردات والاعتقالات، مرورا بالتنظيمات والمنشورات والملصقات.

الحلم وحده هو ما يجعل النصر ممكنا أمام تفوق العدو وأمام الشعور المر بعبثية المقاومة وهشاشتها أحيانا "الفوضى وفقر التنظيم وشح التسليح والمعلومات" (ص: 250). مقاومون معزولون عن بعضهم، كل في واد "كل واحد في مكانه يضرب ويموت" (ص: 250). وفي الأخير تنفذ آخر رغبة في المقاومة ويخبو آخر ما تبقى من أمل. يعجز العقل والفكر عن وصف هول الدمار وفهم قوة وبطش الغزو الرهيب "لا تعرف كيف تصفه وكيف تقاومه" (ص: 251). آنذاك يصير الهرب أحسن وسيلة للدفاع عن النفس والنجاة. ماذا يحصل؟ يسأل أحمد مذهولا وهو يقف بين الجثث، وسط الأشلاء واللحم والدم وقد شلته الصدمة ومنعته من مزاولة مهمته في إسعاف الجرحى، قبل أن يفقد إحساسه وتتبلد مشاعره ويتحول إلى آلة محايدة، أو قطعة جماد لا حس لها. بل يصل به الأمر إلى فقدان الإيمان بوجود الله "فهؤلاء الناس مثل الأيتام بلا مأوى وبلا طعام وبلا إله يرعاهم" (ص: 253)، ويسأل: "لماذا يا رب؟ أين عيونك" (ص: 253). لحظات ضعف أو انهيار يمر بها المحارب الفلسطيني، تكاد تعصف بقدرته أو رغبته في المقاومة. الخوف يقوده للوهم ويغرقه في الخيالات والهلوسة، تضعف ذاكرته وتفتر شجاعته... فتراه ينتحب وتصطك أسنانه ولا يدري أنائم هو أم ميت؟ ينشج ويغيب وعيه بالمكان والزمان، فلا الأصوات الصاخبة حوله ولا دوي الرشاشات ولا صراخ الجنود ولا هدير الطائرات يوقظ حسه ويعيد إليه توقده وانتباهه. لحظات ضعف وانهيار تكاد توحد بين أحمد الفلسطيني، رجل الإسعاف، وبين الجندي الإسرائيلي حديث السن، تجعلهما في وضع غريب، في شبه عناق اضطراري. يجمعهما بكاء ثنائي "الواحد منهما يشد بالآخر بشكل محموم متشنج ويبكيان بلا تحفظ، مثل البنات" (ص: 187). شعور بالعبث والضياع. لكن ضياع الفلسطيني أدهى من ضياع الجندي الإسرائيلي. الأول يضيع لأتفه الأسباب، بسبب قطة وزريبة حيوانات مثلا، أو بدون سبب. فأحمد "اعتقلوه بسبب قطة" (ص: 193) ورفعوه فوق دبابة درعا بشريا.

5 ـ شهرزاد الفلسطينية:
ينقذ الحكي والقصص شخصيات الرواية من وطأة الحياة اليومية الصعبة. يحررها من قيود المحتل وحصاره الطويل، سواء كان حكيا ذا مرجعية واقعية أو كان محض خيال. تنسحب الحاجة من حاضرها متسللة تحت جنح الذاكرة إلى أيام العز فرارا من واقع لا يعد بالمسرات. "تحكي قصصا لا تعرف إن كانت فعلا قد وقعت أم كانت تتمنى لو وقعت" (ص: 204). لا فرق بين الحالتين، فالفلسطيني يلوذ بذاكرته أو بخياله كي ينسى أو يتناسى ألم الحاضر لأنهما سلاحه الضاري ومأواه الآمن وحضنه الدافئ. الذكرى في الحالة الفلسطينية مرادف للأحلام الجميلة. تعود الحاجة بذاكرتها لأيام الشباب والحب والغناء. تخلط بين الوهم والحقيقة وتثني من يصغي إليها عن مناقشتها أو التشكيك فيما تحكيه، بل تدفعه لطلب المزيد وتشده إليها مثلما يشد أي راو متمرس عموم مستمعيه. إنها "امرأة في الثمانينيات، أو ربما في التسعينيات، وما زالت تحن لماضيها، ماض مليء بالأحلام والخيالات والمسرة" (ص: 206). حكي هذه الشخصية ليس مجرد استرجاع للماضي أو حنين إليه فقط، بل هو أكثر من ذلك، إدانة للحاضر من خلال مجابهته بما كان ومقارعته بالسنين الخوالي. الماضي هو الصيت والشهرة والاستقرار والحب والشباب. أما الحاضر فهو نقيض ذلك تماما، هو الخوف والتوجس والجوع والحصار والموت المتربص والشيخوخة... والمستقبل كائن مجهول "وهذا محزن، فعلا محزن" (ص: 206).

أما مجيد فيتحول في الجزء الثاني من الرواية من شخصية إلى سارد. يكتب يومياته ويسود مفكرته لينجو من الغيبوبة التي أصابته إثر سقوطه في هاوية سحيقة بسبب هربه من مطاردة إسرائيلية. يكتب ليحفظ ذاكرته من التلف والضياع. لكن هذه الذاكرة تصير عبئا ثقيلا عليه. يضيق بها ويتمنى لو عادت إليه الغيبوبة كي يرحل عن واقع مر بئيس لا يريد أن يتذكر منه شيئا. للحكي في هذه الرواية وظيفة تطهيرية. هو علاج نفسي لآلام ومصائب مستعصية: "احك، احك وفضفض لي وفش قلبك" (ص: 275).

6 ـ الحرب والطبيعة:
حين يشتد الحصار وتنقطع صلة الفلسطيني بالعالم الخارجي نتيجة سد الطرق والمعابر وقطع الأسلاك والتلفونات والماء والكهرباء والتلفزيون... تبرز الكلاب ككائنات مبشرة بإمكانية استمرار الحياة. أصداء نباحها تذكره بمحيطه وتكسر رتابة "سكون ينذر بالموت" (ص: 225) قبل أن يبزغ فجر ماطر مصحوب بعواصف وضباب كثيف يجعل الناس مثل الأشباح تهيم في فضاء سحيق وكأن الطبيعة تمهد، بطقوس كآبتها الخاصة، لبدء توغل الدبابات والآلات الحربية الرهيبة والطائرات. لكن الصمت المريب المنذر بالموت ما زال مطبقا، صمت العالم هذه المرة، صمت الخارج لا صمت الداخل. تبدو الحرب في هذه الرواية وكأنها عنصر من عناصر الطبيعة، ونتيجة حتمية لتقلباتها وسننها. حرب تختار مواعدها بدقة متناهية متوحدة مع حركة الكون: فجر، ظلام، ليل، مطر، عواصف، ضباب... حرب مثل طلوع الشمس وأفولها، مثل تقلبات الظل وتغير الفصول.

7 ـ أوضاع غريبة:
تصف الرواية أوضاعا إنسانية تعكس، بسخريتها أحيانا وبقسوتها وصرامتها أحيانا أخرى، عبثية الحرب وهول الحصار. وإذا كنا قد رأينا شخصيات تهرب من واقعها المأساوي عبر الاحتماء بالذاكرة وركوب صهوة الحكي (الحجة)، فإن شخصيات أخرى تفر من واقعها عبر النوم في أوضاع غير عادية كأن ينام أحدهم وهو "مقرفص" أو يغرق آخر في سبات عميق أياما وليالي متواصلة دون أن توقظه أصوات القذائف ودوي الصواريخ وأزيز الرصاص وسباب الشباب (232). في الرواية أيضا شخصيات ألفت الحرب، فأصبح الرصاص والصواريخ والقصف من عاداتها اليومية وموضوعاتها الأليفة، مثل صوت الراديو وآذان الظهر ونشرة الأخبار في التلفزة "تسمعها فتنصت لدقائق أو لثوان ومن ثم تعود إلى عملك" (ص: 246).

8 ـ لغة صارمة، لغة ساخرة:
تزاوج لغة الرواية بين العربية الفصحى والعامية الفلسطينية وبعض اللغات الأجنبية. بين لغة صارمة وأخرى ساخرة: "أخذوا المحروس فقاس البيض" (241). "شيء مذهل!! بسبب اليهود صار بني ادم!" (243). "أمن السلطة حكومة سلطة". (245). "بات شعره طويلا منفوشا مثل ريش الديك (...) أما عيناه فعيون الضبع أفضل منها" (273).

9 ـ غنائم الحرب:
في غمرة الحصار والقصف، وفي عز الغزو بدأ مجيد يستأنس بأجواء السلطة ومن فيها ،راح يحسب خطواته ويدنو من الساسة والقادة ويحسب للمنصب (غنيمة الحرب) ألف حساب. فالاقتراب من القائد، المحاصر في مقره، "يعني منصبا، يعني رتبة، يعني راتبا، يعني وكيلا لوزارة، ثم وزارة" (289). وجد نفسه ينساق مع التيار ويتهافت على محطات التلفزيون بعد اللقاء المباشر الذي أجرته معه صديقته "لورا" للـ PBC. لبس بذلة الساسة بدل كاكي المحارب، وحمل القلم عوض السلاح، يلوح به ويردد "ديموقراطية وهموم الشعب وإعادة هيكلة الحكومة" (289)، فصدق، هو نفسه، ما أدلى به من تصريحات جوفاء. يبحث الانتهازي الصاعد، صنيعة الإعلام، عن وسيلة يملأ بها خواءه السياسي وفقره المعرفي فيقرأ مقالات أبيه ويتصل به بهاتفه بالخلوي ليشرح له ما استعصى على فهمه البسيط.

التلفزيون هو السلم الذي تسلق به مجيد الرتب والمناصب، فبات يحلم بوزارة لأن الوزراء ليسوا أفضل منه. "فأنا بدخولي التلفزيون حققت إنجازا على كل صعيد. فشكلي مقبول، وقولي معقول، وعندي خبرة بفنون القتال أفادتني حين تدرجت، ولدي أب يشرح ويفسر كل عسير، فلماذا لا أصلح لوزارة" (ص: 291). مع المنصب، تموت القضية وتعلو المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، مصلحة الشعب. يعتنق المحارب القديم فلسفة انهزامية تجعل من الاستسلام حتمية لامناص منها إذ في نظره "كل الأشياء إلى آخر. كل الأشياء تذوي مع الوقت" (ص: 292). كل الأشياء بما فيها الإنسان والتاريخ والقضية وهموم الشعب. يبدو مجيد، ببذلته الأنيقة وربطة عنقه، وهو وسط الأنقاض وهياكل السيارات "مثل الزفة في مأتم ضخم" (ص: 351). يبدو صورة شاذة أو نغمة نشاز ويبدو مكتبه الواسع بأثاثه الجديد وستائره وهواتفه وشاشته... جزيرة معزولة في محيط من الدماء والجثث. ترف وبذخ في زمن النكبة والبؤس والمخيم. 

كاتب مغربي
benbakimiloud@yahoo.fr