كيف عرفت درويش؟
في زمن ما، كان الوقت "سجن جزيرة جدا"، وكنتُ يومها لا أتعدى السابعة عشرة ربيعاً. حيث كنتُ مع(الشعر) خيطاً مشدوداً على قلبي، افصله مرة قميصاً يستر تعبي من وجع القيد وأخرى خبزاً اقضمه كلما أحسستُ بالجوع، وكلما أحسستُ أنني بحاجة للحب. الشعر فضائي الذي تمسكتُ به كلما قسا القيد عليّ، وكلما طالت السنين في قسوتها. في ذلك العمر من عام 1977م من القرن الماضي، تعرفت على الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كما تعرفتُ على القضية الفلسطينية قبل نضوج جسدي في مراهقته الأولى، حيث حصلتُ على ديوانه الأول "عصافير بلا أجنحة" من بين قضبان السجن ومن يومها كان لدرويش حلم الصغير الذي كبر في قلبي ونما رغم تشبث السجان بي. فمحمود أضاف لي الكثير في المنجز اللغوي، ما دعاني التمسك بكل ما يكتبه، منذ شرارته الأولى، وكانت القضية ومازالت رهاني الأول على التنوع في الكتابة، لأن درويش والقاسم، وطوقان وكل شعراء فلسطين قد حملونا زوادة ثقيلة الحزن، لكنها أيضاً ثقيلة الأمل، نحملها شوكة أو بارود في وجه سجاننا. فمحمود الشعر والقضية لم ينفصلا عن جسده، ظل يحملهما معاً على ظهره من يافا إلى عكا، ومن الجليل إلى القدس، ومن رام الله ، إلى بيروت، وكل البلدان العربية وغير العربية، هوية لم يستطع أحد أن ينزعها من قلبه ومن قلب رفاقه... "أنا أحمد العربي" ليدين من حجر وزعتر "هذا النشيد... لأحمد المنسيّ بين فراشتين مضت الغيوم وشرّدتني ورمت معاطفها الجبال وخبّأتني ... نازلا من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن الرماد وكنت وحدي ... ثم وحدي آه يا وحدي؟ وأحمد كان اغتراب البحر بين رصاصتين مخيّما ينمو، وينجب زعتراً ومقاتلين وساعدا يشتدّ في النسيان ذاكرة تجيء من القطارات التي تمضي وأرصفة بلا مستقبلين وياسمين كان اكتشاف الذات في العربات أو في المشهد البحري في ليل الزنازين الشقيقة قي العلاقات السريعة" فالشعر لديه قضية، أول سرتها فلسطين وآخر سرتها أمته العربية الذي ظل يعول عليها حتى آخر لحظة من عمره، فالحصان لديه لازال يهرول، ونحن بهرولته كنا نحمل الحصى ونخبأ أشياؤنا المنوعة عن وجه سجاننا في حلم درويش، لأن شعر محمود حينما يكتشفه السجان يكون تهمة ومنشور سياسي ندان به. هكذا كان محمود ولازال وأن وعت بعض قلوب الظلام إلا أن محمود لازال شوكة في قلب أعدائه، ووردة عطر في قلب محبيه. فكونه شاعراً لم تسكته قوة البطش ولم يظل قابعاً في ركبه الأول من اللغة بل جدد في الشعر العربي، ليكون شاعراً تنتمي له اللغة وينتمي للغة مثل ما ينتمي للقضية الفلسطينية وتنتمي له كل أبناء الأمة. وقد أجزمُ أنه شاعر من أهم شعراء الحداثة في العصر الحديث ومن الذين وقف الشعر شاهد على جثامينهم ليقرأ وجعهم ويرفض التخلي عن قافيته الموسيقية في الشعر، وعن انتمائه العربي. ويظل أحمد العربي درويش الشاعر الذي فقدناه ولم نفقده لأنه معنا أحمد العربي الجديد الذي لم يبع القضية ولم يتعالى على الشعر بل أخذه قميص يستر به حيائه فكان قبلة قنبلة موقوتة في وجه أعدائه، رغم محاسبة الآم النكسة له وهو في نجمة بيروت، يعيد خيوط "بينلوبي" وهي تنتظر فارسها الغائب. شاعر وكاتب من البحرين
في زمن ما، كان الوقت "سجن جزيرة جدا"، وكنتُ يومها لا أتعدى السابعة عشرة ربيعاً. حيث كنتُ مع(الشعر) خيطاً مشدوداً على قلبي، افصله مرة قميصاً يستر تعبي من وجع القيد وأخرى خبزاً اقضمه كلما أحسستُ بالجوع، وكلما أحسستُ أنني بحاجة للحب. الشعر فضائي الذي تمسكتُ به كلما قسا القيد عليّ، وكلما طالت السنين في قسوتها. في ذلك العمر من عام 1977م من القرن الماضي، تعرفت على الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كما تعرفتُ على القضية الفلسطينية قبل نضوج جسدي في مراهقته الأولى، حيث حصلتُ على ديوانه الأول "عصافير بلا أجنحة" من بين قضبان السجن ومن يومها كان لدرويش حلم الصغير الذي كبر في قلبي ونما رغم تشبث السجان بي.
فمحمود أضاف لي الكثير في المنجز اللغوي، ما دعاني التمسك بكل ما يكتبه، منذ شرارته الأولى، وكانت القضية ومازالت رهاني الأول على التنوع في الكتابة، لأن درويش والقاسم، وطوقان وكل شعراء فلسطين قد حملونا زوادة ثقيلة الحزن، لكنها أيضاً ثقيلة الأمل، نحملها شوكة أو بارود في وجه سجاننا. فمحمود الشعر والقضية لم ينفصلا عن جسده، ظل يحملهما معاً على ظهره من يافا إلى عكا، ومن الجليل إلى القدس، ومن رام الله ، إلى بيروت، وكل البلدان العربية وغير العربية، هوية لم يستطع أحد أن ينزعها من قلبه ومن قلب رفاقه... "أنا أحمد العربي"
ليدين من حجر وزعتر "هذا النشيد... لأحمد المنسيّ بين فراشتين مضت الغيوم وشرّدتني ورمت معاطفها الجبال وخبّأتني ... نازلا من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد وكانت السنة انفصال البحر عن مدن الرماد وكنت وحدي ... ثم وحدي آه يا وحدي؟ وأحمد كان اغتراب البحر بين رصاصتين مخيّما ينمو، وينجب زعتراً ومقاتلين وساعدا يشتدّ في النسيان ذاكرة تجيء من القطارات التي تمضي وأرصفة بلا مستقبلين وياسمين كان اكتشاف الذات في العربات أو في المشهد البحري في ليل الزنازين الشقيقة قي العلاقات السريعة"
فالشعر لديه قضية، أول سرتها فلسطين وآخر سرتها أمته العربية الذي ظل يعول عليها حتى آخر لحظة من عمره، فالحصان لديه لازال يهرول، ونحن بهرولته كنا نحمل الحصى ونخبأ أشياؤنا المنوعة عن وجه سجاننا في حلم درويش، لأن شعر محمود حينما يكتشفه السجان يكون تهمة ومنشور سياسي ندان به. هكذا كان محمود ولازال وأن وعت بعض قلوب الظلام إلا أن محمود لازال شوكة في قلب أعدائه، ووردة عطر في قلب محبيه. فكونه شاعراً لم تسكته قوة البطش ولم يظل قابعاً في ركبه الأول من اللغة بل جدد في الشعر العربي، ليكون شاعراً تنتمي له اللغة وينتمي للغة مثل ما ينتمي للقضية الفلسطينية وتنتمي له كل أبناء الأمة.
وقد أجزمُ أنه شاعر من أهم شعراء الحداثة في العصر الحديث ومن الذين وقف الشعر شاهد على جثامينهم ليقرأ وجعهم ويرفض التخلي عن قافيته الموسيقية في الشعر، وعن انتمائه العربي. ويظل أحمد العربي درويش الشاعر الذي فقدناه ولم نفقده لأنه معنا أحمد العربي الجديد الذي لم يبع القضية ولم يتعالى على الشعر بل أخذه قميص يستر به حيائه فكان قبلة قنبلة موقوتة في وجه أعدائه، رغم محاسبة الآم النكسة له وهو في نجمة بيروت، يعيد خيوط "بينلوبي" وهي تنتظر فارسها الغائب.
شاعر وكاتب من البحرين