زياد جيوسي
التجوال في روابي عمان وأزقتها والشوق يقودني فيها، فأجول دروبها وتعرجاتها وخطوط شوارعها المنكسرة والمنحنية على تلالها والجمال، حيث قادتني أثناء زيارتي الأخيرة لها إلى (جاليري نبض) في تلك المنطقة من جبل عمان، حيث ما زالت روح عمّان التي كبرنا معها فيها، روح تحمل الجمال والتراث والذاكرة، فوقفت أطل من هناك على ذاكرة الماضي الذي عشته قبل أن تعبر قدماي (جاليري نبض) لعلّي أجد في صالات العرض ما يشعل نبضي من جديد، لأجد نفسي مع (فن حسين ماضي) وخطوطه المتميزة بالانكسار والانحناء بأسلوب يشد عين المشاهد للتجوال في هذا الجمال المختلف والمتميز. ولعل دراسة الفنان الرسم والنحت وفن الجرافيك، إضافة إلى الموازييك والجداريات، لعبت دوراً كبيراً في توجهاته الفنية، مضافاً إلى ذلك أنه ولد في بلدة شبعا في سفوح جبل الحرمون في لبنان، حيث تفتحت عيناه على الجمال الطبيعي الساحر، وخطوط المنحنيات في الجبال والانكسارت المفاجئة فيها، ما ترك في روحه أثراً كبيراً نلمسه في لوحاته، ففي أربعين لوحة من معرضه الجميل، اعتمد الفنان ألواناً زاهية وجميلة ومفرحة، وأشكالاً مختلفة من أساليب الفن، فمن اللوحات الزيتية على القماش إلى اللوحات المرسومة على الكرتون المقوى، ومن الألوان المعتمدة على ألوان مختلفة إلى لوحات بالأبيض والأسود، فأول لوحات في المعرض من رقم 1 – 6 كانت الخطوط المنكسرة والمنحنية تتحدث بوضوح عن مجموعة من الأفكار، فاللوحة رقم 1 تثير الكثير من التساؤلات في عملية التدقيق والتأمل، خصوصاً تأمل الخيوط المنكسرة بقوة واستخدام الألوان الحرة وكأنها ألوان قزح، لينقلنا مباشرة إلى خطوط المثلثات والأشكال الهندسية في اللوحة الثانية، وكأن الفنان يشير بلوحاته إلى دورة الحياة، فينتقل من الأشكال الهندسية مباشرة إلى لوحة 3 التي تصور الخيول بألوان البني والأسود والأزرق الداكن، لتبرز الحياة في اللوحة 4 من خلال رجل يمسك لجام الجواد الذي تمتطيه امرأة، وفي الألوان اعتمد رسم الرجل والمرأة باللونين الأسود والأبيض، بإيحاء فكري نحو فكرة الحياة القائمة على الثنائية والتضاد، بينما اعتمد الأزرق الداكن للجواد، لينقلنا مباشرة في اللوحة 5 إلى إناء بألوان حرة جميلة تخرج منه أوراق الشجر بإشارة واضحة لحلقات الحياة، ويعيدنا باللوحة رقم 6 إلى البداية التي بدأها باللوحة الأولى من جديد.
في المجموعة الثانية والتي ضمت اللوحات من 7 إلى 10 نجد الفنان قد اعتمد قاعدة الورق المقوى بشكل أساسٍ، ولم يخرج عن الخطوط المنكسرة والمنحنية، لكنه أضاف إلى فكرة الحياة والطبيعة في لوحاته رموزاً عدة اعتمدت على الطيور والحيوانات، خصوصاً الثور في اللوحات 9 و10، ففي اللوحة التاسعة كانت خطوط واضحة لفكرة الثور، وفي اللوحة 10 كان الثور يصرخ بقوة، ما أضاف فكرة فلسفية قائمة على تطور الحياة من الأرض حتى الروح بأشكالها المختلفة، بشر، نبات، طيور، حيوانات، والثور كحيوان قوي البنية وجد عبر التاريخ البشري كرمز للقوة والعطاء، فنجده في الحضارات القديمة المتنوعة له أجنحة وبأشكال مختلفة، مستمدة من قوته وتأثيره في الروح البشرية في تلك المرحلة. في المجموعة التالية من لوحات فن حسين ماضي من رقم 11 حتى 20 نجد الفكرة تتطور إلى الحياة العامة ومعيشة البشر، فهنا نجد تكرار وجود النساء والرجال وقصة الحب ولعبة الحياة، فالحياة الإنسانية تبرز بوضوح في هذه المجموعة، تتجلى بين التواجد البشري الثنائي والجماعي وإبراز الرموز التي تحمل الدلالات كما في رمزية الديك بما تحمله من بشائر الغد والقوة والفجر الجديد، فنجد في المجموعة أيضاً جلسات العزف والعود، القوارب والبحر، الجلسات الحميمة، وفي لوحة رقم 17 كان قطاف الرمان من خلال مشهد جميل وتقليدي، لكن من خلال خطوط انسيابية مبدعة، تعطي فكرة جميلة (من يزرع يحصد)، بدون أن ننسى جمالية الرمان في الحياة وطبيعته المفيدة ورمزيته في تفاصيل الجسد الأنثوي. بعد ذلك ينطلق الفنان بقوة الشلال في طرح الفكرة للواقع الذي وصل إليه من خلال نمو وتطور فكرة الحياة، فمن اللوحة 21 حتى اللوحة 38 ركز على المرأة بأشكال وأفكار مختلفة، باستثناء اللوحة 26 التي مثلت الأشجار مرسومة على الكرتون، وكأنها واحة راحة في صخب الحياة من خلال بروز أشكال وأوضاع مختلفة للمرأة، فهنا المرأة المضطجعة على فراشها، والمرأة مع الرجل بألوان الفرح وعلامات الحب، والمرأة التي تمثل الجيل الشاب من خلال لباسها الحديث، والمرأة داخل الدوائر مع رموز مختلفة لعل الديك أهمها، والمرأة في عري غير مبتذل بمقدار ما يعطي تعابير عن مناحي الحياة، وامرأة مضطجعة على فراشها وتحمل لفافة تبغ وتبدو في حالة سرحان وبجوارها ساعة تشير إلى الثانية إلا عشرة دقائق، وكأنها تفكر بموعد ما أو ساعات مرت، بينما في اللوحتين 36 و37 كانت تحمل الشكل نفسه للمرأة باللونين الأسود والأبيض، بخطوط انسيابية ومنحنية مع اختلاف الأسلوب بخطوط رسم الوجه والقدمين والصدر، ليحملنا الفنان بعد ذلك في اللوحتين الأخيرتين في رحلة العودة إلى البدء من خلال طيور أشبه بالديكة وخلفية للوحة مشتعلة، وألوان الزيتي والأخضر والأزرق الداكن، وفي اللوحة الأخيرة طيور تتداخل بطريقة تثير التفكير، وكأن الفنان يقول لنا: هي دورة الحياة تكتمل لتبدأ من جديد بشكل آخر وأفكار أخرى، لكن الحياة تبقى هي الحياة. تميز الفنان بألوانه الخاصة والمتميزة، أفكاره التي سكبها عبر اللون وأساليب الرسم على قواعد مختلفة، الخطوط المنكسرة والمنحنية بشكل دقيق ومتميز، والفكرة التي زرعتها لوحاته في ذهني وأنا أجول بينها، فوجدت نفسي أجول في طيات تلافيف دماغ يحمل فكرة وفلسفة للحياة، فكانت جولتي في الحياة في فن: حسين ماضي.