تقدم (الكلمة) هنا شاعرا أردنيا شابا في ديوانه البكر «مولود على دفعات». نصوص تتأمل الموت، ونعيش معها «الدقائق الأخيرة» من حياة تافهة مليئة بالفشل والويلات. بصورة تجعلنا نعيد تأثيث أفكارنا حولهما معا: الموت والحياة. ومعهما نعيد التفكير في الكتابة كجزء لا يتجزأ من ديمومة الكائن أمام العدم واللاعودة.

الدقائق الأخيرة قبل الموت (ديوان)

مثنى حامد

الإهداء
أسماءٌ كثيرةٌ كنت احلم بإدراجها تحت  خانة الإهداء هذه،  وكنت كلما مر زمن اسقط اسما حتى سقطت كل الأسماء ..
وللأمانة أيضا ربما يكون اسمي  كذلك سقط منذ فترة طويلة من خاناتهم، ولم يعلموا حتى بصدور كتابي هذا..
                     مثنى حامد

 

1 ـ بقايا:

ما الذي ظل منها
بقية ُ قهوتها
حُمرَة ٌ هدأت فوق سيجارة ٍ مطفأة ْ
ريشة ٌ
تركت شالها وتهاوت
بزاوية المدفأة
آهة ٌ هاربة
ضحكة ٌ خافتة ْ

ريقها المتخثر ُ
دهشَتُها آخر البهو
خطواتها

 

2 ـ الشريرة

أتسلل ُ كاللص البارع ِ قلب العتمة ْ
استنشقُ مثل القط ِ
ثيابكِ خلف الظلمة ْ
اعرفُ انكِ نائمة ٌ بسرير الوجدِ
تتجاذبكِ
أوهام الحِلة ِ والحرمة ْ
وأصابعكِ الناعمة ُ الملساء ُ
تذوبُ هنالك مثل النسمة
اعرف انك ِ عارية ٌ كالبحر ِ
وانكِ ترتجفين َ لأسرار القسوة ِ والرحمة ْ
وبأن خيالك ِ مرّ بروحي
فاستنشق عطري
واسترق التهمه ْ
اسمع أنفاسك ِ تتزايد ُ
ويغيب ُ لهاثك ِ في القمة ْ

 

الدقائق الأخيرة قبل الموت:

المساءُ المُطلُّ على غابة الورد ليس مسائي

والنجوم المضيئة ليست تضيء لقلبي

واللواتي بكينَ على جُثةٍ قلَبتها الرياح

لسنًّ نسائي

آن للعمر أن ينتهي مثلما ينتهي الليلُ

والقلبُ أن لا يدقّ

والريحُ أن تسترد ردائي

أنا قطعةً من تراب تعلّقَ يوماً بفستان أمي

أنا بعض وجه الحقيقة

حين تُشيحُ الحقيقة يوماً لوجهي

أنا ما تبقى من الحلم حين انطفأ النورُ

خلف الحديقة حيثُ استراحت طيورُ تكسر

لون البيض بأسرابها

لا أريدُ من العمر غير الذي مضى

فاتركي جُثتي لرياح وعودي

لكم كان هذا الذي كنتِ لا ترغبين بهِ

يستريحُ لدفء أصابعكِ

وهو يرنو هنا، خلف شباكنا

ارحلي،

ابحثي عنهُ، قد لا تعودين يوماً

ولكن هناك نجوم تعود

وتهذي بلا رغبة في سماء الخلودْ

ليس حُزناً عليكِ دموعي

ولكن ما لا تظنينه قد يعود أمامك حُلماً تحقق

فقد يأكلُ القطُ طفلتهُ ثم ينسى

وقد تبلع الريحُ أحزانها ثم تنسى

وقد ترجعين إلى البحر سائلة

من تُرى سوف يغرقُ

وتنسين ثانيةً ما تبقى من

الحلم عند حطام الزورقْ

ارحلي،

إتركي خلفكِ علبة التبغ

ثم ارحلي

فقد تشرئبُ النجومُ لموتي

وقد يمنعون هناك الذين يمنعون هنا

ارحلي

انهُ يرشفُ الليل خلف الدقائق في عتبة المنحدر

ليس أجملُ أن لا يعود من الموت

مَن رحل

ليس أجملُ من أن تخوني سريري

ولا تحذري عودتي فجأة كالمطر

ارحلي

ربما الآن ألقى على ظلّه مفردات القصيدة

حيث أرادكِ أن تقرئيها

ربما الآن ألقى على ظلهِ القبعة ْ

ومفتاح شقتهِ المُشرعة ْ

وصورتهُ عندما كان

يحملُ فوق أصابعهِ زوبعة ْ

رسالةُ حُب أتتهُ قديماً بنبراتها الموقعة ْ

وثرثرةً كان يحفظها كي تبوحي بأشيائك الممتعة ْ

ربما الآن يلقي

بأنفاسهِ في الطريق

وينظرُ في غضب نحونا

هازئاً بالدقائق كي تنتهي في عجل

ربما الآن يحثوهُ

ومضُ الأمل

والجمالُ الذي سوف يسحرهُ في المقل

أطفئي موقد النار

ألقي عليه التراب

ودفتر شعري وبعض الصور

لعلكِ تنسين حين تمرين يوماً هنا

كيف كنتُ وكيف تدور وجهي

وتنسين حلماً مضى والقُبل

وتنسين موضع قيدي على معصمي

والجراحُ التي لا تعودُ إلى المعتقل

ارتدي ثوبكِ الداكنُ فهو يعرفهُ

همسهُ في الطريق - هيام الحصى -

عندما تعبرين

هل تذكرين ونحنُ نعود من المكتبة ْ

كان ينظرُ نحوكِ في نشوةٍ مُرعبة ْ

لم تغب عنك عيناهُ

حتى ونحن نسافر في ضجة المركبة ْ

ها أنا أتوسلُ للموت. أن لا يكون رحيماً

فلا أستطيع الصمود

بلا نزوة أو جراح على الجمجمة ْ

انظري نحوهُ

ارحلي

اهربي

ربما كان يحمل سكينةً تحت جلدة معطفهُ

حدثيهِ بموتي

لا تجعليه يرى الخوفَ في رعشةِ القلب

أو في الجراح التي تشبهُ المعجزة

ربما كان لا يحفظُ الشعر مثلي

ولا يعرفُ الموتَ مثلي

ربما كان لا يعرف الفرق بين الضياء والقمر

وبين الحروف والصور

وبين النساءِ والبحر

ربما أنه لا يجيد البكاء ولا الارتجافَ

ولا يعرفُ الشوق عند السفر

ولكنكِ الآن لا بد أن تختفي تحت جبتهِ عن هياج المطر

لا تقولي على جُثتي

ما تقول النساءُ

ولا ما تقول الصغيراتُ عند الوداع

ولا تُخبري أحداً أنني كنتُ يوماً لكِ

أفعلي مثلما تفعل العاهراتُ

اقبضي ثمن الوقت

ثم اغسلي صُورتي عن يديكِ

وعودي كأنكِ لم تتركي للمياه القليلةِ أن تستقر

ارحلي، لا أحب الوداع، ولا الثرثرات على القبر

لا أستطيعُ سماعك تحت التراب

فلا تتركي صوتكِ يستريح على جثتي

ارحلي

إنهُ خلف ظل الحديقة يرمقُ ليلي

يُحدّق حيث سترتجُ روحي

أشمّهُ.. رائحة التبغ من فمهِ

قبّليهِ كما تفعلين بعاداتك المرهفة ْ

وألقي بكل السنين التي كُنت فيها معي

وما قد عرفتِ من السحر في أضلعي

احملي كفّهُ فوق كَفكِ

لا تجعليه يرى خَوفكِ

اتركي ظلّك في ارتجاف التراب وفي هَجعة المُنحدر

حدّثيه كأنك لم تعرفي أنهُ كان خلف الكلام الكثير عليكِ

كأنكِ لم تعرفي

أنه كان خلف الوشاية ضدي

كأنكِ لم تعرفي

انه كان مَنْ ضمَّك بُرهةً في ظلام

الحديقة ثم انصرف ْ

كأنك لم تعرفي

أنهُ كان خلف الرصاصة حين استباحت دمي

حدثيه كأنكِ لم تعرفي

أنه كان مَن أشعل الحقل

مَنْ حطَّم البابَ

منْ سرق السوسنة ْ

حدّثيهِ كأنك لم تعرفي

إنه كان يبحث عنكِ برغبتهِ السافلة

حدّثيهِ كأنكِ لم تلتقي تحت سُترةِ ليل الأحد.

بعينيه تفترسان الذين كان لم يختفِ تحت

زُرقةِ فُستانكِ المُنتهي فوق ركبتك العائدة ْ

حدّثيه كأنهُ قد ولد الآن

أو جاء من سفرةٍ تائهة ْ

اتركيه يهيمُ بكِ كالذئاب

الجريحة حين تعودُ من الصيد في

نزوةٍ مرهقة ْ

اتركيه يَشُمّكِ كالماء حين يعودُ من البرد مرتجفاً

ارحلي مثلما تفعلُ النسوة

واغسلي قلبكِ من جراحي

أطفئي النور، أغلقي الباب

اتركي الموت مثل هبوب الرياح يُحدقُ باللهفة الخانقة ْ

لستُ أعرف كيف سَيُخفي التراب القوافي

ولا كيف يلتهمُ الدودُ قلبي

ولا كيف أحمي عيوني من الرمل فوقي

ارحلي

ارحلي

ربما انكِ قد رحلتِ قديماً

فعيناي لا تُبصران

ربما انكِ الآن تحت الجنون الذي

ضمّ أضلعه من قديم الزمان

ربما تضحكين، ربما تصرخين

ربما تُشعلين له تبغهُ

تسكبينَ أحاديثه بين صومعة القلب و المحرقة

ربما انكِ قد رحلت قديماً

ولم تُغلقي الباب خلفك ، كي يدخل العابرون

ويلقوا برائحتي في التراب

ربما انك قد رحلت قديماً

ولم تُطفئي الموقدة ، كي أظنك قربي

ربما انكِ الآن حيثُ النجوم تقهقهُ في روحهِ السافلة ْ

ربما انكِ لم تقولي وداعاً

ولم تحزني

ربما أنكِ القاتلة.

 

4 آخر الليل:

هل تعبرينَ معي
آخر الليل
حيثُ النجوم التي تتأوهُ
من طرقات المساء
نملئُ سلتنا من ظلام ٍ كثيف ِ
وننظر في خلسة ِ
للقمر
لما يَحُكُ بظهره صخر السماء

 

5 رحلة للمريخ:

غداً

أركبُ أول حافلة ٍ راحلة ٍ للمريخ

لن أصطحب سواي

لن أحمل أمتعة ً

لا أحتاجُ هنالك غير سجائر بيضاء

وقصاصات من شعر عربي

و نجوم ٌ أنثرها في الليل لتفرح أمي

سأسافر ُ للمريخ

سأنام ُ هنالك في الطرقات

سأبولُ على أعمدة الهاتف

سأعلق صوري فوق الجدران

سأسمي حارات المريخ

بأسماء نساء ٍ كنتُ أبادلهن الحب

وأعقاب سجائر مسروقة

وهنالك أغفو طفلا أزليا ً

وأثرثر شعراً عربياً

وأقلدُ قلبي

وأعربد كالبلهاء بأي طريق يفضي لمناراتٍ شتى

الليلة لن أتجول في الطرقات

لن أشرب نخب رحيلي

لن أجلس كالحكماء على قارعة الليل

أفكرُ كيف يكون وداعي

وبأي طريق القي أوهام الكرة الأرضية ْ

سأنامُ الليلة كالأطفال

وأخبئ تحت وسادة ليلي

تذكرتي ونجومي وقصاصاتي

وسجائري البيضاء

 

6 صغيرة:

برفق ٍ تعودين كي تجلسي

كما يجلسُ

الظل فوق الظهيرة

أحسُ بكِ تملئين المكان

وتلقين ثانية قشعريرة

أصابعكِ لا تبوحُ لصدري

بما ستبوحُ الضفيرة

صغير ٌ أنا هائم

أنتشي بجنون صغيرة

 

7ـ س:

ستجيئين الآن

بنفس الطريقة

 التي تجيء بها الحافلاتْ

ستلوكين حكايات معروفة أمامي

ستشعلين سيجارة رخيصة ْ

ستبصقين فوق منديلك ِ المهترئ

ستبعثين لي

خلال طفل جارتي

رسالة مستعملة ْ

ستطلبين بعدها الزواج

سأشترط ُ عليكِ

غسل أسنانكِ الصفراء

... تضحكين

 

8ـ حمقى ميتون:

الذين يموتون حمقى

تموت ُ

تُخلف دفئك َ

ليل أصابعكَ الحالمات ُ

نساءكَ

دفترك المترجل عند الشروق

مياهكَ

تبغكَ

أحرفك المستحيلة ساعة موت الظهيرة ْ

رقصتكَ (بحضور إلا أحد)

معطفك الشتويُّ

شتائم أمكَ

ثرثرة الليلِ

أوعية الحزن ِ

بُعدكَ

قربكَ

أوراقك الحالمات ُ

مواويلك المارقاتُ

خطاكَ

فراشاتك الميتات بدفترك المدرسيُّ
عُرسكَ

تموت تخلف نفسكَ

 

9ـ تموت إذن:

تموتُ إذن هكذا
مثلما ينتهي موعدٌ
مثلما تنتهي قصةٌ
كأن هنالك من أطفأ الهاتفَ
كأن هنالك من أوصد الباب دونك
كأن صديقا مر بنا ثم غادر

 

تموتُ إذن
كأنك َ لم تكُ يوما هنا
فماذا تركتَ وراءكَ ؟
علبةُ تبغكَ
أشياءك التافهاتُ
ملابسك التي لم تسدد أثمانها
صراخك في آخر الليل
طفلتكَ ، حين لم تنتظر لتنجبها
أقوالهم حين يسترسلون مساءً

ما الذي كان يملئ ذهنك َ
حين تركت عشاءكَ .. ثم انسحبت َ
ولم تلتفت ْ

 

10ـ بَلادَة:

لا شيء يثيرُ فضولي
ضجيجُ قطار عابر بشرفتي
سقوط امرأة عارية أمامي
مهاتفة
 من حصان
موتى يقذفون سجائرهم
أخر الليل وصرخاتهم
فتاة وفيّة
نهود مغلفة في البريد
موت زعيمٍ (منتخب) عربي
وأشياء  أخرى كثيرة

 

11ـ  إيلام:

أكثرُ ما يؤلمني في الموت
أن الموتَ

 رحيلٌ دون رجوعْ

وبأني لا أملك ُ

حين يعودون مساءً
ممتلئينَ بغير دموع
أن أملئهم بالخجل المرِّ
حين أفاجئهم

 في شرفة ِ بيتي
اكتبُ شعرا كالعادة
لكن ....بفؤاد ٍ موجوع

 

12ـ التحقيق:

اعترف ْ

اعترف ْ

كانت الريحُ تلعقُ وجه المحقق

في نشوة ٍ تختلف ْ

والمساء ُ العتيق ُ

حذاء ُ مراهقة ٍ ترتجف  ْ

كنت ُ أبكي

وكانت دموعي

رجال  تمنوا على الموت

أن ينصرف ْ

لم أمت

عاد قلبي إلى قلبي صمته

واستحالت أناشيدهُ لعنة ٌ تَقترف ْ

اعترف ْ

اعترف ْ

ليس إلا عظامي وصرخاتهم

اعترف

 

13ـ أحلام العبد الآبق:

الليلة ُ تهتز ُ ذئابُ الخمر بروحي

الليلة ُ تعتل جبالي

وتئن سفوحي

الليلة ُ تنقض الساعات ُ بدوني

الليلة ُ ترتجُ الجدرانُ بقلبي

ويجن جنوني

الليلة ُ ليس سوانا،

ولهيب الرغبة ِ يجتاح ُ كلانا

أنت ِ و أنا

وبدون كلاب الصّيد

وبدون رجال في أيديهم صدأ القيّد

لا شيء هنا

لا ضحكات  خلف ستار الليل ْ
لا عربات عابثة  بجنون الخيل ْ
لا حراسا يرتجفون لتعبير يديك ِ

لا شيء سوى ريحٍ جاثمة

كالقطة تلعقُ نعليكِ

الليلة أشتاقُ الليكِ

الليلة تستلقين كعابرة ٍ ضجت أفواه النوق ْ

الليلة أنتِ تئنينَ  كقطعان ٍ تلهث ُ في السوق ْ

مولاتي

أعرفكِ

أعرفُ كم حرفا ً بالغةِ العربية

يُعجبكِ

أعرفُ كما نفسا ً تحتاجينَ لضحكتكِ الأولى

 

أعرفُ كيف يدبُ بعينيكِ القناصيّنَ سبات ٌ تُرخين َ له كالمهرةِ أن يتسلق جدرانكِ  أعرف ُ أحزانكِ

أعرفُ انكِ قاسية ٌ كالصخر الجامد

وبأن أصابعكِ السمراءُ جداول من ماء بارد

 

(العبد الآثم قالت أمي من ينظر في عيني سادته النجباء

العبد الآبق صاحت أمي حين رأتني ألثمُ حيث ُ تُزيحينَ أناملكِ بشرودٍ وجه الماء . مولاتي.. أمي عبدتكِ السوداء ...

.. ماتت خلف دجاجات ٍ أطلقها الصبية ُ ذات مساء

تنسين ...َ أجل تنسينْ

.. هذي عادات النبلاء)

مولاتي .. الفجر ُ .... أفيقي

 

14ـ أبحث عني:

أبحث ُ عني

أُفتش ُ بين المقاعد عَليّ سقطتُ

 هنا أو هناك

أثرثر عبر النوافذ

أمنح ُ جائزة للذي قد رآني

أقلّبُ وجه الجريدة ِ

 علِي أرى صورتي

في وجوه الذينَ مضوا

 ثم لم يرجعوا

أُقررُ عفوا عن الخاطفين

أبكي على غيبتي

 

أخطُ جوابا لأمي أسائلها

 كيف كنتُ

وأي الملامح كانت لوجهي

 

أبوء بذنبي

أتوبُ قليلا عن العيش

أتوب عن الموت أيضا

أجلس ممتطياً شرفتي

أفكرُ كيف يكون اللقاء

وما سوف أصنعُ

 في عودتي

أُعِدُ فراشين لي

 

لعلي أراني إذا جئت ُ أغفو بقربي

أفتش ُ ليلي

لعلي أراني إذا جئت ُ في الليل مختفيا

كي أنوء بحلمي

كقطٍ بقلب الخزانة أغفو

أُنقرُ رأس الثواني بضفري

لعل هسيس المفاتيح ينبئ عني

 إذا جئت بيتي

أبلغ ُ عند النيابة ِ عني

أزعمُ أني سفكت ُ دماءً

وأني قتلت ُ نساء ً

وأني حلمت ُ بزوجة غيري

ولكنهم أخبروني بأني قُتلتُ

وأن الكتاب الذي كنتُ أحملهُ

قد تناثر حولي

 

15ـ  الجدار:

بعيدٌ كلامُ الصبيحة

ثرثرةُ الناس عند الطعام ِ

أصوات قهقهة البرد بين الوجوه

مرتطمٌ بالجدار كلامكَ

الذي طرقَ البابَ

أخطأ بالبابِ

والهاتف ُ المتسكعُ ملَّ التقلب

فوق الفراشِ

تخجلُ أنكَ لا زلتَ تحيا

و لا زلتَ مثل الصغار

تفتشُ بين الركام

وتحلمُ

علّ مراهقة قد تود الرحيل إليك

كنتَ حبيبا

وكنتَ صديقا

وكنتَ تسافرُ بين الحروب

وتحمل وردا

وتكتبُ اسمكَ أسفل بيت من الشعر

تذكرُ أنكَ خفتَ قليلا

وراء الطريق

وأنكَ يوما غدرتَ

ولم تكُ تدري

بأنكَ لستَ كما يحلمُ الصبيةُ

يقاسمكَ الخجلُ الباردُ

تتصفحُ أنت وطاولة الأكل

بعض السنين

تُحصي حبوب الدواء

تفصلُ بين الحبوب التي شكلها مستديرٌ

وبين التي شكلها دائريّ

يقابلكَ البردُ في زيهِ العسكريّ

يلهو بأسنانكَ المستعارة

يقتربُ الليلُ

أنفاسهُ من رمادٍ

... 

يغيبُ الجدارُ

 

16ـ تستطيعين:

تستطيعينَ قتلي

كما تفعلين بكرّاسةِ المدرسة

وتُرخينَ أستار نافذة ٍ

عبرها كنتُ أبحرُ لليابسة

 

تستطيعين قتلي

كما تفعلين بفنجان قهوتكِ

في الصباح

كما تتركينَ عباءتكِ للرياح

كما تفعلين بمنديلكِ الورقيُّ

إذا ما انزوت فوقه بصمات الشفاه

تستطيعين قتلي

وأنت تزيحين عنك رياح الشتاء

تستطيعين قتلي

هذا المساء

 

17ـ  حيث أنت:

حيث أنت ِ هناك
تلالٌ من العمرِ،
أقبية ُالا مكان ،
فضاءٌ يُقاسُ بما تستشفُ الحروفْ
صوت خطى ً بانتظار المسافر،
صمتٌ يُحاصر ثغر البريء،
كلام ٌيُقال بلا كلماتْ

...
حيث أنتِ  هناك
أوجُهُ اللحظة المستباحةِ عند الصلاةْ،
روتين أيامنا،
فنجانُ قهوتنا المتساهلُ
ثرثرة عادة لا نبوح بها للجميع


بعض الذين أُحبُ
ولكنكِ لم تحبينهم،
قصة الذكرياتْ
رقصةُ العائدينَ من الحربِ،
دهشة الميتين بأحبابهم
تمتماتُ التراب لوقع ارتطام المطر،
فزعة ُ الطينِ في عَبرةِ الحافلاتْ
ح ي ثُ  

ا ن تِ  

ه ن ا ك

 

18ـ خلف الظلام:

لا تُضيع زمانكَ  حتى يُحبكَ من لا يجبكَ
هذا أوانكَ
فتش هنالك عن آخرين
خلف الظلام الذي يتجمعُ
كالماء في سِكة العابرين
لا بد من آخرين
هناك تطل عليهم بريئا
تُحيي صباحاتهم
تساعدهم عندما يقطعون الطريق
تعبئ عينيكَ بالحب حين
يمرّون قربك َ
تقرأ شعرا لسيدة تستريحُ
بزاوية الظل قبل بلوغ النهار
توشوشُ سرّكَ مبتسما
عندما ينحونَ وهم يرفعون لأجلكَ
أبصارهم
تتركُ مقعدكَ  ،
لأجل فتاة ٍ

تحملُ طفلا
وسلة قش ٍ
وتنحوا بوجهكَ صوب البراءة  
لا أحد في الطريق يشير إليك  
فألق على غفلة الدرب  

أشياءك َ

.... وفتش بعيدا عن الآخرين

19 ـ عندما كنت حجرا:

مرّة ً
كنت ُ حجراً بزاوية ٍ
في الطريق
كان لي يومها جسد ٌ
وكانت ملامحهُ قاسية ْ
وكنت ُ ككل الحجارة ِ
أملكُ عينين بنيتين
وشعرا ٌ شبيه الهواء
وصوتٌ
يقرأ أسراره النملُ
مرّة ً
جلست امرأة ٌ عليّ
ومرّة ً ركلتني
ليتني بقيتُ حجرا ً
ليتني

 

20ـ قرار:

سأعتزل ُ الحب في الأربعين
واجلسُ خلف المدينة
في كوخيَّ الخشبيّ
بلا أصدقاء
أبث ُ رسائل شكر ٍ
لكل اللواتي بقين َ
إلى آخر العمر قربي
ولم ينهزمن أمام تجاعيد وجهي
ولم يرتجلن الهروب

سأعتزل الحبَ
واجلسُ مثل شيوخ القبائل
في خيمتي
متكئا فوق قلبي
وحينَ يمرُّ بي العاشقونَ
اصبُ لهم قهوتي المُرّةُ
وأنصت مثل الأطباء
فيما يبوحون لي بانكساراتهم
وحين أودعهم في المساء
اصطنعُ البسمة َ الواثقة
كما يفعلُ القادة ُ قبل أن يهزموا


سأعتزل الحب مثل نجوم الكرة
والعب ُ ماتش اعتزالي
ثم ألوح للجالسين على شرفات المقاعد
زهواً
كما تفعلُ المطربات واخفي انفعالي
سأعتزلُ الحب وحدي
وأعلن مؤتمراً صحفياً
أقررُ فيه انسحابي
سأعتزلُ الحب
في 7_1_2014

 

21ـ مشاريع:

أنا

لا أفكرُ في الموت

هذا العام

لا زال  لدي مشاريعٌ كثيرة ْ

أفكرُ بامتلاكِ جزيرة ٍ

بمكان ٍ ساحر

أرغب ُ بتعليق صورتي

بمتحف اللوفر

أحيانا أخطط لانقلاب عسكري

أنا مشغول ٌ هذا العام

ربما

في العام القادم

 

22ـ المقعد:

التقتا

على مقعد خشبيّ

عاريتان تحت ثوب مرمري

مظلم ليل المدينة

عبر نافذة ٍ

أضاءت في سياج لولبي

... ساقاكِ

 

23 ـ مؤامرة:

تُحاكُ مؤامرة ٌ

يستنشقُ القط ُ

رائحة بمسمى الصداقة ِ

يستهجن البابُ زوّارهُ

أرفف الزينةِ

أحمرُ الشفتين

جثة ٌ فوق سفح السرير

لكنةُ الباب

خطى هاربة ْ

 

24  ـ موتى:

في الصباح
يَخرُجُ الموتى إلى أعمالهم
يشربون الوقت في ظل انتظار الحافلاتْ
يلعنون الطقسْ
ينزعون الوحل عن أكفانهم
يعرفُ الموتى
مواقيت الرحيلْ
تُنبئُ الأجراسُ ثانيةً على زمن الرحيل
يخرجُ الموتى من الأبواب
تنتهي الأيامُ في أيامهم
يلعنون الطقسْ
يشربون الشاي في مقهى قريبْ
يرمقون الظل في موت المغيب
يمسحُ الموتى نُقاطَ الشاي عن أكفانهم
يلعقون الشمس في وهج
انتظار الحافلات
يلعنون الطقس
يُشعلُ الموتى لفافاتٍ من التبغِ الرخيص

يركلون الريح

يصعدُ الموتى إلى أقرانهم،
والحافلاتْ
تخبرُ الموتى مواعيد الرحيل
في المساء
يسكُنُ الموتى إلى زوجاتهم
يغسلون الريح عن أكفانهم
يلعنون الطقس
تصرخُ الاجراس من جديد
يخرجُ الموتى الى أعمالهم

 

25ـ فنجان قهوة:

أتعلمين عندما تجلسينَ

مثل قطةٍِ صغيرةٍ أمامي

تُحدقينَ في ملامحي   وتَسرحينَ في كلامي

وتغرقينَ مثل قشة

بقطرة الغمامِ

أتعلمينَ يا جميلة العينين

 يا طويلة القوام ِ

انكِ وأنت  تسكبين قهوتي

..تصاعدَ البخار من عظامي

 

26 ـ وليد:

كأنني وليد ْ

أو ربما ولدتُ من جديد ْ

وهذه السنين كلها مضت

دون أن أحس ما أريد ْ

 

الشرفة ُ والشارع الضئيل

موعد الغروب

ضحكة الصغار

لكنة العجوز حامل البريد ْ

كأنني روايةٌ

قرأتها

أو ربما سمعتها

جرت هناك في البعيد ْ

أو ربما

أنا وليد 

ولدت من جديد

 

27 ـ عتمة البهو:

أمسُ أتيتَ ؟
أم أنكَ الآن لا زلتَ
في عتمةِ البهو
تهم ُّ بقرع السلام ِ
(فيجفِلُ قط ٌ غفا في ظلام الممرِّ(
إذن فانتظر
عَلني أتفاجئُ حينَ أراكَ
تساقط َ عنك َ الظلامُ
كماء الغسيل

 

28 ـ ماجدولين:

أنتِ

لا يملكُ البحرُ أن تعبريه ِ

ولا تملكُ الريح ُ أن تسترد خطاكِ

ولا يملك العابرون أمامكِ

غير التوسلِ من تشبهينَ؟

لا تشبهين سواكِ

 

أهالُ

 كأن الحروف على غيّها تتجمعُ

كي تعبرينَ بها في فضاكِِ

وأن الملابس لم تشتريها

ولكنها سقطت فوق رمانتين

لتعلو برونقها في سماكِ

تُطلين كالظلِّ في ريقكِ لكنةُ المستحيلُ

من تشبهينَ ... لا يشبهُ المستحيلُ سواكِ

 

29 ـ علبة التبغ:

تُخبئ عينيكَ حتى يُقال بأنك َ لست َ الذي يعرفُ البحر َ
وتصمتُ فيما الحروفُ
تحومُ قبالة شباككَ خافت الضوء ْ
ليس لأجلكَ تُشرقُ شمس السماء
و لا الليل يهبط ُ حتى تنامَ
فألقي شِباكك َ في البحر
ثم انسحب
لا الصباح الذي أنت تركله
ممتع ٌ
ولا السيداتُ اللواتي تركتَ لهن قليلا من الماء قبل الوداع
بقارورة،
ممتعات ْ
فهيا انسحب
لا تودع سوى علبة التبغ
ذاك الذي يتأنقُ
ليس يريد السلام
وتلك التي قد تركتَ عليها لعابكَ
لم تُبقِ منك َ
سوى الذكريات ْ
لا تودع سوى علبة التبغ
لا تودع سوى علبة التبغ ...
....

ثم انسحب

 

30ـ صباحكِ:

عيناكِ الوقحتان ِ
وفنجانُ القهوةِ
والشرفة ُ التي تحملك ِ كحبيبٍ ملتاع ْ
هذا الصباحُ متفرغ ٌ لملاطفتِكِ
تعرفينَ ذلك
لهذا تسمحينَ لأنفاسهِ العليلة أن تلفَحَكِ
فيما تستلمينَ على المقعد الخشبي
تحت ثقل الضوءْ
وتعضينَ {كما تفعلينَ بقفازتيكِ}
على لفافةٍ بنيةٍ رفيعة ..
وتبتسمينَ
وأنت تَشرُدينْ

 

شاعر من الأردن

 

سيرة أدبية

 الاسم مثنى عبد الرحمن احمد حنايشة

اسم الشهرة مثنى حامد

الجنسية أردني

تاريخ الميلاد 7_1_1974

أمارس غواية الشعر منذ وقت لا أذكره، وأنا  اعتبر نفسي في الأساس شاعرا على الرغم من ممارسة غوايات أخرى. غواية القصص، غواية الرواية، غواية المسرح. اقتحم من حين لآخر عوالم الفلسفة والنقد الأدبي. حيث تملؤني أسئلة الوجود والعدم وإشكالات الخيال. درستُ العلوم الشرعية على أيد أكبر العلماء في بلدي خصوصا علوم الفقه والحديث والأصول. مهتم باللاهوت المسيحي وبمذاهب الهرطقة المسيحية، وتشغلني سمات التوحيد بكل الديانات على الأرض.

مؤلفاتي

ــ يوشك أن يصدر لي ديوان شعر بعنوان الدقائق الأخيرة قبل الموت

ــ أنت شعر مخطوط

ــ استغراق قصص قصيرة مخطوط

ــ العقل النمطي كتاب لم يكتمل