في كلماتهما معا، اعتبر كل من مدير مهرجان شيشاوة السادس ورئيس الجماعة الحضرية لمدينة شيشاوة، الذي تحدث أولا،.. أن الحكامة الجيدة اليوم تقتضي الاهتمام المتزايد بتراثنا الثقافي وبتعدده وغناه. كما أن مدينة شيشاوة اعتبرت دوما معبرا وملتقى للثقافات المتعددة التي تعبر عن الهوية الوطنية في غناها. وإذا كان رئيس الجماعة الحضرية لاقليم شيشاوة قد ربط في كلمته ما بين مفهوم التعدد الثقافي ورهان التنمية وخدمة أفق الوحدة، فإن الأستاذ كاميلي عياد {وباسم جمعية مهرجان شيشاوة للثقافة والفنون ومدير المهرجان} قد ربط تنظيم الدورة السادسة برهان الاستمرارية لفكرة المهرجان/ والذي يعتبر ملتقى فكري وفني يشكل مناسبة لإفراز إمكانات المنطقة تاريخيا وتلويناتها الفنية المتعددة، وجعل الملتقى في شقه الثقافي يساءل إشكالات تهم المجتمع المغربي.
كلمات افتتاح مهرجان شيشاوة السادس، احتضنته قاعة البلدية يومه الثلاثاء 27 يوليوز. وعرف تنظيم ندوتين: الأولى تمحورت حول موضوع "اقتصاديات شيشاوة قديما، معمل السكر نموذجا" للباحث والروائي عزيز آيت صالح الندوة التي أدارها الأستاذ محمد عادل. فإذا كانت المادة التاريخية قد أسعفت الباحث آيت صالح في كتابة نصه الروائي "بابل"، فإن بعض الكتابات كالنوازل والتراجم وكتابات الحسبة...تفيد في معرفة الأماكن. ومن بقايا سليكس والمرحلة المونسترينية أعاد الباحث، ومن خلال وقائع واكتشافات ونصوص تاريخية، تحديد واقعة تأسيس شيشاوة والتي حددها في {460هـ، 1068م} المدينة التي صمدت أمام محاولات طمس ملامحها وهويتها. وقد انتقل الباحث، فيما يشبه رحلة سارد للوقائع التاريخية الى محاولة إعادة كتابة "تاريخ شيشاوة من جديد" ليخصص الجزء الثاني من بحثه الى حضور قصب السكر وزراعته وتقنيات الري معتمدا على بحث أركيولوجي كان قد أجراه على مكان أثري يخص معمل السكر قديم في المنطقة.
ندوة اقتصاديات شيشاوة، كانت الأولى في إطار فعاليات مهرجان شيشاوة السادس الذي تنظمه جمعية مهرجان شيشاوة بشراكة مع مجلس الجماعة الحضرية والفعاليات المحلية والذي انطلق يومه الاثنين الماضي 26يوليوز واستمر الى غاية ال30 منه، تحت شعار: التعدد الثقافي في خدمة الوحدة والتنمية. هذه التظاهرة الثقافية، كسابقاتها بهذه المدينة، تؤسس موعدا وملتقى للقاء العديد من الأسماء الثقافية والفنية والجمعوية من مختلف جهات المملكة، وموسم ثقافي غني بندواته ولقاءاته. وهو ما يسمح لمدينة شيشاوة بأن تعبّر ثقافيا عن تلك الميزة الجغرافية التي تميزها: ملتقى الطرق وفضاء للقاء التعدد. وعرفت التظاهرة، إضافة للأنشطة الثقافية، تنظيم برامج رياضية وفنية وطبية واجتماعية الى جانب معارض لمختلف منتوجات المنطقة التقليدية.
الندوة الثانية، حول سؤال "التعدد الثقافي في خدمة الوحدة والتنمية" وهي الندوة الرئيسية للمهرجان، أطرها الباحث الدكتور حسن بحراوي (أستاذ جامعي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب) وعرفت مشاركة السادة الأساتذة: الدكتور محمد ولد بنعزوز(أستاذ جامعي ـ جامعة القاضي عياض بمراكش)، الأستاذ الحسين ايت باحسين( باحث بمعهد الثقافة الأمازيغية)، الأستاذ عبد الرحمان بيلوش(شاعر أمازيغي، وباحث بمعهد الثقافة الأمازيغية)، الأستاذ إبراهيم الحيسن(أستاذ باحث في الثقافة الحسانية)، الأستاذ سالم كويندي( كاتب مسرحي وباحث في التراث الشعبي)، والأستاذ صبير أكوجكال {باحث في علم النفس التربوي}.
اعتبر الباحث حسن بحراوي أن محور الندوة يطابق المدينة، بفعل أنها فضاء فعلي لهذا التعدد. تعدد ثقافاته ومرجعياته الفكرية، مما يعطيه زخما للمستقبل، وقد حظيت شيشاوة باهتمام سوسيولوجيين مشهورين {جاك بيرك، وبول باسكون}. لكن، يطرح الباحث سؤال كيف يمكن للتعدد الثقافي أن يكون وسيلة لتحقيق التنمية؟ يشير الباحث حسن بحراوي أن شيشاوة مدينة أهم ما يميزها أنها ملتقى طرق. وهذه الميزة الجغرافية هي ميزتها على المستوى السوسيوثقافي أيضا. الموقع الجغرافي والعامل التاريخي وتحقيق التعايش يؤدي الى تعزيز فرص التنمية.
الدكتور محمد ولد بنعزوز(أستاذ جامعي ـ جامعة القاضي عياض بمراكش)، تناول من خلال رؤية تاريخية موضوع الندوة وتوقف في بداية مداخلته عند مفهوم التعدد كظاهرة اجتماعية فكرية مشيرا الى أن المصطلح مفهوم مراوغ. مؤكدا أن لا تنمية اقتصادية دون أن تكون مسبوقة بتنمية ثقافية خصوصا في وقت نعيش فيه ليبرالية متوحشة معولمة. ليتساءل هل تستطيع ثقافتنا المتعددة أن تصمد أمام هذه الثقافة المتوحشة؟ داعيا الى حوار فعلي وجدي لثقافتنا الوطنية بمرجع الاختلاف في التعدد. عموما شكلت ورقة الباحث محمد ولد بنعزوز مهاد نظري لأرضية الندوة، مثيرا الجوانب الإيجابية لمفهوم التعدد بما هو فعل للإخصاب.
الأستاذ الحسين ايت باحسين( باحث بمعهد الثقافة الأمازيغية)، انطلق من أطروحتي علاقة السياسة بالثقافة في إطار خصوصيتنا المغربية إذ لاسياسة بدون عمق ثقافي. في مسألة التعدد الثقافي: التنمية المحلية والوحدة الوطنية، حدد الباحث أيت باحسين منطلقات وأطروحة أرضية الندوة وإشكالياتها لينتهي الى إمكانات شيشاوة في أفق الجهوية الموسعة. ففي المنطلقات يثير الباحث التعدد الثقافي والتعدد اللغوي والهوية. فإذا كانت اليونسكو تؤكد على أهمية الاعتراف بالبعد الثقافي ضمن مشاريع التنمية وعلى الهويات الثقافية مع المحافظة على التنوع الثقافي للمجتمعات البشرية. المنطلق الثاني يتحدد في أسئلة التنمية {القروية، المحلية، المستدامة} والتقدم الذي يعتمد قيم المجتمع ومقياسه الادخار للمستقبل. المنطلق الثالث يرتبط بالجهوية {الموسعة، والوحدة الوطنية} ويطرح الباحث آيت باحسين خلاله مكانة الثقافة واستراتيجيتها. في أطروحة الندوة وإشكالاتها يتوقف المداخل عند قضية التعدد الثقافي التي تثير قضية أخرى شائكة هي الهوية.
الأستاذ عبد الرحمان بيلوش، الشاعر الأمازيغي والباحث بمعهد الثقافة الأمازيغية انطلق من سؤال التعددية الثقافية ليتوقف عند مفاهيم الثقافة والتعددية والوحدة، التنمية مفهومها ومداخلها. جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية، التعدد والوحدة، صيرورة التعدد الثقافي في المغرب، تدبير التكامل بين التنمية والثقافة...وضمن ورقته المركزة، أكد الباحث عبدالرحمان بيلوش أن اختلاف اللسان لا يشكل حاجزا لتجانس التعبير كما أن التعددية الثقافية تشكل دعامة أساسية لبناء مغرب الحداثة والديمقراطية على أن يتم استثمار هذا التعدد بشكل عقلاني.
الباحث في الثقافة الحسانية والناقد التشكيلي الأستاذ إبراهيم الحيسن قدم ورقته حول الهوية الثقافية للصحراء من خلال المكون الحساني الذي يوسم بالتعدد. وعبر تحديد مكونات الشخصية الصحراوية ومجتمع البيضان كنموذج من المجتمع الحساني، من زاوية سوسيولوجية. تناول الباحث الحيسن علاقتهم بالزوايا ولهجتهم ونمط العيش وتقاليدهم. في تشريح هذا التركيب، يشير الباحث الى مفهوم التعدد الثقافي داخل نفس بنية النموذج المختار من خلال فن القول الشعري {بمكوناته التقليدي، الفصيح، التبراع الخاص بالنساء، مثون شفاهية حيث المسرودات والآحاجي ومرددات الشعبية}، المآثور القولي. ويتوقف الباخث التشكيلي الحيسن عند بعض الكتابات التي توقفت لنمط العيش ولفنون وأعراق البيضان، من الكتابات الكولونيانية {الاسباني كارل باروخا} الى كتابات "رحلية" دونت تجربتها الخاصة. ينتهي الباحث الى أسئلة الهوية كشرط وخاصية لبدو الصحراء، والتعبير الصادق عن الذات من خلال الشريط التسجيلي "ذاكرة بدو الصحراء: الهوية..الثقافة والمكان".
الأستاذ سالم اكويندي( كاتب مسرحي وباحث في التراث الشعبي)، قارب من زاوية أنتروبولوجية حضور المكون العربي في شيشاوة، مهد له من خلال التأكيد على دور الثقافة الشعبية في ترسيخ مفهوم الهوية. كما أن التعدد وفق هذا المفهوم يصبح عنصرا بانيا لهذه الذات المركبة والغنية في الشخصية المغربية. يعود الباحث سالم اكويندي لرحلة عبور القبائل العربية الى الصحراء تم العودة الى الشمال ومنهم من اتجه الى شيشاوة واستقر، ولا يتوقف الباحث عند المعطى التاريخي، بل يرصد من خلال التسميات ومقاربتها وصفيا أو من خلال إثنوغرافية اقليمية جانب التساكن والتعدد الثقافي. كما يقرأ بعض الفرجات الشعبية {غناء، ونظم ورقص}. لينتهي الباحث سالم اكويندي الى أن الهوية الدينامية ليست هوية منغلقة.
الأستاذ صبير أكوجكال {باحث في علم النفس التربوي} كان أخر متدخل وركز بإيجاز على طبيعة العلاقة بين الثقافة والتربية، داعيا الى هندسة بيداغوجية للثقافة تأخذ بعين الاعتبار قيم الحداثة في المدرسة، والى إعادة الاعتبار للثقافة. إذ يشير أن دراسة الثقافة والحفاظ عليها والبحث في روحها هو التربية على الهوية بأبعادها والمطلوب برأيه استثمار أشمل لهذا العنصر بتدريس الثقافة نفسها.
لقد اختارت جمعية مهرجان شيشاوة للثقافة والفنون إقامة ندوة وطنية حول التعدد الثقافي إيمانا منها أن منطقة شيشاوة تتعايش، منذ قرون، وعلى أساس قيم التسامح والتعاون والتضامن، قبائل وجماعات عربية وأمازيغية وصحراوية. ويعني هذا التعايش، على الأقل في بعض تجلياته، تعايشا لغويا وثقافيا. وبقدر ما هو مستوحى من الواقع الثقافي ومن التجربة الحضارية للمغرب والمغاربة، ذلك أن التعدد الثقافي خاصية جوهرية في الثقافة كما في الحضارة المغربية، وغايته أن يكشف أن هذا التعدد الثقافي لا يستوفي معانيه ومقاصده إلا إذا تحول إلى رهان أساس في الوحدة الوطنية وفي التنمية المستدامة. وإجمالا، فالتعدد والتعايش والتفاعل والانفتاح من أهم خصائص المغرب الثقافية والحضارية التي تستحق أن تنال ما يكفي من العناية والاهتمام، بما يخدم الوحدة الوطنية والمقترحات التنموية الوطنية.
واحتضن المسبح البلدي في مساء نفس اليوم، ليلة القراءات الشعرية بلغات متعددة، وهي الجلسة التي قام بتنشيطها القاص أنيس الرافعي. وعرفت مشاركة الشعراء والشواعر: في الشعر العربي: مصطفى غلمان، عبد الحق ميفراني، حفيظة حسين، عمر العلاوي. في شعر الزجل: إدريس بن العطار. في الشعر الأمازيغي: عبد الرحمان بيلوش. في الشعر الحساني: الطالب بويا العتيك. لقد أكد الناقد حسن المودن في تدخله نهاية الندوة "التعدد الثقافي في خدمة الوحدة والتنمية"، أن بعد تجديد مكتب الجمعية تقرر استئناف تنظيم ملتقى شيشاوة. وقد التقت العديد من الإرادات سواء لدى أعضاء الجمعية أو الجماعة الحضرية أو عمالة اقليم شيشاوة، في التفكير أن يتواصل الجانب الثقافي كجزء أساسي في مهرجان شيشاوة، كان الأمل معقودا أن تلتحق إمنتانوت كما في السابق، في دورة التنسيق ليتسع المهرجان كي يشمل فئات مجتمعية أوسع. لكن، يظل الأفق مفتوحا على المستقبل كي يتحول مهرجان شيشاوة الى ملتقى ثقافي وفني يحتفي بالإنسان وقيمه وثقافته.