من منطلق انسحابي من الساحة الثقافية السينمائية من عقد تقريباً كناقد وسينمائي ظل لأكثر من ثلاثة عقود في البرزخ الفاصل الواصل بين الهواية والاحتراف، لم اتابع ما نشر – وما يزال ينشر – من حوارات وتغطيات صحفية وأدبية عن الكتاب الصادر حديثاً عن دار الشروق بالقاهرة " مقتنيات وسط البلد.. وجوه وحكايات من وسط القاهرة " لزميل مشوار الصعلكة الثقافية (سابقاً) والنجم الساطع فى الساحتين الأدبية والثقافية (حالياً) مكاوي سعيد، لكن سطوراً قرأتها مصادفة عن الكتاب هنا وهناك (حوار معه بجريدة مستقلة عالية التوزيع، ومقال لمحررة صفحة ثقافية بجريدة قومية كبرى على وجه التحديد). حملاني على تسجيل هذه الملاحظات انصافاً للحقيقة، بوصفي واحد من الـ 42 شخصية التى عرض لها الكتاب ضمن فصله أو نصه المعنون " الفسكول زين "، وبالرغم من زمالتي ومعرفتي ومخالطتي – سواء عن قرب أو بعد – لخمس وعشرون شخصية من الـ 42، إلا أنني سأكتفي بتصحيح ما شاب " البورتريه " الخاص بشخصي من مبالغات ومغالطات شطح التخييل واخطاء عدم التدقيق وافتقاد التوثيق، فزميلنا السابق والنجم الشهير بالساحة الأدبية الآن، جانبه التوفيق فى سبك الموازنة الواجبة بين متطلبات التخييل الأدبي وضرورات الرصد الموضوعي للشخصيات بما لها وما عليها، فضحى بنسبة لا يستهان بها من الحقائق الموضوعية لحساب شطحات الخيال القصصي ولوازمها من توابل ومشهيات أدبية، وهو ما يقودنا لملاحظة آولية عن التباس وجهات النظر حول تصنيف الكتاب.
1- يذكر مكاوي سعيد في حواره بالجريدة المستقلة المنوه عنه، أن تصنيف كتابه ضمن الأجناس الأدبية لم يشغله، ولكنه يستدرك مشيراً إلى امكانية اعتباره مجموعة من القصص القصيرة يربطها مكان واحد هو وسط القاهرة، وتشير المحررة الثقافية المشار لمقالها إلى أن الكتاب (لون من ألوان القصة القصيرة الصحفية) مع ملاحظة أن غلاف الكتاب وترويسته الداخلية لم يشر فيهما إلى أي من هذا أو ذاك، إلا أنه برأى العبد لله الصعلوك الثقافي يمكن تصنيف نصوص الكتاب من واقع قراءتنا لها بوصفها هجين من البورتريه الصحفي والمقالة القصصية، انطلاقاً من هجين وعدم نقاء الأنواع الأدبية والفنية فى الكتابات المابعد حداثية.
2- يذكر مكاوي سعيد فى حواره كذلك أن نسبة الحقيقة والخيال فى نصوص الكتاب هى 70 % خيال و30 % حقيقة، والواقع أنه فيما يخص هجين "البورتريه والمقالة القصصية" أو النص الذى عرض لكاتب هذه السطور "الفسكول زين"، فإن انصاف الحقائق بالمشاطرة مع انصاف التخييل بالتبعية هو الغالب على سطور النص، فعلي سبيل المثال جاء بالنص أن العبد لله تم مداهمة مسكنه بضاحية مدينة مايو من قبل قوات الأمن بالخطأ لاشتباه في كونه من الجماعات الإسلامية الإرهابية، إبان ذروة نشاط تلك الجماعات فى منتصف تسعينات القرن الفائت، وهذه حقيقة لكن تفاصيل حكيها بالكتاب شاطرها الخيال، بدءاً من أن مداهمة قوات الأمن كانت فى رائعة النهار، أى في الساعة الواحدة ظهراً وليس فى الثانية بعد انتصاف الليل، كما ذكر الزميل، وانتهاءاً من أن عدم احتجازى فى مباحث أمن الدولة بقسم شرطة حلوان تم بعد اطلاعهم على مقالاتي النقدية السينمائية المنشورة وقتذاك، والحقيقة أن الافراج الفوري عني كان مبعثه أن الأمن كانت لديه معلومات وافية عني، لأنه قبل سكني بمدينة مايو بشهر كنت مستأجراً لحجرة مفروشة على مقربة من نفق مدخل شارع الهرم، حيث تمت عملية تفجير ارهابي شهير وقتذاك، فطلبت سلطات الأمن من أصحاب الشقق والحجرات المفروشة بالمنطقة بيان بمستأجريها وكنت واحداً من الذين شملهم البيان بالطبع.
3- في معرض اشارة زميلنا – الذي كان – إلى طرف من المقالات النقدية السينمائية المنشورة للعبد لله، وكذا الأفلام التى انجزها فيما كان يسمى قديماً سينما الهواة أوالسينما المستقلة الآن، أرتكب الزميل أخطاء معلوماتية عديدة، كان يتوجب عليه الرجوع إلى المصادر السينمائية للتثبت من صحتها، كما فعل فى الجزء التوثيقي بكتابه المتمحور حول المقاهي والمنتديات الثقافية وغيرهما من المعالم المميزة لمنطقة وسط القاهرة، وهو ما يتوجب تصحيحه هنا على النحو التالي:
أولاً: هناك جمعيتان أهليتان للنقد السينمائي فى مصر، جمعية كتاب ونقاد السينما، وجمعية نقاد السينما المصريين، وقد خلط الزميل بينهما فى قوله عن شخصنا (وكان يكتب بانتظام فى جمعية كتاب ونقاد السينما)، بينما الصحيح أنني تشرفت بعضوية الجمعية الأخيرة فقط، كما أنه لا توجد كتابات منشورة لنا بنشرة جمعية نقاد السينما المصريين – بإستثناء مقال وحيد فى الفيتنا الحالية سيشار لعنوانه فى ملاحظاتنا اللاحقة – لأن تللك النشرة توقفت عن الصدور بانتظام بدءاً من عقد الثمانينات تقريباً، الذي تم خلاله التحاقنا بعضوية هذه الجمعية، مع ملاحظة أن الجمعية اكتفت مذاك بإصدار نشرات متفرقة مواكبة للمناسبات والفعاليات السينمائية الخاصة والعامة التى تنظمها من حين لآخر.
ثانياً: الصحيح أنه توجد مقالات منشورة لنا بنشرة نادي السينما بالقاهرة من منتصف السبعينات إلى منتصف التسعينات حيث توقف النادي عن نشاطه من سنواتها للآن.
ثالثاً: فيما يخص الأفلام، فقد أنجز العبد لله ثلاثة أفلام قصيرة في حقبة الثمانينات، اثنان من مقاس 8 مللي والثالث من مقاس 16 مللي، وهو المشار اليه من قبل الزميل بالخطأ على أنه من مقاس8 مللي، زائد أن عنوانه الصحيح هو "الذي يأتي ولا يأتى" وليس "لا شئ ينتظر المسافر." كما كتب الزميل، وهو مستوحي من قصيدة وديوان "الذي يأتي ولا يأتي" للراحل الشاعر العراقي الكبير عبد الوهب البياتي، علاوة على أن الفيلم عرض بمهرجان قليبية الدولي لأفلام غير المحترفين بتونس عام 1983، وليس بمهرجان قرطاج كما ذكر الزميل.
4- يذكر زميلنا - الذى كان – والنجم الشهير الآن فى كتابه (بعد هذه السفرية المفاجئة – يقصد سفرنا إلى تونس – تغير حال زين تماماً .. إلى دخول موغل فى الحياة الثقافية السينمائية) والحقيقة أن هذا الدخول الموغل تم منذ حلولي بالقاهرة فى العام 1974، ويشهد على ذلك التحاقي بعضوية كل من جمعية الفيلم وجمعية سينما الغد ونادي السينما بالقاهرة آنذاك ومقالاتي المنشورة بالجمعيتين الأخريتين، علاوة على مداومة ترددي على العروض السينمائية بالمراكز الثقافية الأجنبية – المركزين الفرنسي والايطالي بوجه خاص – وكان تردد المصريين على هذه المراكز محدوداً وقتذاك أى فى سبعينات القرن الماضي.
عموماً أسجل هنا امتناني وشكري الجزيل للزميل على سطوره التى يقول فيها (حبه للسينما – يقصد العبد لله شخصنا – حب حقيقي ورؤيته لها عميقة)، لكن هذا القول لا يستقيم مع قوله فى سطور أخري (واتهمنا جميعاً – يقصد زملاء الصعلكة والمشوار الثقافي – بأننا نريد عرقلة طريقه إلى الشهرة ... ونتمنى أن تكبله الوظيفة حتى لا يزاحمنا فى الواقع السينمائي)، وذلك فيما يتعلق بمسألة ترك العبد لله وظيفته وتسوية معاشه مبكراً فى العام 1991 لاحتراف العمل كسيناريست، وهو ما يقودنا للملاحظة التالية.
5- يدرك مكاوي سعيد عن تجربة وتجارب خاضها عديد من الزملاء – لا تسمح السطور هنا بالإشارة اليهم – كم الصعوبات والعراقيل التى تعترض طريق الاحتراف السينمائي، ليس فى مصر فحسب بل على صعيد الصناعات السينمائية الكبرى فى العالم كذلك كما أشار د. يحيي عزمي (أستاذ السيناريو والإخراج فى المعهد العالي للسينما) فى لقاء تليفزيوني بالقناة الثقافية المصرية من فترة، مع استدراك فيما يخص المشهد المصرى المعاصر الذي تتسيد خلاله الشللية والمحسوبية والبيروقراطية .. الخ مما يضاعف من هذه العراقيل، وقد كان هذا موضوع أخر مقال منشور للعبد لله بعنوان "محنة كتاب السيناريو الجد د فى مصر ... الجذور التاريخية: من ستديو مصر إلى عصر الفضائيات" (جمعية نقاد السينما المصريين/ مطبوعة السينما الجديدة/ غير دورية/ أبريل 2002/ القاهرة)، ولهذا وغيره كانت مسألة تركي للوظيفة لإحتراف السينما حماقة كبري أشرت اليها من قبيل النقد الذاتي فى كتابي (قبل اختفاء ز) المذكور من قبل الزميل مكاوي بشئ من الإشادة، والذى مع كتابي الآخر "العائش فى سيناريوهات" المنشور كذلك على نفقتي الخاصة (فى طبعة محدودة) يشكلان محاولتان لتسجيل طرف من السيرة الذاتية للعبد لله وهو ما سنعود اليه – أى كتاب "العائش" – فى ملاحظة لاحقة على صعيد افتقاد الحد الأدني من العدالة الواجبة فى ساحتنا الأدبية، يبقى استدراك أخير فيما يخص التوابل والمشهيات الكتابية التى عرض بها الزميل مسألة تركي للوظيفة، من قبيل قوله أن صديقاً لنا عندما ذهب الينا فى زيادرة للشركة التأمينية الكبرى التى كنا نعمل بها ناشده مدير إدارتنا بنصحنا بالعدول عن تسوية معاشنا والتقدم بطلب اجازة بدون مرتب لمدة أربع سنوات أو خمس ... الخ، هذا التخييل الأدبي، حيث فات على مكاوي سعيد الذى كانت تجربته الوظيفية – على ما نذكر – فى القطاع الخاص أن شركات القطاع العام زمان – وللآن على ما نعتقد – لا تمنح اجازات بدون مرتب مفتوحة هكذا كما الحال فى بعض الهيئات والمصالح الحكومية.
6- تشير سطور محررة الصفحة الثقافية المنوه عنها فى بداية هذه الملاحظات إلى أن شخصيات كتاب مكاوي سعيد (تأخذك ... بحكاياتها وتفاصيلها وغرائب سلوكياتها وتصرفاتها ويأخذك التعجب فى كثير من الأحيان وأنت تتابع ردود أفعالها الفوضوية)، ونقول نحن هنا ألا يشار عادة إلى كل ما اسلفته المحررة بوصفه من سمات وخصائص الشخوص العبقرية فى حال لو قدر لشخصيات الكتاب الـ 42 الشهرة والنجاح بالمقاييس الإعلامية والثقافية؟!، ثم تقول المحررة بعد ذلك فى سطورها (وتمنيت أن يعرض لنا – تقصد مكاوي سعيد زميل الصعلكة سابقاً – وجوهاً أخرى سوية وايجابية إلى جوار تلك الوجوه المهمشة التى تهوى الصعلكة) ونرد عليها هنا: يا أنستي أو سيدتي مكاوي سعيد كان سيظل واحداً من زمرة الصعاليك المهمشين امثالنا – رغم كتاباته الجيدة – لولا صدفة أن شارك – بمجهوده لا بماله – زميلنا محمد صلاح الفنان التشكيلي فى تأسيس دار النشر المعروفة باسم "الدار"، وبالتالي أمكن له ترشيح روايته "تغريدة البجعة" لمسابقة جائزة البوكر العربية، ومن ثم وصلت الرواية للتصفيات النهائية للجائزة، فسلطت الأضواء على زميل الصعلكة وغدا من نجوم الساحة الأدبية، وهناك العشرات من الروايات التى تضارع "تغريدة البجعة" فى جودتها، لكن مؤلفيها لم تسنح لهم فرص الترشح أو التقدم للجائزة من قبل دور النشر سواء عامها – أى عام صدور تغريدة البجعة – أو الآن، وهو ما يقودنا للملاحظة الختامية عن ساحتنا الأدبية الجائرة.
7- للصديق القاص الدكتور فهمي عبد السلام مجموعة قصصية صدرت حديثاً أى فى نفس توقيت صدور كتاب مكاوي سعيد "مقتنيات وسط البلد" عنوانها "صاحبي الذى ضل .. صاحبي الذى غوي" (وللأمانة والموضوعية فإن عنوان سطورنا هذه مستلهم من عنوانها) لم يشار اليها ولو بخبر صغير فى صفحات الثقافة والأدب بساحتنا، والمفارقة أنها صادرة عن نفس دار النشر التى تتبع مكاوي سعيد، ولكاتب هذه السطور الكتاب المشار اليه سالفاً "العائش فى سيناريوهات " الصادر من شهور قلائل، وزع نسخ منه على العديد من محرري الصفحات الأدبية والثقافية بصحفنا القومية والمستقلة والمعارضة بما فيهم محررة ومحرر بجريدة أدبية تتشدق دوماً بأنها مهنية واحترافية وتخصصية ... الخ، زائد ناقد وناقدة اكاديميان أى استاذين فى الجامعة وصلتهما نسخ من الكتاب بالبريد، ومن شهورها للأن لم ينشر خبر صغير عن كتاب العبد لله باستثناء سطور بجريدة "القاهرة"، بينما الكتاب المذكور للنجم مكاوي سعيد أفردت له - وما يزال يفرد – الصفحات والحوارات والتغطيات ... الخ، والأمثلة على هذا التجاهل الجائر لغالبية الكتب الصادرة لكتاب ومؤلفين من غير المعتمدين والمشهورين بساحتنا الأدبية والثقافية باتت تشكل ظاهرة، فساحتنا افتقدت الوسطية واعتدالها، تماماً كتدين مجمل المصريين الذى افتقد الوسطية كذلك بسماحتها، فالكاتب فى مصرنا الآن إما أن يظل فى أسفل سافلين مع جمهرة أقرانه من جموع الكتاب بالساحة، وإما فى أعلي عليين مع القلة التى تعد على الأصابع، وهو ما يتسق على ما يبدو مع مشهدنا الآني الذي بات يفتقد العدالة الاجتماعية جراء تغول الرأسمالية المعولمة.