درويش يخترق المجال الشعري

لأحدث أجيال الشعراء في مصر

 

إعداد: إيهاب كامل

محمد عز الدين: قصائده تركت في نفوسنا رياحا ثورية
كريم الصياد: نحن لا هو الذي يستحق الرئاء
سالم الشهباني: لم يسقط في فخ التنظير والصراخ السياسي
محمود عزت: من الصعب أن تتجاوزه الأجيال المقبلة
محمد عادل: جمع بين الفكرة العميقة واللغة البسيطة واحتفظ بروح الشباب

اختلف الشعراء الشباب في مصر على كل شئ واتفقوا على محمود درويش، وعلى الرغم من ابتعاد شعراء الألفية الثالثة عن السياسة والخطاب المباشر، إلا أن تقديرهم الناضج لمشروع درويش الشعري، كان في عمقه تقديرا وإدراكا واعيا لروح "فن الشعر" بعيدا عن "تلوينات" الأيدولوجيا، والإغراق في الصراخ، والتمسح بذرائع القضايا الوطنية لتمرير الشعر السطحي الركيك، وفي هذا التحقيق لا نلتمس برقيات عزاء من شعراء مصر لشاعر العرب الكبير، ولا نسعى إلى "تزويق" سيرة درويش بكلمات المديح، لكننا نترك السماء الكبيرة، والكلمات المحفوظة لنتعرف بصدق على مدى تأثير درويش في أحدث جيل شعري في مصر، والأهم أن نتعرف على الكيفية التي ينظر بها شاعر في العشرينات إلى شاعر رحل وهو يداعب السبعين، لعل هذه النظرة تكفي لتحطيم خرافة الصراع بين الأجيال..

في البداية يقول الشاعر محمد عز الدين: محمود درويش لم يكن مجرد شاعر من الشعراء الكبار بالنسبة لجيلنا، بل كان أبا روحيا نستمد منه مبادئ وقيم عامة، ولا أقول شعرية أو أدبية وفقط. وأعتقد أن كل من عاصر محمود درويش من أصدقاء وشعراء فقد عند موته الكثير، لاسيما نحن.. ابناء هذا الجيل الذي لم يحظ معظمه بلقاء مع هذا العملاق، فنحن أبناءه الذين ساروا في دربه عن إيمان وقناعة و حب

وعن نفسي اشعر بحزن كبير لأنني التقيت درويش وجها لوجه في مؤتمر الشعر العربي الأخير بدار الأوبرا المصرية، ولا أعرف ان كان هذا من حسن حظي ـ وهو شعوري حينها ـ أم من سوء حظي لأنه حمّلني بقدر أكبر من الحزن على رحيله
أذكر أن أول ما قرأه علينا صديقي الشاعر أيمن مسعود في الجماعة الأدبية بكلية الآداب جامعة القاهرة من الشعر كان من اشعار محمود درويش.. تحديدا قصيدة "إلى القارئ" التي تركت في نفوسنا إلى الآن عالم آخر من الثورة نفتقده في واقعنا الحي، درويش رحل لكنه لم يمت.. أليس هو القائل في جداريته الشهيرة "هزمتك يا موت الفنون جميعها" نحن تربينا بين يديه.. وسنستمر في طريق الإبداع علّنا نصل ولو لقدر ضئيل مما كان عليه ويحلم به واخيرا لا يسعني إلا الدعاء له بالمغفرة.

أما مصطفى الحسيني فيقول: لنا أن نترك لأنفسنا الوقت لنعى جيدًا الأثر الذى خلفه فقدنا لصوت محمود درويش، وأن نرى ما كان يعنيه لنا كجيل من الكتاب وليس كشعراء فحسب. لنا أن نتوق لكلماته وأن نشتاق لعالمه المميز، وأن نتلمس ما أضفاه بشاعريته على كتابة الأدب العربى والشعر خاصة، وأن نحزن ونحن متأكدين أنه لن يكتب شيئًا آخر. لقد أثرى صوته أرواحنا وهو كائن بيننا وإن أثره سيبقى حيًا يطالعنا حين نقرأه.

وفي بكائية على الأحياء في زمن النسيان وإهمال الشعر يقول كريم الصياد: درويش أب من أبائنا وأمير من أمرائنا ولكن لا حزن على الموتى، فالأحياء من بعده هم الجديرون بأن نحزن لهم وعليهم.

وفي حالة من النوستالجي المبكر يقول سالم الشهباني: تعرفت على محمود درويش وشعره خلال فترة دراستي الجامعية، وتبينت بعد ذلك وعلى مدار السنوات التي عرفته فيها أنه شاعر استطاع أن يدير موهبته جيدا، ويطور من نفسه منذ أول ديوان كتبه وحتى آخرها "أثر الفراشة"، فقد كان يتنقل بين التجارب الشعرية بسهولة بالغة، ولم تكن قصيدته موجهة إلى قطاع معين من الجمهور، بمعنى أن النص الشعري عند درويش لم يكن للمثقفين فقط لكنه خرج لمستويات متعددة من التلقي، ويبدو ذلك واضحا بشكل كبير في "جدارية"، حيث لم نجد غموضا مغلقا يغلف معاني القصائد.

سمة أخرى في أشعار درويش أنه لم ينجر وراء الحداثة وما بعدها مغمض العينين، ولم ينساق وراء قصيدة النثر لمجرد أنها موضة أو شكل جديد من أشكال الكتابة، ولم يسقط في هوة التنظير، والتبريرات النظرية التي أبعدت الشعراء عن شعرهم، فأنا مثلا اتعاطف مع بعض أعمال أدونيس ولكني أجده انشغل بالتنظير فأبعده ذلك عن صلب الموهبة.

ويحلل محمود عزت عقدة محمود درويش لدى أبناء جيله معترفا أنه "شاعر كبير أجمع عليه قراء الشعر من كل الاتجاهات والمستويات، فتحول إلى رمز ونجم بازغ" ويوضح عزت: وهذا أمر جيد وكذلك أمر سيء في الوقت ذاته، فالأمر الجيد أن الشعر والشعراء ايضا كانوا في حاجة ماسة إلى رمز يطمئنهم ويجمعهم، وقد كان درويش هو الرمز، لذلك عندما مات، كان حزن الناس على الرمز أكثر من حزنهم على الشخص، أما الأمر السئ فهو تقديم البعض لدرويش الشخص واحتفائهم به على حساب شعره.
درويش يستحق أن ينضم إلى قافلة الشعراء الكبار، وأعتقد أن بالنسبة لنا أصبح عقدة يجب أن نتخطاها، وهذه مهمة صعبة جدا، لأن من يحاول التجديد منا سيجد درويش يقف أمامه، ولذك يحتاج هذا الأمر إلى سنوات كثيرة حتى يأتي من يستطيع أن يقترب من درويش أو يتجاوزه.

ويفك محمد عادل لغز استمرار درويش عبر الأجيال قائلا: يتميز درويش بأن روح الشباب لم تفارقه قط، فقد استمر في التجديد حتى أخر قصائدة كما أنه وازن بين الفكرة العميقة واللغة البسيطة، فقد استطاع أن يحول الشخصي والخاص إلى قضية انسانية عالمية، فهو من ذلك النوع من الشعراء الذين يملكون مشروعا خاصا، ولا يكتبون الشعر لمجرد الشعر.

وبالنسبة لي فقد استفدت من درويش في طريقة اختياره للعناوين كما استفدت من أفكاره ومعتقدانه الشعرية، فالشعر عنده حالة أكثر منه ممارسة، ولكن في المقابل لم يكن يعحبني في درويش تكرار بعض موضوعاته وإعادة الفكرة أكثر من مرة ويلح عليها دون الخروج منها، وأنا رغم ذلك اعتبره افضل شعراء جيله.