علاء الأسواني،[1] هذا الروائي الذي يمتهن طبيبا للأسنان، ولد سنة 1957. يعتبر، من بين الكتاب المصريين الأكثر شهرة، خاصة بروايته : [عمارة يعقوبيان]. لا يتوقف، عن توجيه رؤية ساخرة وانتقادية في الآن ذاته، للأوضاع التي يعيشها بلده. عمله : [أردت أن أكون مصريا]، عاملته الرقابة بقسوة سنوات 1990، انطوى هو أيضا على نفس الإيحاء. يناضل الأسواني ضد التطرف والديكتاتورية، مؤكدا، على أنه لا شيء يمكنه تبرير غياب الديموقراطية.
إخفاق فاروق حسني في الوصول إلى الإشراف على هيئة اليونسكو، بعد عملية الانتخاب الأخيرة، تكشف بالطبع عن الوجه السيئ لنظام مبارك وليس المصريين.
منذ عشر سنين، اعتدت وأصدقائي على أن نعقد كل خميس ما يشبه الصالون الأدبي، بمشاركة مختلف عشاق الثقافة، يمثلون أعمارا متنوعة واتجاهات متعددة. هذا الأسبوع، حضر ما يناهز ثلاثين شخصا. ثم، سألتهم "بماذا شعرتم، حينما علمتم بخبر إخفاق فاروق حسني في انتخاب منصب مدير لليونسكو ؟". فاجأتني الإجابات. أشار أحدهم إلى انعدام طريقة عادلة في التعامل مع فاروق حسني، وهو يستحق الموقع نظرا لمواهبه. كذلك، أبدى شخصان تحسرهما، لأن وظيفة دولية من المقام الأول، لم تحصل عليها مصر. في المقابل، كل المشاركين الآخرين، عبروا عن غبطتهم وهم يتلقون نتيجة هزيمة فاروق حسني. أثناء اليوم ذاته، وأنا أتقصى تعاليق المصريين على امتداد مواقع الأنترنيت، لاحظت أيضا، بأن أغلبهم عبر عن سعادته بهذه الهزيمة. استغربت للأمر، لأن المصريين ملتصقون جدا ببلدهم، ويشعرون بالاعتزاز كلما حققت مصر إنجازا على مستوى المشهد الدولي. فلازلت أذكر، موجة الفرح الهائلة التي غمرت البلد من أقصاه إلى أقصاه حين إعلان فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب. وعندما، حصل أحمد زويل على نوبل للكيمياء، أتيحت لي فرصة مرافقته في إطار جولاته داخل مصر، وكنت شاهدا على الاستقبال الحماسي الذي خصص له أينما ارتحل.
لماذا أحس المصريون بالفخر مع أحمد زويل ونجيب محفوظ، في نفس الوقت الذي انتابهم شعور بالرضى اتجاه فشل فاروق حسني وهو يترشح إلى منصب مدير اليونسكو ؟ هل كان ضحية مؤامرة صهيونية استهدفت إزاحته ؟ أهي، خيانة ما أسرعت بهزيمته في آخر لحظة ؟ سأحاول اختزال الجواب بين طيات الإشارات التالية.
المصريون، لم ينتخبوا قط الوزير فاروق حسني. وعند تعيينه وزيرا، كان اسمه مجهولا بالمرة، إن على المستوى الفني ـ حسني رسام ـ أو السياسي، وبقي في منصبه طيلة اثنتين وعشرين سنة، ليس لأن المصريين يستحسنون عمله، بل لاستفادته من دعم الرئيس مبارك. وبما، أن هذا الرئيس يحكم البلد مدة ثلاثين سنة، دون أن يتقدم ولو مرة واحدة لانتخابات حقيقية، فالمصريون يعتبرون فاروق حسني حلقة ضمن نظام مفروض عليهم. نظام، بفساده وغباوته وكذا استبداده، تسبب في البؤس الذي يعانيه ملايين المصريين.
فيما يخص أحمد زويل ونجيب محفوظ، ثم مجدي يعقوب وكذا مواطنين آخرين معترف بهم دوليا، فقد أحبهم المصريون لأنهم أشخاص مستقلون، صارعوا لتحقيق إنجازاتهم، في غنى عن النظام وأحيانا على الرغم منه.
ترشيح فاروق حسني لمنصب المدير العام لليونسكو، صاحبته حملة إعلامية ضخمة كما لو أنه يقود معركة حاسمة ستحدد مصير البلد. يعود، هذا الأمر إلى سببين : أولا وقبل كل شيء، أن الرئيس مبارك هو من اختاره لكي يكون مرشحا. الرغبة الرئاسية الكبيرة، أكدتها تعبئة كتاب ومسؤولين حكوميين من أجل دعم فاروق حسني والتهليل له، مادمت الوظيفة الوحيدة لهؤلاء تتمثل في دق الطبل لكل ما يريده الرئيس أو يقوله، وحتى مجرد التفكير فيه.
السبب الثاني، يفسره نجاح فاروق حسني في ضم كثير من المثقفين إلى شبكة النظام من خلال ربطهم مباشرة بوزارة الثقافة عبر امتيازات مغرية ورنانة، تبدأ من توقيع عقود مؤقتة إلى غاية منح عطل استثنائية في إطار المجاملة، ثم المشاريع اللامجدية واللجان الوهمية التي يتمتع أعضاؤها بتعويضات أكثر سخاء توخيا لضمان ولائهم، دون نسيان المثقفين المشهورين، والذين تسلمهم الوزارة مبالغ مالية ضخمة بحجة توظيفهم كمستشارين.
هكذا، أسس فاروق حسني داخل المشهد الثقافي المصري، حرسا مسلحا على استعداد دائم للدفاع عنه سواء كان على صواب أم لا. بالتالي، قاموا بكل ما في وسعهم قصد إظهار تحمسهم لإعلان ترشيح الوزير دون الاستفسار عن قدراته الفعلية كي يشغل المنصب.
يجسد فاروق حسني تماما، صورة المسؤول داخل نظام استبدادي. كل ما يهمه، إرضاء الرئيس حتى يحتفظ على كرسيه داخل الحكومة. إنه، مستعد لتحقيق ذلك بكل الوسائل وبأي ثمن، مع توفره على موهبة لافتة للنظر في الإخلاص بنفس الحماس للفكرة ونقيضها. والأمثلة، متعددة في هذا السياق : لقد دافع عن حرية التعبير، أثناء الأزمة التي أثارتها رواية الكاتب "حيدر حيدر" : [وليمة لأعشاب البحر]. لكنه، لم يتردد بعد ذلك في مصادرة ثلاثة أعمال أخرى، على الرغم من أن وزارة الثقافة أشرفت على طبعها، كما أقال الشخص المسؤول عن إصدارها. فاروق حسني، أمر بعد ذلك أيضا بحجز رواية [شفرة دافنتشي]، وأن يمنع بمصر عرض الفيلم المقتبس منها.
وخلال لقاء مع نواب من "حركة الإخوان المسلمين"، كشف الوزير عن ملاحظته الشهيرة، بأنه قطع على نفسه وعدا بإحراق الكتب الإسرائيلية، قبل استدراكه ثانية لتصريحه وتقديم اعتذاراته في مقال ورد بين صفحات جريدة "لوموند". وللبرهنة على تسامحه نحو إسرائيل، سيستدعي القائد الإسرائيلـي Daniel Barenboim""، كي يشرف على حفل موسيقي بأوبرا القاهرة، ثم يمنع في نفس الوقت كل تطبيع مع إسرائيل. منع، يتبجح به على نحو ما قبل توظيفه بكيفية دقيقة. فلا شخص إذن يمكنه ادعاء معرفته بآراء فاروق حسني الحقيقية، بحيث لا يمارس ما يعتقده حقا، بل ما ييسر له تحقيق أهدافه.
يتم تقديم، فاروق حسني حاليا إلى الرأي العام المصري، باعتباره ضحية مؤامرة صهيونية غربية، حالت دون وصول العرب والمسلمين للإشراف على اليونسكو. هذا خطأ، لأن مسلما سنيغاليا أسود، اسمه "أمادو مختارمبو"، بقي فترة ولايتين على رأس المنظمة وأدارها طيلة ثلاثة عشر سنة متوالية بين سنوات 1974 و 1987.
من الزيف أيضا، التحدث على أن البلدان الغربية عارضته. فبعد، مواقف الاعتذار التي أدلى بها في جريدة "لوموند"، أقر رسميا الوزير الإسرائيلي للشؤون الخارجية، قبوله بها. كما، أن "نتنياهو" الوزير الأول الإسرائيلي، صرح فيما بعد للرئيس مبارك، عدم رفض الدولة الإسرائيلية لترشيح فاروق حسني. فرنسا، بدورها أبدت رسميا رغبتها من أجل التصويت لصالحه في كل دورة من الاقتراع. أما بخصوص الموقف الأمريكي، الذي لا يقبل به مرشحا، فقد كانت الإدارة الأمريكية صادقة وواضحة، حينما أخبرت الحكومة المصرية منذ البداية بأنها على استعداد لدعم أي مرشح غير فاروق حسني.
أين المؤامرة إذن في ظل هاته الوقائع ؟ الصحافيون المقربون من فاروق حسني اعتبروا أن ما حدث من تسويات على هامش اجتماع اليونسكو لفائدة المرشحة البلغارية، شكل صيغة ماكرة للمؤامرة، لكنهم يتناسون استناد ملف ترشيحهم أيضا على تسويات كتلك مع الذين صوتوا لصالحه. وبأن هاته التجاذبات تعتبر طبيعية بالنسبة لكل انتخاب حر أينما جرى.
المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا "Irina Bokova"، استطاعت الظفر بمنصب مديرة اليونسكو لسبب بسيط، لقد كانت الأفضل. فهي، أصغر سنا من فاروق حسني، كما أنها تتوفر على تكوين علمي رفيع، حاصلة على شهادة من جامعة "ماريلاند" "Maryland"، وكذا هارفارد "Harvard" إلى جانب تجربتها فيما يتعلق بالمناصب الدولية، مسألة يفتقدها فاروق حسني. لكنها بالأخص، صاحبة مواقف ثابتة اتجاه كل شيء، تتمسك بها ولا تعدل عنها، تدافع عن قيم الديموقراطية والحرية، وليست بوزيرة داخل نظام استبدادي يزور الانتخابات ويقمع معارضيه.
أخيرا، فاروق حسني والحُكم المصري، هما من انهزما في الانتخابات، أما الشعب المصري فلم يخسر شيئا، لأنه لم يعين فاروق حسني، ولا انتخب الرئيس مبارك والذي رشحه ودعمه.
إن فاروق حسني مرشح النظام، وليس مصر، مع العلم أنه توجد مئات الشخصيات المتميزة، أكثر جدارة منه لإثبات قدرتها على قيادة اليونسكو، إلا أن الرئيس مبارك لا يرغب في اختيارهم ويريد فقط إحراز فاروق حسني على هذا المنصب ولا أحد غيره، فإرادة الرئيس تقوم فوق كل اعتبار.
ملايين الدولارات ـ أموال فقراء مصر ـ تبددت مع الحملة الترشيحية لفاروق حسني في إطار معركة خاسرة سلفا. لكننا في المقابل، لاحظنا بأنه فقط في مصر وليس خارجها، علينا الخضوع لإرادة الرئيس. ففي مؤسسات مثل اليونسكو الأكثر كفاءة هم من يستحقون المناصب. لذلك، الحل الوحيد هو الديموقراطية.
مراكش/ المغرب.
[1]- Le monde 4/5 octobre 2009, Page 16.