درويش ومعلقة العصر الحديث
حين جاء محمود درويش قبل سنوات إلى المغرب، ليقرأ على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط، قصيدته المطولة جدارية، حج الآلاف من الناس إلى هناك، كان قد خرج للتو من تجربة القلب الفريدة التي أعطت هذه المعلقة الحديثة... قال لي صديق يومها مزهوا كأنه من كتب القصيدة: يا للعجب، معظم الشعراء يفتحون الأبواب على اتساعها ولا يظفرون بعُشر هذا العدد من المتحمّسين للقصيدة، لكن نصوص درويش لا تبدل مجهودا للوصول إلى القلب لأنها أصلا موجودة بداخله. وقالت مذيعة التلفزة في أخبار المساء(على غير عادتها أيضا): من قال أن الشعر لم يعد له جمهور؟ لقد حج اليوم آلاف من الناس إلى مسرح محمد الخامس للاستمتاع بشعر محمود درويش. طوال تسعين دقيقة، قرأ درويش جداريته، وكان يفصل بين المقاطع تصفيق حاد قوي، يستغله الشاعر المتعب ليرفع كأس الماء ويشرب قليلا ثم يعود إلى المقطع الجديد، تسعون دقيقة وهو يقرأ ونحن نستمع بهدوء دون حركة أو كلمة ،ولم نلتقط أنفاسنا إلا حين انتهى، حيّى الناس الذين وقفوا احتراما له، وعاد عبر باب خلفي ليرتاح، حين التفتنا التقطت أبصارنا بشرا كثيرا لم يجد مكانا يجلس به. خارج المسرح، كان أيضا بشر كثير... هذه صورة محمود درويش، في المغرب. لم يحقق شاعر مغربي أو عربي إجماعا، في المغرب، مثله، استماعا وقراءة، ففي كل المدن والبوادي، يعرفه الكبير والصغير، السياسي والمثقف والمواطن البسيط، وكان درويش يبادل المغاربة حبا بحب، ولا يتخلف عن زيارتهم كلما دعوه، ولا أعتقد أن قضية فلسطين هي ما أعطته كل هذه القوة، إذ أن هناك العشرات من الفلسطينيين والعرب الذين كتبوا عن فلسطين دون أن ينالوا شهرته الكبرى، ودون أن يحضوا بالبصمة الخاصة التي جعلته رائدا، وجعلت من قصيدته سلطة... لقد انتهى زمن الأساطير،هذا ما نقوله عادة بالنظر إلى أن ظروفها لم تعد متيسرة، كل شيء أصبح مكشوفا، وبالإمكان تلمسه والاقتراب منه، لكن درويش كسر القاعدة،وحقق الأسطورة حتى قبل رحيله، ولعل السنوات القادمة ستجعل من تجربته القوية نبراسا يضيء الطريق إلى المستقبل والأمل، ويرفد اللغة العربية بعناصر جديدة سينتبه لها الدارسون ويمعنوا في تأملها وقراءتها. وبمناسبة هذا الكلام، لقد قيل الكثير عن شعره، وكتب عنه الكثير من النقاد، واعتبر الكثير من القراء تجربة درويش مع الموت، ككل الشعراء الخالدين عبر الزمن، معطاءة، لأنها أنتجت قصيدة عملاقة، رسالة وداع تأجّل قليلا ثم صدق وعده... لكن المطلوب ،خارج مفردات التأبين، أن تُضاف جداريته إلى جانب المعلقات العربية الشهيرة ليدرسها الطلبة في الجامعات والمعاهد، إذ لا شك أنها رغبته، التي إن تحققت، ستفيد اللغة العربية وتزيدها قوة وتطورا، يرحمه الله...
حين جاء محمود درويش قبل سنوات إلى المغرب، ليقرأ على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط، قصيدته المطولة جدارية، حج الآلاف من الناس إلى هناك، كان قد خرج للتو من تجربة القلب الفريدة التي أعطت هذه المعلقة الحديثة... قال لي صديق يومها مزهوا كأنه من كتب القصيدة: يا للعجب، معظم الشعراء يفتحون الأبواب على اتساعها ولا يظفرون بعُشر هذا العدد من المتحمّسين للقصيدة، لكن نصوص درويش لا تبدل مجهودا للوصول إلى القلب لأنها أصلا موجودة بداخله. وقالت مذيعة التلفزة في أخبار المساء(على غير عادتها أيضا): من قال أن الشعر لم يعد له جمهور؟ لقد حج اليوم آلاف من الناس إلى مسرح محمد الخامس للاستمتاع بشعر محمود درويش. طوال تسعين دقيقة، قرأ درويش جداريته، وكان يفصل بين المقاطع تصفيق حاد قوي، يستغله الشاعر المتعب ليرفع كأس الماء ويشرب قليلا ثم يعود إلى المقطع الجديد، تسعون دقيقة وهو يقرأ ونحن نستمع بهدوء دون حركة أو كلمة ،ولم نلتقط أنفاسنا إلا حين انتهى، حيّى الناس الذين وقفوا احتراما له، وعاد عبر باب خلفي ليرتاح، حين التفتنا التقطت أبصارنا بشرا كثيرا لم يجد مكانا يجلس به. خارج المسرح، كان أيضا بشر كثير...
هذه صورة محمود درويش، في المغرب. لم يحقق شاعر مغربي أو عربي إجماعا، في المغرب، مثله، استماعا وقراءة، ففي كل المدن والبوادي، يعرفه الكبير والصغير، السياسي والمثقف والمواطن البسيط، وكان درويش يبادل المغاربة حبا بحب، ولا يتخلف عن زيارتهم كلما دعوه، ولا أعتقد أن قضية فلسطين هي ما أعطته كل هذه القوة، إذ أن هناك العشرات من الفلسطينيين والعرب الذين كتبوا عن فلسطين دون أن ينالوا شهرته الكبرى، ودون أن يحضوا بالبصمة الخاصة التي جعلته رائدا، وجعلت من قصيدته سلطة...
لقد انتهى زمن الأساطير،هذا ما نقوله عادة بالنظر إلى أن ظروفها لم تعد متيسرة، كل شيء أصبح مكشوفا، وبالإمكان تلمسه والاقتراب منه، لكن درويش كسر القاعدة،وحقق الأسطورة حتى قبل رحيله، ولعل السنوات القادمة ستجعل من تجربته القوية نبراسا يضيء الطريق إلى المستقبل والأمل، ويرفد اللغة العربية بعناصر جديدة سينتبه لها الدارسون ويمعنوا في تأملها وقراءتها. وبمناسبة هذا الكلام، لقد قيل الكثير عن شعره، وكتب عنه الكثير من النقاد، واعتبر الكثير من القراء تجربة درويش مع الموت، ككل الشعراء الخالدين عبر الزمن، معطاءة، لأنها أنتجت قصيدة عملاقة، رسالة وداع تأجّل قليلا ثم صدق وعده...
لكن المطلوب ،خارج مفردات التأبين، أن تُضاف جداريته إلى جانب المعلقات العربية الشهيرة ليدرسها الطلبة في الجامعات والمعاهد، إذ لا شك أنها رغبته، التي إن تحققت، ستفيد اللغة العربية وتزيدها قوة وتطورا، يرحمه الله...