حاوره عبده وازن حياة صاخبة، شعراً وسياسة وأمسيات وأضواء، تقابلها حياة هادئة جداً مفعمة بالصمت والتأمل. * هناك ظاهرة عجائبية في مثل هذه الولادات! * ولكن هناك أمثلة متضاربة في هذه القضية! * بودلير يتحدّث دوماً عن الناقد الكامن في الشاعر والذي يوجهه! ـ صحيح. ولكن قد يؤثر الشاعر نصاً له على آخر، وقد لا يشاركه القارئ هذا الإيثار بل قد يخالفه فيه. * ما كان عنوان مجموعتك الأولى التي أسقطتها من أعمالك؟ ـ كان عنوانها "عصافير بلا أجنحة"."سجّل أنا عربي" * ماذا باتت تعني لك القصيدة السياسية؟ ريتسوس يجب أن نميزه عن الآخرين. * لكنه كتب قصائد سياسية عبر لغة مختلفة. * ماذا بات يعني لك وصفك بشاعر القضية أو شاعر المقاومة وفلسطين؟ * ولكن شئت أم أبيت أنت الشاعر ـ الرمز. * تجاوزت الستين لكنك تزداد نضارة شعرية. * لكنني أشعر أن كل كتاب لديك يحمل معه بداية ما... إذا كان رأيك هذا مصيباً فهو يفرحني. * أنت شاعر مراحل، وإذا عدنا الى أعمالك الكاملة نشعر بأن هناك محطات وأن كل محطة بداية... * وأعتقد ان ثمة خيطاً داخلياً يربط بينها. * بصفتك شاعراً مكرّساً وصاحب سلطة شعرية، هل أثرت عليك؟ ماذا تعني لك هذه الصفة؟ * هل تخشى أن تتوقف ذات يوم عن الكتابة؟ * لكنك لم تكتب قصيدة نثر مع انك كتبت الكثير من النثر؟ * لكنك لم تكتب قصيدة النثر، لماذا؟ * الشعر العمودي أيضاً شهد أزمة. * الموسيقى داخل القصيدة أقوى من الوزن الخارجي... ألا توافقني أن قصيدة التفعيلة تعاني أزمة؟ قصيدة النثر حازت شرعيتها وعلى شعرائها أن يعترفوا بالآخرين. ويفرحني أيضاً، فهم يحسّون ان أطروحات قصيدة النثر تمّ استيعابها في شعري. * وماذا عن البيت الأول الذي يتحدث عنه فاليري! * هل تعاني من مأزق الورقة البيضاء، هذا المأزق الذي يتحدث عنه كثيرون من الشعراء؟ * ولكن من أن تأتي رحابة معجمك الشعري؟ ثمة شعراء كبار في العالم معجمهم ضيق؟ * أنا أسمي سعيد عقل مثلاً، هو الشاعر الكبير معجمه محدود. الاعتراف بالجهل يعلّم. أحسن معلّم أو أحسن حافز على التعلّم هو أن تعرف انك جاهل. * شعرك لا يعبّر عن كونك شاعر فصاحة وبلاغة وشاعر معاجم...! أحاول أن أبسّط لغتي وأطرد منها المفردات الميتة، ولكن لديّ تمارين دائمة على فهم اللغة في طريقة أفضل. * هل تقرأ الشعر، أنت الذي تدعو الشاعر الى عدم الإكثار من قراءة الشعر؟ السينما من مصادري البصرية نعم. لكنها مصدر غير واضح كثيراً. لكنني أعترف إنني عاشق كبير للرواية. * هل فكرت يوماً في أن تكتب رواية مثل الكثير من الشعراء الذين كتبوا الرواية على هامش شعرهم؟ * ما رأيك بمقولة ان المستقبل هو للرواية وليس للشعر؟ وأن الزمن الآن هو زمن الرواية؟ * ولكن هل تعتقد ان الشعر قادر على ان يعبّر عن كل ما يجيش في نفسك وما يدور في رأسك من أفكار؟ النثر الصوفي أهم من الشعر الصوفي * ما رأيك بالشعراء الذين يستعينون بالمصطلحات الصوفية القديمة ليكتبوا شعراً صوفياً حديثاً؟ أنا شخصياً غير مهتم بهذه المسألة. ولا أعتقد أن في عصرنا الحديث والصاخب هذا هناك مكان للشعر الصوفي. * والصوفية الجديدة التي لا علاقة لها بالمصطلحات القديمة؟ * وماذا عن البعد الميتافيزيقي الكامن في شعرك؟ لا شك في أنها أحد مصادري الأدبية. * هل أعدت قراءة التوراة بالعربية؟ * وما رأيك بما يقوله بعضهم عن "حداثة" محمود درويش؟ محمود درويش: أمي هي أمي وأنا ابنها المفضّل لأنني الغائب وسيرتي الذاتية كتبتها شعراً نشرت في مجلة "شعر" بضع قصائد... كانت مجلة شعراء أكثر مما كانت مجلة منفردة بذاتها أو مجلة تيار واحد! والمعركة الفكرية الإحداثية التي خاضتها هذه المجلة هل عنت لك شيئاً؟ لكن "شعر" لعبت الدور الرئيس في ترسيخ القصيدة الحديثة! ـ لمَ لا؟ لكن "الآداب" لعبت مثل هذا الدور أيضاً. لكن "شعر" حصرت مشروعها في الشعر بينما "الآداب" كان مشروعها أدبياً ورفضت قصيدة النثر؟ "مواقف" مجلة الشاعر أدونيس هل تابعتها حينذاك؟ ـ صدرت "مواقف" عندما كنت في بيروت وكنت في مرحلة من أسرة تحريرها. كيف ترى الى "مواقف" لا سيما في تلك الفترة؟ ـ لم أنسحب لخلاف أو سواه، ولكن كان عندي مجلة "شؤون فلسطينية" ثم أصدرت "الكرمل" في العام 1981. الإشكال الذي أثاره تصريحك قبل فترة حول شعر الحداثة كيف توضحه، خصوصاً بعدما ترك التباساً أو سوء فهم؟ هل تقرأ الشعراء الجدد والشباب؟ مَن يتحمل مسؤولية هذا الفلتان الشعري؟ لكن الشاعر الفرنسي لو تريامون يقول إن على الشعر ان يكتبه الجميع! أي شعراء تركوا فيك أثراً شعرياً منذ البدايات؟ مَن كنت تقرأ عندما كنت في فلسطين؟ كنت في الحزب الشيوعي الإسرائيلي! من هم الشعراء الذين تفضلهم الآن وتقرأهم؟ وأبو نواس أليس هو من أوائل الشعراء "المدنيين"؟ لكنّ هذا لا ينطبق على كل شعره. ولكن هناك فرق بين الرؤيا والادعاء؟ من الذي ينفّرك من الشعراء الرواد مثلاً إذا عدت الى قراءة آثاره؟ هل عدت مرة الى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟ أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الإنسان! ـ هذا إحساس مؤلم ولكنه مطمئن، فالخديعة لا تعمّر طويلاً. كيف تقرأ الآن شاعراً مثل نزار قباني؟ ـ لا أقرأه الآن بالبهجة التي كنت أقرأه بها من قبل، لكن هذا لا يعني أنني لا أحبه. لكنك في الأحاديث الصحافية تنم عن ناقد يملك ذائقة ووعياً نقدياً! ألا تحس أحياناً انك في حاجة الى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟
دفاتر محمود درويش في حوار شامل
القصيدة السياسية لا تعني لي اليوم أكثر من خطبة وأرفض حصري بشعر القضية