رسالة المغرب

السينما الأفريقية، موسم أصيلة، وبن سالم حميش وزيرا

عبدالحق ميفراني

السينما الافريقية في الدورة 12 من مهرجان خريبكة السينمائي
يهدف ملتقى خريبكة للسينما الافريقية، الذي انطلق أواسط السبعينات (1977) من القرن الماضي، تشجيع الاتصال والحوار بين السينمائيين والفنانين ورجالات الثقافة الأفارقة، من أجل التعارف والاطلاع على التجارب الافريقية في هذا القطاع. أيضا تشجيع تنمية الهياكل والبنيات الأساسية السينمائية المتوفرة بهذه الدول. كما يمثل الملتقى أرضية لتقوية الروابط بين الفاعلين في هذا القطاع، ويسهم في حدود إمكاناته التعريف بالثقافات الوطنية الافريقية. وتشرف كل من الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب بتنسيق وشراكة مع المركز السينمائي المغربي ودعم من المجلس البلدي والمجلس الاقليمي بخريبكة، على تنظيمه بفارق السنوات التي عرفت دوراته، حيث نظم كل خمس سنوات تم انتقل الى سنتين في أفق انعقاده كل سنة. ويتم عرض أفلام افريقية في إطار الأفلام المختارة للتباري حول جائزتي النقاد والجمهور، كما تعقد موائد مستديرة حول السينما الافريقية، إضافة الى فقرة تكريم وجوه سينمائية افريقية ساهمت وناضلت لتقعيد تجربة الفن السابع. ويربط ملتقى خريبكة للسينما الافريقية علاقات تنسيق وتعاون مع مهرجانات وملتقيات سينمائية تحتضنها القارة السمراء، وفي هذا الإطار ينسق المسؤولون مع كل من: أيام قرطاج السينمائية (تونس)، مهرجان السينما الافريقية بواكادوكو (بوركينا فاسو)، هذا الأخير الذي تأسس في يناير 1972، وانتظم ابتداء من 79 بانعقاده كل سنتين. أما أيام قرطاج السينمائية فانطلقت من طرف وزارة الثقافة التونسية وبمبادرة من الفاعل الطاهر الشريعة سنة 1966، وتهدف أيام قرطاج الى تنمية السينما العربية والافريقية. وفي كل دروة يقدم محور مركزي يعالج موضوعا محددا يتم اختياره (سينما بلدان البحر الأبيض المتوسط والبلدان العربية/ 1966، السينما، الأدب، والتراث الشعبي/ 1976....).

ملتقى خريبكة للسينما الافريقية، عرس سينمائي افريقي انتظم هذه السنة في دورته الثانية عشرة، وقد انتزع الفيلم المغربي "زمن الرفاق"، للمخرج محمد شريف الطريبق، الجائزة الكبرى لمهرجان السينما الإفريقية، التي احتضنتها مدينة خريبكة من 18 إلى 25 يوليوز الجاري. ويعتبر هذا المهرجان السينمائي من أعرق المهرجانات السينمائية المختصة في السينما الافريقية. وعادت جائزة لجنة التحكيم، للمخرج الغيني ماما كيتا عن فيلمه "الغياب"، أما جائزة أحسن إخراج وأحسن سيناريو، فعادتا إلى كل من المخرج الإثيوبي هايلي جريما عن فيلمه "تيزا" وكاتب سيناريو فيلم "فنتان فانجا" المؤلف المالي أداما درابو. وحازت الممثلة الغينية جاكي تافيرني الجائزة الأولى لأحسن أداء نسائي، عن دورها في فيلم "الغياب". كما حاز الممثل المغربي عمر لطفي جائزة أحسن أداء رجالي عن دوره في فيلم "عقلتي على عادل"، فيما عادت جائزة ثاني أحسن أداء، للإثيوبية تيجي تسفهون عن دورها فيلم "تيزا"، والنغربي أمين الناجي عن دوره في فيلم "عقلتي على عادل".

وتعتبر الجائزة الكبرى، التي تحمل اسم السينمائي الإفريقي عصمان سامبين  ثالث تتويج يحصل عليه "زمن الرفاق"، بعد جائزة الجمهور التي حصل عليها في الدورة 15 لمهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط، وجائزة لجنة التحكيم في المهرجان الوطني العاشر للفيلم بطنجة. "ترصد أحداث الفيلم الحركة الطلابية المغربية، التي تميزت ببداية انحسار المد اليساري، ممثلا في الفصيل القاعدي وصراعاته مع فصائل التيار الإسلامي، التي أصبحت أكثر حضورا واستقطابا للطلاب في فترة التسعينيات من القرن الماضي، التي شهد فيها العالم تحولات كبيرة، جعلت الكثيرين يعيدون النظر في انتماءاتهم وقناعاتهم الإيديولوجية، التي كانت في وقت من الأوقات، عبارة عن مسلمات لا تقبل الجدل أو حتى مجرد مناقشتها". انطلق الطريبق من هذه الأرضية التاريخية، لينسج مسارين حكائيين، الأول يتعلق بالسياسة والصراع الطلابي بين مختلف تياراته، "الرفاق الإسلاميون..."، والثاني المسار الرومانسي، الذي تجلى في قصة الحب الجميلة، التي جمعت بين سعيد ورحيل، والتي ولدت من رحم الأحداث الساخنة حوله. لتصبح "رحيل" بالنسبة له كالشعلة التي تقوده إلى أن يلعب دور البطولة في مواجهة التيار الإسلامي. يشخص أدوار الفيلم مجموعة من الممثلين الشباب، يقف أغلبهم لأول مرة أمام الكاميرا، استطاعوا تجسيد شخصياته بإقناع كبير، أمثال فرح الفاسي، ومحمد عسو، ونعمة بن عثمان، ومنال الصديقي، وياسين الفرجاني، وفاطنة الخماري، وعقبة ريان وآخرين. للإشارة، فمحمد شريف الطريبق مخرج مغربي شاب، بدأ مساره الفني سنة 1998 بالفيلم القصير "نسيمة"، الذي شارك به في المهرجان الوطني السادس للفيلم بطنجة، ليخرج بعده عدة أفلام قصيرة وتلفزيونية، نذكر منها "30 سنة"، "بالكون أتلانتيكو"، و "موال"، و "تسقط الخيل تباعا" و "باب المدينة"، قبل أن يخرج فيلمه الطويل الأول "زمن الرفاق"، الذي كان يحمل اسم (بين قوسين)، لكن المخرج الطريبق غيره بتسمية "زمن الرفاق"، التي أثارت جدلا واسعا.

وقد عرف مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة تكريم المخرج السينمائي الراحل يوسف شاهين بعرض فيلمه، يوم الاختتام، «باب الحديد» تكريما لهذا المبدع الذي وسمه نورالدين الصايل رئيس مؤسسة المهرجان أن غيابه عن الساحة الفنية لم يقف أمام تألق أعماله خاصة فيلميه «الأرض» و»الاختيار». وتضمن برنامج هذه التظاهرة الثقافية والفنية ، تنظيم ندوة علمية حول "القرصنة في السينما" وثلاث ورشات في مجال التصوير والسيناريو والمونتاج، فضلا عن بانوراما من 5 أفلام خارجة عن نطاق المسابقة الرسمية. وأشرفت على هذه المسابقة لجنة تحكيم تضم نخبة من مبدعي الفن السابع من أمثال نادية الفاني (تونس) وليدي دياخاتي (فرنسا) وليوكاتا سالفادور (بلجيكا)، ومانو ريوال (الهند) ولطيفة أحرار وياسين عدنان (المغرب) وعلى رأسهم المخرج الموريتاني عبدالرحمان سيساكو. كما تم توقيع سلسلة من الإصدارات السينمائية همت «أطروحات وتجارب حول السينما المغربية» و "بنية اللغة السينمائية" و "صورة المهمش في السينما المغربية" و "المرجعيات الفكرية والجمالية لسينما محمد عبد الرحمان التازي"... 

موسم أصيلا الثقافي الـ 31
أنهت فعاليات الدورة 31 لموسم أصيلة الثقافي الدولي بفقرة تكريم تم خلالها توزيع جوائز على العديد من الوجوه وفي مختلف المجالات، معلنة انتهاء الموسم الذي انطلقت أنشطته الشهر الماضي، ببرنامج حافل من الأنشطة المتنوعة، الفكرية والأدبية والموسيقية والفنية. وكانت فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي قد تواصلت بسلسلة من الندوات تناولت التعاون العربي الافريقي الأمريكولاتيني، والعلاقات بين افريقيا والبرتغال ضيف شرف الدورة ـ والبعد الثقافي في الاتحاد من أجل المتوسط، وجائزة الشيخ زايد في الفضاء الثقافي الكوني، وتداعيات الأزمة الاقتصادية على المساعدات للدول الإفريقية، ووضع الإعلامية العربية في المؤسسات الإعلامية العربية. وقد شكل الاحتفاء بالأديب السوداني الطيب صالح والشاعر الفلسطيني محمود درويش، أقوى لحظات برنامج هذه الدورة الـ 31.

ويمثل موسم أصيلة الثقافي من بين أعرق المهرجانات الثقافية المغربية والعربية. ففي "كتاب أصيلة" الذي أعده الناقد المغربي عبدالرحيم العلام، نكتشف أن أول دورة انطلقت سنة 1978 بمبادرة من جمعية تأسست حينها هي "جمعية المحيط الثقافية". الدورة الأولى استضافت 11 فنانا من مختلف أنحاء العالم الى جانب العديد من المفكرين والأدباء. ولعل ريادته نابعة من كونه "أول من بادر الى ممارسة الجداريات في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وتنظيم أول مشغل للفنون الحفرية في المغرب سنة 1978، تولى رئاسته خلال سبعة عشرة سنة متوالية، الفنان السوداني الأمريكي محمد عمر خليل، الى جانب تنظيم أول أسبوع للسينما الوثائقية"، عرف موسم أصيلة تنظيم أول ورش من نوعه يقام بالمغرب لـ "الباتيك" (الصباغة على القماش)، هذا الى جانب إحداث أول جائزة خاصة بالشعر الافريقي (جائزة تشكيا أوتامسي للشعر الافريقي) وإحداث أول جامعة صيفية مفتوحة (جامعة المعتمد بن عباد الصيفية) وتأسيس أول منتدى ثقافي عربي افريقي وتأسيس أول "مكتبة ميدياتيك" سنة 1997، عرف موسم أصيلة الثقافي إحداث مؤسسة جديدة حلت محل "جمعية المحيط الثقافية" تحت اسم "مؤسسة منتدى أصيلة". وقد احتضنت مدينة أصيلة فعاليات موسم "أصيلا الثقافي" التي ينظمها منتدى أصيلة، منذ فاتح غشت إلى غاية 18 منه. هذا المحج الثقافي، الذي يعتبر من أعرق التظاهرات الثقافية التي حافظت على انتظامها وأمست تشكل موعدا عربيا قارا، تستقبله المدينة في الدورة 31 وقد عرف مشاركة فاعلة لمثقفين وإعلاميين ومفكرين ودبلوماسيين، الذين ساهموا في إغناء ندوات ومحاضرات هذه التظاهرة الثقافية العريقة.

وتميزت هذه الدورة من موسم أصيلا الثقافي بتخصيص ندوتين تكريميتين للمبدعين العربيين الراحلين: الشاعر العربي الكبير محمود درويش (9 غشت)، والروائي السوداني الطيب صالح (10 و 11 غشت)، الذي اقترن اسمه بموسم أصيلة الثقافي. وإلى جانب هاتين الندوتين التكريميتين، عرفت برمجة موسم أصيلة الثقافي لهذا العام، مشاركة 40 دولة عربية وأجنبية، في مختلف الأنشطة واللقاءات الفكرية، التي انطلقت يوم فاتح غشت بأشغال الدورة الرابعة والعشرين لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، بندوة حول "التعاون الإفريقي الإيبيرو لاتينو أميركي .. الحكومات والمجتمع المدني"، عرفت مشاركة وازنة لمختلف الفاعلين في المجتمع المدني والحكومات "الذين تطرقوا لكيفية تطوير التعاون جنوب ـ جنوب ومواجهة مختلف التحديات المطروحة على تلك البلدان، عبر تشجيع التقارب بين مختلف الفاعلين في تلك البلدان. طروحات ونقاش مستفيض بين المشاركين والحضور، الذين كان من بينهم: عباس الجراري مستشار جلالة الملك، وخالد الناصر، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، وسعد العلمي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وبنسالم حميش، وزير الثقافة الجديد، ولطيفة أخرباش، كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون. وشارك في الندوة جون أكيوكوم كوفيور، رئيس جمهورية غانا السابق، وميغيل أنخيل موراتينوس، وزير الشؤون الخارجية الإسباني، والشادلي النفاتي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس مركز تونس، وخايمي غاما، رئيس البرلمان البرتغالي، ولويس غونزاليس بوسادا، رئيس الكونغريس البيروفي، وعبد الرحمان العويس، وزير الثقافات بالإمارات".

ويومي 4 و 5 غشت، شهد موسم أصيلا الثقافي تنظيم ندوة حول "البرتغال وإفريقيا"، ويومي 7 و 8 غشت، ندوة حول "البعد الثقافي والاتحاد من أجل المتوسط .. المغرب الكبير وأوروبا"، ويومي 12 و 13 غشت ستخصص ندوة لـ "جائزة الشيخ زايد في الفضاء الثقافي العالمي"، وأخرى لموضوع "العولمة والتنمية.. تأثير الأزمة الاقتصادية على المساعدات العمومية للبلدان الإفريقية" يومي 14 و 15 غشت، ثم ندوة حول "المرأة العربية في وسائل الإعلام العربية" من 16 إلى 18 غشت الجاري، وعرفت هذه الدورة 31 من موسم أصيلا الثقافي، التي اختارت البرتغال ضيف شرف لهذه الدورة، برمجة غنية ومتنوعة تتضمن معارض تشكيلية كبرى، وورشات الحفر والنحت، ورسم الجداريات، فضلا عن الجداريات، والحفلات الموسيقية والسهرات الفنية، التي سيحييها فنانون من مختلف أنحاء العالم.

وقد دعا المتدخلون في ندوة "البعد الثقافي في الاتحاد من أجل المتوسط.. أوروبا والاتحاد المغاربي" الى تجاوز النظرة الاختزالية التي تحكم إدراك الغرب لشعوب الضفة الجنوبية. المتدخلون الذين ينتمون الى بلدان مغاربية وعربية وأوروبية، سجلوا أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، كما طرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل سنتين مشروع سياسي بدون أساس ثقافي، إذ "تغيب عنه الثقافة". الندوة، التي أدارها وزير الثقافة السيد بنسالم حميش، نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة بتعاون مع جمعية دار ثقافات العالم وذلك في إطار أنشطة جامعة المعتمد بن عباد الصيفية التي تندرج ضمن الموسم الثقافي الدولي لأصيلة.

وهكذا أكد المحلل السياسي الموريتاني عبد الله ولد باه، الذي انطلق من أطروحة المفكر الفرنسي بول ريكور، بخصوص المداخل الثلاثة للتفكير في أوروبا كثقافة، بهدف إعادة النظر في المستقبل المنشود كفضاء للحوار في المتوسط. وبخصوص البعد القانوني للاتحاد من أجل المتوسط، أشار المستشار الحقوقي الدولي توفيق بوعشبة (تونس) إلى كون الاتحاد يطرح مخرجا لعدم ولوج تركيا الاتحاد الأوروبي وكذا للمقاطعة العربية لإسرائيل، مشيرا إلى عدم وجود ثقافة متوسطية واحدة بل ثقافات قريبة من بعضها، وإن كانت مختلفة مما ميز الفضاء المتوسطي من قرون. أما الناقد والباحث عبد السلام المسدي (تونس)، فقد اعتبر "أشراط السلم والتنمية المتكافئة والتوازن الديمقراطي والإنصاف الثقافي". (بمعنى الإمساك عن الإدانة) مظلمة "وتوجد في مرحلة مخاض"، مشيرا إلى أن الارتباك التصوري من ارتباك فكرة الاتحاد من أجل المتوسط وبعثها واسمها ومقرها بل و "قيصرية ولادتها". واعتبرت الأديبة والمترجمة اليونانية بيرسيفوني كوموتسي الأدب، "القناة المثلى لتحقيق التواصل مع الثقافات الأخرى، ولهجة شمولية والترجمة همزة وصل تمد الجسور بين الشعوب وتسخر الكنوز المعرفية للعالم أجمع وتسهل التفاهم وتزيل الحواجز اللغوية، داعية وزارات الثقافة إلى الاستثمار في الترجمة. وأشارت كوموتسي، إلى أن الأدب العربي يحتوي على قيم رمزية أكثر من الآداب الأخرى، كما أن البعد الديني يهيمن عليه وذلك بنظرة شمولية كما هو الأمر عند الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ..". ودعا الباحث المغربي نور الدين أفاية، المستشار بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، إلى اعتبار الثقافة، بما هي تعليم وإعلام ووسائل تعبير مختلفة، مرفقا عموميا. ودعا أيضا لجنة الحكماء في منتدى باريس (2008) إلى تجسيد مشاريعها الثقافية في تقارير، مستشهدا بدعوة جاك بيرك "عاشق المتوسط" إلى "أندلسيات متجددة"، وبإشارة إدغار موران عام 1998 إلى الخيار التراجيدي المتمثل في "التأكيد المبالغ فيه على الهوية أو القبول بضياعها". وتحدث الروائي التركي نيديم غورصال، مدير المركز الوطني للبحوث العلمية، ومسؤول دورات المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية إينالكو بباريس، عن بعض المواقف الفرنسية الرافضة لولوج أنقرة الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى ما اعتبره "تناقضات في مبررات" هذا الرفض، و "تهافتا في التوجسات" التي يستند إليها. وطرحت أرواد إسبر مديرة دار ثقافات العالم بباريس (لبنان، فرنسا) تساؤلات مقتضبة حول المثاقفة والحوار بين ضفاف المتوسط، في ضوء الإرث التاريخي الثقيل للحضارات المتعاقبة، والتداخل بين ثقافات متعددة في الحوض المتوسطي. فيما ذهبت مداخلة الكاتب المغربي الطاهر بن جلون الى علاقة الشرق بالغرب موضع تساؤل، وفكّك ضمن فصولها القواعد الواجب توفّرها لتجسير قنوات الفهم بين دول ضفّتيْ المتوسط الشمالية والجنوبية. وذهب الطاهر بن جلون في مداخلته إلى التصريح بأنّ "ما يحدد علاقتنا بأوروبا هو نظرتنا لأنفسنا، ثم نظرة الأوروبيين لنا" ، معتبرا أنه لا يمكن مسح التاريخ الاستعماري من أرشيف صُدور شعوبنا وأذهانها لما خلّفت تلك الفترة التي غزانا فيها الغرب من انجراحات عميقة طالت في الإنسان المغاربيّ هُويّتَه وحاضرَه ومستقبلَه وجعلها مفتوحة فيه لم تندمل.

واحتفاءا بالكاتب الراحل الطيّب صالح، نظمت ندوة استعادة لكتاباته، شارك فيها نخبة من المثقفين العرب، نذكر منه محمّد برّادة ومحمد عزّالدين التازي وأحمد المديني ومبارك ربيع وحسن المودن "المغرب" وصلاح فضل "مصر" وواسيني لعرج "الجزائر" وعلوي هاشمي "البحرين" وعبد الوهّاب بدر خان "لبنان" وحسن بشير الطيّب السودان وهيفاء البيطار وأسعد فضة "سوريا" وآخرين ... وقد أجمعت جل المداخلات حول تجربة الروائي السوداني الراحل، صديق مهرجان أصيلا، الأديب الذي فتح آفاق جديدة في تقنيات السرد الروائي. وأجمعت على إسهامه الكبير في تحديث الكتابة الروائية العربية وفتح آفاق جديدة في تقنيات السرد .. رأى الناقد المغربيّ محمد برّادة في أدب الطيب صالح القصصي والروائي مَيْزةً فريدةً جعلت منه كاتِبًا عربيًّا انفتح بالنثر العربيّ على أبواب الإبداع العالميّ. وأضاف برّادة قولَه إنّ الطيب صالح، وخاصة في روايته "موسم الهجرة إلى الشمال"، كان جريئًا في تعاطيه مع تيماتٍ اجتماعية وسياسيّة وأخلاقيّة كانت حبيسةَ التستّر والاستعارة. ومن ثمّة خلص برّادة إلى اعتبار الطيب صالح جسّر العلاقة بين الشرق والغرب وِفقَ رؤيةٍ انتصر فيها لثقافته العربية ولمكوّناتِها اللغويّة والتخييليّةِ.

وإذ عرف مبدع "عرس الزين" أساسا كروائي وقاص، فإن الناقد المصري صلاح فضل يصر على أن هذه المقاربة تبخس مساهمة الكاتب في إثراء العقل العربي على مدى نصف قرن من خلال منظومة إنتاجية متنوعة، تتضمن تأملات في الشعر ومطارحات في الفكر واختراقات عميقة للثقافة العالمية. ورأى الناقد أن أهمية التراث السردي للراحل تكمن بوجه خاص في التوازن الفريد بين شعرية السرد وحيوية الكتابة النثرية. وفضّل الدكتور صلاح فضل وُلوجَ عالَمِ الطيب صالح السرديّ من التساؤل عن الكيفيّة التي تمكِّنُنا من موضعةِ هذا المبدعِ في المشهد الفكري العربي وخلص الدكتور صلاح فضل إلى الإقرار بأنّ الطيب صالح مبدعٌ نقلَ الإشكالَ الحضاريَّ القائمَ بين الشرق والغرب نقلاً فنيًّا يستعذبُه القارئ الغربيُّ استعذابَ القارئ العربيّ له. وحظي إشكال العلاقة مع الغرب باهتمام خاص من لدن المتدخلين، الذين لامسوا رؤية كاتب ينتمي إلى بلد إفريقي ذاق مرارة الاستعمار تجاه الغرب، الذي فتح له آفاق التعلم وتجريب الحرية الفردية، دون أن ينسى أنه الغرب نفسه الذي يمارس الاستعمار والاستغلال تجاه شعوب الجنوب. وهو عنصر بارز في سلوكات بطل روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" مصطفى سعيد الذي ينتقم من الغرب المستعمر بعلاقاته الجنسية مع نسائه البيضاوات، حسب ما جاء في مداخلات الروائيين المغربي محمد عزالدين التازي والسورية هيفاء البيطار. والجدير بالذِّكر أنّ مهرجان أصيلة الدولي في دورته الإحدى والثلاثين قد خصّ صاحبَ "موسم الهجرة إلى الشمال" بالندوة "الطيّب صالح في الذّاكرة". الى جانب شهادة وزير الثقافة السوداني الدكتور حسن أبشر، اختتم الناقد المغربي حسن المودن المداخلات بقراءة نقدية في كتابات الراحل.

حيا الشاعر محمد الأشعري الذي أدار الندوة التكريمية لمحمود درويش في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي، ذكرى عبقري "مقيم في الحدود الرهيفة بين الأدب والقضية، بين القوة والهشاشة"، أدرك أن اللقاء مع الجوهري، يقتضي الإبقاء على حالة من اليقظة القلقة والرغبة الدائمة في المجازفة. وقال إن الراحل طور إيقاعا أنيقا يحتفي باللغة وأبدع قصيدة تحيل على مكان وتاريخ وحضارة، ليعكس عنف الاقتلاع من كل ذلك، بل ذهب أبعد من ذلك، أبعد مما تبيحه اللغة ليطرح أسئلة القتيل على قاتله، وليصل إلى أن "الأخطر ليس ما يحتل من الأرض، بل ما يحتل في النفس البشرية"

واستعاد رئيس منتدى أصيلة محمد بنعيسى، ذكرى الراحل الذي دعم تجربة المنتدى وهي بعد مغامرة وليدة، وقال بنعيسى إنه افتقد في درويش المبدع المجدد، الذي حارب الاستسهال وقسا على قصيدته بصرامة فنية وجمالية شديدة. واعتبر عادل القرشولي، السوري الذي ترجم أشعار درويش الى الألمانية، أن هذا الأخير أنتج أدبا يصمد في كل حلبات التنافس العالمية، لو تأتى وجود حكام منصفين، مكبرا في تجربة درويش إيمانا وطيدا بالذات المنفتحة على الكون. غير أنه أبدى أسفه لهذا "الحب القاسي" الذي جعل طائفة من النقاد تحصر شعر درويش طويلا ضمن وظيفة تحريضية ثورية بخست قيمته الكونية وعمقه الإنساني. وخلص إلى أن قصيدة درويش كانت بالفعل "رمية نرد في رقعة ظلام" كناية عن رهانه على المغامرة في اللغة والحياة، وتجريب الأشكال والصور والأساليب. ولاحظ الشاعر العراقي فاضل العزاوي أن محمود درويش حقق معادلة صعبة لم ينلها غيره من الشعراء العرب، استنادا إلى مقارنة مع تجربة كل من محمد مهدي الجواهري ونزار قباني، ويتعلق الأمر بالجمع بين الجماهيرية وبين التلقي الواسع في صفوف النخبة العربية والعالمية, حيث يعد الراحل "الشاعر العربي الأكثر ترجمة إلى اللغات الأخرى".

وفي السياق ذاته، أطر الناقد المغربي بنعيسى بوحمالة مداخلته، ملاحظا أن درويش استشعر خطورة قراءة لا تميز بين ما هو تاريخي واقعي وما هو إبداعي جمالي، وموضحا أن المسافة بين زمن "سجل أنا عربي" إلى "طباق" تبرز حجم الجهد الذي بذله الراحل والتطور المدهش في رؤيته الشعرية، ما يفيد بأن الشاعر قطع مع التصور الوظيفي الضيق للقصيدة وركب خطر التضحية بنشوة الجماهيرية وإعطاء الأهمية للذاتي على حساب الجمعي، مازجا بطريقة سحرية "بين الماء والنار في خلطة واحدة" على حد تعبير الناقد علال الحجام. وإثر جلسة شهدت تقديم شهادات وقراءات شعرية مؤثرة في ذكرى الراحل، دشن زوار أصيلة حديقة "محمود درويش" التي تينع في قلب المدينة البيضاء، مذكرة أجيال غد المدينة بزائر خفيف طبع الذاكرة الشعرية العربية والعالمية إلى الأبد.

في إطار فعاليات تكريم واحتفاء بذكرى الشاعر الراحل محمود درويش. أحيى الفنان العربي مارسيل خليفة حفلا فنيا، في أول مشاركة له بموسم أصيلا الثقافي. الحفل الذي دخلت من خلاله المطربة المغربية كريمة الصقلي باب عوالم القصيدة الدرويشية بمعية تقاسيم وكاشف أسرارها الموسيقية الفنان اللبناني مارسيل خليفة. وصنعت الفنانة الصقلي المفاجأة السارة في الحفل التكريمي تحية من موسم أصيلة الثقافي لذكرى الشاعر الراحل. وهي تتألق على ركح مكتبة بندر بن سلطان لتؤدي وصلة من غنائية بعنوان "يطير الحمام..يحط الحمام"، الرائعة الغنائية المطولة لمحمود درويش. واستطاعت هذه الفنانة التي عودتنا على الفن العربي الأصيل بغوص تراثي وصوفي. أن تضفي لمستها الخاصة على أغاني مارسيل وقصائد درويش، هذه الأخيرة التي تعودنا سماعها بصوت مارسيل على نغمات عوده..

الفنان اللبناني اختار أشهر أغانيه التي غناها لقصائد محمود درويش وأعاد بعضها توزيعا جديدا وفضلا عن مقاطع من «يطير الحمام» أدى مارسيل خليفة، الذي كان مرفوقا بنجله الموهوب على البيانو رامي خليفة، وعازف الكونترباس ألبيرت إيربيت، أغاني عكست تنوع وخصوبة التجربة الشعرية لمحمود درويش مثل ريتا، «أحن إلى خبز أمي» وجواز السفر...

والى جانب الندوات الفكرية التي عرفتها الدورة 31، نظمت ندوة "الإعلاميات العربيات في وسائل الإعلام"، أكدت جل مداخلاتها أن المرأة الإعلامية حققت مكتسبات ملموسة من موقعها كفاعل في القطاعات الإعلامية المختلفة، غير أن الذكورية ما تزال السمة الغالبة لمعظم المؤسسات العربية. واعتبرت خديجة سبيل رئيسة تحرير مجلة "نساء من المغرب" أن الانشغال بوضع المرأة الإعلامية امتداد عضوي للاهتمام بوضع المرأة العربية عموما، داعية إلى السعي إلى إبطال التعطيل الملازم لحركة المرأة داخل الإعلام. ونبهت إلى أن بروز أسماء نسوية لامعة في سماء الإعلام العربي ليس دليلا على حسم إشكالية تهميش المرأة في القطاع، مشددة على أهمية تفعيل دور السلطات السياسية والاجتماعية في النهوض بوضع المرأة على هذا الصعيد. وتوقف طلال طعمة رئيس تحرير مجلة "زهرة الخليج" عند الضرورة المنهجية لتجنب التعميم في مقاربة موقع المرأة الإعلامية الذي يتفاوت حسب البلدان العربية وأيضا حسب القطاعات الإعلامية.  وفي السياق ذاته، أوضحت ديانا جبور مديرة التلفزيون السوري أن تأنيث الشاشة ليس دليلا دامغا على الحضور الفاعل للمرأة في توجيه الحقل الإعلامي، حيث أن السمة الطاغية للمؤسسات العربية تبقى ذكورية، حيث يحتفظ الرجل بتقديم المواد الجادة وتولي المسؤوليات الحساسة. وشددت جبور على أهمية التركيز على تغيير الاتجاهات الفكرية والذهنية التي تفرز هذا الواقع، ودحض الصور المضللة التي تعطي الانطباع بأن المرأة أخذت موقعها داخل قطاع الإعلام العربي.

وتواصلت باقي فعاليات مهرجان أصيلة لهذا العام بندوة تناقش "الآداب والفنون والتقدم الحضاري" بمشاركة الروائي جمال الغيطاني، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2009، والروائي واسيني الأعرج، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2007، والكاتب والقاصّ ناصر الظاهري.  أما الندوة الأخيرة فحملت عنوان "التواصل الثقافي والرموز الكبرى" وجمعت محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة والدكتور بيدرو مارتينيز، المستعرب الاسباني، والدكتور رضوان السيد.  

وزارة الثقافة المغربية تلبس جلباب الفلسفة
منذ إعلان مرض الفنانة ثريا جبران اقرتيف، الوزيرة السابقة، والكل ينتظر التعديل الحكومي للتعرف على ملامح "ربان سفينة" وزارة الثقافة، الوزارة الوصية على قطاع أمسى يطرح العديد من إشكالات التدبير ورهانات ما زالت معلقة، بحكم ما يعرفه المغرب الثقافي من حراك أمسى يطرح معه السؤال على مسؤولية الوزارة الوصية في مدى قدرتها على المساهمة في حل معضلاته. وككل مرة تداولت الصحافة الكثير من الأسماء لعلها أبرزها اسم الباحثة والناقدة المغربية رشيدة بنمسعود، الى جانب الشاعرة ثريا مجدولين. مع أن اسم الناقدة رشيدة بنمسعود تكرر للمرة الثانية، بحكم الخبرة التي اكتسبتها كفاعلة سياسية. لكن، تعيين الملك للمفكر بنسالم حميش فتح الكثير من شهية الأسئلة، على مجازات هذا التدرج من الشعر (محمد الأشعري) الى المسرح (الفنانة ثريا جبران) الى الفلسفة (بن سالم حميش).

وقد أكد بنسالم حميش عن "التزامه بمواصلة الورشات الثقافية الجاري تنفيذها، والعمل على تحسيس جميع الفاعلين المعنيين بالشأن الثقافي بأهمية الاستثمار في هذا القطاع من أجل تقديم صورة عن المغرب، مغاربياً وعربياً ودولياً، كبلد متعدد الروافد والمكونات الثقافية.." وهي الرغبة التي تجابه تعقيدات على مستوى المساطر والميزانية الحكومية الضعيفة المرصودة أساسا لوزارة الثقافة.

لقد ظل المشهد الثقافي يجتر مشكلاته ومفارقاته السنوات الأخيرة، كان آخرها معضلات القراءة وانحسارها التي أفضت الى تشكيل لجنة وطنية كان من مهامها وضع خطة واستراتيجية وطنية كفيلة بالوقوف على معضلات القراءة والكتاب في المغرب. وبتعيين الوزير المفكر والروائي بن سالم حميش تكون اللجنة قد وضعت تقريرها الكامل لتنفيذ توصياته. ومن المنتظر أن تنطلق أولى المبادرات نهاية هذه السنة. لكن يظل السؤال الذي حمله المثقفون المغاربة والكتاب والمنتمون الى هذا القطاع، هو مآل المشهد الثقافي بالمغرب بعد الشعار الذي رفعه الوزير الجديد حول "إعادة الاعتبار الى الشأن الثقافي"، "قضية القراءة"، "الإنتاج الثقافي"، "تسويق الكتاب المغربي"..هذا الى جانب أن المفكر بن سالم حميش بلور على امتداد تاريخه خطابا يتعلق بمسؤولية المثقف في علاقته بالسلطة. مما جعله قريبا من أهم الإشكالات التي يتخبط فيها المشهد الثقافي. فهل يستطيع الوزير اليوم، أن يحل جزءا من معضلات فكر فيها كمثقف؟

قد لا يختلف واقع النشر والكتاب في المغرب، لحظة تعيين الوزير الجديد، عن سابقيه. علي الأقل في جانب تجاوز الإشكاليات البنيوية التي تهم هذا القطاع الحيوي. إذ مازلنا نسجل غياب استراتيجية وطنية حقيقية، وإرادة سياسية تستطيع إعادة الاعتبار لفعل القراءة وتداول الكتاب. كجزء مصغر من شعار حق تداول المعرفة، وتحصين الذات بإشباع رمزي. يمكن في النهاية من الوصول الي مجتمع قارئ منخرط في تحديات بناء مغرب حداثي، حيث الثقافة فيه قاطرة للتنمية. لقد كانت الحاجة دائما، الي تغيير النظرة الي واقع النشر والكتاب في المغرب. قراءة تراعي هذه الإشكالات والأسئلة الجديدة التي بلورها هذا القطاع. منها ما يمس بشكل مباشر "الواقع المغربي"، ومنها ما يرتبط بتحديات كونية أفرزتها طبيعة بنية النشر والكتاب في العالم. وإذا كان الميسم الاقتصادي وتقنيات "الماركتينغ" واقعا جديدا أمسي يطرح نفسه بحدة. فإن الحفاظ علي بنيات عتيقة تقليدية كقاطرات للخروج من هذا الوضع المترهل لايمكن "المغرب الثقافي" من الانخراط في تحديات الألفية الجديدة والتي باتت تتطلب مجتمعا للمعرفة، واستراتيجيات سوق مفتوحة لتداول الكتاب، وتحديث لتقنيات النشر والعرض.

وإذا كان الرهان هو بلورة تصور شامل ومندمج لإمكانيات تجاوز الاختلالات، في أفق تكريس "وضع اعتباري حقيقي للكاتب المغربي وخلق كتاب يستجيب لمعايير الجودة والتنافسية سواء علي مستوي صناعته أو توزيعه". فإن سؤال القراءة وواقع الكتاب في المغرب ظل محينا بفعل الإشكالات المركبة التي يطرحها سواء علي مستوي التشخيص، أو علي مستوي تجاوز "هذه الأزمة المركبة". لقد سجل يوما القاص المغربي أحمد بوزفور في بيانه الذي قدمه علي هامش رفضه جائزة المغرب للكتاب، جزءا من هذا الإشكال العميق. لم يكن الاحتجاج المعبر عنه يرتبط فقط بالوضع الاعتباري للكاتب ولا بالموقف من المؤسسة الرسمية الراعية. كان البيان يشير في جزء من قراءته الي الاستراتيجية السياسية المتبعة في هذا الباب. والتي تجعل المغرب يفقد الكثير من هويته وصورته. بل إن الدراسات والبحوث ذات الطبيعة السوسيولوجية، والبحث العلمي قدمت الكثير من خلاصاتها ومراجعاتها النقدية في هذا الباب.

ولا زال المشهد الثقافي في المغرب، يعرف حراكا علي مستوي الإنتاج الفكري والمعرفي والأدبي. نموا ملحوظا علي مستوي الإنتاج النصي والعناوين الصادرة والتي تهم مختلف أشكال التعبير والتفكير. ولا يقتصر هذا الحراك علي الكتب بل امتد الي السينما والمسرح والفن التشكيلي... في مقابل هذا الحضور اللافت والتنامي غير المسبوق أيضا في تاريخ المغرب الثقافي. يسجل المتتبع للمشهد الثقافي، هذا التراجع علي مستويات أخري تهم تداول هذه المعرفة. سواء وضعية الكتاب المغربي، أو مستويات المقروئية في المغرب. ولن ينفع هنا، أن نسرد لائحة الأرقام المهولة. كما لا يمكننا التأكيد أن جزء من هذه الإشكال يهم فقط الفرقاء (الكاتب، الناشر، الكتبي).. بل على المغرب السياسي اليوم، أن يقدم الجواب (التشريعي، والسياسي) علي أزمة تهم المواطن في تفكيره، وفي هويته وفي مستقبله في الوجود ككينونة. أن نصل الي جعل القراءة "سلوكا متجذرا في المواطن"، هو جزء من اعتراف الدولة بمؤسساستها اليوم، بحذف الثقافة من لائحة "غير المرغوب فيه"، وجعلها فعلا بيداغوجيا أولا، ومطلبا مؤسساتيا ومقاولاتيا لإحداث تلك الدينامية المأمولة للمساهمة في توسيع دائرة الإنتاج والتداول للكتاب وللمعرفة ككل. على هذه الملفات وغيرها، تلك التي تهم مجالات أخرى ثقافية وفنية، تنطلق قاطرة الوزير الجديد. لعلها تجد سكتها الحقيقية.. 
ـــــــــــــــ
(1) ـ ولد بنسالم حميش، في مدينة مكناس عام 1948، وحصل على الإجازة في الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس عام 1970، ثم على دكتوراه السلك الثالث عام 1974، فدكتوراه الدولة عام 1983. وهو عضو اتحاد كتّاب المغرب، والعديد من الهيئات الحقوقية والأدبية. ويشغل حميش منصب أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس في الرباط، وله مؤلفات في الأدب والفلسفة والفكر باللغتين العربية والفرنسية. وإضافة الى دواوينه الشعرية «كناش أش تقول» (1977)، و«ثورة الشتاء والصيف» (1982)، ثم «ديوان الانتفاض» (1995). صدر لبن سالم حميش في مجال الرواية «مجنون الحكم» (1990). التي حصلت على جائزة «الناقد» للرواية، ورواية "محن الفتى زين شامة" (1993)، ورواية «العلامة» (1997)، وفيها يرصد حياة المؤرخ ابن خلدون وحصلت على جائزة الأطلس الكبير وجائزة نجيب محفوظ، وكتاب "أنا المتوغل وقصص فكرية" (2004)، ورواية «هذا الأندلسي» (2008) أما في مجال الفكر فأصدر حميش كتباً كثيرة ومتنوعة منها «في نقد الحاجة الى ماركس» (1984)، «التشكلات الإيديولوجية في الإسلام» (1988)، «الاستشراق في أفق انسداده».