الشاعر المغربي محمد بنيس صوت شعري عربي متميز، له إسهامه الشعري والفكري في الثقافة العربية. و(الكلمة) تنشر هنا أحدث قصائده.

ليلة الياقوت

محمد بنيس

 

رعْشّة

ماذّا لو انْكشّفتْ أماميّ قطعة الياقوتِ
في ليل تحيط به الرياح
كأنٌه سفح تلألأّ
واختفّي

صمت
يهبٌ عليٌ منْ
وسطِ السٌؤالِ وجدْتني
حجرٌا

صدّي الياقوتِ
في
صّمْتِي

بيْننّا
وأبدأ في العبورِ إليكّ إنٌكّ
لنْ ترانِي
ربٌما صمّم قريب
منْ شعاعي كانّ
يفصل بيننّا سفح هنالكّ
لمْ يزلْ في البعْد متٌقدا

وراءّ السفْحِ لون يكْتسي بالنٌارِ
ياقوت
يشفٌ بما ينادي
عّابرينّ

إليْكّ أزمنة لكّيْ يبقّي الشٌعاع
محصٌنا باللانهايةِ دائما
أقْوّي
وأبْعدّ

جمرة الشٌهواتْ

أحْمر ينمجو
وجدت الأرضّ تّركض في الحقولِ
كأنمّا
صعدتْ إلي العلياءِ
كيْ تتعّدٌدّ الألوان عنْ بعْدي وعنْ قربي

هواء الأمسِ مختلف تماما عن هّواءِ
اليومِ كانتْ شبه نافذة
تضيء حديقة
ولربٌما وجها تضاءلّ في اضْطرابِ
الماءِ

يصْعب أن أحدٌقّ منّ وراءِ مسافة
أوْ كلٌما أبصرت
جاءتْ صورة أخرّي
لتضْحكّ
هذهِ الأرض ارتمتْ من فوقي
لا أحد يردٌ حرارة
هيّ ما يحِسٌ النازلونّ إلي المناجمِ بلْ هنا
ينْسّوْنّ أنٌ الليلّ يخفق
كلٌما اقتربتْ يد من مقبضِ الفانوسِ

أحمر وحده ينمو ويترك ظلٌه
بينّ الحجارةِ
غيْمّه
في الماءِ يشْرد
والهواء يهبٌ من سطْحي
بلاّ أعماقْ

طريق النٌار
قديما من بلادي يهْجرونّ بلادّهمْ
كانوا جميعا يبدأونّ طقوسّ
رحْلتهمْ بنبْعِ الماءِ يغْتسلونّ ليلا كاملا
قبلّ الصٌباحِ يجهٌزونّ بغالهمْ لا يسْألونّ
عنِ الشروقِ سروجهمْ تنأي
معّ الزيتونِ ينتقلونّ منْ أعْلّي
إلي أعْلّي

طريق النٌار تلْمسجها أصابعهمْ يذكٌر بعضنا
بعضا بمنْ كانوا لهمْْ أهلا وكانوا في البعيدِ
أمامّ أسْواري هيّ العطش الرياح
الثلج أرض كلٌها زرقاء

كانوا يتْبعونّ الصمتّ
نحوّ مساكنِ الأنفاسِ قافلة
لهّا الذكْري التي احْتفظتْ بها الأحْجار

صيفا أو شتاء يهجرونّ بلادّهمْ
لا بدٌ أنْ يتبادلوا لغةّ الإشارةِ
تلكّ عادة عابرينّ إلي مكاني
لا يغيٌر ضوْءّه

سفّر بطيء في سفوحي كلٌها ليل
إذنْ عثّروا
علي ما ليْسّ يظْهر
وّاضحا
ومضّوْا بلاّ أملي
إلي ناري تجهيٌئ رحلة أخْرّي

تكْوين
ألشمس سرٌجكّ أيٌها الياقوتْ
وأنتّ الأرض
تلْطف
كلٌما انعقدتْ مّسامٌ
تكاثفّتْ وتداخّلتْ

تضع البريقّ علي مّدارِ اللٌونِ
أحمر
ربٌما ظهرتْ عليْكّ برودة التٌكوينِ
أصْفر
ربٌما لانّتْ بقاعكّ
أبيض

جسْمكّ الذٌهبيٌ
أقْتحم المسافةّ بيْنّ أوٌل نظْرة
وعتاقةِ الألوانِ في أرضي
هي الجهة التي رفعتْ حواسٌكّ
نحْوّ نِعمةِ أنِ ترّي

شمس تفتش عن بنيهّا
خلفّ سفْحي
ثم سفح
في هواءِ الليْلْ

سيد الياقوت
لعلٌ الضوءّ بينّ يديْكّ ينشأ في الحجارةِ

خلت وجْهّكّ غائبا عنٌي غريبا سائحا في الهنْدِ حيث اللون أزرق لا ينام علي ضفّافِ نهْر الكانْغِ

وفي محيطِ يديْكّ يتٌقد الهواء كأنٌ غرفتّكّ التي آوتْكّ ضيٌقة عن الأنفاسِ حينا

بعْدّ حين تخطف الياقوتّ من بوٌابةِ النٌيرانِ تغْلق موقدا لتقيسّ لوْنّ الضٌوءِ ضوْءّ اللٌونِ كلٌ منهما أجفق إلّي أفقي يطيرْ

لا ندْري
أخْتار من بينِ الحجارةِ ما يضيء
أصابعّ الرٌّحٌال
ما يرتو إليْكّ بكبرياءِ الصٌمْتِ

ضلع واحد متكسٌر
لغناءِ سيٌدة هنالكّ تنقجر
الأوتارّ جنبّ شجيْرةِ الليْمونِ
والأرضِ
التي بغموضهّا كبرتْ

ولا
ندْري بأيٌ بصيرة
هيّ
أوْ
سواها كانتِ الأحجار أسماء
وفي الأسماءِ
عاصفة تغيٌر شكْلّها

خذْ شعْلةّ الغنبازِ
كانّ الصوت محتدما عنيفا
فارغا
من رعْشةِ الأحلامِ

كانّ الصوت أمْلسّ
خذْ
وبيْنّ أصابعِ الرحٌالِ ضوْء

قدْ يصدٌق حشْرجاتي قدْ يظلٌ محدٌقا
في جذرِ عاصفة
كأنٌ حجارة كانتْ تكلٌم
منْ أحبٌتْ واشْتهتْ
شيئا
يضمٌ الأرضْ

سطوح
كريم
ها هوّ الوصف الذي كتبتْ يد
منْ قبل في اليونانِ
تحتّ سماءِ
ملْحمة بطيئا كانّ ينْطق
في حّواسٌكّ
كانّ يفْتح بابّه الزرقاءّ
يترك برْقّه
يرْعّي قِبابا تنْحنِي يتسلٌق الأنفاسّ ثمٌ هناكّ
تلمع سعْفة
من حيث لا أحد يمرٌ إليْكْ

سطوح في هواءِ الليلِ تظهر
من صدّي نغمي
كأنٌ اللابداية مسرح الياقوتِ

تشرق رغْبة
نار
بهّا ارتجٌتْ يد
لمستْ ضآلةّ قطعة
تفضي إليْكّ بضوءِ داخلِهّا
كخارِجهّا

وأحْمر مرة أجخري
يشعٌ كفكْرة شبٌتْ حرائقها
وفي الكلماتِ صحراء (فهلْ هيّ
ثورة المعْنّي علي المعْنّي)

شبيها بالصداقةِ
ينشر الياقوت ظلاٌ لاّ يزول
يد تعاين موتّها جسد
وحيد
نقطة سقطتْ
منّ
الياقوتْ

واجِهّة
تكرٌرّ شبه الْتمّاعي
تكرٌّرّ في لمْحة
والزجاج الذي بيْننا سوْفّ يبقّي

هجنا
كنت أبصر رأسيّ منحّشرا
تحتّ ياقوتة كيفّ لي
أنْ أقيسّ المسافةّ بيْني وبينّ الهدوءِ

التماع يذكٌرني
بالذي هوّ أبعد من عرْيِ غنْبازة
ربٌما
بالتوقٌدِ في ليلة من ليالي
البياضِ

أثبٌت عيْنيٌّ في ركنِ واجهة
وأنا لست أعرف
هلْ هيّ نفسي التي كلٌمتْ غيْرّها
أمْ هنا اتسعتْ رقعة
للمّلامِسِ

خلفّ الزجاجِ
هنا كنت أبصر لكنٌ شيئا
يضمٌ الكلامّ إليٌّ
تحركّ نحْوي
التماع
دنّا رعشة للذي يتوقٌد
بعض أنّا

انفصّال

ّماما من الجهتيْنِ اكتّستْ
طبقات بحّرٌي
وعنْ بعْضنّا سنظلٌ كذلكّ منْفصليْنِ
هنا أوْ هنالكّ نفْس الحرارةِ

أخطو قليلا بداخلِ نفْسي
التي تتكاثر
بينّ يقيني
وشكٌي أنادي عليٌّ أنّا آخّرِي
هّبٌة من هواء تمزٌق ثوبّ
الستارةِ شيْء هوّي في السوادِ

كأنٌ النداءّ توقٌفّ
عندّ جداري
تفرٌقّ وجْهي علي طرقي
كلها استقبلتْ
حبْسةّ هيّ ما كانّ يسبق صوْتي إلّي الكلماتِ

سماء الحرارةِ تأكل مِنْ
داخلي وأنا خلفّ هذا الزٌجاجِ
أراقب ما كنت أبْصر
ياقوتة

أو نسيت هنّا