رسالة السودان

رسالة إلي الدكتور فوزي فهمي

أو مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي

عصام أبوالقاسم

سيدى الكريم

 ظللتُ، ولسنوات، أتابع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، أقطع المسافة "الطويلة " بين الخرطوم والقاهرة بالكثير من العناء، حرصاً علي هذا الموعد المسرحي الرصين، وقد تعلمت الكثير مما شاهدته وتعرّفت علي اسماء وابداعات عربية وافريقية وغربية عديدة، وكان لكل ذلك اثره الكبير عليّ، كما علي آخرين بلا شك ! لكن، تكّشف لي، مع مرور الوقت، إن ادارة المهرجان الكريمة تتعامل بالكثير من عدم الانصاف " حتي لا أقول الخفة " مع المشاركات السودانية في المهرجان، ولا أعني هنا: حقيقة ان السودان لم تُستقبل مشاركاته في المهرجان إلا منذ سنوات قليلة مع ان عمر المهرجان تجاوز العقدين ! كما لا أعني غياب الاسماء المسرحية السودانية علي مستوى الشخصيات " المكرمة " إلا في ما ندر " ثلاث شخصيات فقط في عمر المهرجان" أو علي مستوي الندوة النقدية " سبع مشاركات فقط " أو علي مستوي لجنة التحكيم " لم يحصل قط " ولا اعني ايضا غياب الصحافة السودانية، سواء كانت سمعية اومرئية ام مقروءة، لا اعني شيئاً من كل ذلك رغم اهميته بالنظر إلي مسألة الاواصر الاخوية، والمسرحية خصوصاً، بين السودان ومصر!

ما اعنيه هو أن إدارتكم الكريمة، ولسبب لا أعرفه، جعلت من المسرحي السوداني "علي مهدي" مفوضها الأعلي في الخرطوم، تنتظر ترشيحاته لتختار من يمثّل السودان في المهرجان التجريبي بمنظوره الخاص أو ذائقته أو مزاجه؛ فهو من يختار الفرقة " المستقلة " المشاركة وهو من يختار الناقد، وهو من يختار الشخصية المكرمة؟! ومع احترامي لتقديركم الشخصي لعلي مهدي، بحكم المجايلة، أو الصلات المبنية علي علاقاتكما بالهيئة الدولية للمسرح، أو سواها من مؤسسات المسرح العربية و العالمية، إلا انني أرى انه مما يقع في باب الظلم الشديد، ان تُختزل الحركة المسرحية السودانية، باجيالها المختلفة، في شخص واحد، وبخاصة ان هذا الشخص لا يحظى باي قدر من الإجماع في الوسط المسرحي السوداني، ويمكنك للتثبت من ذلك مراجعة اقرب اصدارة ورقية أو إلاكترونية سودانية تعني بالثقافة والمسرح، اذ ستعثر علي عشرات المقالات الناقمة والحانقة عليه!

زيادة علي ذلك، وطيلة السنوات الماضية، ظل علي مهدي يتعاطي مع موضوع المشاركة السودانية في التجريبي علي أساس انها "كرت مكافأة" يتكرم به علي المقربين منه ومن فرقته ويحرم البقية، وأكثر من ذلك يقطع السيد علي مهدي بمشاركة احد المخرجين المقربين منه "أو النقاد" قبل ان تبدأ لجان مهرجان التجريبي معايناتها لانتقاء الاسماء النقدية، أو العروض المشاركة، وما ان يحل شهر اكتوبر حتى نرى ما قاله يتحقق! وهذا لا يمكن ان يحصل بافاعيل سحرية طبعا ؟! لنسأل، مع هذه الحال، هل يبدو غريباً إن كل المشاركات التي كان وراءها علي مهدي لم تحرز لا جائزة ولا مجرد ترشيح لجائزة؟! ومع هذه الحال هل يبدو غريباً ان يقوم علي مهدي باختيار الصحافي عادل الباز ليشارك في الندوة الفكرية السنة الماضية، برغم وجود عشرات المسرحيين؟ وهل يبدو غريباً ألا يحضر الصحافي ولا يبعث لا بورقته ولا بإعتذار.. لتضيع بذلك فرصة السودان في المنبر النقدي للتجريبي؟!

في هذا الوقت، حيث السماوات مفتوحة علي عشرات الوسائط الاتصالية لا يكفي مبرراً القول ان "المسرح السوداني غير معروف لدينا" ؛ فالانترنت جعل أمر العثور علي المعلومات، مكتوبة أو مصورة، من الامور الاسهل!

سيدي ..

الان، ولأن بعضهم قد يسئ الفهم، فلن اسأل في ما لو كنتم تعرفون رصيدًا مسرحياً "حياً" لعلي مهدي، سواء في الاخراج ـ كما يزعم ـ أو التمثيل؟ برغم اهمية هذا السؤال اذ علي اجابته نتبين مستوى انتقاءاته من العروض السودانية؟ ولأن بعضهم قد لا يرى حكماً ما في حقيقة ان سائر ملائكة النقد المسرحي، في السودان ومصر وبقية الدول العربية، لم يكتبوا عن مسرح مهم، يقدمه علي مهدي طيلة العقدين الماضيين "باستثناء ما كتبه الاردني غنام غنام عندما كان ضيفاً علي مهرجانه في الخرطوم"!

للسببين الفائتين لن افصّل هنا لأشير، مثلاً، إلي قلة اعماله، أو إلي حقيقة انها، وعلي قلتها، لم تُقدم في الخرطوم غالباً؛ فهي مصممة للمهرجانات الاوربية والامريكية، ومع ذلك لم تأت بأي اصداء تذكر، في كل حال! وللسببين الفائتين ايضا لن اسألكم: علي أي اساس قمتم بتكريمه في دورة ماضية، لن اسأل، سيدي،عن المعيار الذي جعله اختياركم؟ لن اسأل لماذا هو وليس يحي الحاج مثلاً، أو يوسف عيدابي، أو عمر الخضر، أو عز الدين هلالي أو سيد عبد الله صوصل أو السر السيد أو سواهم! لن اسأل : هل يتعلق الامر بالعمر؟ مع انني اعرف ان علي مهدي أصغر سناً، بل وأقلّ انتاجاً أو ممارسة مسرحية من ابراهيم حجازي، بل ان رصيده كممثل أقلّ، وبكثير، مما قدمته الرائدة "فايزة عمسيب" أو الرائد "الريح عبد القادر"!

وعموما .. هو ليس كمثل هاشم صديق أو مكي سنادة أو سعد يوسف أو محمد شريف علي أو عادل حربي (رغم انه يمتلك مقدرات في التمثيل تبدو لي أحياناً ظريفة ومقبولة، لكن ليس إلى حد البطولة المطلقة) كما تقول عبارة الاكاديمي بروفسير عثمان جمال الدين !

ان سؤالاً حول: كيف عدل شهادتكم التكريمية؟ قد يبدو خبيثاً وحاسداً، حتى إن كُتب بطريقة أخرى ليشمل ادارات المهرجانات المسرحية العربية الاخرى: لماذا قمتم بتقريبه دائماً واقصيتم أو تجاهلتم سواه؟! لكن،ألا يتعارض كل ما مرّ مع المبادئ الفنية الراقية والرصينة التي يسعى مهرجان القاهرة التجريبي إلي ترسيخها ـ علي الاقل كما تعطي العديد من منشوراته؟ الا يمثل تضييقاً خانقاً علي حظوظ العشرات من المسرحيين السودانيين (ام العرب؟) الشبان في الذيوع والتفاعل والاطلاع؟ هل يستقيم ان يكون ما حصل ديمقراطياً أو عادلاً؟

 سيدي ..

اعرف ان انشغالاتك لا تحصي، لذا لن اطيل أكثر .. لكن لماذا لا يعتمد المهرجان صيغة ديمقراطية في تعامله مع طلبات المشاركة، لماذا لا ينظر إلي المشاركات التي تصله عبر ايميله الالكتروني، مثلاً، لماذا لا يفيد بوصول الطلبات ولا يعلق، لماذا لا يبدو ايميلكم مفعلاً أو ضرورياً، لماذا لا تعتمدون اي صيغة أخرى لا يكون لعلي مهدي أو سواه دخل فيها؟ ثمة اجيال جديدة في المسرح السوداني تغالب ظروفاً بالغة التعقيد، كي تقدم ما لديها، وحتى لا يُساء فهم هذه الرسالة، لا نريد ان نفصّل في شأنها، لكن نكتفي بالاشارة إلي ان من بين ما نظن انها تحتاجه حتى تستمر: ان تتنفس هواءاً حراً في فضاءات مسرحية حرة، هي تحتاج ان تعاملها المؤسسات المسرحية العربية علي اساس من الجدية والعمل والأمل وليس علي واقع "المجاملة" أو "العلاقات الشخصية"!

فهل لنا بإستجابة؟!

سيدي

شكراً جزيلاً