دعوة لقراءة مختلفة لنتاجه
درويش... شاعرا كونيا
أرى من المناسب أن أقول الآن: إن الشاعر الكبير محمود درويش من الشعراء الذين ظلمتهم وسائل الإعلام حيث ركزت على جانب معين من شعرهم وهو الجانب المتصل بالقضية الفلسطينية, رغم إن هذه القضية حققت له إنتشارا واسعا ولكنها ضيقت على مساحة التأويل في شعره, فدرويش ليس فقط شاعر قضية أنه شاعر تغنى بالإنسان وآماله وأحلامه وتطلعاته, وتغنى بالحب والجمال والطبيعة ولكن وسائل الإعلام وضعته في تلك الزاوية خدمة للقضية لا له رغم إن العديد من الشعراء عرفوا بإنتمائهم الى قضايا أوطانهم كالتشيلي بابلو نيرودا والإسباني لوركا والتركي ناظم حكمت والروسي مايكوفسكي, لكن هذا الإنتماء لم يجعل النقد يقرأ نتاجهم بشكل متعسف, ناهيك عن النقد يجب ان يوجه وسائل الإعلام لا يجري خلفها كما هو حاصل معنا!!! إن النص الدرويشي ينبغي ان يقرأ بشكل أعمق مما قريء, فهو ينفتح على دلالات متعددة ومعاني كثيرة لم يلامسها النقد الا لماما ذلك لأن أفق التوقع كان محصورا في زاوية معينة هي زاوية الشاعر الفلسطيني بكل مافي هذه الزاوية من املاءات يضعها الظرف والجمهور قبل الشاعر ثيمة الموت, على سبيل المثال, التي ركزت عليها وسائل الاعلام بعد رحيله سواء في شعره او احاديثه جعلتنا نفاجا إن هذه الثيمة تتكرر كثيرا في شعره, أكثر ماكنا نتصور بحيث يمكن عد درويش من الشعراء الذين طرقوا باب الموت في نصوصهم مثلما طرقه من قبل الشاعر بدر شاكر السياب الذي عده درويش واحدا من الشعراء الذين تاثر بهم الى جانب نزار قباني وسعدي يوسف في حوار تلفزيوني اجري معه ببغداد اواخر السبعينيات واشار الى هذا في حوا عبده وازن معه الذي نشره في كتاب "الغريب يقع على نفسه" حيث قال "في البدايات كنت اعرف السياب جيدا والبياتي ونزار قباني وغارثيا لوركا وبابلو نيرودا" مشكلة درويش انه عاش اسير بدلة الشاعر الفلسطيني التي كانت ضيقة على مقاسه ووضع في غرفة صغيرة رسم حدودها الظرف التاريخي والمرحلة التي عاش في اتونها وباركتها وسائل الاعلام والجمهور ووجد النقاد انهم اسارى المشهد الذي ساهمت بصنعه كل تلك العناصر فكان شاعر المقاومة ـ اطلق عليه هذا اللقب هو وسميح القاسم وتوفيق زياد الناقد الراحل رجاء النقاش ـ كانت موهبته اكبر منهذه الاطر حتى انه اختنق بوصفه الشاعر الفلسطيني حيث اعتبر قراءته وفق هذا الوصف باللعنة ذلك,كما قال لجريدة البديل نحن نعرف ماذا يقول وماذا سيكتب وماذا سيرفض؟ هذا التوقع القاسي يضع الشعر الفلسطيني في زاوية فيقدم بهويته ويعرف بقضيته وليس بابداعه الشعري وهكذا يقر درويش ان بعض النقاد عملوا على محاصرة النص الفلسطيني وهكذا حوصرت تجربة درويش. فحين نصغي الى نص له فاننا نتوقع سلفا او نهيء انفسنا للاصغاء لقضية واحدة هي قضيته ونظل نبحث في النص عن قشة نتعلق بها كمفردة شهيد او وطن او رصاصة وهكذا ظلم درويش, ظلم الشاعر الكوني به الشاعر الذي طرح اسئلة كبيرة في شعره ورسم صورا لماوراء الاشياء في واحدة من أجمل تجلياته عندما كتب نصا رؤيويا مذهلا واعني "الجدارية": ارى السماء هناك في متناول الايدي ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب طفولة اخرى ولم احلم باني كنت احلم كل شيء واقعي كنت اعلم انني القي بنفسي جانبا واطير سوف اكون ما ساصير في الفلك الاخير أو الشاعر المفكر الذي يتامل الموجودات وينشيء دوائر صغيرة تكبر شيئا فشيئا ملتقطا تفصيلا صغيرا مسقطا عليه رؤى متعددة: حين تطيل التامل في وردة جرحت حائطا وتقول لنفسك: لي امل في الشفاء من الرمل يخضر قلبك حين ترافق انثى الى السيرك ذات نهار جميل كايقونة وتحل كضيف على رقصة الخيل يحمر قلبك حيث تعد النجوم وتخطيء بعد الثلاثة عشر وتنعس كالطفل في زرقة الليل يبيض قلبك حين تسير ولا تجد الحلم يمشي امامك كالظل يصفر قلبك الان وقد ادى درويش واجبه نحو قضيته ووطنه وشعبه علينا ان نقرا درويش من جديد لنبحر معه في تاملاته ونصغي الى جمالياته فسنجد اننا ازاء شاعر غنى للحب والجمال والكون والانسان لذا فهو شاعر كوني قبل ان يكون شاعر مقاومة. شاعر عراقي مقيم في مسقط
أرى من المناسب أن أقول الآن: إن الشاعر الكبير محمود درويش من الشعراء الذين ظلمتهم وسائل الإعلام حيث ركزت على جانب معين من شعرهم وهو الجانب المتصل بالقضية الفلسطينية, رغم إن هذه القضية حققت له إنتشارا واسعا ولكنها ضيقت على مساحة التأويل في شعره, فدرويش ليس فقط شاعر قضية أنه شاعر تغنى بالإنسان وآماله وأحلامه وتطلعاته, وتغنى بالحب والجمال والطبيعة ولكن وسائل الإعلام وضعته في تلك الزاوية خدمة للقضية لا له رغم إن العديد من الشعراء عرفوا بإنتمائهم الى قضايا أوطانهم كالتشيلي بابلو نيرودا والإسباني لوركا والتركي ناظم حكمت والروسي مايكوفسكي, لكن هذا الإنتماء لم يجعل النقد يقرأ نتاجهم بشكل متعسف, ناهيك عن النقد يجب ان يوجه وسائل الإعلام لا يجري خلفها كما هو حاصل معنا!!!
إن النص الدرويشي ينبغي ان يقرأ بشكل أعمق مما قريء, فهو ينفتح على دلالات متعددة ومعاني كثيرة لم يلامسها النقد الا لماما ذلك لأن أفق التوقع كان محصورا في زاوية معينة هي زاوية الشاعر الفلسطيني بكل مافي هذه الزاوية من املاءات يضعها الظرف والجمهور قبل الشاعر
ثيمة الموت, على سبيل المثال, التي ركزت عليها وسائل الاعلام بعد رحيله سواء في شعره او احاديثه جعلتنا نفاجا إن هذه الثيمة تتكرر كثيرا في شعره, أكثر ماكنا نتصور بحيث يمكن عد درويش من الشعراء الذين طرقوا باب الموت في نصوصهم مثلما طرقه من قبل الشاعر بدر شاكر السياب الذي عده درويش واحدا من الشعراء الذين تاثر بهم الى جانب نزار قباني وسعدي يوسف في حوار تلفزيوني اجري معه ببغداد اواخر السبعينيات واشار الى هذا في حوا عبده وازن معه الذي نشره في كتاب "الغريب يقع على نفسه" حيث قال "في البدايات كنت اعرف السياب جيدا والبياتي ونزار قباني وغارثيا لوركا وبابلو نيرودا" مشكلة درويش انه عاش اسير بدلة الشاعر الفلسطيني التي كانت ضيقة على مقاسه ووضع في غرفة صغيرة رسم حدودها الظرف التاريخي والمرحلة التي عاش في اتونها وباركتها وسائل الاعلام والجمهور ووجد النقاد انهم اسارى المشهد الذي ساهمت بصنعه كل تلك العناصر فكان شاعر المقاومة ـ اطلق عليه هذا اللقب هو وسميح القاسم وتوفيق زياد الناقد الراحل رجاء النقاش ـ كانت موهبته اكبر منهذه الاطر حتى انه اختنق بوصفه الشاعر الفلسطيني حيث اعتبر قراءته وفق هذا الوصف باللعنة ذلك,كما قال لجريدة البديل نحن نعرف ماذا يقول وماذا سيكتب وماذا سيرفض؟ هذا التوقع القاسي يضع الشعر الفلسطيني في زاوية فيقدم بهويته ويعرف بقضيته وليس بابداعه الشعري وهكذا يقر درويش ان بعض النقاد عملوا على محاصرة النص الفلسطيني وهكذا حوصرت تجربة درويش.
فحين نصغي الى نص له فاننا نتوقع سلفا او نهيء انفسنا للاصغاء لقضية واحدة هي قضيته ونظل نبحث في النص عن قشة نتعلق بها كمفردة شهيد او وطن او رصاصة وهكذا ظلم درويش, ظلم الشاعر الكوني به الشاعر الذي طرح اسئلة كبيرة في شعره ورسم صورا لماوراء الاشياء في واحدة من أجمل تجلياته عندما كتب نصا رؤيويا مذهلا واعني "الجدارية":
ارى السماء هناك في متناول الايدي ويحملني جناح حمامة بيضاء صوب طفولة اخرى ولم احلم باني كنت احلم كل شيء واقعي كنت اعلم انني القي بنفسي جانبا واطير سوف اكون ما ساصير في الفلك الاخير
أو الشاعر المفكر الذي يتامل الموجودات وينشيء دوائر صغيرة تكبر شيئا فشيئا ملتقطا تفصيلا صغيرا مسقطا عليه رؤى متعددة:
حين تطيل التامل في وردة جرحت حائطا وتقول لنفسك: لي امل في الشفاء من الرمل يخضر قلبك حين ترافق انثى الى السيرك ذات نهار جميل كايقونة وتحل كضيف على رقصة الخيل يحمر قلبك حيث تعد النجوم وتخطيء بعد الثلاثة عشر وتنعس كالطفل في زرقة الليل يبيض قلبك حين تسير ولا تجد الحلم يمشي امامك كالظل يصفر قلبك
الان وقد ادى درويش واجبه نحو قضيته ووطنه وشعبه علينا ان نقرا درويش من جديد لنبحر معه في تاملاته ونصغي الى جمالياته فسنجد اننا ازاء شاعر غنى للحب والجمال والكون والانسان لذا فهو شاعر كوني قبل ان يكون شاعر مقاومة.
شاعر عراقي مقيم في مسقط