درويش ذلك الشاعر الذي رحل. وما كان أحوج إلى رحيله في هذا الوقت بالضبط من أجل ممارسة الندب واللطم، ومن أجل الاستفاضة في البكاء على الذات المهزومة المتآكلة المنخورة حد النخاع. مات وهو الإنسان المعلوم موته ككل الناس حتما ويقينا، فتكالب الكل وما انتهوا من ذكر المناقب والمزايا والخصال، حتى أنهم هبوا لمناهضة ذلك "القدر الغاشم" الذي ما استحيى من تغييب ذلك الرمز المُعبر المُتبقي في زمن الغياب والضحالة والاضمحلال. وهذا حوار مع الشاعر يعبر فيه نفسه عن حقيقة ذاته، ولربما يبدو من اللازم والمنطقي والمعقول أن يُدقق النظر فيه، وتتم قراءته بعين فاحصة محايدة، وذلك حتى تنجلي الضبابية وينقشع اللبس، وتزول أسباب المزايدات البائسة أضحت الموئل يُلجأ إليه بهدف التحايل على طعم الهزيمة المر يُرفض الاعتراف بها. هي اقتباسات من حوار بعنوان "دفاتر محمود درويش" أجراه معه الشاعر اللبناني عبده وازن ونشر في صحيفة الحياة(1) أردت أن أبسطها، وكذا أعلق عليها، وذلك حتى أساهم في الفضاء على فقاعات قناعاتية فكرية لربما يراد لها التواجد والاستمرار حتى يدوم الغبش ويُكرس الجهل والتجهيل.
تعاقب أسئلة وأجوبة سيرينا كيف أن السائد والمعتقَد فيه بشأن الشاعر الراحل ليس القطعي ولا الثابت، بل ليس حتى الصحيح في الكثير من الأحيان:
س 1 ـ "ماذا تعني لك اليوم قصائد راسخة في ذاكرة الجمهور مثل "سجّل أنا عربي" و "جواز السفر" بعدما اجتزت ما اجتزت من مراحل شعرية؟".
ج 1 ـ "هذا النوع من الشعر كتبته تلبية للنداءات الداخلية والخارجية. كان سؤال الهوية هو السؤال الملح في شبابي الشعري أو صباي. وهو ما زال مطروحاً حتى الآن، ولكن في طرق مختلفة، وفي أشكال تعبير مختلفة. كانت ظروف الحياة هناك تقتضي ربما مثل هذه المخاطبة المباشرة. هذا أولاً. ثانياً أصبحت هذه القصائد جزءاً من ذاكرة جماعية لا أستطيع أن أتحكم بها أو أتصرف في شأنها. إنها لم تعد ملكي أبداً. وهي ساهمت أيضاً في انتشاري شعرياً. ويجب ألا أكون مجحفاً أو ناكراً للجميل في حق هذا النوع من الشعر. هذا إذاً ساهم في شق الطريق أمامي، وفي تمهيدها لكي أضيف تجارب شعرية جديدة ومختلفة عما سبقها، من حيث التناول الشعري واللغة الشعرية والأسلوبية. لكن التأسيس الذي تم في العلاقة بين القارئ وبيني أذن لي في أن أتطور، وأتاح للقارئ أن يقبل هذا التطور. فنحن نكبر معاً، أنا وقارئي.".
ت 1 ـ يقرر الشاعر في جوابه أن تلكم القصائد التي كرسته الرمز وأكسبته القيمة بين الجماهير العربية ما هي إلا المرتبطة بمرحلة معينة، وأنه تجاوزها بمعية قرائه. لكن الناظر في واقع الحال ـ وسيبدو ذلك فيما بعد ـ يكتشف أن ذلك القارئ العربي العادي لم يكن أبدا معنيا ـ ولا حتى عالما ـ بالتحول الذي طرأ على "الفكر الدرويشي" الذي نكص عن خيار "المقاومة الشعرية" المباشرة واستبدلها بـ "أشكال" تعبيرية أخرى.
س 2 ـ "ماذا باتت تعني لك القصيدة السياسية؟".
ج 2 ـ "القصيدة السياسية اليوم لا تعني لي أكثر من خطبة، قد تكون جميلة أو غير جميلة. إنها تخلو من الشعرية أكثر من القصيدة التي تحرص على أن تنتبه لدورها الإبداعي ودورها الاجتماعي. أي على الشاعر أن ينتبه إلى مهنته وليس فقط إلى دوره. القصيدة السياسية استنفدت أغراضها في رأيي، إلا في حالات الطوارئ الكبرى. ربما أصرخ غداً غضباً، تعبيراً عن أمر ما، ولكن لم تعد القصيدة السياسية جزءاً من فهمي المختلف للشعر.. أما أن تكون القصيدة عبارة عن خطاب مباشر بتعابير مستهلكة ومستنفدة وعادية فهذا لم يعد يعني لي شيئاً".
ت 2 ـ وهكذا نرى أن القصيدة السياسية "استنفذت أغراضها" حسب تعبير الشاعر.. تلك القصيدة التي ما انتُحب عليه قدر ما انتحب إلا من أجلها. وتلك التي ما بولغ في الرفع من قيمته حد التقديس وحد نيل مكانة الأنبياء إلا بسببها. وتلك التي أريد بها أيضا تكريسه كنموذج للمناضل الثائر المقاوم المستميت من أجل القضية الفلسطينية وحتى العربية إلا لأنه أنتجها.
س 3 ـ "ماذا بات يعني لك وصفك بشاعر القضية أو شاعر المقاومة وفلسطين؟".
ج 3 ـ "المسألة لا تتعلّق بي، ولا أستطيع أن احتج إلا على محاولة محاصرتي في نمطية معينة. هذه التسميات بعضها بريء، وينطلق من حب القضية الفلسطينية وحب الشعب الفلسطيني، وبعضها نوع من إضفاء الاحترام والتشريف على القول الشعري المتعلق بالقضية. لكن الرأي النقدي هو أخبث من ذلك. الرأي النقدي يحاول أن يجرّد الشاعر الفلسطيني من شعريته ليبقيه معبّراً عما يسمى مدونات القضية الفلسطينية. هناك طبعاً اختلاف جوهري كبير بين النظرتين: نظرة بريئة ونظرة خبيثة. طبعاً أنا فلسطيني وشاعر فلسطيني، ولكن لا أستطيع أن أقبل بأن أعرّف بأنني شاعر القضية الفلسطينية فقط، وبأن يدرج شعري في سياق الكلام عن القضية فقط وكأنني مؤرّخ بالشعر لهذه القضية".
ت 3 ـ ويتهرب الشاعر في هذا المقطع من حصره في شاعر القضية الفلسطينية واقتصاره عليها، بل ويرى أنه لربما قد يكون من قبيل الخبث محاولة وضعه في هذا الحيز ونعته بتلك الصفة. خبث قد يكون طاله من قبيل "الرفاق" والأصدقاء ما وجدوا غيرها تلك الصفة ـ إن هي كُررت من قبلهم كمُؤبنين ـ يمكن أن تعمل على استدرار دموع العرب واستدراجهم للبكاء عليه وتبجيله وتقديس شخصه، إذ ما كان أكثر منها كميزة له ذُكرت وبولغ في التأكيد عليها حين الحديث عنه وعن رحيله في كل المنتديات والمواقع وفوق كل المنابر وعلى الكثير من الصفحات.
فالكثير من الشعراء العرب قالوا شعرا. لكن الوجدان العربي المقهور ما كان ليقبل بأن يتجاوب بالشكل الذي فعل مع الشعر المتقدم لدرويش ـ ذلك المتعلق بالقضية الفلسطينية ـ لولا مساسه ـ بالتطرق إليها ـ للوتر الحساس الكامن في قلب الهوية المجروحة بفعل الاحتلال الصهيوني لفلسطين لذلك الجزء المرتبط بالمعتقد الديني لدى العربي، والذي يعتبره وطنا له مهما كانت ديانته مسيحية أم إسلام.
س 4 ـ "ولكن شئت أم أبيت أنت الشاعر الرمز".
ج 4 ـ "كل شاعر يتمنى أن يكون صوته الخاص معبّراً عن صوت عام أو جماعي. قلائل هم الشعراء الذين يلتقي داخلهم بخارجهم في طريقة تخلق التباساً بين رمزية الشاعر وشعريته. لكنني لم أسع شخصياً إلى ذلك. ربما هو الحظ الذي وفّر لي هذه المكانة.".
ت 4 ـ يعترف الشاعر في هذا الجواب بأنه الحظ ما جعله يكون الرمز وما أعانه على أن يحظى بتلك المكانة في قلوب العرب بفعل تبنيه للقضية الفلسطينية وتغنيه حولها، ولربما نسي أنه قد اعترض ـ في جواب سابق في نفس الحوار ـ على أن يعتبر شاعرا لتلك القضية التي أكسبته ذلك الحظ.
س 5 ـ "مادمنا تحدثنا عن الصوفية، أعترف إنني أحس أن لديك نزعة صوفية محفوفة ببعد ميتافيزيقي وخصوصاً في قصيدتك الطويلة "جدارية" التي اختبرت فيها تجربة الموت؟ ماذا يعني لك الشعر الصوفي؟ هل تقرأه؟".
ج 5 ـ "قرأت الأدب الصوفي وأقرأه. وملاحظتي أن ليس الشعر هو أفضل ما فيه، بل النص النثري. مثلاً ابن عربي، نصه النثري أغنى كثيراً من نصه الشعري، ومملوء بالدلالات بل هو حافل بالألغاز والأسرار أكثر من شعره. أنظر إلى الصوفية نظرة فكرية أو فلسفية، أنظر إليها نظرة شعرية من حيث هي مغامرة الذهاب إلى الأقصى ومحاولة اتصال مختلفة بالكون ومحاولة بحث عمّا وراء هذا الكون، وما وراء الطبيعة، وعن الأسئلة الوجودية. ولا يعنيني في التجربة الصوفية معناها مقدار ما يعنيني سعيها اللغوي والعرفاني في بلوغ ما لا تبلغه المغامرات الأخرى. فهي مغامرة أدبية جعلت النثر أرقى من الشعر في الكتابة. وإذا أردنا أن نبحث عن المصادر الحقيقية التي أثْرت قصيدة النثر نجد الكتابة الصوفية النثرية مثل النفري والبسطامي والسهروردي وابن عربي. وهؤلاء كانوا شعراء من نوع آخر، أي بما يحملون من شحنات للسفر إلى أبعد ما يمكن. ونحن لا نستطيع أن نذهب إلى ما ذهب هؤلاء إليه. هذا هو الجانب الإبداعي في الصوفية، ولكن هناك صوفية تشبه الشعوذة والسحر".
ت 5 ـ يدرأ الشاعر عن نفسه الاهتمام بالتجربة الصوفية ببعدها الديني، ويؤكد على أن ما يعنيه هو البعد اللغوي والعرفاني. فهي بالنسبة إليه مجرد "مغامرة أدبية". ولعل هذا الجواب هو ما ينبغي معرفة مضمونه من طرف الذين يريدون أن يحشروه في مصاف الطائفة التي كان لا يرغب عمدا في الانضمام إليها، طائفة المتدينين المؤمنين المستحقين لجنة الخلد وخمائل الفردوس الأعلى. متناسين مرجعيته الفكرية الشيوعية تلك التي أوحت له بالمقاطع الشعرية التالية ويمكن إيجاد الكثير من أشباهها في أشعاره:
يقول في ديوانه "الأعمال الأولى" 1 /274 ـ قصيدة "آه عبد الله"(2):
"هكذا الدنيا وأنت الآن يا جلاد أقوى وُلد اللهُ،
وكان الشرطي"
وكررها أكثر من مرة ص 267، 278.
ويقول في موضع آخر في ديوانه " الأعمال الأولى 1 / 154 ـ قصيدة "أبي"(2):
"يوم كان الإله يجلد عبده. قلت يا ناس! نكفر؟
فروى لي أبي. وطأطأ زنده:
في حوار مع العذاب
كان أيوب يشكر
خالق الدود والسحاب".
س 6 ـ "ما رأيك بالشعراء الذين يستعينون بالمصطلحات الصوفية القديمة ليكتبوا شعراً صوفياً حديثاً؟".
ج 6 ـ "أنا شخصياً غير مهتم بهذه المسألة. ولا أعتقد أن في عصرنا الحديث والصاخب هذا هناك مكان للشعر الصوفي".
ت 6 ـ جواب وجيه، ويعكس حقيقة مرة أخرى المرجعية الثابتة لدى الشاعر المشبع كيانه الفكري بالنظرة المادية للحياة والكون.
س 7 ـ "وماذا عن البعد الميتافيزيقي الكامن في شعرك؟".
ج 7 ـ "لعل سؤال الموت في شعري شديد الصلة بالبعد الميتافيزيقي. هناك نظرتان إلى الموت: نظرة دينية تقول أن الموت هو انتقال من الزائل إلى الخالد، ومن الفاني إلى الباقي، ومن الدنيا إلى الآخرة. وهناك نظرة أخرى أو فلسفية تعتبره نوعاً من الصيرورة، وترى أن الحياة والموت مترافقان في جدلية أرضية. أحياناً أكتب عن الموت ولكن من دون أن أتعمق كثيراً في السؤال إلى أقصى حدوده. فالذهاب في السؤال إلى أقصاه هو أمر مملوء بالألغام التي لا أستطيع أن أنزعها ولا أن أفجرها. في "جدارية" كتبت عن تجربة شخصية، كانت مناسبة لي للذهاب في سؤال الموت، منذ أقدم النصوص التي تحدثت عن الموت، ومنها ملحمة جلجامش التي تحدثت أيضاً عن الخلود والحياة. هذه التجربة كانت لي إطارا صالحاً للسرد أو لما يشبه السيرة الذاتية. ففي لحظة الموت تمر حياتك أمامك وكأنها في شريط سريع. إنني عشت هذا ورأيته. كل الرؤى التي كتبتها في القصيدة كانت حقيقية: المعرّي ولقاء هيدغر ورينيه شار. رأيت الكثير ولم أكتب كل شيء. لكنني لاحظت أن القصيدة كانت مشدودة إلى سؤال الحياة أكثر من سؤال الموت. والقصيدة في الختام كانت نشيداً للحياة. أهم عبرة استخلصتها من هذه المسألة أن الحياة معطى جميل، هدية جميلة، كرم إلهي غير محدود، وعلينا أن نحياها في كل دقيقة. أما سؤال الخلود فلا جواب عليه منذ ملحمة غلغامش حتى اليوم. هناك جواب ديني ولكن كشاعر لا أحب أن أدخل في الجدال الديني. الإنسان يؤمن بما يعرف وبما لا يعرف. بل هو مشدود إلى الإيمان بما لا يعرف، وأهم أمر في الصراع بين الحياة والموت أن ننحاز إلى الحياة".
ت 7 ـ وجهة نظر للشاعر ويعتورها الكثير من التناقض بخصوص البعد الديني المتعلق بالموت. يعتبر الحياة كرما إلهيا غير محدود. بمعنى أن ثمة إله في الكون. ثم يقرر بعد ذلك أن ما من جواب على سؤال الخلود منذ ملحمة جلجامش حتى اليوم. إذ ما دور الإله مُعتقد في ألوهيته إن لم يكن قد أوحى بأجوبة حتى حول أسئلة كبرى مؤرقة كالموت والخلود؟ و يبقى بالرغم من كل ما قاله الشاعر في هذا الجواب أن النظرة المادية هي المعتقد الحقيقي البارز والثابت لديه،فالجدارية كجل إبداعاته محملة في أكثر من مقاطع متعددة بما يبين هذا المنحى ويدلل عليه. فالموت غادر ومخاتل وينبغي دحضه وتَمكُن مغالبته بالفنون. كل هذه رؤى تدل على غياب البعد الديني السماوي كيفما كان نوعه. ذلك البعد الذي يجعل المؤمن يرى أن الموت قدر محتوم وبداية لعالم آخر هو الخلود في النعيم أو الجحيم حسب الطريق المسلوك في الحياة الدنيا.
س 8 ـ "ما دمنا نتكلم عن الدين نلاحظ أن في شعرك أثراً توراتياً ولا سيما من "نشيد الأناشيد"، يتمثل في غنائيتك العالية في ديوان "سرير الغريبة" وسواه! ما الذي يجذبك كشاعر في النص التوراتي وكيف أثر فيك؟* والمزامير؟* هل التوراة مصدر من مصادرك؟".
ج 8 ـ "في البداية، درست في الأرض المحتلة، وكانت بعض أسفار التوراة مقررة في البرنامج باللغة العبرية، ودرستها حينذاك. لكنني لا أنظر إلى التوراة نظرة دينية، أقرأها كعمل أدبي وليس دينياً ولا تاريخياً. حتى المؤرخون اليهود الجادون لا يقبلون أن تكون التوراة مرجعاً تاريخياً. أو لأقل أنني انظر إلى الجانب الأدبي في التوراة. وهناك ثلاثة أسفار مملوءة بالشعر، وتعبر عن خبرة إنسانية عالية وهي: سفر أيوب، سفر الجامعة الذي يطرح سؤال الموت، ونشيد الأناشيد. بعض المزامير، فهي أقل أدبية من الأسفار التي ذكرتها. إذاً التوراة هي كتاب أدبي بالنسبة إليّ، وفيها فصول أدبية راقية وشعرية عالية. ولا شك في أن التوراة أحد مصادري الأدبية".
ت 8 ـ يبرهن الشاعر في هذه الأجوبة المتتالية مرة أخرى على خلو فكره من البعد الديني. حتى ذلك الذي يمكن أن يكون تسلل إليه من الكتابات الدينية المقدسة لدى اليهود.فهو لا يرى فيها كامنة إلا الهيئة الأدبية والبعد البشري كما يقول.
س 9 ـ "لا تزال تصرّ على "صدمة" جمهورك، وما زال هذا الجمهور يتابعك في أمسياتك الشعرية. كيف تنظر إلى هذا الجمهور والى "الصدمة" التي تحدثها فيه عندما تقرأ له قصائدك الجديدة التي تختلف عن القصائد الأولى التي يميل إليها عادة؟".
ج 9 "لا أعرف إن كان الجمهور يميل إلى القصائد الأولى حقاً. لم يعد الجمهور يطالبني كما في السابق بأن أقرأ ما في ذاكرته من شعري. وهذا حسن. واستطعت أن أجد ما يشبه الثقة المتبادلة بيني وبين القراء. إنني لا أحب كلمة جمهور. لنقل المتلقي أو القارئ. فالجمهور ليس كتلة واحدة متجانسة. وأنا لا أستطيع أن أتكلم عن الجمهور بطلاقة، لأنني سأرتكب أخطاء كثيرة. ثم من هو الجمهور؟ قد يكون مجموعة من الشعراء والمثقفين، قد يكون من سائقي التاكسي أو ربات البيوت أو الطلاب، وقد يكون لكل مجموعة الحق في أن تقيم علاقة مع الشعر. المشكلة عندنا أن القارئ العربي يشعر بأن من حقه أن يتدخل في تحديد مفهوم الشعر. وكل قضية من هذا النوع تتحول قضية عامة قد يهددها خطر التبسيط، لئلا أقول الابتذال. إنني أواكب قرائي مثلما هم يواكبونني وهم يتطورون ويتغيرون. وأكثر ما يسعدني في هذا الوقت، إنني أفاجأ أينما ذهبت بأن الذين يحضرون الأمسيات الشعرية هم في ما يقارب التسعين في المائة من الجيل الجديد ومن الشباب في العشرينات. وهذا يعني أن قرائي الذين يحبون قصيدة "سجل أنا عربي" رحلوا وتركوني أو أنهم اكتفوا بذلك. إذاً اقتراحي الشعري هو أن من حق الشاعر أن يواصل تطوير لغته وأن يحميها من التكرار والإرهاق. حتى اللغة الشعرية تصاب بالإرهاق، وعلى الشاعر أن يجدد صورها واستعاراتها. هناك إذاً علاقة تتجدد مع تجدد الذائقة والعصر والزمن. هناك ثقة متبادلة، وإذا حقق الشاعر الثقة مع قرائه فقراؤه يعطونه الحرية في أن يطور نفسه كما يشاء. وإذا لم يكن هناك من ثقة أو إن كان ثمة جدار بين الشاعر والقراء، فالأمر يصبح قيداً ثقيلاً. بعض الشعراء يستهزئون بهذا القارئ وبعضهم يقدمون له تنازلات ويسمعونه ما يريد أن يسمع، ويكتبون له ما يريد أن يقرأ".
ت 9 ـ يقول درويش هنا أن مفهوم الشعر يجب أن يبقى بعيدا عن الابتذال، إذ على الشاعر أن يقرر ما يجب أن يفرض على القارئ. ويرى بأنه قد حاز الثقة من قراءه الشباب فأعطوه الحق في تطوير نفسه والنأي بها عن التقوقع في "سجل أنا عربي". يعترف بأن الجيل الذي أحب منه ذلك النوع المشبع بالقضية من الشعر لم يعد يواكبه ولا شعره المستجد. ولعله يعرف السبب. لأنهم لم يحبوه لشاعريته فقط. بل للحمولة الفكرية المضمنة في ما أبدعه، والتي كانت تعبر عن طموحاته وآماله ذلك الجيل المطعون في الحفاظ على الكرامة والهوية المتلاشية بفعل الاحتلال والاستلاب. ثم هو لا شك يعرف أيضا بأن هؤلاء الذين استمعوا له يوما واقتنعوا بـ "ثوريته" وبـ "خطه المقاوم" ما كانوا ليتصوروا يوما أنه سيصبح من دعاة التطبيع ومن موظفي السلطة الفلسطينية المهادنة للاحتلال المستسلمة الخانعة له.
هو الجيل الجديد المستلب المدجن المغرق ذهنه بالدخيل المستورد من الغرب من أصبح جمهوره كما قال الشاعر نفسه.فهو الذي يقبل منه الشعر الجديد المفرغ من شذرات الهوية.تلكم الكلمات المتغنية بالذات الفردية الداعية على أممية ماحية للخصوصية ومانعة من الاعتداد بمقومات الهوية المميزة. هو جيل أقنع بالمفهوم الغربي للأدب ذلك المسوق من لدنه عندنا وبين ظهرانينا. ذلك الأدب القالب دون المضمون الذي ما ينبغي له تجاوز خط التطرق للتيه حول الجسد به وفيه وحواليه. وفي هذا السياق يستحسن إيراد هذا المقطع من مقال لـ "مايا جاغي" مترجم ومنشور في الموقع الشخصي لمحمود درويش: "وما أن أصبح شعره الناضج غير مباشر أكثر, ملمحاً لأساطير متنوعة", شَعَر درويش بتوتر علاقته مع جمهور متلقيه, يقول عكش: "بدأ الجمهور يشعر انه أصبح غير مخلص قليلاً لقضيته, غير انه ناضل ليحملهم معه". وعن درويش: "اكبر إنجاز في حياتي كسب ثقة المتلقين, تشاجرنا من قبل: كلمات غيرت أسلوبي, صدموا أرادوا سماع القصائد القديمة, يتوقعون مني التغيير, يطلبون أن لا أعطي أجوبة بل أن اطرح مزيداً من الأسئلة"(3).
س 10 ـ "كنت في الحزب الشيوعي الإسرائيلي!".
ج 10 ـ "نعم".
ت 10 ـ هو تناغم إذا بَيِّن وواضح بين ذلك الانتماء الحزبي وبين التوجه الفكري الماضي والآني للشاعر وبين طبيعة إبداعاته ومضامينها.
س 11 ـ "هل عدت مرة إلى كتب كنت تحبها ثم وجدت نفسك لا تحبها؟".
ج 11 "طبعاً، إننا نتعرض لخدع شعرية وفنية وثقافية. فما كان يبدو لنا جميلاً في زمن معين وعمر معين أو مرحلة معينة لم يعد يحمل حياة جديدة في ذاته تجعله قابلاً للقراءة في زمننا. لذلك فإن الأدب الباقي هو الأدب الذي يستطيع أن يخترق الأزمنة والأجيال ويحافظ على حداثته ومعاصرته، وعلى قابليته لأن يقرأ في زمن غير الزمن الذي كتب فيه.أحياناً نحس أن بعض القصائد تشيخ مثل الإنسان!".
ت 11 ـ لا بد وأن هذه القناعة هي ما دفع بدرويش إلى تغيير مساره الشعري انطلاقا من تغيير موقفه السياسي من الصراع العربي الإسرائيلي. حيث شعر بأن عليه أن "يجدد" موقفه من المقاومة وحتى اختياراته بخصوص نمطها ووسائلها، وأن "يجدد" ـ طبعا ـ تبعا لذلك شعره وطريقة إبداعه، وذلك خوفا وفرقا من أن يناله النسيان وتتنكر له صيرورة التاريخ. ولا شك أيضا أن هذا التوجه هو غير المقنع حتى بالنسبة للذين يؤمنون بقدسية درويش وحرصوا ويحرصون على تسويقه على أنه الشاعر الخالد "الحي" "المقاوم" لأسباب الموت والفناء. فهم المدركون لكون كلمات "سجل أنا عربي"و "أحن إلى خبز أمي" ومثيلاتها المكونة لمجموع القصائد المتعلقة بالقضية الفلسطينية تحمل وسم تحدي الزمان والمكان في العالم العربي، فهي التي أعطته المكانة المميزة في سجل الشعر العربي،وهي التي مكنت المنافحين عنه والرافعين من شأنه من أن يوفروا له فرص التعاطف معه من طرف جميع الفئات. إذ هم يعلمون أن ترديد مقاطع من قصائد الحب من "سرير الغريبة"أو تعابير مبهمة غير مفهومة من "كزهر اللوز أو أبعد" ليس من قبيل ما يمكن أن يكرس صورة الشاعر الخالد البطل المغوار ويساهم في صنعها، ذلك أن الجمهور الواسع الهاتف للأبطال لا يمكن أن يحتفظ في ذاكرته إلا بما هو متعلق بالهوية وما هو معين على التفلت من براثن القهر والاستعباد. فكثر هم من يعرفون درويش شاعر الأرض المحتلة... ولذلك تعاطفت قلوبهم معه... وكثر أيضا من يجهلون أنه أصبح يحبذ أن يتجاوز ذلك الشعر المتغني بالقضية، وأضحى ينتج ما يساير نهج الحداثة ولذلك استمروا في تعاطفهم معه.
س 12 ـ "ألا تحس أحياناً انك في حاجة إلى أن توضح أمراً ما في شعرك أو قصيدتك؟".
ج 12 ـ "بين حين وآخر أكتب بعض النصوص عن الشعر وعن التجربة الشعرية، وأحاول أن أجيب على أسئلة تتعلق بهذه التجربة، ساعياً إلى توضيح سوء فهم بريء أو مقصود حول تجربتي. عندما وقعت ديواني الجديد "كزهر اللوز..." في رام الله أخيراً كنت مضطراً على أن أرد على حملة قام بها شعراء فلسطينيون تحديداً، يريدون أن يتدرّبوا على الملاكمة وهم يرون أن شعري لم يعد شعر مقاومة، فقدمت بعض الملاحظات المكتوبة حول فهمي للشعر الوطني وشعر المقاومة، وأن علينا أن نفهم المقاومة في معناها الواسع وليس الضيق....".
ت 12 ـ جواب يظهر بوضوح حقيقة ردود الأفعال الجماهيرية تجاه "التجديد"المضاميني في الشعر الدرويشي وقد حكاها بنفسه. إذ هي مقاومة مبهمة وغير واضحة المعالم ما اقترحه الشاعر على جمهوره الذي اكتسبه بواسطة القضية الفلسطينية. مقاومة تجري وقائعها على الأسرة بين تضاريس الأجساد، أو أخرى في غيابات الأذهان وفي فضاءات التيه الوجودي. أصناف مقاومات لا يمكن أن تجعل من الجمهور منخرطا في التلقي. إذ هو نوع الهم الكامن في النص الشعري ما يدفع إلى الانخراط أو يدعو إلى التنصل والرفض.
س 13 ـ "ولكن أسألك مرة أخرى: لماذا كنتم تسمّون عرباً وليس فلسطينيين؟ ولماذا ما زالت هذه التسمية قائمة حتى الآن؟".
ج 13 ـ "الإسرائيليون سمّونا عرباً والعرب سمّونا فلسطينيين. لماذا عرب؟ للتمييز بيننا وبين اليهود ولمحو هويتنا الحقيقية. فهذه الدولة الإسرائيلية الجديدة تضمّ عرباً. والفلسطينيون للأسف لهم أسماء عدة: عرب 1948، فلسطينيو 1948، فلسطينيو 1967، فلسطينيو 1993 أو فلسطينيو أوسلو... أي أن عندنا أرقاماً وأننا "محقّبون" جيداً".
ت 13 ـ جواب باهت وغير مقنع ويعكس عدم القدرة لدى درويش ـ وأمثاله من العلمانيين ـ على فهم واستيعاب الفرق بين مرجعية التسميتين اليهود" و "العرب"، فاليهود اسم يحيل إلى دين اليهودية، وكان من المفروض أن يطلق بالمقابل على العرب اسم المسلمين أو المسيحيين حسب الدين المعتنق من طرفهم حتى يكون الأمر منطقيا معقولا،لكن درويش ـ ونظرائه ـ لم يستطيعوا أن ينفذوا إلى عمق الأهداف المُرامة من طرف الإسرائيليين من وراء هذه التسميات، فالأهداف لم تكن سوى إفراغ الفلسطينيين من أي انتماء ديني والاقتصار على التسمية المُحيلة إلى العرق أي العروبة، وذلك حتى يخْفُت الوازع الديني من حناياهم ويندثر مع مرور الأيام فلا يعود لهم ما يشحنهم ويحفزهم على المقاومة،إذ بدون الدين قَدَّر الصهاينة أن مآل خصومهم سيكون الاستلاب والاضمحلال وفقدان الهوية، وكذا الاندماج في المنظومة الفكرية التي تمجد دولة التوراة وتدعو إلى القبول بتواجدها. ولعل هذا ما حدث بالضبط،فلقد تكالب الفكر الشيوعي على الفلسطينيين عن طريق الاستقطاب الحزبي فأحالهم إلى ناكرين لتراثهم، وإلى نابذين لدينهم متبرئين منه، معتقدين أنه الخرافة والأساطير لا غير،غير مدركين أن ذلك العدو والذي يريدون مغالبته بالعروبة والقومية ما تواجد بين ظهرانيهم وسامهم الخسف إلا لأنه آمن بالدين، وكذلك طبق "أساطير التوراة" التي جاءهم من كل بقاع العالم محملا بالزخم من القوة الروحية متحها منها.
ولعل ما كان يجب أن يتبادر إلى ذهن درويش حين طرح هذا السؤال عليه هو لماذا لم يسم الإسرائيليون أنفسهم حسب الجنسيات التي كانوا ينتمون إليها قبل تهاطلهم على "أرض الميعاد". مغاربة أو يمنيون أو روس. أو فعبر التاريخ اعتنقت اليهودية أعراق مختلفة وما يوحدهم ويجمعهم هو الدين الذي يفخرون بالانتماء إليه وبالانتساب إلى مبادئه. ومرة أخرى يبدو من المفيد إدراج مقطع آخر من مقال مايا جاغي المنشور في موقع الشاعر نفسه: "ويضيف:" يصنع الشعر والجمال السلام دائماً, وحين تقرأ شيئا جميلا تجد تعايشا, انه يحطم الجدران.. أنا أأنسن الساخر دائما, وحتى أأنسن الجندي الإسرائيلي", الأمر الذي فعله في قصائد من مثل "جندي يحلم بزنابق بيضاء" التي كُتبت بعد حرب 1967 فوراً, ينتقد عديد العرب القصيدة, غير انه يقول: "سأواصل أنسنة حتى العدو. كان الأستاذ الأول الذي علمني العبرية يهودياً, كان الحب الأول في حياتي مع فتاة يهودية, كان القاضي الأول الذي زج بي في السجن امرأة يهودية, ولذا فأنني منذ البداية, لم أرد اليهود أما شياطين أو ملائكة بل كائنات إنسانية", وعديد قصائده موجه إلى عشاق يهود, يقول: "هذه القصائد تقف إلى جانب الحب وليس الحرب"(4). إذ يُظهر بوضوح كيف أن درويش يتحدث عن الإسرائليين بنسبتهم لدينهم اليهودية، بل و"يُؤنسنهم" حتى حسب تعبيره، ولا يرى في ذلك غضاضة وهو اليساري الماركسي الشيوعي المستهزئ بالدين الناكر له، ولعل ما كان يجب عليه فعله أن يتجنب ذكر ديانتهم ويتحدث عنهم كإسرائيليين فقط كما يفعل هو فلا يذكر دينه، بل ويتبرأ منه ومن "غيبياته" ومن "طغيان إلهه".
وتبرز بوضوح ـ في هذا الاقتباس من حوار مع الأديبة غادة السمان منشور في موقعها الشخصي ـ حقيقة رؤية درويش للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعيدا عن وسائل الإعلام وعن المنابر الرسمية. ففي رسالة شخصية حميمية وجهها لسميح القاسم أوردت ذكرها الأديبة في الحوار يتحدث الشاعر عن الموضوع دون رقابة وبحرية عن موقفه، وأيضا بكثير من السخرية والاستخفاف، إذ تقول الكاتبة: "اقرأ مثلا هذه الرسالة التي وجهها محمود درويش إلى سميح القاسم، وأضعها دون أي تعديل بل بكامل علامات الترقيم الدّالة كما وردت في كتاب الرسائل:
"عزيزي سميح، السيدة شيرلي هوفمان أمريكية ـ إسرائيلية تعيش في مدينة القدس. التقيت بها، منذ أسابيع، في مهرجان الشعر العالمي في روتردام. قرأتُ شعرا عن أزقّة القدس، وهي قرأتْ شعرا عن حجارة القدس. قرأتُ عن تيهنا الجديد، وهي قرأت عن تيهها القديم. ولكنها عرفت ما لم أعرف. قالت إنّ أسباب الحروب الدائمة في الشرق الأوسط هي غيرة النساء، الغيرة التي اندلعت نارها بين جدتهم هاجر وجدّتنا سارة. ضحك الجمهور الهولندي، واشتدّ ضحكهُ حين تصافحنا على المنصّة، وقلت لها اللعنة على جدتك وعلى جدتي أيضا""(5).
س 14 ـ "ما رأيك بالأدب العربي المكتوب باللغة العبرية، خصوصاً أن ثمة أسماء ولو قليلة لمعت في هذه اللغة؟"
ج 14 ـ "لم أقرأ من هذا الأدب إلا رواية مهمة هي "أرابيسك" للكاتب انطون شماس. الآن هناك ما يشبه "الموضة"، وهناك أيضاً روائيون وشعراء شباب وجدد اختاروا العبرية للكتابة. ربما تسعى هذه البادرة إلى الاندماج الثقافي في المجتمع الإسرائيلي. هذا لدى بعضهم. ولدى البعض الآخر قد يكون هذا الخيار نوعاً من المقاومة ضد الإسرائيليين في لغتهم نفسها. هكذا يقول هؤلاء. وقد يحسن البعض، بسبب تكوينهم ونشأتهم عبرياً، التعبير باللغة العبرية أفضل من العربية. هناك تفسيرات عدة. ولكن هذا خيار لدى أقلية محدودة".
ت 14 ـ مآل بائس ونتيجة حتمية لمسيرة التدجين ولمخطط إبهات للهوية لدى الفلسطينيين، ومع ذلك نجد درويش يبرر تلكم النهايات بل ويعتبرها من قبيل "الاندماج" الثقافي ونوعا من "المقاومة"، وتبدو غير واضحة معالم هذه "المقاومة" ضد الإسرائليين إذا كان المقاوم الفلسطيني يعتبر نفسه عبري النشأة والتكوين، وبالتالي الفاقد لصفاء الهوية، والتائه الفكر والمرجعية.
س 15 ـ "هناك أصوات شعرية وروائية إسرائيلية مهمة كما يظهر لنا من خلال الترجمات الأجنبية والعربية، وكيف ترى إلى هذا الأدب؟ هل يجب علينا أن نقرأه كأدب عدوّ من خلال موقف سلبي مسبق؟".
ج 15 ـ "بصراحة لم أعد أطلع في السنوات الأخيرة على الأدب العبري مثلما كنت أطلع عليها في السابق، عندما كنت أعيش هناك. انقطعت صلتي بهذا الأدب. ولكن هناك أسماء مكرّسة في أوروبا وأميركا، وهي تترجم في الوقت الذي تكتب فيه. ففي وزارة الخارجية الإسرائيلية مكتب لترجمة الأدب العبري إلى اللغات الأجنبية. والدولة الإسرائيلية تشرف بنفسها على تسويق الأدب العبري عالمياً. وهذا يدل على الصلة بين المؤسسة والأدب. أمّا أن نقرأه أو لا نقرأه فهذا أمر آخر. وأود أن أشير إلى أن سيدة إسرائيلية أسست داراً لنشر الأدب العربي مترجماً إلى العبرية وترجمت حنان الشيخ وإلياس خوري ومحمد شكري وقصائد لي وآخرين. بعض الكتاب العرب رفضوا أن يُترجموا إلى العبرية، بينما الإسرائيليون لا يحتاجون إلى إذن خطي لكي يترجموا. فأنا تُرجم الكثير من شعري إلى العبرية من دون أن أُستأذن. وفي المحصلة تبيّن أن الكتاب العرب لا يريدون أن يقرأهم الإسرائيليون وأن الإسرائيليين غير معنيين بقراءة الأدب العربي. فالفجوة في العلاقة بين الطرفين ما زالت قائمة وما زال كل طرف يقرأ الآخر من باب: اعرف عدوك. لم نصل بعد إلى قراءة بعضنا بعضاً قراءة أدبية صرفاً أو للمتعة الأدبية، والشروط التاريخية لا تسمح لنا بذلك. إنهم لا يجدون متعة في قراءتنا ولا نجد نحن بدورنا متعة في قراءتهم. وهذا الأمر يندرج في سياق الصراع المستمر بيننا وبينهم".
ت 15 ـ اعتراف صريح بالسدود شاهقة ولا متناهية قائمة بين الوجدانين الفلسطيني والإسرائيلي،لكن هذا الاعتراف لم يمنع الشاعر من الإيمان بإمكانية السلام، ولم يجعله يثبت على خيار القصائد السياسية الداعية إلى المقاومة الصريحة،بل نهج الابتعاد عن الهم الوطني الهوياتي، وثابر من أجل ولوج عالم الحداثة الشعرية بمضامينيها المغرقة في الفردية والداعية إلى الأممية وعدم احتساب الفروق بين الناس، وكأن تجاهله للصراع ـ من جانب واحد ـ سيعمد إلى محو حيثياته وسيُحِل محله السلم والوفاق.
س 16 ـ "ولكن لك قراء إسرائيليون كثيرون!".
ج 16 ـ "لا أعرف إن كانوا كثيرين. لكنني أُقرأ من باب الإطلاع على المفهوم السوسيولوجي الفلسطيني وعلى سيكولوجية الشعب الفلسطيني. وأكاد أقول أنني أُقرأ أيضاً قراءة أمنية من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك اليساريون الذين يقرأونني كنوع من التعبير عن التعاطف مع حقوق الفلسطينيين. أما أن أقرأ قراءة أدبية محضة فلا أعرف، بل قد أشك في ذلك".
ت 16 ـ يتحدث درويش بسذاجة في هذا الجواب عن وجود إسرائيليين يساريين متعاطفين معه ومع قضيته!!! وكأنه لا يدري أن تواجد أولائك اليساريين في أرض فلسطين هو سبب معاناته هو وبني شعبه.
إذ أهو اليساري ذلك المستجيب لنداء التوراة المبشرة بدولة اليهود على أرض الميعاد والنازح إليها من كل بلاد العالم مغتصبا لها طاردا لأهلها؟ لو كان اليساري فعلا، وغير المؤمن بالدين، وغير المفعل لمبادئه ذلك الدين،لعاد من حيث أتى، ولكفى أصحاب الأرض محن تواجده وآلام قدومه وجراح احتلاله. هي خطة مدروسة ـ كما سلف الذكر ـ من أجل التدجين والإفراغ من مقومات الذات وخصائصها حتى يسهل التحييد ومن ثم الابتلاع والطرد والتهجير.
س 17 ـ "هناك بعض المسؤولين يقرأون شعرك!"
ج 17 ـ "مثل من؟"
س 17 ـ "شارون! وذلك الوزير الذي سبب مشكلة كبيرة انطلاقاً من قصيدتك" "عابرون في كلام عابر".
ج 17 ـ "الضجة الكبرى أثارها الوزير الإسرائيلي سريد وهو من حزب "ميريتس"، عندما أدرج بعض قصائدي في المدارس. لم تكن القراءة إلزامية بل اختيارية وكما أن من حق الطالب أن يطلع على الشعر البولندي والهولندي والفرنسي يحق له أن يطلع على الشعر الفلسطيني أو العربي. والأمر يتوقف على رغبة المعلم والطالب معاً. والمسألة من أولها إلى آخرها لم تكن تستحق تلك الضجة، وكادت الحكومة الإسرائيلية أن تسقط والفرق كان في ثلاثة أصوات. حينذاك سألتني إحدى الصحف الإسرائيلية فقلت لها: كنت أعتقد أنكم دولة تحترمون أنفسكم إلى حد إنكم تسقطون الحكومة لأسباب داخلية سياسية ولكن ليس لأسباب شعرية، كنت أعتبر إنكم أقوى من ذلك. الوزيرة الجديدة وهي من حزب "ليكود" ألغت للتو قصائدي من البرنامج. أما ما قاله شارون عن شعري فقاله بعدما خرج كلامه عن سياقه. سئل شارون في مقابلة صحافية عما يقرأ، فقال انه يقرأ رواية لكاتب إسرائيلي. فقال له الصحافي إن هذا الكاتب يساري ويكرهك، فقال له شارون: إنني أميز بين الإبداع والسياسة، صحيح أنني ضد أفكاره وهو ضد أفكاري، لكنني مستمتع بروايته. وأضاف: أنا أقرأ حتى محمود درويش وأنا معجب بديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" لأن هذا الإعجاب قادني إلى الإعجاب بتعلق الشعب الفلسطيني بقضيته وأرضه. في هذا السياق جاء كلام شارون".
ت 17 ـ ولم لا يقرأ شارون من شعر درويش؟ يعلم حقيقة مرجعيته ويعرف كنه معتقده، فما ما من ضرر منه ولا خوف.يدرك أنها مجرد الكلمات تلقى على عواهنها، وما عادت حتى تلك المضمخة بالحماس الوطني كما الماضي، كما أنه المستيقن أيضا من أنه الداعي إلى "السلام" المنخرط في الدعوة إلى التعايش والاندماج. وهذا مقتطف مما أوردته مايا جاغي أيضا مما هو مرتبط بالموضوع (6):
"وعند ساسون سوميخ, الباحث الإسرائيلي في الأدب العربي في جامعة تل أبيب والذي عرف درويش في ستينات القرن العشرين ويترجم القصيدة إلى العبرية, "تهدف القصيدة إلى الحوار:" إنها لا تتكلم عن الإسرائيليين كمجرمين, بل تقول: لم لا يفهمون ؟ لا معنى للقول أن هذا الرجل يكرهنا". فهذا الباحث المتخصص أدرك عمق المعاني الكامنة في الشعر الدرويشي، وقرر أن جعجعة الشاعر حول الاحتلال ما هي إلا كلمات جوفاء، وحتى تضمر ودا للإسرائيليين ودعوات للتصالح والتعايش معهم. ولهذا يبدو من المنطقي أن يقرأ الساسة من أمثال شارون لدرويش وقد خبروا آراء المتخصصين من بني جلدتهم، وعلموا حقيقة الشاعر وحقيقة مواقفه الإيديولوجية والسياسية.
س 18 ـ "عندما تقرأ شاعراً إسرائيليا يتغنى بأرض فلسطين، ماذا يكون شعورك؟".
ج 18 ـ "يأخذني شعوري إلى أن الصراع بيننا ليس عسكرياً فقط وأننا نحن مدفوعون إلى صراع ثقافي عميق. مثلاً هناك شاعر إسرائيلي كبير أحب شعره هو يهودا عميحاي، لم يدع مكاناً في فلسطين، وهو يسميها أرض إسرائيل، إلا وكتب فيه قصائد وبعضها جميل جداً وتحرج الشاعر الفلسطيني حقاً. تحرجه في أي معنى؟ الشاعر الفلسطيني لم يشعر يوماً بأنه محتاج إلى تقديم براهين على حقه بالمكان، وعلاقته بالأرض تلقائية وعفوية ولا تحتاج إلى أي إيديولوجيا أو تبرير. الشاعر الإسرائيلي الذي يعرف كيف تمّ مشروعه وماذا كان قبل إسرائيل، والذي يعرف أيضاً أن هذا المكان له اسم آخر وسابق هو فلسطين، يبدو هذا الشاعر في حاجة إلى شحذ كل طاقته الإبداعية من أجل امتلاك المكان باللغة كجزء مكمل للمشروع الاستيطاني. وبالتالي فهذه المسألة مخيفة فعلاً: من يكتب المكان في شكل أجمل يستحق المكان أكثر من الآخر؟ قد يكون هناك شعب لا شعراء له، فهل يكون من حق الآخر أن يحتله؟ الجدارة الأدبية لا تعطي حقاً للسلاح في أن يملك شرعيته. هناك مسائل صعبة. كأن تقول أن صاحب الحق الأكبر هو صاحب التعبير الأجمل. طبعاً يحاولون في إسرائيل دائماً تجريد الشعب الفلسطيني من قدراته الإبداعية لكي يقولوا أنهم جاؤوا إلى أرض شعبها غير متحضر وغير متمدن، وأنهم يحملون رسالة تحضير وتحديث أي رسالة كولونيالية. كيف يكون ردّي على شارون مثلاً: عوض أن يحسد الفلسطينيين على العلاقة بأرضهم يستطيع أن يشفي نفسه من هذا الحسد بأن ينسحب من أرضهم. ولكن من جهة أخرى، إن الشعر الفلسطيني بحسب مقولة شارون، استطاع أن يخترق الحصار السياسي والتاريخي".
ت 18 ـ وكأن الشعر يمكن أن يحرر أرضا أو يعيد كيانا مغتصبا!!!. وكأن درويش لا يدرك أن الإسرائيلي حين يقترف الشعر لا يفعل ذلك فقط ويكتفي به.لكنه المتشبث بدينه أيضا، المنافح عن هويته، والباذل للنفس وللمال من أجل الذود عن ما يسميه وطنه الحقيقي وذلك المقدس الموعود. فأي سذاجة هذه التي يمكن أن تعمي عن رؤية الواقع، وتدفع إلى الإيمان بإمكانية استعادة الكرامة والحقوق عن طريق قرض الشعر دون المغالبة باستعمال القوة وباستدامة الصمود؟
س 19 ـ "كيف تصف نفسك الآن، كمواطن فلسطيني؟".
ج 19 ـ "أنا الآن في فلسطين، مواطن فلسطيني، محاصر بكل شروط الاحتلال والحصار والعزلة التي تفرضها إسرائيل. وأدافع عن حقنا في امتلاك مستقبل أفضل على أرض أوسع، مع الاحتفاظ بحريتنا في أن نحلم بشيء يبدو مستحيلاً مثل العدل والسلام والتحرر. لا أستطيع أن أتكلم عن فلسطين في هذه اللحظة إلا بكثير من الإحباط. ففلسطين تتناقص جغرافياً، مع أنها لا تزال في مكانها، لكن الواقع الإسرائيلي يقضمها كل يوم، ويحيط ما يريده أن يكون لنا وطناً نهائياً، بالأسوار والجدران. فلسطين تتناقص أيضاً في مدى مشاركة العالم في الدفاع عن حقها بالضغط على دولة ينظر إليها العالم بأنها فوق القانون، ويعاملها كقيمة أخلاقية غير قابلة للمحاسبة. والعالم العربي المحيط بفلسطين يتعرّض أيضاً للمزيد من الاحتلال أي انه "يُفلسطن" في شكل أو في آخر. صورة المستقبل القريب غير مشعّة إذا نظرنا إليها من منظور الحاضر. وللأسف المستقبل القريب أكثر وضوحاً مما ينبغي، لأن معالم الحل الإسرائيلي محددة ومعروفة: أن نعيش في كانتونات تثبت أن الأبارتايد أو التمييز العنصري ينتهي في بلد ويبدأ في بلد آخر. والبعد العربي للقضية الفلسطينية معرّض أيضاً للاحتلال والتهديد.".
ت 19 ـ يتحدث درويش عن تآكل البعد العربي للقضية الفلسطينية، وينسى أنه وأمثاله من اليساريين العلمانيين من تسبب في ذلك، إذ اهتمام العرب كمسلمين ومسيحيين بالقدس وفلسطين نابع من البعد الديني، وحين أشاعوا هم الفكر اليساري والإيديولوجية الشيوعية الداعية إلى نبذ الدين واعتباره الأفيون المخدر للشعوب كان من الطبيعي أن ينتظروا أن لا يهتم غير الفلسطينيون بقضية فلسطين، على اعتبار أن بقية العرب معنيون بقضايا أوطانهم هم أيضا، ولا يجدون من مبرر للانشغال بأمور تحدث خارج حدود بلدانهم التي ينتمون إليها! ثم إن اعتبارهم للقومية العربية رافدا أوحد للتعامل مع القضية الفلسطينية أشعر الكثير من المسلمين غير العرب بأنهم غير المطالبين بالاهتمام بمشكلة تحدث على أرض عربية لا يعنيهم مصيرها في شيء لأنهم لا يشاطرون أصحابها العرق والأرومة. وذلك كالكرد والأمازيغ والفرس والترك.. حتى ولو كانوا يعيشون بين ظهراني العرب كالكرد في العراق أو الأمازيغ في بلدان المغرب العربي مثلا. وفي نفس المقال لنفس الكاتبة مايا جاغي في نفس الموقع يمكن قراءة أن درويش(7):
"قال: حلت كرة القدم محل فلسطين في حب العرب.." يقول "حررت نفسي من الأوهام كلها, أصبحت ساخراً, أسأل أسئلة عن الحياة مطلقة, لا مجال فيها للأيديولوجية القومية".
وهنا تطرح أسئلة نفسها:
ـ أ بعد أن أفقد هو وأمثاله من القوميين العلمانيين القضية الفلسطينية دعم واهتمام كل المسلمين من كل الأعراق في جميع أنحاء العالم تخلى عن الإيمان بـ "الإيديولوجية القومية" ؟؟؟
ـ وأبعد أن انتقص هو ونظراءه من قدر الدين، وكذا استخفوا بمتبعيه الذين يعتبرون الأقصى ثالث الحرمين، وساهموا في طمس جذوة التدين في النفوس جاء ليتعجب من كون كرة القدم احتلت مكانة فلسطين في قلوب العرب؟؟؟
هو مآل حتمي ذلك التجاهل لفلسطين، وكان من الطبيعي أن يُتوصل إليه بشكل كلي، ولولا أن تدارك الله عبادة بصحوة دينية أعادت الأقصى إلى قلوب المسلمين المؤمنين لما وُجد اليوم من لا يزال يذكر حتى اسمه، لكون مشكلة احتلال فلسطين كانت ستكون قد حُسم أمرها على أنها قضية قطرية لا تعني أبدا من هم خارج حدود فلسطين.
س 20 ـ "هل من علاقة لك بالسلطة الفلسطينية؟".
ج 20 ـ "رسمياً أنا لا علاقة لي بأي سلطة، ولكن على المستوى الشخصي علاقتي ممتازة مع رئيس السلطة ورئيس الحكومة ومعظم الوزراء. ومهما كان هناك من مشكلات داخلية فما يجمع الفلسطينيين الآن هو السؤال الوطني، أكثر من أي سؤال داخلي. لكن ذلك لا يعني أن نغضّ النظر عن المشكلات الداخلية. والقضية الأساسية هي كيف نحل المشكلة الوطنية وهي مشكلة الاحتلال. لا أمارس دوراً كبيراً سياسياً بل أمارس دوراً ثقافياً. وينتابني شعور بالغربة، إلا أن واجبي الوطني يناديني كي أكون هناك. وهذا أضعف الإيمان. أنا إذاً هنا وهناك وأشعر بحزن وإحباط".
ت 20 ـ هي علاقة مميزة إذا مع السلطة المؤمنة بالسلام والداعية إلى التطبيع. ولعل هذا ما يفسر التحول في المسار المضاميني لشعر درويش. إذ كيف يستقيم تواجد شعرك "سجل أنا عربي" ومعاهدات السلام والرغبة في الوئام مع العدو الصهيوني؟ وكما يُظهر هذا الجواب علاقة الشاعر الودية مع السلطة وبالتالي مع العدو، فإنه يُبدي "اهتمامه" المزعوم بكيفية إنهاء "مشكل الاحتلال". تناقض وعدم وضوح ويعكسان اضمحلال الإحساس بجدوى المقاومة وطغيان السلبية المذلة المثبطة للعزائم، والاكتفاء بالانشغال النظري الذهني في أحسن الأحوال، ذلك الذي لا ينفع في شيء ويعطي الفرص للعدو للعمل الدؤوب في أحسن الأحوال من أجل تصفية الوجود الفلسطيني، وكذا إقامة الدولة اليهودية الدينية الصرفة كما صرح بذلك أولمرت وراعيه بوش غير ما مرة وفي الكثير من المناسبات. ثم لا شك في أنها مقايضة تمت وسمحت للشاعر بأن يُكرس شاعرا للسلطة ويُدعى له على المنابر، وتخلى في إطارها عن القصائد السياسية الداعية إلى "الفتن" والمانعة من تيسير التطبيع. فقد كان ممن يحبون الحياة الرغدة الهانئة:
" قابل رجا شحاده, وهو محامي فلسطيني يسكن جوار رام الله, درويش في باريس يقول: "بدا مغرماً بالأشياء الناعمة ـ بالمعيشة الراقية والطعام الجيد".(8).
والسلطة كانت مستعدة للدفع حتى ولو كان الأمر حتى حين معين:معارضته لأسلو. وحتى ولو كانت تلك الحياة في باريس: "عندما كان يقيم في باريس، وبالذات بعد استقالته من عضوية اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية احتجاجاً، ورفضاً، لاتفاقية أوسلو، واجه ظروفاً مالية صعبة جداً، فقد قرر الرئيس الراحل ياسر عرفات وفي خطوة مؤسفة، وقف الغالبية العظمى من مخصصاته المالية...شعرت بالصدمة، فهذا الشاعر الكبير لا يجد من يهاتفه، وربما أحس بهذا التساؤل في ذهني، وقال: الأمر بسيط جداً: لا نقود.. ولا نفوذ.. ولا يهود.. وشرح لا نقود، لأن الرئيس عرفات أوقف مخصصاته، ولا نفوذ أي لم يعد عضواً في اللجنة التنفيذية وقريباً من الرئيس مما يمكنه من حل مشاكل المحتاجين أو توظيف بعضهم، وأخيراً لا يهود.. أي أنه ليس منخرطاً في المفاوضات التي كانت على أشدها، حتى يكون في قلب الحدث الإعلامي والسياسي"(9). فلقد كان المستفيد ـ كما يبدو واضحا ـ من ولائه للسلطة "نقودا ونفوذا" مقابل التزام الحياد والابتعاد عن خط المقاومة الشعرية الواضحة، ولعله بعد إيقاف الدعم المالي فهم الرسالة وتخلى عن إعلان مواقفه السياسية ـ معارضة أوسلو نموذجاً ـ، وانتحى ناحية الحداثة يستنطقها حول المواضيع المرغوب في طرحها في إطار هذا التوجه الفكري الجديد، فكانت أشعار الحب وقصائد الأجساد وتوسل الغموض والإبهام.
س 21 ـ "المرأة والمرأة ـ الأرض ـ "سرير الغريبة" هو من كتب الحب الجميلة جداً وأعتقد انه استطاع أن يضع حداً لمقولة المرأة ـ الأرض أو الحبيبة ـ الوطن التي طالما تكلم عنها النقد إزاء شِعرك. كيف ترى إلى هذه المقولة وهل من علاقة لها بـ "سرير الغريبة"؟ هل سئمت هذه المقولة؟
ج 21 ـ "لا لم أسأمها، ولكن هناك خطر من استمرار التمسك بالترمز. المرأة كائن بشري وليست وسيلة للتعبير عن أشياء أخرى. الوردة كائن جمالي من دون أن يرمز إلى جرح أو دم. هذه محاولة لتطبيع علاقتي مع اللغة أو الكلمات والأشياء، ولتطبيع علاقتي أيضاً بالنظر إلى الفلسطيني ككائن بشري أولاً، قبل أن يكون قضية. فالهوية الإنسانية للفلسطيني سابقة للهوية الوطنية. صحيح أننا في صراع طويل يستلزم أن يقوم الشاعر خلاله بدور في بلورة الهوية الثقافية وفي حماية الروح من الانكسار، ولكن يجب ألا يلغي هذا الأمر حقنا الإنساني في التأمل في طبيعتنا البشرية. فالفلسطيني إنسان يحب ويكره ويتمتع بمنظر الربيع ويتزوج. إذاً المرأة تحمل معاني أخرى غير الأرض. جميل أن تكون المرأة وعاء للوجود كله. ولكن يجب أن تكون لها شخصيتها كامرأة. عندما تعرضت في ديواني "سرير الغريبة" للنقد واتهمت بالتخلي عن ارتباطي بالقضية، قلت إن هذا تعميق للتجربة. ثم إن شعر الحب يمثل البعد الذاتي من أبعاد المقاومة الثقافية، فأن نكون قادرين على الكتابة عن الحب والوجود والموت والماوراء، فهذا يعمق من قيمتنا الوطنية وهويتنا. نحن لسنا خطاباً، نحن لسنا بياناً. وكما قلت أكثر من مرة وأكرر: الفلسطيني ليس مهنة بل كائن بشري يناضل ويدافع عن أرضه وحقه".
ت 21 ـ أن يكون شعر الحب تصوير لأحوال الطبيعة البشرية فهذا أمر مقبول، لكن أن يمثل هذا النوع من الشعر " البعد الذاتي من أبعاد المقاومة الثقافية" فلا يبدو القول مما يمكن استساغته وتقبله. فهذا المقطع الحسي من قصيدة "درس من كاما سوطرا " من ديوان "سرير الغريبة" لا يمكن تصنيفه كشعر يدعو إلى المقاومة والصمود، بل هي كلمات تبين كيفية إتيان مباهج الجسد وتحقيق شهواته، ويساهم حتى عنوان القصيدة في تأكيد البعد الإيروتيكي المراد إبرازه كمنحى جديد للتعبير الشعري مرغوب في انتحاءه حين تبني الحداثة واعتناق مبادئها:
"انتظرها،
وقدّم لها الماء، قبل النبيذ،
ولا تتطلّع إلى توأمي حجلٍ نائمين على صدرها
وانتظرها"(10).
ويرى الشاعر مرة بعد أخرى ـ كما في الاقتباس أدناه من نفس مقال مايا جاغي ـ وهو يحاول أن يبرر سلوكه الشعري المستجد، ذلك المتغنية قصائده بالحب وبالجسد وكذا يتهرب من الوصم بالنكوص عن مواصلة النضال:
"وكان ديوان "سرير الغريبة" 1998، كما يقول, أول كتاب له مكرس للحب كلياً, ويقول: "رغم ذلك, حتى القدرة على الحب" شكل من أشكال المقاومة، يفترض أن نكون نحن الفلسطينيين مكرسين لموضوع واحد ـ تحرير فلسطين, هذا سجن, نحن بشر, نحب، نخاف الموت, نتمتع بأول زهور الربيع، لذا فالتعبير عن هذا مقاومة لان يكون موضوعنا مملا علينا, إذا كتبت قصائد حب فأنني أقاوم الظروف التي لا تسمح لي بكتابة قصائد الحب"(11). فهو السجن حسب الشاعر أن يُبقى نفسه حبيس التعبير عن الوطن، والمشكلة أن المتباكين عليه ما أخبروا العوام أن شاعرهم الراحل قال هذا حتى يتوقفوا عن الانتحاب المتفاقم عليه. بل ما ذكروا إلا أنه كان المتفاني في التغني بذلك الوطن حتى آخر رمق. وما تنازلوا عن تلقيبه بشاعر المقاومة وشاعر فلسطين والشاعر الرمز وشاعر القضية، بل وما توقفوا عن وصفه بالمقاوم الصامد الباذل للروح والنفس من أجل مغالبة الاحتلال وطرد العدو الغاشم، كل هذا وهو الذي ما كان يريد حتى أن يستمر في بذل مجرد كلمات تذكر المقاومة وتوحي بمدافعة الأعداء الغاصبين!!!
فلقد غير من علموا من المثقفين بالتحول في مسار الشاعر موقفهم منه.فلم يعد بالنسبة إليهم شاعر القضية ولا شاعر الفداء، ولعل كل الجماهير العربية كانوا سيفعلون لو دروا أن شاعرهم القديس المبجل المتباكى عليه كان ينتظر اللحظة التي يمكنه فيها أن "يلعن" تلك التي خنقته نسبته إليها وربطه بقضيتها رغما عنه وضدا على إرادته: "وقد صدم قراؤه لما رآه البعض تخليا عن القضية, أحد أصدقاء الإسرائيليين الفلسطينيين المؤلف انطون شماس, رأى في الديوان" رسالة تحد كئيبة: إلى الجحيم بفلسطين, وأنا الآن على عاتقي. "ورغم ذلك يروي شعر درويش وحضوره في رام الله المحاصرة قصة مختلفة يقول": "أنتظر اللحظة التي أستطيع فيها القول: إلى الجحيم بفلسطين. ولكن ذاك لن يحصل قبل أن تصبح فلسطين حرة, لا أستطيع تحقيق حريتي الشخصية قبل حرية بلدي. عندما تكون حرة, أستطيع لعنها"(12).
لكنه مات ولم يحظ بفرصة "لعنها" جهارا تلك "الفلسطين"، فلم يكن يملك الجرأة على التصريح للجماهير الواسعة بأنه لم يعد يريد أن يلعب دور الشاعر المناضل الملتزم المقاوم، إذ لم تكن له القدرة على التخلي عن الهتافات والامتيازات التي يتحصل عليها متى ما زار بلدا عربيا أو غربيا يقيم فيه العرب بفعل اعتباره ذلك الرمز الذي كان يتضايق من كونه يُعتبره رغما عنه. فبقدر ما كان غير الراغب في معاداة الحداثة والأممية والإنسانية تلك الروافد للإيديولوجيا النافقة في الزمن الحاضر والمنيلة لرضا الغرب السيد المطاع، كان غير المستطيع التضحية بالمكانة التي اكتسبها في قلوب أناس رعاع انساقوا وراء كلمات رنانة قالها في زمن مضى كانت الداعية لرفض الاحتلال والمطالبة بسحق العدو. وقد أعانه الموالين له والمنتمين لنفس المنظومة الفكرية معه ـ وخاصة رجالات السلطة وأطرها والمثقفين الدائرين في فلكهم المستفيدين كمثله من سلطانهم وهيمنتهم ـ في لعب لعبة الازدواجية،فما توانوا عن إخفاء موقفه الحقيقي المتأخر من القضية خاصة بعد موته، فتكالبوا على قصائده "النضالية" القديمة فاستخرجوها، وصرخوا بأعلى أصواتهم يرددونها على كل المنابر، مكرسين له كعلم من أعلام رفض الاحتلال ورأس من رؤوس المناوئين لدولة الغصب والطغيان.
س 22 ـ "هل يضيرك أن تُسمى مثلاً شاعر حب وليس شاعر غزل طبعاً؟".
ج 22 ـ "أتمنى أن أكون شاعر حب أو أتمنى أن تسمح لي ظروفي التاريخية في أن أكون شاعر حب، لأن شعر الحب هو أجمل ما يمكن أن يكتب من شعر. والحب لا ينتهي. شعر النضال ابن مرحلة ما وهو ضروري، ولكنه لا يقدر على الاستمرار. الصراع عملية مستمرة، الصراع في معناه الايجابي، وهو يأخذ أشكالاً متعددة، منها صراع الإنسان مع قلبه، الصراع بين العقل والقلب، نداء الغريزة، حق الرغبة في التعبير عن نفسها".
ت 22 ـ جواب يعكس ما أُبرز فيما سبق من كون الشاعر أراد لشعره الخلود كما ـ اعتقد وآمن ـ فتخلى طواعية وعمدا عما اعتبره غير القادر من الشعر على الصمود كشعر النضال، واستبدله بالشعر المعبر عن نضال الأجساد والقلوب في سبيل تحقيق أهواءها ورغباتها الغريزية.
س 23 ـ "هل تخاف الموت؟".
ج 23 ـ "لم أعد أخشاه كما كنت من قبل. لكنني أخشى موت قدرتي على الكتابة وعلى تذوّق الحياة. لكنني لن أخفيك أن الطريقة التي مات فيها الشاعر معين بسيسو في الفندق، وكانت غرفته مغلقة وعلى الباب إشارة "الرجاء عدم الإزعاج" جعلتني أخشى هذه الإشارة أو اللافتة. فجثته اكتشفت بعد يومين. الآن كلما نزلت في فندق لا أضع هذه الإشارة على الباب. ولا أخفيك أيضاً أنني لا أضع مفتاح باب البيت في القفل عندما أنام".
ت 23 ـ هو من فصيلة من يخشون الموت إذا. وليس كائنا فوق العادة لا يهاب النهاية بل ويتحداها كما صور هو ذلك نفسه في شعره ـ الجدارية ـ وكما حاول أن يقنعنا بذلك الممالئون له المنفطرة قلوبهم بفعل غيابه وأولائك المفجوعون عليه.
س 24 ـ "أليست الفنون قادرة على هزم الموت كما قلت في قصيدتك "جدارية"؟".
ج 24 ـ "هذا وهم نختلقه كي نبرر وجودنا على الأرض، لكنه وهم جميل".
ت 24 ـ هو وَهْم إذا ـ حسب تعبير الشاعر نفسه ـ ذلك الهراء المضمن في تلكم الجدارية "الغراء"، تلك الذي انشغل بها الناس من المصفقين له، أولائك الذين أثر مضمونها فيهم حد أن تطاول البعض منهم حين وفاته فهاجموا الموت "الغاشم الظالم المخاتل" الذي غدر به غيلة وهو الذي سبق وأن تحداه وهزمه! وهم "جميل" منع المتباكين عليه والنائحين من أن يفهموا أنه مات!!! بل طالبوه بالعودة وبالتفلت من براثن الفناء من أجل استكمال "مسيرته النضالية".. فما رضوا أن يكتبوا أو يقولوا عنه أنه الفاني ويجب أن يموت كما مات وسيموت كل الناس في هذه الدنيا وفي أجل محدود. إذ بالرغم من أنه لم يملك اليقين الذي يجعله يؤمن بالرؤية الدينية للموت ويبدي ذلك في كتاباته... كان كالبشر كلهم يخشى الموت ولا يرغب فيه:
"نحن بشر, نحب، نخاف الموت, نتمتع بأول زهور الربيع"(13).
ولعل مثل هذا المقطع من قصيدته تلك الجدارية، والذي يبدو فيه ثباته على الإيديولوجية المادية بخصوص وجهة نظره إلى الموت ما دفع المصفقين له يقومون بكل تلك المزايدات ويتفوهون بكل تلك الحماقات حول شخصه ومصيره:
"هزمتُك يا موتُ
هزمتك يا موت الفنون جميعها
هزمتك يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
مسلَّة المصري، مقبرة الفراعنة
النقوش على حجارة معبد هزمتك
وانتصرت وأفلت من كمائنك الخلود
فاصنع بنا، واصنع بنفسك ما تريد"(14).
وهذا مقطع آخر من نفس القصيدة وتبدو فيه النغمة الاستهزائية واضحة بكل ما يتعلق بالموت، وبالخصوص تنعدم فيه أية معالم لأية رؤية ممتوحة من الدين مهما كانت:
"أيٌها الموت انتظر! حتى أعِدٌ حقيبتي:
فرشاة أسناني، وصابوني
وماكنة الحلاقةِ، والكولونيا، والثياب.
هل المناخ هناك معْتدِل؟
وهل تتبدٌل الأحوال في الأبدية البيضاء،
أم تبقي كما هِي في الخريف وفي الشتاء؟
وهل كتاب واحد يكفي لِتسْلِيتي مع اللاٌوقتِ،
أمْ أحتاج مكتبة؟
وما لغة الحديث هناك،
دارجة لكلٌِ الناس أم عربيٌة فصحى."(15).
ولكن للأسف فكل هذه الجرأة والرغبة الخرقاء في التحدي لم تنفعاه. ويبدو أن الموت هزمه في نهاية الأمر، وما تمكن حتى من تهيئة حقيبته حتى يضع فيها فرشاة أسنانه وكتبه وبقية أغراضه. ثم ولم تنفعه كل الفنون برمتها، فما استطاعت أن تحقق له البقاء ولا أن تدفع عنه الفناء والانتقال من الدنيا إلى العالم الآخر. وهذا اقتباس فيه تَصوُّر لمعالم الجنازة التي استحبها الشاعر وأرادها لنفسه، وانطلق فيه ذلك التصور من توجهه الفكري المادي كما العادة، وقد كتب ذلك قبل وفاته: "أريد جنازة حسنة التنظيم، يضعون فيها الجثمان السليم، لا المشوّه، في تابوت خشبي ملفوف بعلم واضح الألوان الأربعة، ولو كانت مقتبسة من بيت شعر لا تدل ألفاظه على معانيه، محمول على أكتاف أصدقائي، وأصدقائي ـ الأعداء. وأريد أكاليل من الورد الأحمر والورد الأصفر، لا أريد اللون الوردي الرخيص، ولا أريد البنفسج لأنه يذيع رائحة الموت. وأريد مذيعاً قليل الثرثرة، قليل البحة، قادراً على ادعاء حزن مُقنع، يتناوب مع أشرطة تحمل صوتي بعض الكلام. أريد جنازة هادئة، واضحة، وكبيرة ليكون الوداع جميلاً وعكس اللقاء. فما أجمل حظ الموتى الجدد، في اليوم الأول من الوداع، حين يتبارى المودعون في مدائحهم.
فرسان ليوم واحد، محبوبون ليوم واحد، أبرياء ليوم واحد.. لا نميمة ولا شتيمة ولا حسد. حسناً، وأنا بلا زوجة وبلا ولد، فذلك يوفر على بعض الأصدقاء جهد التمثيل الطويل لدور حزين لا ينتهي إلا بحنو الأرملة على المعزّي. وذلك يوفر على الولد مذلة الوقوف على أبواب المؤسسات ذات البيروقراطية البدوية. حسنٌ أني وحيد.. وحيد.. وحيد.. لذلك ستكون جنازتي مجانية وبلا حساب مجاملة، ينصرف بعدها المشيعون إلى شؤونهم اليومية. أريد جنازة وتابوتاً أنيق الصنع أطل منه على المشيعين، أسترق النظر إلى طريقتهم في الوقوف، وفي المشي وفي التأفف، وفي تحويل اللعاب إلى دموع، وأستمع إلى التعليقات الساخرة: كان يحب النساء، وكان يبذخ في اختيار الثياب. وكان سجاد بيته يصل إلى الركبتين، وكان له قصر على الساحل الفرنسي اللازوردي، وفيلا في إسبانيا، وحساب سري في زيوريخ، وكانت له طائرة سرية خاصة، وخمس سيارات فخمة في مرآب بيته في بيروت. ولا نعرف إذا كان له يخت خاص في اليونان. ولكن في بيته من أصداف البحر ما يكفي لبناء مخيم. كان يكذب على النساء. مات الشاعر ومات شعره معه. ماذا يبقى منه؟ لقد انتهت مرحلته وانتهينا من خرافته. أخذ شعره معه ورحل. كان طويل الأنف واللسان.. وسأستمع إلى ما هو أقسى عندما تتحرر المخيلة من كل شيء. سأبتسم في التابوت، سأبذل جهداً لأن أقول: كفى! سأحاول العودة فلا أستطيع"(16).
تصور متناغم مع المعتقد الكامن في حنايا الشاعر فما نافق ولا ادعى. فلا أثر لصلاة ولا لإمام ولا لقرآن ولا لمسجد.
لكن كل هذا لم يكن ولم يطبق في واقع الحال.فالوصية لم تحترم. فقد استُدعي مفتي القدس ليقيم صلاة الجنازة على الشاعر الكبير الفقيد، وطبعا قرأت آيات من الذكر الحكيم وأدعية مأثورة عن النبي الكريم. كل هذا تم بأمر من السلطة التي تشاركه نفس التوجه وتؤمن معه بنفس المبادئ. فما أسباب هذا الاستعمال للدين في غير مكانه ومع من لا يدينون به؟
ـ أهو الاستجداء لتعاطف الجماهير التي لا تعلم بقناعات الشاعر الإيديولوجية، وحتما سترفض التباكي عليه لو علمت بها، وخاصة بتحوله مساره الإبداعي نحو التطبيع وقبول السلام مع العدو ذلك المركس المذل والمهين؟؟؟
ـ أ هو تخدير الشعب بالدين "الأفيون" كما كانوا ينعتونه بذلك جهارا إلى العهد القريب، ولعل ذلك المعتقد حول الدين ما زال الكامن المتجذر في حناياهم، لكن هي التقية.فلا ينبغي أن يُظهر الأمر تماشيا مع واقع الحال للشعب الناحي نحو التدين في الزمن الحاضر والقريب.؟؟
المهم أن ما حدث كان فيه تحريف لرغبة الراحل وإساءة له، إذ "دُنست" جنازته بذلك "الديني" الذي لم يكن يستسيغ هو الإيمان بكل "غيبياته" و "ترهاته" وخرافاته" كما أشباهه من الرفاق المناضلين اليساريين. وكان يترفع كمثقف" عنه. والطامة أن من كانوا وراء الإساءة رفاق أيضا. وجدوا أنفسهم مضطرين لتجاوز مبادئهم، وعملوا على استدرار دموع الشعب المقهور بإلقاء ظلال التدين على جنازة "البطل" الراحل، إذ هم أكثر من يعلم بأن نبذ الدين سمة لا يمكن للمواطن العادي أن يقبل بها ملازمة للمراد تقديسه ورفع شأنه من بين الأموات المغادرين. صناعة ولي صالح وقديس وبطل شعبي هذا ما قاموا به مضحين بثباتهم المرجعي. فعلوا وهم لا يرجون سوى أن يكون للأمر بعض تأثير الترياق، ويساهم ولو بالنزر اليسير في شفاء الجراح التي سببوها لذلك الشعب الذي أفقدوه كل شيء وهم يحاولون تتبع سراب السلام المتفلت اللعين،فلعل ذلك الشعب يمنحهم بعض فرصة لاستمرار التحكم في رقاب أفراده واستغلالهم حتى حين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
س: سؤال ـ عبده الوزان.
ج: جواب ـ محمود درويش.
ت: تعليق ـ صالحة رحوتي.
(1) ـ عبده الوزان ـ دفاتر محمود درويش. حوار ـ صحيفة الحياة ـ 2005.
http://www.alquds.com/node/94216
(2) ـ http://www.paldf.net/forum/showthread.php?t=296917
(3) ـ محمود درويش... شاعر العالم العربي ـ مايا جاغي ـ ترجمة: غازي مسعود ـ المصدر: الغارديان البريطانية 8 حزيران 2002 ـ الدستور الأردنية، 28 حزيران 2002م.
http://www.mahmouddarwish.com/arabic/hislive.htm
(4) ـ المرجع نفسه.
(5) ـ عبد الكريم الكيلاني ـ لقاء مع غادة السمان حول درويش وطوقان ـ جريدة الزمان اللندنية/ السياسة الكويتية/ العربية نت ـ 25 ـ 2 ـ 2006
http://ghadaalsamman.jeeran.com/archive/2006/2/25514.html
(6) ـ محمود درويش... شاعر العالم العربي ـ مايا جاغي ـ ترجمة:غازي مسعود ـ المصدر: الغارديان البريطانية 8 حزيران 2002 ـ الدستور الأردنية، 28 حزيران 2002.
http://www.mahmouddarwish.com/arabic/hislive.htm
(7) ـ المرجع نفسه.
(8) ـ عبد الباري عطوان ـ محمود درويش الذي عرفت.. ـ 11/ 08/ 2008م
http://www.arabs48.com/display.x?cid=7&sid=25&id=56205
(9) ـ المرجع نفسه.
(10) ـ محمود درويش ـ درس من كاما سوطرا ـ ديوان سرير الغريبة.
(11) ـ محمود درويش شاعر العالم العربي ـ مايا جاغي ـ ترجمة:غازي مسعود ـ المصدر: الغارديان البريطانية 8 حزيران 2002 ـ الدستور الأردنية، 28 حزيران 2002.
http://www.mahmouddarwish.com/arabic/hislive.htm
(12) ـ المرجع نفسه.
(13) ـ المرجع نفسه.
(14) ـ محمود درويش ـ قصيدة جدارية الموت.
(15) ـ المرجع نفسه.
(16) ـ محمود درويش ـ ذاكرة للنسيان ـ بيروت ــ 1982.
http://uaesm.maktoob.com/vb/uae230391
نشر في العددين 176 و177 من جريدة العرب الأسبوعي
الروابط:
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Weekly/2008/10/18-10/w22.pdf
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Weekly/2008/10/18-10/w23.pdf
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Weekly/2008/10/25-10/w22.pdf
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/Alarab%20Weekly/2008/10/25-10/w23.pdf