مقاومة الاعتقال: انتصار للحياة والمقاومة والحرية

فيحاء عبدالهادي

«يا ظلام السجن خيِّم نحن لا نخشى الظلاما ليس بعد الليل إلاّ فجر مجد يتسامى»

نجيب الريِّس

حفظتُ كلمات القصيدة غيباً منذ الطفولة المبكِّرة، وردَّدتها بصوت جهوري داخل المعتقل، مع صديقات الحلم ورفيقات الدرب، وألقمتها لأطفالي مع الحليب؛ لكني اليوم، وأنا أهمّ بالكتابة عن الكتاب القيِّم "مقاومة الاعتقال"؛ وجدت نفسي أحاول تغيير كلمات الأغنية التي عشقت. لم أستطع أن أردِّد: "يا ظلام السجن خيِّم/ إننا نهوى الظلاما". وجدتني أتمتم: "نحن لا نهوى الظلاما"، واكتشفت أنَّ مبدعين قد سبقوني إلى استبدال الكلمات، بما يتناسب مع كرههم للظلام، وعشقهم للحرية: "نحن لا نخشى الظلاما"

كتاب «مقاومة الاعتقال»، كتاب جدير بالقراءة الواعية، والنقاش الواسع، والترجمة،
هو تطبيق عملي للوحدة الوطنية،
هو دعوة مفتوحة لتوثيق تجارب الأسيرات والأسرى، ولدراسة تجارب الحركة الأسيرة،
هو دعوة للعمل من أجل تحرير الأسرى وتحرير الوطن،
الكتاب انتصار للحياة والحرية.

من خلال كتاب «مقاومة الاعتقال»؛ يقدِّم د. مروان البرغوثي، وعبد الناصر عيسى، وعاهد أبو غلمة، من قيادات فصائل العمل الوطني، عصارة تجاربهم، وتجارب رفاقهم الأسرى، هدية "إلى جميع المقاومين للاحتلال في الماضي والحاضر والمستقبل". ومنذ قراءة العنوان؛ يتبيَّن هدف الكتاب الرئيس: تكريس قيمة الحياة والمقاومة والحرية. سلَّط الكتاب الضوء على جريمة الاعتقال، وأساليب التحقيق، ووسائل التعذيب المتعددة، والمتجدِّدة، والمحاكم الإسرائيلية، وسياسة إدارة السجون. وفي الوقت نفسه، قدَّم تصوراً لآليات مواجهة التحقيق وحماية المعلومات. ومن خلال رؤية وبصيرة حادة؛ تحدَّث عن سلبيات الاعتقال على الأسير، وعلى العائلة، وعلى المجتمع، داعياً إلى "تعزيز ثقافة تحرير الأسرى، كأولوية وطنية، لدى القيادة السياسية وفي المجتمع".

في مواقع متفرقة من الكتاب؛ يتطرّق المؤلفون إلى خطورة استخدام الثقافة العربية، سلاحاً في وجه المناضلين. فالمسؤولون عن التحقيق مع العرب، من ضباط "الشاباك"، لا يتعلمون اللغة العربية فحسب؛ بل يدرسون ثقافة الشعوب العربية، لاستخدامها أثناء التحقيق. "يستعمل ضباط المخابرات والمحققون الأمثال العربية بكثرة، في حديثهم، للدلالة على معرفتهم بالثقافة العربية، وتوظيف هذه الأمثال في التحقيق، من اجل تحقيق نتائج إيجابية، مثل: "مائة عين تبكي ولا عين أمي"، أو "من يُضرب بالعصي مش مثل اللي بعدّها". وهذا ينطبق على أحاديث نبوية شريفة، وآيات قرأنية كريمة، بالإضافة إلى استخدام التاريخ الفلسطيني أو العربي، وتعابير من التراث الفلسطيني". كما يستخدم المحققون قيماً ثقافية عربية محددة للضغط على المناضلين، مثل "البرّ بالوالدين، والحفاظ على الشرف".

رغم أن المؤلفين هم ثلاثة من قيادات المقاومة الفلسطينية؛ إلاّ أني أعتقد أنهم لم يكتفوا بخبرتهم وتجربتهم الشخصية؛ بل استعانوا بخبرة زملائهم من الحركة الأسيرة، مما ضاعف من أهمية الكتاب. وأعتقد أن المنهج ذاته ينطبق على محتويات الكتاب، بعد نشره، فهو كتاب قابل للاستكمال، والإضافة، بناء على تجارب المعتقلين، رجالاً ونساء.

عند التطرق إلى تجربة الأسيرات بشأن استخدام الثقافة العربية لكسر إرادتهن؛ يمكن الاستعانة بتجارب العديد من الأسيرات المحرَّرات، وتجارب الأسيرات اللواتي ما زلن في الأسر، للإضافة إلى ما ورد في الكتاب بهذا الشان. ولعلَّ المرأة هي أكثر من يعاني من قيد العادات والتقاليد، والقيم الثقافية التي تجعلها تابعة للرجل من جانب، والأكثر تأثراً بأحكام المجتمع وأعرافه غير المكتوبة.  روت بعض المعتقلات السياسيات، مما ورد ضمن كتاب "لو أملك الخيار: قصص من الحياة اليومية للنساء الفلسطينيات خلال العامين 2002-2003 من الانتفاضة الثانية"، عن استغلال حرس السجون الإسرائيلية القيم الثقافية العربية، لإخضاعهن، ودفعهن إلى الاعتراف.
تحدَّثت الأسيرة المحرَّرة سهير الهشلمون، من الخليل، عن تجربتها المريرة في الأسر، حين اعتقلت للضغط على زوجها. روت عن الطريقة الهمجية لاعتقالها، وعن مصادرة منديل رأسها، وعن تهكم المحقق عليها، وعلى زوجها. فمرَّة يسألها المحقق عما إذا كانت قد غنَّت لزوجها نور: "حبيبي يا نور العين.."، ومرة يخبرها أنه لا يصدِّق ان زوجها لم يتزوج عليها، ما دامت لا تنجب. ومرة ثالثة، يهددها بوضعها في زنزانة تحتوي على فئران وعرس، بالإضافة إلى التهديد باغتصابها، دون علم أحد: "إذا ما بتحكي، ما بتحكي لنا بالزبط، إحنا فيه هون يعني، بنعمل أي إشي فيكِ، وما فش حدا بيسمع لك صوت".
وتحدَّثت المحامية "تراجي أبو الشوارب"، من قرية كفر الديك، عن اعتقالها، بسبب صداقتها للشهيدة هنادي جرادات، وعن الضغط النفسي عليها، مما لا يمكن لبشر احتماله، فقد أحضروا لها رأس صديقتها هنادي، إمعاناً في الضغط النفسي عليها، بالإضافة إلى محاولة تشويه سمعة الشهيدة. استخدموا القيم الثقافية التي تسخر من المرأة التي فاتها قطار الزواج. شبَّهوها بالرجال، ليس بمعنى المساواة والشراكة؛ بل للانتقاص من أنوثتها، وإضعاف ثقتها بنفسها: "مين قال إنه إنت بنت؟! ولك إنتِ زلمة. بدي أقول: ليش إنتِ أصلاً بعدك لهلأ مش مجوَّزة؟! لأنه فش زلمة بقبل يتجوَّز زلمة".
*****
رفيقاتنا ورفاقنا الأسرى، أخواتنا وإخوتنا،
لن نكفّ عن رواية حكاياتكم، بأقلامكم، أو بأقلامنا،
بحبركم/ بدمكم، و بحبرنا،
لن نعتاد على وجودكم في الأسر،
ما أشدَّ حاجتنا إلى وجودكم بيننا

faihaab@gmail.com