عيون الفجر الزرقاء أو الرحلة الأوديسيوسيّة
صدر مؤخرا للكاتب المغربي(الورزازي) ادريس الجرماطي رواية بعنوان (عيون الفجر الزرقاء) عن مؤسسة سندباد للنشر والإعلام بالقاهرة، في مائة وعشر(110) صفحات من الحجم المتوسط بغلاف آسر من توقيع الفنان العراقي الكردي فهمي بالايي، وكلمة عميقة للناقد المصري المتميز ابراهيم محمد حمزة. ويعدّ هذا العمل التوقيع الثاني في مسيرة المبدع المغربي ادريس الجرماطي، بعد عمله الموسوم بـ (رحلة في السراب) الذي صدر سنة 2008، حيث يواصل هذا الكاتب الحفر في الأسئلة العمقية التي تقارب الذات الإنسانية في وجودها ومصيرها (أو مصائرها)، وهو الأمر الذي يجعل من (عيون في الفجر) امتدادا فلسفيا لـ (رحلة في السراب) إذ يهتجس بنفس الانشغالات ويحترق بنفس النار التي تقرص الوجود الإنساني في أبعاده المختلفة. (عيون الفجر الزرقاء) رحلة أخرى (تكاد تكون رحلة أوديسيوسيّة) للشخصية الرئيسية (المولود) التي تمثل الكائن الإنساني الحائر والتائه على الدوام، رحلة لا تعترف بالحدود ولا الجغرافيات ولا الزمن أيضا، تهدم قوانين السرد لصالح الاكتشاف والمغامرة الإنسانية الساعية إلى محاولة فهم مختلف علائق الذات بوجودها ومحيطها ورغباتها وجنونها أيضا. نقرأ من كلمة للناقد المصري ابراهيم محمد حمزة في معرض تقديمه للكتاب: (يدهشك الروائي المغربي إدريس الجرماطي في هذه الرواية بعوالم غير معتادة، وبلغة غير معتادة،لغة هي روح القصة القصيرة، الجمل اللاهثة المتتابعة،التي لا تترك للقارئ حقه في الشعور بالطمأنينة التى تبثها الرواية عادة، بل تكاد لغة الرواية لا تؤسس لسردية متصلة، فما يشغل المؤلف محاولة فك طلاسم هذا الكون، في إنسانية راقية حيث (الأصل أن الكون ما بين مدخل إلى الدنيا، ومخرج إلى عالم آخر، وما بينهما بلاء) أو (وله دنيا يحتل فيها من الفكر رياضاً، ستجعل المولود آية بها كونه يفتخر)، في الرواية يجرد الكاتب البشر من ظواهر الحضارة، ويعود بهم إلى طبائعهم الأولى، وحالاتهم الأصيلة (المولود/ حامل همّ المعاش/ الخالة الهرمة..) نافثاً حساً صُوفياً عجيبًا يتقدم خجلا، ليطيح بقارئه إلى وجودية مُحيرة، تُعانق صوفيته، مُشكلا ذلك كله في خطاب لغوى راق، يرتفع به بانسيابية إلى آفاق الشعر، ولا تتوقع كقارئ للرواية أن تصل ـ بسهولة ـ لمفاتيحها، إنما عش مع الكاتب متعة الحيرة والبحث عن اليقين (المراوغ) مثلما فعل يوسف إدريس يوماً ما). ومن كلام المبدع ادريس الجرماطي في حق عمله يقول في الصفحة الأولى: (تعمدت الفكرة مشاطرة الحيرة والتيه في عيون فجر صادفت فيه تلك الحلقة المفقودة غير المفهومة، حلقة أتت إلى الكون لتصنع حلقة أخرى، وحلقة أخرى، وأخرى... تبحث عن الصواب في هذا الإنسان المركب بين الوضوح واللاوضوح، تارة يرى المتأمل أنه الحقيقة، وتارة أخرى مجرد عبث بدون منطق مقبول... عيون الفجر محور بين المولود الذي يندد بما يجري من سلوكات يطولها الغموض، والإنسان الذي يدعي الأصل، ويبحث عن الإجابة على أسئلة تهمّ كل شيء: ماهية الإنسان، منطق تفكيره، غاية وجوده، وتداعيات سلوكه... هل ينسجم كلّ هذا مع نواقصه وضعفه؟ أم هل يتناقض؟ وما حدود تدخله الواعي واللاواعي أيضا؟ عيون الفجر رسالة البحث عن الحقيقة التي لأجلها خلق الإنسان...) هل سيجد ادريس الجرماطي (إيثاكاه) مرة أخرى أم أنّه سيظل يحترق في تيهه من أجل محاولة فهم وجوده الخاص والوجود الإنساني بشكل عام؟ رحلة مجنونة أو رحلة جنونية لا تبقي ولا تذر، هاته التي أعلنها الكاتب في عوالم مدهشة ومؤلمة على حد سواء، عزاؤه الوحيد انه لم يترك (بينيلوبي) وراءه هذه المرة، وإنما حملها معه في قلبه ويراعه. Dekaki.sami@gmail.com
صدر مؤخرا للكاتب المغربي(الورزازي) ادريس الجرماطي رواية بعنوان (عيون الفجر الزرقاء) عن مؤسسة سندباد للنشر والإعلام بالقاهرة، في مائة وعشر(110) صفحات من الحجم المتوسط بغلاف آسر من توقيع الفنان العراقي الكردي فهمي بالايي، وكلمة عميقة للناقد المصري المتميز ابراهيم محمد حمزة.
ويعدّ هذا العمل التوقيع الثاني في مسيرة المبدع المغربي ادريس الجرماطي، بعد عمله الموسوم بـ (رحلة في السراب) الذي صدر سنة 2008، حيث يواصل هذا الكاتب الحفر في الأسئلة العمقية التي تقارب الذات الإنسانية في وجودها ومصيرها (أو مصائرها)، وهو الأمر الذي يجعل من (عيون في الفجر) امتدادا فلسفيا لـ (رحلة في السراب) إذ يهتجس بنفس الانشغالات ويحترق بنفس النار التي تقرص الوجود الإنساني في أبعاده المختلفة.
(عيون الفجر الزرقاء) رحلة أخرى (تكاد تكون رحلة أوديسيوسيّة) للشخصية الرئيسية (المولود) التي تمثل الكائن الإنساني الحائر والتائه على الدوام، رحلة لا تعترف بالحدود ولا الجغرافيات ولا الزمن أيضا، تهدم قوانين السرد لصالح الاكتشاف والمغامرة الإنسانية الساعية إلى محاولة فهم مختلف علائق الذات بوجودها ومحيطها ورغباتها وجنونها أيضا.
نقرأ من كلمة للناقد المصري ابراهيم محمد حمزة في معرض تقديمه للكتاب: (يدهشك الروائي المغربي إدريس الجرماطي في هذه الرواية بعوالم غير معتادة، وبلغة غير معتادة،لغة هي روح القصة القصيرة، الجمل اللاهثة المتتابعة،التي لا تترك للقارئ حقه في الشعور بالطمأنينة التى تبثها الرواية عادة، بل تكاد لغة الرواية لا تؤسس لسردية متصلة، فما يشغل المؤلف محاولة فك طلاسم هذا الكون، في إنسانية راقية حيث (الأصل أن الكون ما بين مدخل إلى الدنيا، ومخرج إلى عالم آخر، وما بينهما بلاء) أو (وله دنيا يحتل فيها من الفكر رياضاً، ستجعل المولود آية بها كونه يفتخر)، في الرواية يجرد الكاتب البشر من ظواهر الحضارة، ويعود بهم إلى طبائعهم الأولى، وحالاتهم الأصيلة (المولود/ حامل همّ المعاش/ الخالة الهرمة..) نافثاً حساً صُوفياً عجيبًا يتقدم خجلا، ليطيح بقارئه إلى وجودية مُحيرة، تُعانق صوفيته، مُشكلا ذلك كله في خطاب لغوى راق، يرتفع به بانسيابية إلى آفاق الشعر، ولا تتوقع كقارئ للرواية أن تصل ـ بسهولة ـ لمفاتيحها، إنما عش مع الكاتب متعة الحيرة والبحث عن اليقين (المراوغ) مثلما فعل يوسف إدريس يوماً ما).
ومن كلام المبدع ادريس الجرماطي في حق عمله يقول في الصفحة الأولى: (تعمدت الفكرة مشاطرة الحيرة والتيه في عيون فجر صادفت فيه تلك الحلقة المفقودة غير المفهومة، حلقة أتت إلى الكون لتصنع حلقة أخرى، وحلقة أخرى، وأخرى... تبحث عن الصواب في هذا الإنسان المركب بين الوضوح واللاوضوح، تارة يرى المتأمل أنه الحقيقة، وتارة أخرى مجرد عبث بدون منطق مقبول... عيون الفجر محور بين المولود الذي يندد بما يجري من سلوكات يطولها الغموض، والإنسان الذي يدعي الأصل، ويبحث عن الإجابة على أسئلة تهمّ كل شيء:
ماهية الإنسان، منطق تفكيره، غاية وجوده، وتداعيات سلوكه... هل ينسجم كلّ هذا مع نواقصه وضعفه؟ أم هل يتناقض؟ وما حدود تدخله الواعي واللاواعي أيضا؟ عيون الفجر رسالة البحث عن الحقيقة التي لأجلها خلق الإنسان...) هل سيجد ادريس الجرماطي (إيثاكاه) مرة أخرى أم أنّه سيظل يحترق في تيهه من أجل محاولة فهم وجوده الخاص والوجود الإنساني بشكل عام؟ رحلة مجنونة أو رحلة جنونية لا تبقي ولا تذر، هاته التي أعلنها الكاتب في عوالم مدهشة ومؤلمة على حد سواء، عزاؤه الوحيد انه لم يترك (بينيلوبي) وراءه هذه المرة، وإنما حملها معه في قلبه ويراعه.
Dekaki.sami@gmail.com