بَعدَ نَومِ الأذكياءْ..!!

في رحيل محمود درويش

نصر جميل شعث

يَمشِي، يُسَلَّمُ باللسانِ على مَعارفهِ القْدامَى:
هلْ تُصدّقُ أنّ مَنْ رَدّ السلامَ، الآنَ، حَمْزة ـ
إبْن صَفّي سابقاً!
هُو عاملٌ في الأمنِ، مَكّارٌ،
تزوّجَ، قبلَ أعوامٍ، مُديْرةَ مَدْرَسَهْ!
أولادُها في سِنّ أولادي الثلاثةِ. طيّبونَ
وأذكياءُ بعَكْس "فهمي":
إسْمه الثاني المُسجّل في الوثائِق:
كالهُوية، أو على عَقْدِ الزَّواج ومُنحنَى الخاتمْ؛
على هذا الجدارِ الداخليِّ،
ولِصْقَ خَطِّ جِراحةٍ في جِلدَةِ الإصبعْ.
لنا بنتٌ تجَرّبُ حُسنَهُمْ.
هُمْ مِثلُ أوْلادِ "الخواجا"
يكنزُونَ الوقتَ في الساعاتِ من أجل النجاحِ،
ويَصلحُونَ إلى القيادةِ في سلاح الجوّ، والمارينزْ.
يَمشونَ أسيادَ التَّصَرّفِ؛
مُولعونَ بموضةِ الأنثى، وتغييرِ الهواتفِ،
والقراءةِ عَنْ طرازِ النهدِ والسّرَطانِ
في صدرِ المجلاتِ الخفيفةِ،
كالشِباشبِ في مَنالِ الأرْجلِ المُستعْجِلهْ.

هُم أذكياءٌ في الأسَى.
مُتصالحونَ مَعَ القواعدِ، أوْفياءُ إلى الحديقةِ،
واقعيّونَ اكْتفوا بمِثالِهمِ في الهندسهْ.

يتأمّلونَ الليلَ في امْرأةٍ على سِدْرَهْ.
هنا، يَتوصّلونَ ـ بِعصْفِ ما في الذهنِ ـ للمنطقْ:
إذنْ، شكلُ القصيدة آنسهْ!!

يَمشي، ويَخجلُ حينَ تَعْبُرُ رائحهْ.
وكَمَنْ يُداري شَمْعةً، في البيتِ، يكشفُها
أمامَ تَصَوُّراتِ الفنّ والكيفيةِ المُتوقَُدهْ.
مُستَعْجلاً... يَمشي، يَطير لرَبّةِ المعنى البطوليّ البسيطِ،
حَماسَةُ الجنديِّ تَطفحُ كالهواءِ من المَرَاوحِ في الخطى.
ما اعْتادَهُ، بالحَدْسِ، ألا يُوقظَ الإحساسَ
بالمرآة والظلّ المُوزّعِ في الزوايا والخزانةِ،
خارجَ الدرْفهْ ـ
يُلاطفُها بَعيدًا عَنهُما، كي لا تغارَ الفلسَفَهْ.
أو أنهُ رَجُلٌ يَغارُ مِنَ المَرايا ـ
المَرايا لا تنامُ، إذًا، تَعاليْ نَنْحَنِي للعاصفهْ.

يُؤْتى الكفاءةَ مِنْ نِظامِ الصَّدرِ والمكْياجِ..
ألسِّنسَالُ مِثل مَجَرّةٍ، في العنقِ، يَسْحَلُ كالوصيّة مِنْ فَمِهْ.
هلْ ماتَ؟ هلْ أوْصَى أحدْ؟
يَرمي يَدَيْهِ إلى النظامِ كَمُدْخَلاتٍ في بَلاطِ الفرنِ ـ
يا فنّ السياسة في الجسدْ!!
يَحسُو الحَرارةَ من مياهٍ لا تكُفُّ،
تكفّهُ الأنثى: حبيبي، بعدَ نومِ الأذكياءْ!

رجلٌ يَقولُ لِصَاحِبِهْ:
دافعتُ عَنْ نفسي وعَنْ إبْني أمامَ القَصْفِ في التلفاز،
بالريْموتِ.. والأنثى المُراقَةِ في الأريكةِ كالفراءِ، وبالغرور تظاهَرَتْ.
قد كانَ ما يَكفي لإرْواء النعاسِ؛ رأيتُ
في النومِ، العراقَ سفينةً في مُشكلهْ؛
صَابونةً بيضاءَ تفلتُ مِن يديْ في المَغسلهْ.

في الشمسِ أرْحلُ كالندى عَنْ إِسْمِها.
الشرشفُ المَرئِيُّ، عَنْ عَيْنيّ، يَحْجُبُ نِصفَهَا،
ويَبينُ لي عِنْ كتْفها ـ
وَطَنِ المَلاكِ. فَمي على الحَسَناتِ، هذا الصبح، يَجري
قبلَ أنْ يَمشي يُعرّفُ نَفْسَهُ بِلسانِها!
حَيويّةُ الأسلاكِ في مَجرى دَمِهْ.
يَمشِي.. وداخلُهُ يُخرْخشُ مثلَ كيْسٍ في الهَواءِ،
لكثرة التدخين، مع بَعضِ الأسفْ!
كيْسُ الهَواء يُحرّضُ الشِّعرَ الحديثَ،
لكي يُعرّفَ نَفْسَهُ للنافلهْ.
يَمشِي.. يُزعْزعُهُ انْفلاتُ حِذائِه أوْ زِرّهِ ألمنتصفْ.
فورًا، يُخبِّئُ في اليمينِ وجودَ خاتمِهِ اليَسارِ،
مِنَ السنين، عن الصبايا في الصُّدَفْ!
يَمشِي.. يَرى في البحْرِ سَيّدة ً، يُهَلَُلُ: يا إلهَي في الكُرَهْ!
يَتدخّلُ اللهُ الحفيظُ، بِسُرعةٍ، يُنسيهِ صُندوقَ السجائرِ
في مكانٍ في الوجودِ أو العَدَمْ.
يَمشي.. يُخَجِّلُ بالشفاه وبالعيونِ صبيّةً فرحَانةً بعَجينِها ـ
خبزِ المُراهق في تنانيرِ الخيَالْ.
رجلٌ يُفكّرُ في الرواياتِ الرفيعة،
في قضاء اليومِِ، بعد ذهابِها للأهلِ، مع صُوَرِ القيافةِ
واللطافةِ في تقاسيم الخَزَانةِ. ما يراه يَقولهُ
كشكايةٍ صُغرى لِصاحبهِ النَزِقْ:
دَوّخْتُ رأسي بالتأمّلِ في مَلابسِها الصَّغيرةِ
ألمُصَفَّفَةِ احترامًا للمشاعرِ والخزانةِ والعَمَلْ.
وسياسةُ المعنى لديْها:
ألفُ عَيْن للرَّجُلْ!!

شاعر وناقد من فلسطين