يمكن أن تقاس أزمة المشهد الثقافي في سورية طردا مع المسافة التي تفصل الواقع فيها عن الديمقراطية،لأن الاشكالية الحقيقية تكمن في غياب مناخات الابداع الحقيقي، وهو ما تتلمسه السلطة السياسية أو تعبر عنه باعتباره أزمة مؤسسات، فتغير هذا المدير أو ذاك الوزير.

الحصاد الثقافي العربي لعام 2006 في سورية

أنور بدر

يمكن أن تقاس أزمة المشهد الثقافي في سورية طردا مع المسافة التي تفصلنا عن الديمقراطية، حتي أن الحديث عن أزمة في عناصر انتاج المشهد الثقافي، أو في غياب المثقفين، يبدو تضليلا للمسألة وابتعادا عن مكمن الخلل، فالكتاب والفنانون في سورية قد يكونون هم الأكثر كثافة بالنسبة لعدد السكان في البلاد العربية، لكن الاشكالية الحقيقية تكمن في غياب مناخات الابداع الحقيقي، وهو ما تتلمسه السلطة السياسية أو تعبر عنه باعتباره أزمة مؤسسات، فتغير هذا المدير أو ذاك الوزير، وليس مصادفة أن التغيير الوزاري الأخير هذا العام شمل حقيبتي الثقافة والاعلام، وهما الأكثر تعبيرا عن ذلك المشهد الثقافي المتحرك خلال عام كامل، دون أن نلمس أي تطوير في أداء المؤسسات الثقافية أو الاعلامية، فالأزمة تكمن في بنية تلك المؤسسات وعلاقاتها المتبادلة فيما بينها وبين البنية الفوقية لسلطة الدولة بتعبيراتها السياسية والأمنية، هذه العلاقة التي تسمح بتوليد الفساد ضمن المؤسسات الثقافية والاعلامية وتعميمه كنمط ادارة وعلاقات عامة، بحيث لم يعد يكفي تغيير رأس الهرم في هكذا مؤسسة حتي يتم الاصلاح الذي تدعو اليه السلطة السياسية أو ترفعه كشعار للمرحلة، لأن أي اصلاح أو تغيير حقيقي أصبح يحتاج إلي ما هو أكثر من أضعف الايمان، والي ما هو أكثر من الشعار. الاصلاح والتغيير الحقيقي يحتاج الي اعادة فرمتة تلك المؤسسات علي أساس من برنامج ديمقراطي حقيقي، يقوم علي احترام الآخر، وعلي تحديد سلطة المؤسسة وتوزيع المسؤوليات فيها.

وعندما نتحدث عن المؤسسات الثقافية، يصبح للديمقراطية دلالة اشد خصوصية وأكثر أهمية بآن معا، دلالة لا تقف عند حدود النتاجات الابداعية- علي أهميتها- بل تتعداها الي علاقة الديمقراطية بالشق الثقافي والمعرفي العام، والذي يعاد انتاج الكثير من المفاهيم والنظريات علي ضوئه. وفي حال غياب الديمقراطية العياني، سنكتشف تأبيد تلك المفاهيم والنظريات، وتأبيد سلطة تلك المؤسسات حتي لو تم تغيير المدير العام أو بضع مدراء فيها. وحتي لا نبقي في حقل النظرية والتعميم المجرد، وكي لا تستغرقنا التفاصيل الادارية في هذه المؤسسة أو تلك، سنحاول في هذه البانوراما رصد النشاطات الثقافية والابداعية في شتي حقول المعرفة. 

صناعة الكتاب وأزمة القراءة:
قد لا يختلف اثنان علي أن الكتاب يشكل الحامل المعرفي الأهم في حياتنا الثقافية، الا أنه لا يختلف اثنان أيضا علي وجود أزمة قراءة ان صح التعبير، فوفق تقرير اليونسكو للعام المنصرم فان معدل قراءة المواطن العربي لا تتجاوز سبع دقائق يوميا. هذه الأزمة قد يحيلها البعض الي الحالة الاقتصادية وغلاء سعر الكتاب، قد يحيلها آخرون الي انتشار وسائل الاتصال السمعي والمرئي بشكل مكثف، قد يري فيها البعض نتائج تعقيدات الحياة المعاصرة وتشييء الانسان، لكننا في المحصلة أمام تراجع في سويات القراءة سوف ينعكس بالضرورة علي صناعة الكتاب.  واذا كان المتنبي قد قال فيما مضي وخير جليس في الأنام كتاب فان المثقف الراهن يؤكد وخير جليس في الأنام هو الانترنيت وما بين المتنبي والمثقف المعاصر نجد انتشارا لظاهرة المثقف الأمي، والذي قد لا يكون قرأ كتابا في حياته، لكنه يتابع الفضائيات الاخبارية والدرامية وبرامج التسلية والمسابقات وصولا الي الفضائيات الدينية، بحيث هو قادر علي الالمام بكل شيء دون أن يتعمق في شيء، لكنه يعتمد علي رصيد من المعارف والتفاصيل والمتابعات قد يحسده عليه أعتي المثقفين.

مع ذلك لو نحن توقفنا مع أرقام الاصدارات السورية من الكتب وانتشار ظاهرة دور النشر الكثيف لربما كنا نصل الي نتائج مغلوطة، فالاحصائيات لدينا تفيد بوجود تزايد في العناوين المطبوعة، لكن هذه الزيادة لا تعبر عن تطور في الحالة الثقافية ولا تعبر عن تزايد مواز في سوية القراءة عند المواطن السوري. قديما كانت نسبة الأمية أعلي لدينا، لكن المثقف وحتي المتعلم العادي كان أكثر اهتماما، وأعمق في المحصلة. وهذا ما عبر عنه الناقد يوسف سامي اليوسف بقوله: لا يجوز القول بأن ثمة حركة ثقافية في سورية، بل فقط ركام ونقاط مبعثرة هنا وهناك .

فوزارة الثقافة طبعت (175) عنوانا في عام (2004)، وارتفع العدد في عام (2005) الي (184) عنوانا، بينما في عام (2006) ولغاية (30/9/2006) لم تطبع الا (108) عناوين فقط، كما تراجعت عدد النسخ من (4000) أو (5000) نسخة من كل كتاب الي (1000) أو (1500) نسخة في أفضل الحالات، مع العلم أن مطابع الوزارة قد رفدت مؤخرا بآلة طباعة حديثة يجب أن تسهم بدعم هذه الكمية من الربع الأخير من هذا العام. الاشكالية الأهم أن الألف نسخة المطبوعة من أي كتاب لا تجد طريقها الي القارئ بسهولة، حيث توزع منها الوزارة علي الدوائر الرسمية والمراكز الثقافية بحدود 650 نسخة، ويذهب ما بين الاهداءات وحصة المؤلف 200 نسخة، ويبقي للتوزيع في المكتبات والمعارض الداخلية والخارجية 150 نسخة فقط.

وفي تفصيل عائدية مطبوعات الوزارة وفق مديرياتها نجد أن (61) عنوانا تعود لمديرية التأليف والترجمة، (22) عنوانا لمديرية احياء التراث العربي، (6) عناوين لمديرية التراث الشعبي، (6) عناوين للمؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة الفن السابع، (4) عناوين لمديرية الآثار والمتاحف، (4) عناوين لمديرية ثقافة الطفل، (2) عنوان لمديرية تعليم الكبار، (2) عنوان لمديرية العلاقات الثقافية وعنوان واحد لمديرية الشؤون القانونية في الوزارة. فاذا علمنا التراجع في عدد النسخ المطبوعة والذي يصل الي الربع، كذلك الكساد الحاصل في الكثير من العناوين المطبوعة، فاننا نعلم حقا نسبة التراجع في القراءة.

ولو نحن بقينا مع وزارة الثقافة، فاننا نلاحظ تحسنا طفيفا في مطبوعات الوزارة من ناحية الطباعة ونسبة الأخطاء وكذلك الاخراج الفني والأمبلاج العام، ويسجل للوزارة أنها استطاعت عبر معارض القراءة للجميع في السنوات الأخيرة أن تتخلص من (600) ألف كتاب تعود لما قبل عام /2002/ عبر بيعها بأسعار زهيدة جدا لا تتجاوز (50 ل. س) للكتاب الواحد و(25 ل.س) لكتب الأطفال والدوريات. كذلك استطاعت أن تنجز كل العناوين المتراكمة في مطابع وزارة الثقافة من خارج خطة مديرية التأليف والترجمة الحالية، وقسم كبير منها لم توافق عليه المديرية أصلا.

الجهة الثانية المسؤولة عن مراقبة الكتاب وطباعته في سورية هي اتحاد الكتاب العرب، والذي ابتهج قليلا بتغيير رئيسه المتمسك بهذا المقعد عبر ثلاثة عقود في أواخر العام المنصرم، فذهب الدكتور علي عقلة عرسان وحل الدكتور حسين جمعة في رأس هذا الهرم النقابي المهم، لكننا بكل أسف لم نلحظ تغييرا في سوية الاتحاد أو نشاطاته، لأن هذه الاتحادات والنقابات لا تعدو كونها بني ومؤسسات ملحقة بالحزب القائد أو الحاكم، وبالتالي لا يعني شيئا تغيير تلك الأسماء، بل يجب البحث عن امكانية تغيير الوظيفة والدور بحيث يصبح الاتحاد ممثلا حقيقا لمصالح الكتاب والمبدعين وفضاء متاحا للدفاع عن حرياتهم، لا أن يتحول الي مجرد رقيب علي نتاجهم ويفتخر بسلطة العطاء والعقاب، يمارس اللعبة الانتخابية اثر جلسات استئناس للأعضاء البعثيين يتم فيها وضع اللوائح المرضي عنها حتي من أسماء المستقلين.

ومع ذلك استطاع اتحاد الكتاب العرب أن يطبع (1953) عنوانا منذ عام /1970/ وحتي الآن. واذا علمنا أن الاتحاد طبع في عام /1970/ ثلاثة دواوين شعرية، لكل من محمد الماغوط وعلي كنعان وممدوح عنوان، اضافة لمجموعتين قصصيتين لزكريا تامر وحيدر حيدر، بالمقارنة مع مطبوعات /2006/ مثلا ندرك أن ثمة تطورا كميا في أعداد الكتب المنشورة لكن جله سيء من الناحية النوعية كما يؤكد الناقد يوسف سامي اليوسف ، أي أن تلك الأسماء التي زينت المشهد الابداعي في سورية خلال ثلاثة عقود ونيف قد رحل بعضها والبعض ينتظر الرحيل، لكننا نفتقد ولادة أسماء موازية لها. حتي في المستوي الكمي نلاحظ أنه في عام /2000/ مثلا وصلت مطبوعات الاتحاد الي (145) عنوانا ثم هبطت بالتدريج حتي وصلت في العام المنصرم الي (103) عناوين فقط. مع ذلك يبقي اتحاد الكتاب العرب مع وزارة الثقافة من أهم الناشرين في سورية، لكنه في الوقت نفسه يعتبر أكبر ناشر للكتاب السيء، فكثير من العناوين تأخذ طريقها الي المطابع عن طريق الواسطة والعلاقات الشخصية، وعدد مهم من الكتب والمخطوطات الجيدة ترفض في غرفة الرقابة. أكثر العناوين المطبوعة في الاتحاد ما تزال في المستودعات، ولم تغطّ ثمن الورق الذي صرف عليها.  من جهة ثانية يسجل لاتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة اهتمامهما بثقافة الطفل، وقد بلغ رصيد اتحاد الكتاب العرب خلال (23) سنة (711) اصدارا خاصا بالأطفال، أي قرابة (37) عنوانا كل عام، فيما لم تطبع مديرية ثقافة الطفل في الوزارة الا أربع عناوين هذه السنة.

الأستاذ عبد الكريم ناصيف كاتب وروائي وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، يحدد أسباب العزوف عن القراءة بعاملين:

موضحا أن نسبة الأمية في سورية تصل الي (40%) وهي تتراوح ما بين (55%) في الاناث، و(25%) في الذكور، وهي نسبة لا تعترف بها الحكومة السورية، وربما يقصد الأمية الثقافية. ويضيف ناصيف أن وضع الثقافة في آخر درجة من سلم الأولويات يساهم في العزوف القرائي، حيث يتم الصرف علي الاعلام بسخاء، في حين يهمل الجانب الثقافي وبالطبع معروف أن الاعلام يقوم بتسويق وخدمة المواقف السياسية، فيما الثقافة تقوم علي النقد وتجاوز الحالة. احدي اشكاليات الكتاب، ليس في سورية فقط وانما علي مستوي الوطن العربي، ان 65% مما يطبع في الوطن العربي لا يحترم قواعد الملكية الفكرية ولا يخضع لها، وتصل هذه النسبة في عام الثقافة الالكترونية الي 80% من الأقراص المدمجة، والتي يعود ريعها الي قراصنة الكومبيوتر.

واذا تركنا اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة باعتبارهما أكبر ناشرين للكتاب في سورية، فاننا نلاحظ تكاثرا بشكل انشطاري في أعداد دور النشر الخاصة في سورية، دون أن يترافق هذا التكاثر أو التزايد العددي بتزايد مواز في الفعالية أو النشاط الا ما ندر. فباستثناء دور نشر كبيرة كالمدي وقدمس ودار الفكر لا نجد تلك الدور التي تستطيع أن تنهض بمشاريع ثقافية حقيقية، وتتميز دار أطلس بنشاط استثنائي ينبع من دينامية السيدة سمر حداد، حيث تتابع برنامجا هاما مع المنتدي الاجتماعي بدمشق لتشجيع القراءة لدي الشباب، كما تنشط في مجال معارض الكتب بأكثر من مناسبة، أو حفلات توقيع الكتب.

ونستطيع الحديث بالأرقام عن دور النشر الخاصة بعد أن عقد اتحاد الناشرين اجتماعه الأخير لانتخاب مكتب تنفيذي يعتبر بمثابة جمعية عمومية لهذا الاتحاد، فقد وصل عدد الناشرين المسجلين في الاتحاد الي (500) ناشر، أما الممارسون الفعليون لصناعة نشر الكتاب في سورية فلم يتجاوزوا (80) دار نشر! يتركز أغلبها في محافظة دمشق، بينما توجد دار نشر واحدة في محافظة درعا مثلا. بعض دور النشر وهمية تستفيد من تجارة الورق وفرق السعر ما بين القطاع العام والخاص، بعضها يحقق نوعا من البرستيج الاجتماعي وقروضا مصرفية في بعض الأحيان، وكفي الله الناشرين شر الكتاب!!

ربما تكون دار المدي في طليعة الدور من حيث عدد العناوين التي تصل هذا العام الي ستين عنوانا، ومن حيث أهمية هذه العناوين وبشكل خاص في حقل الأدب، حيث تصدر مجموعة من السلاسل: الأولي باسم مكتبة جائزة نوبل ، والثانية باسم أعمال خالدة ، اضافة للروايات الجديدة المترجمة عن اللغات المختلفة وبشكل خاص منها روايات أميركا اللاتينية.  الخطوة الهامة في عالم الكتاب هذه السنة تمثلت باحداث الهيئة العامة للكتاب بموجب القانون رقم 8 لعام 2006 الذي صدر بقرار من رئيس الجمهورية، حيث سيكون لها شخصية اعتبارية واستقلال مالي واداري لكنها ترتبط بوزارة الثقافة كشخصية اعتبارية. ونخشي أن تكون مجرد نسخة من باقي المؤسسات الثقافية التي ولدت عملاقة، لكنها عاجزة عن التطور بحكم الآلية البيروقراطية التي تدار بها، فلا مكتبة الأسد ولا اتحاد الكتاب العرب ولا وزارة الثقافة كانت قادرة علي اخراج الكتاب من بئر أزمته المزمنة. فماذا تحمل الينا الهيئة العامة للكتاب في حقيبتها؟!

قبل أن نغادر حقل الكتاب في سورية، نذكر أن لدينا أربعة معارض داخلية ومن (20) الي (22) معرضا خارجيا وعددا أكبر من المعارض الخاصة التي تقيمها بعض دور النشر منفردة أو مجتمعة، لكن أهم هذه المعارض هو معرض الكتاب السنوي الذي تنظمه مكتبة الأسد، الا أنه ومن سوء الطالع أن يتزامن المعرض السنوي هذا العام مع شهر رمضان، مما يعني أزمة مواصلات وتوقيتا رمضانيا خاصا، مما اضطر ادارة المكتبة لتغيير موعده الي منتصف آب/ أغسطس، لكن سوء الطالع لم يفارقه اذ وقعت الحرب العدوانية الاسرائيلية السادسة علي لبنان في هذه الفترة، وكان معرض الكتاب السنوي في سورية أحد ضحاياها غير المباشرين، حيث بلغت خسائر بعض دور النشر 50% أو أكثر قليلا، دار الفارابي اللبنانية هي الوحيدة التي زادت مبيعاتها عن العام المنصرم من خلال كتاب عن غيفارا ومن خلال ترجمات أمين معلوف، والتي ما زالت تنافس أعمال ميلان كونديرا الروائية، مع ترجمات جديدة لأورهان باموق التركي الحائز علي جائزة نوبل هذا العام وحنين قرشي من باكستان، كذلك كتابات أدونيس في دار الساقي والبدايات وأطلس ما زالت تحقق نسب مبيعات عالية.  

أزمة المراكز الثقافية:
من بين الاشكاليات المؤسساتية الأخري في وزارة الثقافة، تبرز أزمة المراكز الثقافية والتي بلغ عددها في سورية (422) مركزا وتنظم بعض المحاضرات والندوات الفكرية والأدبية. كما تؤمن مكتبة للمطالعة والاستعارة اذ تستضيف عددا من القراء في قاعة المطالعة ان وجدت، وتقوم أحيانا ببيع الكتب للمواطنين في اطار معارض مخصصة لذلك بحسم مبلغ (40%) علي أسعار كتب الوزارة، و(55%) بالنسبة للطلاب والمدرسين والصحافيين. اشكالية هذه المراكز أنها اتبعت ماليا واداريا لرؤساء مجالس المدن والبلديات وفق قانون الادارة المحلية الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء عام 1987، وكان السيد وزير الثقافة قد وعد في لقاء مفتوح معه في مدينة تدمر أن يجري العمل علي استعادة هذه المراكز الثقافية لصالح الوزارة، دون أن يتم هذا الأمر حتي تاريخه.  ولكننا نلاحظ ارتباط فعاليات مديريات الثقافة في المحافظات وحتي تلك المراكز الثقافية الصغيرة بنشاط وفعالية الشخص القائم علي ادارة هذا المركز أو تلك المديرية، ولا تنبع هذه الفعالية من عمل مؤسساتي مرسوم له، وفي هذا السياق نلاحظ مثلا أن نشاط مديرية الثقافة في محافظة الرقة يتجاوز نشاط مديريات الثقافة المجتمعة بما فيها المديرية المركزية القائمة في العاصمة دمشق. فحين تسلم السيد حمود الموسي ادارة الثقافة في الرقة أقام خلال عام واحد مهرجانات للشعر والرواية والمسرح والفنون التراثية، اضافة لاستضافته عددا كبيرا من المفكرين والأدباء، واقامته ندوات هامة حول حوار الحضارات، والعروبة والاسلام، وفلسفة المقاومة، وسواها... فيما تسير مديرية الثقافة في دمشق بقانون العطالة منذ سنوات، ولم يستطع السيد غسان كلاس القادم اليها من وزارة الكهرباء أن يضيء شمعة واحدة في ردهاتها، كما لم يستطع أن يحرك فيها ساكنا رغم مضي عام علي توليه هذه المهمة، فيما تتابع وزارة الثقافة رعايتها للعديد من النشاطات والتظاهرات الثقافية. وكرمت عددا من الأدباء والكتاب علي رأسهم الشاعر نزار قباني ضمن اطار تعاونها مع مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للابداع الشعري،حيث خلصت الندوة التي أقيمت بهذه المناسبة الي جملة من التوصيات، أهمها: ـ اقامة مهرجان شتوي سنوي باسم نزار قباني ـ تخصيص جائزة للشعر العربي تحمل اسم نزار قباني ـ تحويل بيت الشاعر الراحل الي متحف يضم تراثه المادي والمعنوي.

ومع ذلك لم نسمع حتي تاريخه بأي خطوة عملية باتجاه نقل هذه التوصيات الي الحيز العملي.  كذلك احتفت مدينة ادلب باقامة ندوة تكريمية للكاتب والقصصي الساخر حسيب كيالي، برعاية ابنها البار وزير الثقافة، كان من أهم انجازاتها اعادة طباعة أعماله الكاملة بهذه المناسبة، كما أقيم في معرة النعمان ـ مسقط رأس أبو العلاء المعري ـ مهرجان تكريمي له.  الظاهرة المميزة هذا العام كانت بدخول القطاع الخاص الي عالم النشاط الثقافي، ليس عبر الغاليريات والمعارض ذات المردود المادي المغري، بل عبر دارة الثقافة والفنون التي افتتحها الفنان والمغني بشار زرفان برعاية وزارة الثقافة وقد استقطبت في حفل افتتاحها أسماء هامة من الوطن العربي ومن سورية في مجالات الشعر والرواية والغناء، في طليعتهم الشاعر محمود درويش وقاسم حداد والروائي المصري ابراهيم أصلان، اضافة للفنان العراقي نصير شما.  ولا بد من الاشارة الي ظاهرة المهرجانات الثقافية والفنية،والتي أصبحت تتنافس عليها الكثير من المحافظات والبلديات السورية، وبشكل خاص في فصل الصيف، والتي جاءت الحرب الاسرائيلية الأخيرة علي لبنان لتقطع سياقها مؤقتا،مع أن الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية تابعت مسيرتها مع تغيير الشعار فقط، والذي أضافت اليه عبارة لدعم المقاومة والصمود في لبنان وأحيانا يشمل هذا الدعم كلا من فلسطين والعراق. 

رحيل أسماء هامة
لكننا عموما لا نستطيع النظر الي المشهد الثقافي السوري في عام 2006 الا ويغمرنا الاحساس بالأسي والفقد لرحيل أسماء هامة وقامات شامخة ساهمت علي مدي عقود منصرمة في صناعة ذلك المشهد، بدءا من رحيل الكاتب الموسوعي عبد المعين ملوحي الي رحيل الشاعر محمد الماغوط الذي ساهم بولادة قصيدة النثر العربية وتطورها اللاحق، الي رحيل الدكتور عبد السلام العجيلي والذي لا يقل أهمية بريادته للكثير من فنون الكتابة وبشكل خاص الرواية والقصة والسيرة الذاتية التي اختتمها بكتاب عن تجربته في حرب 1948، حين تطوع في جيش الانقاذ وهو طبيب ونائب في البرلمان السوري، وكانت الأديبة سلمي الحفار الكزبري آخر الراحلين ضمن هذه الكوكبة اللامعة من الأدباء، والذين يمكنني الجزم بأن المساحة الثقافية في سورية لن تقوي علي استعاضة قاماتهم بسهولة.

 وتجلس علي تخوم الكتاب وأزماته بعض الدوريات الثقافية، فنجد أن وزارة الثقافة لها حصة الأسد من تلك الدوريات وفي طليعتها من حيث الأهمية تأتي مجلة أسامة المخصصة للأطفال، والتي صدر أول عدد منها في شباط/ فبراير 1969، وهي تتابع صدورها الآن بعد توقف طال نسبيا، وقد انتظم صدورها مؤخرا بـ(11.000) نسخة من كل عدد، وقد وافق وزير الثقافة علي زيادتها الي (15.000) نسخة. أما أقدم المجلات السورية وأكثرها عراقة فهي مجلة المعرفة التي صدر أول عدد منها في آذار/ مارس 1962، وهي الآن تطبع (3850) نسخة توزع 3000 منها بسعر رمزي (25) ليرة سورية فقط، والباقي يوزع خارج سورية، وقد ساهم الكثير من الباحثين العرب في اغناء موضوعاتها، الا أن المجلة تدفع كحد أقصي للدراسة التي يمكن أن تصل الي (40 صفحة) مثلا (4000) ل.س، وهو مبلغ هزيل نسبيا ولا يتناسب حتي مع أجور الصحف اليومية الرسمية في سورية، وهو ما انعكس سلبا علي سوية الأسماء المستكتبة والموضوعات المنشورة، والتي تغص بما هو رسمي من كلمات وافتتاحيات وزراء الثقافة في شتي المناسبات الثقافية وغير الثقافية.  اضافة لذلك لدينا أربع دوريات تخصصية فصلية نظريا، لكن بعضها لا يطبع أكثر من عدد أو عددين في السنة، وبعضها توقفت لسنوات أربع ثم عاودت الصدور، الحياة المسرحية و الحياة السينمائية صدر من كل منهما (58) عددا حتي الآن رغم تباين فترات الانقطاع بين مجلة وأخري، أما الحياة التشكيلية التي أصدرت منذ عام 1980 وحتي الآن (75) عددا فقط، جاء آخرها بعد انقطاع قارب السنتين، بينما الحياة الموسيقية جاءت متأخرة نسبيا، فلم يصدر عددها الأول الا في عام 1992 وظلت بدون مقر حتي منحت مكتبا وموظفا للتنضيد علي الكومبيوتر في مقر المعهد العالي للموسيقا. وهذه الدوريات تطبع عموما أقل من ألفي نسخة. تبدو هذه الدوريات التخصصية مهمة جدا في مجالها، رغم الصعوبات المادية والادارية التي تعاني منها متفرقة ومجتمعة، حتي أن مشروعا طرح في وزارة الثقافة لدمج هذه الدوريات الأربع في مجلة واحدة، الا أنه لم ير النور.

هناك مجلة جديدة متخصصة صدرت هذا العام باسم مجلة تعليم الكبار ، صدر منها العددان الأول والثاني وطبع منها (4000) نسخة فقط.  أما الدوريات التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب، فقد طرأ عليها تحسن مؤخرا بعد وصول المطابع الجديدة، دون أن ترتقي الي مصاف ما هو مقبول في عالم النشر، فالموقف الأدبي التي صدرت منذ (35) سنة تقريبا تراجعت كثيرا في سوية كتاباتها وفي سوية هيئات التحرير المتعاقبة عليها، حتي أن القاص ابراهيم صموئيل طالب بشطب اسمه من الغلاف الأخير الذي شكل دعوة للكتابة في هذه المجلة، لأنه لا يريد ذلك، وتطبع هذه المجلة (7000) نسخة وتوزع في سورية وبعض البلدان العربية، فيما مجلة التراث العربي لا تطبع الا (2500) نسخة فقط، وأغلب توزيعها داخلي، لكنها بدأت بالتحميل علي شبكة الانترنيت، وتصل مكافأة المادة الواحدة أحيانا الي (7000) ل.س وهو أعلي رقم يدفع في سورية. من أهم الدوريات الفصلية التي تصدر عن الاتحاد مجلة الآداب العالمية والتي كانت تصدر باسم الآداب الأجنبية ، ويخصص كل عدد منها لآداب دولة أو شعب ما أو لمحور خاص مهم في الأدب العالمي، وقد صدر منها (127) عدداً حتي الآن.  كل هذه المطبوعات تكاد تشترك مع مطبوعات وزارة الثقافة، بتخلف سوية الطباعة وعدم الاهتمام بالغلاف والأمبلاج والصور وصولاً الي الاخراج الفني، وتعاني كلها من صعوبات مادية وادارية تنعكس في هيئة التحرير وفي قضايا الطباعة والتوزيع، وفي تحكم العلاقات الشخصية، خاصة مطبوعات الاتحاد، اذ يترأس تحريرها حكماً رئيس اتحاد الكتاب العرب. 

الاعلام السوري واختبارات الخصخصة:
مجيء الدكتور محسن بلال الي وزارة الاعلام ترك الكثير من علامات الاستفهام، فسجله المهني كطبيب جراح وعضو في مجلس الشعب البرلمان السوري وسفير للخارجية السورية، جعلنا نتساءل ماذا سيحمل معه لوزارة الاعلام؟ لم يتأخر وصول الجواب، فاذا كانت وزيرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان قد سحبت الملف الاعلامي من الوزير الدكتور مهدي دخل الله منذ أن كانت ناطقة باسم الخارجية السورية، فان الوزير بلال لم يكتف باسترداد الملف الاعلامي لوزارته، بل سحب معه ملف السياسة الخارجية، حيث يضطلع بالكثير من المهام تحت بند العلاقات الخارجية، لكن الكثيرين يعتقدون أن ذلك جاء علي حساب اهتمامه بتطوير الاعلام المحلي.  ويمكن القول ان تغيير وزير الاعلام هذا العام تزامن مع تغيير أهم في هرم اتحاد الصحافيين السوريين، فزال صابر فلحوط من رئاسة الاتحاد وحل محله الياس مراد الذي كان مديراً لتحرير جريدة البعث اليومية، فماذا حصل؟  خطوة الي الأمام خطوتان الي الوراء ليس عنوان كتاب لينين هذه المرة، بل هو عنوان مسلسل التغيير والاصلاح في سورية، وكأننا في كل مرة نرفع هذا الشعار أو نتقدم خطوة باتجاهه، ينتابنا الخوف من المستقبل أو المجهول، لعله الخوف علي مصالح تراكمت خلال عقود؟ ربما يكون الخوف أن تفلت اللعبة من خيوط المشخصاتي الذي يتحكم بدمي كراكوز وعيواظ؟ لكننا في المحصلة نتراجع خطوتين الي الوراء، فقانون المطبوعات الذي كان الدكتور صابر فلحوط يدعي ـ في آخر أيامه ـ ويطالب بتعديله، ما زال يجثم فوق كاهل الصحافة السورية، مهدداً بعقوبة السجن والغرامات المالية لأي مخالف له.  وزير الاعلام السابق كان قد وعد بتغيير القانون، وشكلت لجنة لذلك، ثم عفا الله عمن سها، لأن تغيير القانون ليس قراراً اعلامياً أو نقابياً، بل هو قرار سياسي، والبعض يقول انه قرار أمني، وفي المحصلة لا الوزير ولا رئيس اتحاد الصحافيين قادران علي تغيير هذا القانون، حتي يشاء القائمون علي القرار السياسي أو الأمني أمراً كان مقضيا.

المسألة الثانية المعلقة هي هيكلة المؤسسات الاعلامية الرسمية في سورية، أو ما عُرف بقانون الدمج الذي صدر وتمت الموافقة عليه من قبل مجلس الشعب البرلمان بتاريخ 9/6/2005 محدداً ثلاثة أشهر لاصدار التعليمات التنفيذية واستكمال تطبيقه، وبتاريخ 8/9/2005 أي قبل يوم واحد من انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي حددها القانون، أعلن وزير الاعلام السابق قراراً بتكليف مدير الرقابة في الوزارة بمهمة مدير عام المؤسسة المدمجة من صحيفتي الثورة و تشرين ومن المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات، دون أن يتمكن من تأمين مكتب له في أي من المؤسسات الثلاث، وتوقف مشروع الدمج هنا، دون أن تصدر المطبوعات المنوه عنها في القانون، وبدون تغيير في صلاحيات رؤساء التحرير، وتزايدت خسائر المؤسسات المدمجة، والخلافات الادارية ضمن كل مؤسسة علي حدة، حتي جاءت التوصية في مؤتمر اتحاد الصحافيين الأخير بوقف الدمج. فلماذا صدر القانون؟ ولماذا لم يطبق؟ وكيف تبقي التوصية دون اقرار أو الغاء حتي الآن؟ لا أحد يعرف. ما حصل هو فقط تغييرات ادارية كالمعتاد، طالت الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون، اذ تسلم ادارتها السيد ماجد حليمة الذي تدرج في عدة مناصب فيها منذ عام 1981، فقام بدوره بعدة مناقلات ادارية طالت أقسام وادارات الصف الأول والثاني في الاذاعة والتلفزيون. كما جري تغيير مواز طال العديد من البرامج الاذاعية والتلفزيونية.  يقول السيد حليمة حول هذه الاجراءات: انها مرحلية، تهدف لاعادة النظر في آليات العمل القديمة والبرامجية وفي الأوضاع المالية والادارية بهدف ضبط العمل المؤسساتي وتكريسه. مع أننا لا نعتقد بقدرة هكذا اجراءات علي نشل زير الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون من بئر أزمته، فهو يدرك الي أي درجة يستطيع ممارسة حريته في التغيير والاصلاح الاعلامي، وأين تبدأ الخطوط الحمر.  لذلك قدم خطاً آخر للاصلاح تحت يافطة تحويل الهيئة الي مؤسسة اقتصادية مستقلة مالياً وادارياً ووضع نظام عمل جديد يتيح لها أن تواكب الاعلام العالمي لا أن تنافسه، ونحن نشكر له هذا التواضع، مع أهمية النقاط التي أثارها في هذا المستوي كتحويل الفضائية السورية الي فضائية للأسرة العربية، وانشاء فضائية اخبارية وبرامجية جديدة لتقديم الموقف السوري الي العالم. الا أننا نخشي أن يكون هذا البرنامج الاصلاحي حتي بعد اقراره ـ فيما لو أقر ـ شبيهاً ببرنامج دمج المؤسسات الاعلامية، لا هو مُطبق فنستفيد من مزاياه، ولا هو ملغي فنرتاح من سلبياته.

اشكالية الاعلام السوري أنه منذ التأميمات الأولي في مطلع الستينات، وهو اعلام دولة، ملتزم بخط سياسي وأيديولوجي أدي علي افقاره شكلاً ومضموناً، وأساء الي الدولة التي يعبر عنها أكثر مما خدمها. حتي انه في استبيان نشرته صحيفة الثورة بتاريخ 7حزيران/ يونيو من هذا العام أبدي (57.44%) فقط ثقتهم بقنوات التلفزيون السوري، فيما انخفضت النسبة في الاذاعة الي (55.13% )

وفي استبيان آخر حول الصحف السورية نجد أن (45%) فقط هم الذين يعتقدون أن صحافتنا تمارس دورها بجرأة وحرية، وأعرب (69%) منهم أن هذه الصحافة موجهة من قبل الحكومة. أما من حيث قدرة تأثير الاعلام السوري المرئي القنوات التلفزيونية فتبلغ (57%) بالنسبة للتلفزيون السوري، بينما يصل تأثير الفضائيات العربية في المواطن السوري الي (68%). وهذا يعني أن اقتراح السيد حليمة بانشاء محطة اخبارية سورية جديدة قد يكون مفيداً، خاصة وأن الفرنسيين أقاموا محطتهم الاخبارية التي ستبث قريبا بالعربية علي مدار 24 ساعة، ناهيك عن الفضائيات الأخري التي تتنازع أثيرنا يوميا، الا أن المشاركين باستطلاعات الرأي السابقة يؤكدون أن أهم الاجراءات المطلوبة لتحسين أداء الاعلام السوري هي:

ولننتبه الي أن هذه الملاحظات والمطالب ليست قادمة من المعارضة السياسية مثلاً، بل هي تعبير عن آراء مواطنين عاديين خضعوا لاستفتاء أجرته مؤسسة معترف بها، ونشر في صحيفة الثورة الرسمية، ولنلاحظ أيضاً أنه باستثناء مطلبي تحسين الأجر والتدريب، فان المطالب الثلاثة الأخري تركز بشكل أو بآخر علي موضوع الحرية، الحرية في قانون الاعلام، الحرية للمراسلين والحرية في ترخيص قنوات خاصة. المسألة الأخري بهذا الصدد والتي لم يشر اليها الاستفتاء علي أهميتها، هي الحرية في الحصول علي المعلومة من مصادرها السياسية والادارية داخل البلد، لا أن ننتظر تسريباً للمعلومة عبر مراسل صحافي، أو من جهة اعلامية خارجية.

دعونا نتوقف مع الاعلام الخاص في سورية، والذي كان مطلباً ملحاً في يوم ما، فنلاحظ أن وزارة الاعلام منحت خلال سنتين حوالي (140) ترخيصاً اعلامياً لمطبوعة مقروءة، كما منحت ترخيصاً لعشر اذاعات خاصة، فماذا كانت النتيجة؟  أغلب التراخيص ذهبت باتجاهات فنية واعلانية ورياضية، وباستثناء صحافة أحزاب الجبهة الوطنية المشاركة في الحكم فان ترخيصين فقط منحا لمطبوعة سياسية، الأول كان لمجلة أبيض وأسود ، والآخر منح في نهاية هذا العام لصحيفة يومية باسم الوطن ترددت اشاعات كثيرة حول عائديتها، الا أنها تصدر من المنطقة الحرة في سورية، وقد استقطبت عدداًُ من الأسماء الهامة في الاعلام السوري، خاصة في الشأنين السياسي والاقتصادي، وتحاول أن تتمايز عن الصحافة الرسمية في سورية من خلال توزيع مواد الصفحة الأولي، صياغة العناوين، وطريقة عرض الخبر، وهي تفتخر بأنها أول صحيفة سياسية مستقلة في سورية منذ أربعة عقود (هي زمن التأميمات) ولكنها مع ذلك لا تنوي قطع حبل السّرّة مع النظام، لذلك لا تذهب بعيداً في التقاط الرأي الآخر، أو في انتقاد السلطة السياسية وقراراتها أو توجهاتها، ولذلك لم تستطع أن تبلور حتي الآن شخصية مستقلة جديرة باسم الوطن .

كذلك ظهرت في نهاية هذا العام صحيفة جديدة باسم الجولان ، كان قد سبق اصدارها في ثلاثينات القرن الماضي، وتجري استعادتها الآن لأهداف سياسية نضالية تعريفية كما أكدت الدكتورة نجاح العطار.  التجربة المميزة كانت في الصحف الاقتصادية المختصة، اذ ظهرت الاقتصادية أولاً وحققت نجاحاً باهراً وتوجهاً انتقادياً مستقلاً، ثم جاءت مجلة المعارض والأسواق بالتشارك بين نبيل طعمة والمؤسسة العامة للمعارض، ثم تتالت مجموعة من هذه المطبوعات بورصات وأسواق و الأزمنة و المال وجميعها تتمتع بمستوي احترافي في التحرير والاخراج الفني وطبيعة الصور.

بينما جاءت التراخيص الثقافية والاجتماعية الممنوحة دون المستوي المطلوب، وتعبر عن مصالح اقتصادية أو رجال أعمال يبحثون عن الاعلانات فقط، وبالتالي لم تهتم بالمستوي الفني ولا بالمضمون، وبعض الصحف الخاصة الناقدة كـ الدومري و المبكي وسواهما تعرضت لسحب الترخيص حين تجاوزت الخطوط المرسومة لها ولو قليلا.  أما الاذاعات الخاصة فهي بكل أسف اذاعات تبث الأغاني والاعلانات فقط وبعض المنوعات وبرامج الاتصالات والحظ والأبراج وطبق اليوم وما الي ذلك. فماذا يضيف العدد عشرة الي هذه الاذاعات؟

اعتقد أننا بحاجة الي اذاعة حقيقية تعني بمشاكل الناس وهموم البلد وتنقل طموحاتهم وتعبر عن أزماتهم.

لكن في حقل الفضائيات الخاصة التي كان قد وعد بها وزير الاعلام السابق مهدي دخل الله، فقد ذهب وذهبت وعوده معه، ويبدو أن الوزير الجديد لا يفكر بالموضوع، حتي أن المدير العام لهيئة الاذاعة والتلفزيون يفكر بافتتاح فضائية اخبارية جديدة للهيئة، وليس باتجاه اعطاء تراخيص لفضائيات خاصة، وان فضائية الشام الخاصة التي عملت بالتنسيق مع الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون وفي ظرف سياسي خاص، لم تلبث أن أوقفت عن العمل بعدما بدا أن وظيفتها قد استنفدت.

اشكالية الاعلام في بلدنا أنه اعلام حكومي، بينما في كل أنحاء العالم هو اعلام سوق، هو مؤسسة انتاجية رابحة في كل دول العالم الا لدينا، حيث تنفق عليه الدولة أكبر ميزانية بعد وزارة الدفاع، دون أن يعطي أي مردود، السيد حليمة يفكر الآن بتحويل الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون الي مؤسسة مستقلة مالياً واداريا، لكن دون ذينك القرارين السياسي والأمني من جهة، والبيروقراطية الكسولة التي تقوم علي النهب، فماذا لو تغير السيد ماجد حليمة عن هرم الهيئة؟  السؤال قبل ذلك: لماذا لا تحقق المؤسسات الاعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية ربحية مالية كما في كل المؤسسات الاعلامية في العالم؟ هناك أكثر من اشكالية، بعضها بيروقراطي يرجع لطبيعة القوانين النافذة، وبعضها الآخر مؤسساتي يتعلق بالبني القائمة علي الاحتكار كالمؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات التي تأخذ (31%) من سعر أي مطبوعة، وهو أعلي سعر تتقاضاه أي مؤسسة مشابهة في العالم. كذلك المؤسسة العربية للاعلان والتي تأخذ وسطياً (15%) من قيمة أي اعلان، دون أن تقدم أي خدمة اعلانية، وهاتان المؤسستان احتكاريتان في البلد، وتقومان علي اقتطاع ما نسبته (50%) من ثمن أي مطبوعة مثلاً، دون أن تضيفا اليها شيئاً ما.  لذلك جاء قانون المنطقة الاعلامية الحرة، والذي تصدر منه الآن بعض المطبوعات، وكان منتظراً منه أن يحتفي ببث بعض الفضائيات العربية، لكن وزارة الاقتصاد تضع شروطها التقنية، والقرار الأمني يضع شروطه غير المعلنة، وتبقي المنطقة الحرة هي المآل الوحيد للتهرب من سندان المؤسسة العربية للاعلان ومطرقة الروتين والقوانين الناظمة داخل البلد.

والذين عز عليهم دخول المنطقة الحرة الاعلامية في سورية للأسباب السابقة، لجأوا الي الاعلام الالكتروني، مستفيدين من ميزاته التكنولوجية العالية، سرعة البث، مدي الانتشار الأوسع علي شبكة الانترنيت، التهرب من الرقابة المباشرة ومن المؤسسات المتطفلة علي الاعلام، وسهولة التعامل معه، وانخفاض التكاليف أيضاً. كل ذلك ساعد علي ردم الهوة بيننا وبين العالم في هذا المجال، حيث أن فرق الصفحة بين ظهور الاعلام الالكتروني في العالم وبين استخدامه لدينا لم يتجاوز العشر سنوات، وقد حاولت الحكومة الدخول علي هذا الخط من الاعلام عبر مواقع مشتراة لصالحها، أو ضمن اتفاقيات معينة، لكنها في النهاية لم تستطع أن تتحمل حتي هذه المواقع، فتم حجب عشرات المواقع السورية، وقد وصل الحجب الي مواقع عالمية كموقع الياهو مثلاً. وكانت صحيفة القدس العربي محجوبة، لكن الحجب طال مؤخراً العديد من الصحف العربية كـ المستقبل اللبنانية و السياسة الكويتية و الشرق الأوسط اللندنية بالاضافة الي صحيفة النهار اللبنانية.

الاشكالية الأساسية في الاعلام الالكتروني لدينا لا تتوقف عند مسألة حجب المواقع الالكترونية، بل تتعداها الي مزود الخدمة الرئيسي في البلد متمثلا بالجمعية العلمية السورية للمعلوماتية منذ عام 1996، اذ يتمتع بالبطء في التشغيل، والانقطاعات المتكررة بسبب المصفيات أو برامج البروكسي التي يتم من خلالها التحكم بالمادة الالكترونية لجهة المراقبة أو المنع، وهو ما يثقل علي المخدم الضعيف القدرة أصلاً، وتأتي اشكالية مقاسم الاتصالات القديمة تحديداً في سورية، باعتبارها البنية التحتية لشبكة الانترنيت، لتزيد من صعوبات التواصل عبر هذه الشبكة.  ومع ذلك ظهر في العام المنصرم العديد من المواقع الالكترونية الجديدة، بعضها سياسي تحديداً يهتم بشأن المعارضة، وبعضها ثقافي سياسي منوع، ونذكر منها مواقع ألف تودي الذي كاد ينطفئ أخيراً لقطع التمويل عنه، فيما استمر موقع الجمل بقوة.

الرقابة:
مشكلة الرقابة في الاعلام هي أولاً وآخراً مشكلة ثقة في النفس، فالدولة اكبر من الأفراد حتي لو انتقد بعضهم الحكومة أو بعض سياساتها، ولا يجوز منع صحيفة أو موقع الكتروني بحجة أن فلاناً من الناس ينتقد أداء الحكومة السورية أو يبدي رأياً معارضاً لموقف رسمي ما، وكم كنت حزيناً عندما اشتريت صحيفة القدس العربي في مسقط مثلاً، بينما أنا في سورية لا أستطيع الدخول الي موقعها الالكتروني.  مسألة أخري هامة وفي صلب الوظيفة الاعلامية والتي لا تقتصر علي تقديم الموقف السياسي الرسمي للحكومة لأن الاعلام معني أيضاً بتسويق وتقديم الفنون والثقافة السورية، وقد كان السيد مدير الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون واعياً لهذا الدور، فوعد في لقاء مع صحيفة تشرين ببحث جوانب الأزمة التي تعاني منها الأغنية السورية وصولاً الي الحلول المناسبة والملائمة، مكتفياً مبدئياً باستعادة برنامج ليالي التلفزيون بشكل شهري الآن.  وأنا اعتقد أن السيد ماجد حليمة جاد في هاجسه لتطوير العمل الاعلامي، وفي سعيه لدعم الأغنية السورية التي تحتاج الي ما هو أكثر من برنامج شهري أو حتي أسبوعي، فالبث التلفزيوني لدينا يومي وعلي ثلاث محطات ـ فضائية وأرضيتين ـ ونحن نتابع عليهما ألواناً من الأغاني والفيديو كليبات التي لا تسر الخاطر.  مع أن من يتابع موضوع الأغنية السورية يكتشف أن لدينا أسماء مهمة في هذا الحقل، لدينا نخبة من المطربين السوريين يكادون يكونون معروفين في دول المغرب العربي أكثر مما هم معروفون في سورية، فكم مرة يظهر المطرب الكبير صباح فخري مثلا أو شادي جميل علي الشاشة السورية في العام الواحد؟ ومن يعرف منا المطرب عبود حمام الذي تقام له أهم المهرجانات في تونس؟ ومن منا في سورية يتابع حفلة للمنشد حمزة شكور أو لفرقة شيوخ سلاطين الطرب؟ ولماذا يكرم صفوان بهلوان في القاهرة عاصمة الفن، ويُمنع من الظهور علي الشاشة الوطنية؟ هل علم التلفزيون السوري أن شيخ المطربين صبري مدلل قد رحل منذ ثلاثة شهور أو أكثر قليلا؟ وأين الاعلام السوري من هؤلاء الأعلام في الأغنية العربية؟

اضافة لذلك نجد أن المعهد العالي للموسيقا خرج عدداً من الأصوات المتميزة لأسماء موهوبة في عالم الغناء، وبعضهم حصل علي جوائز عالمية، ونذكر أن المركز الثقافي الفرنسي في دمشق ـ علي سبيل المثال ـ قدم مجموعة من الحفلات المتميزة ضمن برنامج أصوات نسائية ، أذكر منهم لينا شاماميان، لبانة قنطار، ليندا بيطار، شمس اسماعيل، وعد بوحسون، سيلفي سليمان، ميرنا قسيس، وأخريات كثر، وما لا يقل عنهن من الأصوات الذكورية الشابة.

هل نتذكر أن لينا شاماميان نالت هذا العام جائزة راديو مونتيكارلو الشرق الأوسط 2006، وأن لبانة قنطار جاءت الخامسة في ترتيب عالمي لأفضل مغنية أوبرالية هذا العام؟ سبق وتساءلنا لماذا نصرف الملايين سنوياً علي مهرجان الأغنية السورية، والذي لم يقدم صوتاً واحداً متميزاً، بينما لدينا في سورية عشرات الأصوات المهمة محلياً وعالمياً مع ذلك لا نهتم لها ولا نسعي لتسويقها، لماذا يقدم المركز الثقافي الفرنسي برنامجه أصوات نسائية ولا تهتم الاذاعة والتلفزيون بذلك؟ هل يكفي أن يقام حفل لهذه المطربة أو تلك في دار الأوبرا أو في مناسبة ما حتي نشعر أننا أنجزنا ما علينا تجاه الأصوات الجميلة في بلدنا والباقي علي الله؟ أم أن مهمة التلفزيون ليست تسويق هذه الأصوات فقط بل الدخول كطرف منتج للأغنية السورية، كما دخل كطرف منتج للدراما السورية خاصة في ظل غياب شركات انتاج خاصة تستطيع احترام تلك الأصوات واحترام جمهورها.  علامات استفهام تبقي مفتوحة برسم الاجراءات المنتظرة في الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون.  

الثقافة والفنون البصرية:
حققت الدراما السورية حضوراً لافتاً في الدورة الرمضانية الأخيرة، سواء علي الشاشات الوطنية الثلاث (الفضائية والأرضيتين) أو عبر الفضائيات العربية، فمن أصل (47) عملاً سوريا أنتج في هذه الدورة عرض التلفزيون السوري (28) عملاً درامياً، وبعض هذه الأعمال مع الأعمال الأخري التي لم تجد طريقها الي الشاشة السورية، أو التي احتكرت بعض الفضائيات المنتجة أو الممولة أول عرض لصالحها فقط، فكنا معنيين اذا أردنا متابعتها أن نبحث عن الفضائية الأخري، وهذه المسألة تكتسب أهميتها في غياب جهة مشرفة علي الانتاج الدرامي، ويمكن لها أن تقدم احصائيات عن هذه الدراما وتوجهاتها، حتي أن المتابع لما كتب عن الدورة الرمضانية السابقة قد يفاجأ بأرقام تتراوح ما بين (44) أو (52) عملاً سوريا، وبغض النظر عن دقة المعلومة الاحصائية يقول الممثل والمنتج أيمن زيدان: لو حسبنا علي سبيل المثال التكلفة المالية للأعمال المنتجة هذه السنة في سورية، وعدد العاملين فيها، لوجدنا أن هذه الصناعة هي أفضل من أي مشروع انتاجي، لأنها قادرة علي خلق حراك صناعي اقتصادي مهم للغاية، ولا ادري لماذا لا تلفت اهتمام أحد، ولا تدرج علي بساط البحث، فلا زال الانتاج يمر بحالات فوضوية، ولا يوجد من يحمي الانتاج التلفزيوني .  ومن باب المقاربة الوسطية نقول ان تكلفة المسلسل الواحد تبلغ حوالي (18) مليون ليرة سورية، (أي 360 ألف دولار)، لكن المسلسلات التاريخية تكلف أضعاف أضعاف هذا الرقم، لذلك نلاحظ تراجعاً ملحوظاً في الأعمال التاريخية ذات الانتاجات الضخمة، وان وجدت فهي انتاجات خليجية تحديداً، بينما الجزء الأساسي من المسلسلات السورية يسير باتجاه الدراما الاجتماعية الخفيفة الناقدة.  الكاتب والسيناريست نجيب نصير يعتبر ان الدراما التلفزيونية السورية فعالية غير مفكر بها، فعالية خيرية شبه تطوعية، نحن شعوب لا نعتبر للفن قيمة مادية، وجاءت المشاهدة المجانية لتؤكد هذه الصفة ويضيف أن شركات الانتاج مرتاحة لأي تطور، فاذا لم تشتغل هذه الشركات بالدراما تشتغل بالخشب أو الورق، فأين المشكلة؟ .

مشكلة الدراما السورية ما بين الانتاج والتوزيع، لأن أغلب الشركات المنتجة لدينا هي شركات منفذة، ورأس المال المنتج هو خليجي بالدرجة الأولي، وفي حال وجد رأس المال المحلي نكتشف أنه لا يحمل مشروعاً ثقافياً، بقدر ما يحمل مشروعه التجاري الربحي، وفي كلا الحالتين نكون أمام معضلة التسويق، وبشكل خاص للأعمال التي ينتجها التلفزيون السوري، فأي عمل يكلف (18) مليون ليرة سورية وسطياً، يجب أن يعطي ضعفي هذا المردود من خلال التوزيع، وهنا نلاحظ غياب الدولة أو أي جهة عن هذا الموضوع، وعجز الشركات الصغيرة عن تسويق أعمالها، واحتكار الفضائيات الخليجية للعرض الأول بالنسبة لأغلب الأعمال التي تنتجها. حتي الأعمال التي تعرض علي التلفزيون السوري تخضع لمعايرات قد تكون غير عادلة فيما يتعلق بتوقيت البث، وحجم الدعاية أو الاعلان عن هذا العمل أو ذاك، بحيث نجد أن الكثير من الأعمال الدرامية ظُلمت هذا العام لغياب الاعلان المسبق عنها، ولعرضها في أوقات قد لا تجد متابعين لها كالساعة الخامسة من صباح كل يوم رمضاني مثلاً.  مع ذلك اتصفت الدراما السورية هذا العام بجرأة في نقد المسؤولين وأولادهم في أكثر من عمل، كذلك تم تكريس نمط من دراما الأحياء الفقيرة، التي تغوص في قاع المجتمع السوري بكل تناقضاته واشكالاته، فيما لم تحرز الكوميديا أي تقدم ملحوظ هذا العام.

ولو انتقلنا من الدراما الي السينما السورية سنكتشف أن المؤسسة العامة للسينما حملت خططاً جريئة باتجاه تكثيف الانتاج السينمائي وتشجيع القطاع الخاص علي خوض تجربته الانتاجية، والانتقال من سينما المخرج- المؤلف- الي سينما الأدب ان صح التعبير، وكانت باكورة هذا الانتاج فيلم حسيبة للمخرج ريمون بطرس، فيما يستمر بنجاح ملحوظ عرض فيلم الآباء الصغار لدريد لحام، في كل من دمشق وحلب، بعدما حقق نجاحاً لا يقل عن ذلك أثناء عرضه في مصر، وهو انتاج مشترك سوري ـ مصري، وربما لهذا السبب يترأس دريد لحام لجنة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي، فيما أنهي عبد اللطيف عبد الحميد فيلمه الذي تأخر عاماً كاملاً بسبب اشكالات فنية وادارية. كما أنهي المخرج محمد ملص تصوير فيلم المهد أيضا. ويجري الآن تشجيع عدد من المخرجين الشباب علي خوض تجربة التصوير بالديجيتال أو عبر تقنية (HD) التي يمكن أن تساهم بخفض النفقات، وزيادة معدلات الانتاج السنوي، علماً أن دورة الانتاج في المؤسسة العامة للسينما سوف تنتقل مع مهرجان دمشق السينمائي العام القادم لتصبح دورة شهرية.  النشاط الأبرز للمؤسسة العامة للسينما كان هذا العام في حقل الأسابيع والمهرجانات السينمائية التي غطت مساحة العام المنصرم بالعديد من الأفلام الجيدة والجديدة.

ومع أن الظاهرة الأهم هذا العام كانت في حقل المسرح، حيث احتفت دمشق ووزارة الثقافة بمهرجان دمشق المسرحي الثالث عشر، لكنه جاء مخيباً للآمال في أكثر من مستوي، بدءاً من حفل الافتتاح الي التنظيم والاعلان والوفود المشاركة والعروض التي قدمت بعد أن رفضت من لجان الرقابة.  استبعاد مخرجي المسرح القومي لصالح عروض للهواة بأغلبها، وبعض العروض المستعادة منذ أكثر من سنة، هذا السقوط المدوي لدورة المهرجان كان ضحيتها - كالعادة ـ مدير المسارح والموسيقي جهاد الزغبي باعتباره الحلقة الأضعف، وجري لأول مرة في تاريخ المديرية تكليف شخص من خارج الوسط الفني هو الأستاذ بسام ديوب المدير الاداري والقانوني في وزارة الثقافة ليشغل منصب مدير المسارح والموسيقي، ثم عين الأستاذ عماد جلول نائباً له، وكان يشغل أيضاً منصب مسؤول الشؤون الادارية في المديرية، وهو من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية ـ قسم الدراسات المسرحية.  ويكاد المسرحيون في سورية يجمعون علي أن أزمة المسرح لدينا هي أزمة مؤسسة تكاد تحتكر الاشراف علي العمل الفني دون أن تساهم في تطويره، واشكالية المسرح الحقيقي أنه فن جماعي يقوم علي الحوار ما بين المنصة والجمهور، وما بين الممثل والمتفرج، ويبدو أن الحوار كفعل ثقافي غير مرحب به، وبالتالي كيف يمكن أن يتطور المسرح في غياب الأجواء الديمقراطية وحرية التعبير؟  المسألة الهامة أيضا أن المسرح يحتاج الي دعم مالي من قبل الدولة، خاصة في ظل غياب ثقافة السبونسر أو الدعم الأهلي، لأن الثقافة بالأصل لا يمكن أن تكون بقصد الربح. والمسرح هو أكثر الأعمال الفنية تكلفة، وبنفس الوقت ربما يكون اقلها ريعية، خاصة وأننا افتقدنا العلاقة الحميمة بين المسرح والواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فيما نلاحظ أن أعمالاً تجارية هابطة لا تزال تعرض لأشهر متواصلة في صالات العاصمة وبعض المدن السورية، بينما مساحة عروض القومي لدينا لا تتجاوز (21) يوماً، هو شرط الحصول علي المكافأة المالية.

الظاهرة الموازية التي يمكن الاهتمام بها هي ظاهرة حزمة من المهرجانات والتي ما زالت تتكاثر في المحافظات، اضافة لمهرجان المسرح الجامعي وآخر ظهر هذا العام باسم مهرجان الهواة المسرحي الأول وأطلق بمبادرة خاصة، حفزت وزارة الثقافة علي اطلاق مهرجان مواز له باسم مهرجان الشباب الأول للفنون المسرحية، ومع أن سوية العروض في هذه المهرجانات وغياب الدعم من قبل وزارة الثقافة لا يشجع هذه الظواهر المسرحية علي التطور، ولا يؤثر علي نوعية الحراك المسرحي في بلدنا، لكن علاقة الجمهور ـ في تلك المدن النائية ـ بالعروض المسرحية تنبيء أن الجمهور بألف خير. مع أن المسرح ليس كذلك، وكما يقول المخرج غسان الجباعي فالجمهور لا يكتمل الا بالعرض المسرحي حيث يكون المتلقي مثل المرسل تماماً، والعلاقة بينهما تقوم علي توازن حرج، اذا اختل في طرف ما سوف يختل أيضاً في الطرف الآخر. المسألة الأخري في المسرح السوري تكمن في غياب النص المسرحي الجديد والجيد، اذ عرفنا في سورية نخبة من كتاب المسرح بعضهم قضي والآخر تقاعد، فأين الجيل الجديد من كتاب المسرح ؟

وأخيرا ربما يكون الفن التشكيلي من أنشط حقول الابداع في سورية، كماً ونوعاً قياساً علي الفنون البصرية الأخري، لأنه الفن الأيسر انتاجاً وتداولاً، خاصة بعد تزايد صالات العرض بشكل لافت للانتباه في السنة الأخيرة، الا أن أكثر هذه الصالات تقوم علي مشروع تجاري وليس ثقافيا، والقليل منها يبحث في اطار المشروع الثقافي المغيب، مع ذلك نجد أنفسنا عاجزين أمام أية عملية احصائية للمعارض التي أقيمت في دمشق فقط خلال العام المنصرم، والتي يمكن تقديرها بحدود مائتي معرض فردي ومشترك.

ولعلنا نختزل الاطلالة علي المشهد التشكيلي السوري من خلال المعرض السنوي الذي نظمته وزارة الثقافة مع اتحاد الفنانين التشكيليين، والذي انتقل مؤخراً الي خان اسعد باشا، لكن المساحة ضاقت به أيضاً، فوزع علي ثلاثة معارض، واحد للخط العربي في صالة الشعب، وآخر للتصوير الضوئي في صالة المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، والثالث وهو الأساسي يضم أعمال الرسم والنحت والحفر والبالغة قرابة (140) عملاً في صورة بانورامية لمدارس واتجاهات الحركة التشكيلية، وفي صورة بانورامية لأجيال المشهد التشكيلي في سورية، الا أن الملاحظة هي اغلاق هذا المعرض بعد أسبوعين من افتتاحه،اذ كان مقرراً له الاستمرار شهراً كاملاً.  ورغم الافتتاح الرسمي كل عام لهذا المعرض، ورغم الحديث عن لجان تحكيم من قبل الوزارة لانتقاء الأعمال المقدمة الي المعرض، فاننا نلاحظ أولاً غياب أسماء مهمة ومتكررة عن المعرض السنوي، كما نلاحظ ثباتاً في سوية الأعمال المعروضة، وميلا باتجاه الضعف والاستسهال في اختيار هذه الأعمال يوازي الاستسهال في تنفيذها، أما الملاحظة الأهم فهي أن المشهد التشكيلي السوري لا زال يراوح ضمن المدارس التقليدية، وبشكل خاص للتصوير ما بين الواقعي والانطباعي أو بين التشخيص والتجريد، مع غياب شبه كلي للأعمال المركبة، وأعمال الفيديو آرت والفن المفاهيمي، والتي لا تدرس في كلية الفنون أو المعاهد التطبيقية.

بالمقابل شاهدنا خلال العام المنصرم معارض متميزة لأسعد عرابي وفادي يازجي والياس زيات وخزيمة علواني وآخرين قد تضيق القائمة بأسمائهم، وكان آخر معرض بمناسبة افتتاح غاليري أيام يضم أعمالاً ليوسف عبدالكي، وفادي يازجي وآخرين. نلاحظ بهذا الصدد سيطرة جيل الرواد في الحركة التشكيلية علي المشهد الابداعي، وعدم بلورة اتجاهات جديدة ومعاصرة في هذا المشهد.  فهل تكون أزمة الثقافة في بلدنا أزمة مؤسسات تهيمن علي الحركة الفنية الابداعية والثقافية، وتشكل عائقاً رقابياً وأيديولوجياً يحد من تطورها؟، ولا أعتقد بامكانية كسر هذه الحالة الا عبر الديمقراطية التي تجسر بين المبدع والمتلقي، وتدفع ضمن أجواء من الحرية الواعية لابداع يتنامي بشكل صحيح.

عن القدس العربي ـ لندن