رسالة
كل الرسائل التي كتبتُها إليكْ
ليست كهذه التي أهُمُ بافتتاحها
ولا أكاد ألمَسُ البداية.
أريدها نسيجا من سَدى حرير خالصْ
ولُحمةٍ من المخْمَل الباذخ
وروحا ومعنى من الجواهر العذراء
ولحنا وموسيقى عندليبْ
يأوي إلى غدير صافٍ طيلةَ الربيع
ويَحتسي على هواه قطرةً فقطرةً
من جدول يروي شريانَ الأرضِ
ويُمدها بالنبض والحياة
فهل يُهديني العندليب
فيضاً من صفاءِ ماء الجدول الغزيرْ
لأكشف الحجاب عن رسالةٍ
أهُمُّ بافتتاحها
ولا أكاد ألمسُ البداية.
فبراير 2008
أوتُوبْيا
1 ـ جِهَة القلْب
كـُوّة متجهمة شاحبة
خـَيطُ ضوءٍ شحيحْ
وركامٌ من الحَشـْوِ
والحَـشـَف البالي
يـَتـَلبس بالأمسِ
كيْ يـَسرق الآتي.
لو تململْت َ ذات صباحٍ
إلى جهة القلبِ
تشهد أرضَ الأوتوبيا
وأنثى النوارسِ تـنـْزل في هالةٍ
وتـُـنَبِّئُ أن البحارَ صدى جـُزر مُوحِشة
والسماءَ سفينةُ بـَحر البحورْ.
لو نظرتَ قليلا
إلى نورس يتجردُ
من ريشه الخشبيِّ ويدخل هالةَ أنثاهُ
تعْشق أرضَ الأوتوبيا
تهيمُ بها
وتـُغامر في كل وادٍ سحيقٍ
وتـَهجر ما في الرتابة من عفَن
فيفاجئكَ الضوءُ
من كل سارية وجدارٍ
وتشـْهدُ
أن الفرار إلى الظل وهْمٌ
وأن الخلاص من الضوء موتٌ
وأن مفارقةَ العنصريْن
تـَقاطعُ حظٍّ على لحظة سانحة
ولا شيء يعلو على نورسٍ
يتخلص من ظله كل حين
ومن لا يَـراه سوى ظله
لا يراه أحد .
2 ـ الآتي:
ولا زال في الحلـْم شيء من الغدِ
محتجبا عن عيون المرايا
التي تـَعـْكس الوجهَ مُـنطـَبعا
في المكان الرتيبِ
وفي الزمن المتواترِ
لكنها لا ترى جهةَ القلبِ
حيث يـُحلق في الفـَلـَك الرحْبِ
يومٌ جديدٌ
تـَخـَلص من عَـثرات السوائعِ
وهي تـَسكُّ الأكاذيبَ
ثم تروّجها عُملةً
وبـَلاسِـمَ فوزٍ
وترْياقَ حظٍّ
ومعجزةً لا يـُصدقها الغضبُ الجسديُّ
ولا النورسُ المتخففُ من فيزياء كثافته
حين يملأ بالصمت هالتَـهُ
ويـَهيم كما تشتهي موجةٌ هائمة .
أبريل 2007
سماءٌ لا أُدركها
1 ـ إدمان
سأدْمِنُ التحليقَ والغِناء
وإن تجاوزتـْني في طريقها الطيور.
أعرفُ أن العندليبَ
ماهرٌ تلقائيٌ موهوب
يُوحَى إليه كلَّ حين
بنشيد الوقتِ
في الهُـنَيْهة الموعودة.
أما أنا
فليس لي سوى صدْر
يضيق بتلاحق الأنفاس.
مستقبَلا ،
قد آتي من مكان ما مجهول
بنَاي ٍ ورئاتٍ وهواءٍ قد يُـيَسّر الوصول
وربما يُـلهمني صباحٌ صافٍ
بندى تشربه البذورُ
فتصير سنبلاتٍ في الضّحى
وثمراتٍ ناضجاتٍ
في صباح اليوم الآتي.
2 ـ تفاحة
تفاحة في غصنها
تلك سمائي
حين أتطاول قليلا وألمسُها.
خلـْفَ السحابةِ
التي تـُلاطف الأرضَ سريعاً
ثم تختفي وراء الجبلِ
المحجوبِ بالضباب،
سماءٌ لا أدركها
وربما جَـنـّاتٌ لا أعرف من يسكنها .
وما يقول الواعظُ المشعْوذُ
سوى طـُعْم مُمِلّ ٍ
خال ٍ من ملح الطبيعة .
هو الذي استخفَّ بي بالأمس
واستغفلني بحِرْز وبَخور أرجوانيّ ٍكريه
وشبكاتِ حَكْي متهالك كسيح!
3 ـ وحدة
لربما قَستْ عليّ وحدتي
متى تغاضتْ ساعةً عني
ولم تبادر بالسلامْ
ولم تـُسعفني يوماً
بسماع صوت الضوءِ
مِلْءَ الحُجرة الصغيرة.
لربما استوحشتُ وحدتي
إذا أباحتْ سراً بيننا
واستأنستْ بثالث غريبْ
وانتهكتْ بقايا كبرياءٍ
متقادمٍ عنيد.
فقد يـَهون الموتُ
والجزيرة الزرقاءُ المشتهاة
على مرمى مِجدافْ
وقد يكون خائبا مُراً
بعْد اكتشافِ
زيـْفِ الزرقةِ الموهومة.
4 ـ بُـرْهة
يَمر الضوءُ خاطفاً
لا يستقر برهةً
على أطرافِ وقتٍ أو مقامْ
وما أن يختفي
حتى تَحلَّ في أعقابه الملذة ُ
التي ما فات وقتُها يوماً
ولن يفوتْ !
ولا يلبث الفجرُ إلا برهةً
يَحلُّ بعدها صباحٌ عذْبٌ
حين تبدأ السوائعُ الصغرى
في عدِّ وقتها المنذور للفوات.
5 ـ صباح
بطيئا يَسحب الليلُ ذيولَه
ويفسح النهارَ للصباح.
هل ذاك وقت القهوةِ
أمْ وقت مشْط الرأسِ
أمْ أوانُ رسمِ البسمةِ الأولى
على وجه النهار القادم ؟
من يُحصي الذبذباتِ
في أجنحة الطيور
وخلايا النحل ِ
وهي تقتفي إيقاعَ ضوءٍ
يتجاوز الزمانْ
فلا يفوتها وقتُ الملذة
ولا تشكو من غصة الفوات .
نظْرة عابرة
أتَرى مِثلي هذا العالمَ
يَقْصر عن كبْح شياطينِه الصغرى
أفلا يقصر عن قَصِّ جناحِ
شياطينه العليا !
أيئنُّ العالمُ من هذا الألم الكاسح؟
أم هي طبيعته الأولى !
أنظر!
أتَرى مثلي
كيف يدُبُّ الموتُ الصامتْ
في نفـَس الأصوات الأقوى ؟
أترى العالــَم يلهو
بهوايته الفُضلى
ويُسَليه تلاشي أمَمٍ
وحضارات ورؤى،
أمْ هو كسائر أحيائه
لا يملك من أمْره شيئا !
أتـَرى مثلي
كونا في جهة ما
يُشْبه هذا العالَم
لكنه وفْق معادلةٍ أخرى؟
نوفمبر 2007
عِرفان
أتـَغافل عن ذاتي
كيْ أوهمَها أن الموت الساري
سيضِل طريقـَه هذا اليومَ
ولن يَطرق بابي.
النبْضُ رتيبْ
والكلُّ على ما يبدو لي الآنَ
كما كانَ:
ضوء يَسْـلب أكثرَ مما يعطي
وقت ينسحب إلى ما لا يأتي
خوف من حالة إلغاء شاملْ
أوْ مِنْ شلل أو شِـبْهِهِ
في هَرَب قادمْ.
لكنَّ رسائلَ واقعةٍ أخرى
تـتنزل من جهة النسيانِ
أو العرفانْ
وتـُذكّرني بعقاربِ ساعاتٍ
لا تـَسلُب أو تـُعطي
أو تـُثبت أو تـُلغي
وتشير بكل أصابعها
جهةَ القطب المتغيرِ
تحْت سماء الناموس الثابت.
وأعود إلى ذاتي
لأشاركها فرَحاً
بحياة تلتهم الأحياء،
لكنْ لن أوهِمها
أن الموت الساري
قد يـَصرفه النسيانُ
ولنْ يطرق بابي.
مساء الخير
من أطفأ الذبالة؟
نسيمٌ غِرٌّ لاشكَّ غـَيورْ
أو ربما صَبا لطيفٌ غافلْ
لم يعرف كمْ من زمنٍ
تفانى ،في إذكاء تلك الشمعة ،ملاكْ!
فهل يُرضيك يانسيمُ أن تراها مطفأة؟
وقد تكُون قبساً
يجري على شعاعهِ
بحَّارٌ مُتخبِّطٌ وحيدْ.
فهل يرضيك يانسيمُ
أن يتيه الزورقُ الصغيرُ
وملاَّحُه البريء؟
خصْب
كثيرا ما رأيتُ من أحلامي
ولو مِن بَعد حِـين،
فعلا ملموسا ناجزا
جديرا بالحياة .
وما رأيتُ حياً منها
لم يكن سوى هَوىً عقيمْ
مَنفي ٍّ من دوائر الإمكان.
تكتشف الأحلامُ من تلقائها
منارةَ الحياةِ
في طريقها المُفضي إلى مخارج المتاهة
وتغرس الفَسِـيلةَ الأولى بأرض الواقع الفسيح
فتستوي الفسيلة الصغرى
من بعدِ حينٍ سنديانة
فغابةً ونسلا فسلالةَ أحياءٍ
وسلاسلَ وقائعْ
وذاك هو الحُلم الخِصبُ
العارف الخبيرُ
بالأبعاد والمسافة القصوى
على خريطة الإمكان.
دَوامُ اللانهاية
1ـ تلامُس
انتبهتُ وتحسست حياتي
بيَدَيَ الاثنتَيْنْ
لمَستُها فقالت لي:
أنا هنا إلى إعلان آخرْ،
سكبتُ بعضَ روحي
في زجاجة شفافة
لعلني أرى مدى إمكانها الملموسْ
طوّفتُ وطوفتُ
وتوقفتُ قليلا عند باب كل دارْ
فلم أسمع جواباً
أو يقينا باسم مالك الديارْ
أصغيتُ
وأرهفتُ كلَّ ما لَدى حواسي
من طاقة أخفتْها عني طيلة حياتي
فلم أسمع سوى نبْض سريعٍ
متعجلٍ مُغادرْ
ولكن اليقين بالذي جرى بالأمسِ
لا يلغي يقينا غالبا بعودة النشوءِ
كلَّ آن من بداية أخرى
ولا يلغي يقينا تاماً بدوام اللانهاية .
2 ـ تواطؤ
نحتاج كلُّنا إلى مستودَعٍ
خفي متواطئْ
من عالَم عجيب وبسيط
كتُومٍ متسامحْ
يُعيننا على إذكاء جذوةِ السؤالِ
وإيقاظ ِالقلب النائمْ
يَصحبنا مسرورا
في حُجْرتنا القديمة المنسية
ويكشف الغطاءَ عن دهليزنا
المسكونِ بالأوهام
ويَصْقل المرآةَ بيننا
وبين الماضي والضمير
وشُواظِ نار الندم الأليمْ
يقودنا إلى شِعاب مسقط الرأسِ
ومجهولات الاغترابْ
يَسُودنا في هدنة الصمتِ
وفي معركة الكلام.
3 ـ حذارِ
إذا تمردتْ أوتارُ عُودكْ
فاعزفْ عليها صامتا منفردا
كيلا يطيش اللحنُ
فوق حدّ الذبذبات
فلا تراه أُذْنٌ
أو يـَحمِله هواء.
حذارِ أن يطيش السهمُ منكَ
إن اشتدت الأوتارْ
فقد يكون القلبُ
في انتظار السهم الطائشْ
حذارِ أن تـَغضَّ السمعَ
عن صراخِ طائرٍ حبيسٍ
في مضايق أضلاعكْ
فلا يحتاج الطائرُ المسكينْ
سوى إلى قليل من هواءٍ
وبـَصيص من قنديلْ.
4 ـ مزاج الريح
لم تأت الريحُ اليومَ
من حديقة غنَّاء
ولم تقف هُـنيهةً في ساحةٍ
لتدفع الصبيانَ
وتداعِبَ النساء.
فهي اليومَ عابرة
مستهترةٌ عابثة .
لعلها مرَّت على بيادرِ حصادِ
يوم قائظْ
أو ربما تكُون مرتْ غاضبة
على صحراء صيفٍ
أو بـِغابة قـَتادْ
لأنها تذر رمْلا وقـَذى
على رؤوس تنحني أمام نقْع قاتمْ
فلا تكاد رأسٌ تـتعالى
ولا تكاد عينٌ تـَتبيَّن السماء .
هل كنتَ يوما في عين الدوامة ِ
التي ترمي شمالا وجنوبا
بسنابل الحصاد؟
أو ربما تكون الريح عصفتْ بزورق غريقْ
يخوض بحرَ يأسٍ ورجاءْ
وطوَّحتْ بالزورق النحيل والقِلاعْ
فجاءت كالعويل والأنين والبكاء!
هل كنتَ ذات ليلةٍ
على ظهر سفينة عَجْفاءْ
بلا بَوصَلة ولا نجومْ
سوى ذهولِ اليأس وبقية الرجاء،
وبغتةً تَطْمَئِنُّ الرياحُ وتستقر القِلاعْ
كأنما تقودها يدٌ فوق الأيادي
بلا رياح سعْدٍ أو مهارة مَلاح.
مُعادَلة
ها أنا أتحَول أو أتبدل أو أُبعثْ
وأصير صدى أرجوان مساءْ
حين يرقص فوق ذ ُرى جبلٍ
لمعانٌ خفيفٌ
ويكتب آخِـرَ فاصلةٍ
من قصيدة ذاك النهار.
قد تـُعاكِسنا لحظة ٌ صادمة
قد تـُصادِفنا صخرة ٌ وتسد المسالكَ
في وجهنا
قد نضل وتعْشى بصائرُنا
عن شعاع قريبٍ
فتأتي الحياة بعُدَّتها
وتـَقيسُ بها السائلَ القِرمِزي ِ
الذي يتدفق من نـَبْعها
في معادلةٍ
هي تعرف كيف تحُـل مجاهلــَها
وتصارع بالروحِ
حتى تـُعيد إلى الروح نبْضتـَها الهاربة
وتقول لها
تابعي الآنَ سيْركِ راضية ً
وسيُوجعك السيرُ حيناً
إذا ما تأملتِ كل مساءٍ
وميضاً يضيق رويدا رويدا
على نقطة الأرجوانِ
ويسحبها من صحيفة ذاك النهار.
ولكنها لا تبوح بسر معادلةِ
الروح والسائل القرمزي
الذي يتدفق من نبعها !
نوفمبر2007
جَـنـَّة المبدِعين
1ـ تذكّــُُرٌ
ربما أتذكـَّر أو أتخـيّـلها
وكأني أرى الآنَ
كيف رأيتُ ولادة َ
أشرطةِ الضوء باهرة ً خاطفة
ورأيتُ الخـُـثارة تـُسْـفر عن قِمَمٍ،
والبحارَ تـَخط سواحلــَها
وتـُسلــّم ما فاض لليابسة،
والطيورَ تـُسوِّي حناجرَها
في انتظار الصباح .
أتكون هي الشمسُ
في قلب دائرة الأرْجوان
وتلك عنادل شُـقـْرٌ تـَطوف بها
وتحاول أن تخرق الأرجوانَ
لتشهد ما خلْف دائرة الشمسِ
من ظلمة أو فراغْ.
وكأن الضحى كلــَّه كان لي
وتأملتُ :
هل هكذا تتوالى شموسُ الضحى
كلَّ حين ٍ
على أفـُق تلوَ آخر
في جنة المبدعينَ
ولا تصْدأ الكلماتُ
كما يصدأ الشيءُ كي يتلاشى،
ولا يتطاول فيها الزمانُ
وينتهكُ الرمزَ
ثم يَمر سريعا
ويُبقي الكلامَ قواقعَ فارغة ً
تتصادى كما تتصادى الضفادعُ
في بؤرة آسنة .
2ـ تـَخَـيُّـلٌ
شبَح قد أكون لمحتـُه
في يقظة أو منامْ،
لم يكن يرتدي حُـلة أو حذاءً
وكان يسير على حافة من حَصى
حافيا،
خطواتُه صامتةٌ كخُطى طائر،
قدماه مجنحة ٌ برشاقة عَدْو غزالْ .
كان ما بيننا شبْه صمت وشبْه كلامٍ
حوارُه مقتضب وابتسامتُهُ
كالضباب الذي يتلاشى
ويترك غصنا على رأس زيتونة
تترقـْرقُ في عينه دمعة ٌ سائلة.
منذ ذاك المساءِ
دأبْـتُ على السير مُـنْتبها
أتـَلفـَّتُ نحو يميني
ونحو يساري
لعلي أشاهد طيفـَه
في يقـْظة أو منامْ !
نوفمبر2007
مَعادن
1 ـ لا أَحَد
لا أحدٌ أنا !
فمن تكون أنتْ ؟
هل أنتَ مِثلي لا أحدْ؟
إذن نحن مَـثـْـنى
ولكن لا تـَبُحْ بذاك لأحدْ
فلا جدوى
فهُمْ أيضا جميعا لا أحدْ
وإن تجاوزوا المُـثـــَنّى عدداً
أو صاروا جمعَ جمْع
من أفرادِ لا أحدْ!
أيّ ُ وقاحةٍ
أن تقضيَ الليالي ضفدع ٌ
تـُردد اسمَها على مستنقعٍ
كلّ ُ ما فيه
لا أحدْ! .
2 ـ صديق
ما أسهلَ اللقاء بالصديق المتَجَهِّم الكئيبْ
في يوم مُتجهم كئيبْ
وقد يغيب في اليوم العسيرْ
صديقٌ متفائلٌ
يُحْـيي معنويات الذهن المنكمش الفاتر .
ما أسهل اللقاء
بدَوارة الريحِ
التي تدور حيثما يدور عقـْربُ المزاجْ
تـُهلهلُ الشراعَ
وتـُغيِّب الميناءَ والمنارة .
3 ـ مَعْدنٌ هشٌّ
لعل قلباً من حديد باردٍ
أجدى من قلب شاعرٍ
أو غاوي فـَنٍّ حالمْ !
فهل نَلوم الناسج ْ؟
أم أنَّ لـُحمة النسيج
في زرابي الجنة الموعودة
مصنوعة ٌ من معدن ٍ
هَـشٍّ نفيس نادرْ!
4 ـ فضاء
بيتي فضاء شاسع
بلا بوابة ولا مفتاح
لسْتُ وحيدا في حِمى جدرانه
جمهرة ٌ من الرفاق لا تبرح داري
يأتون دون موعدٍ
ويدخلون دون أن يستأنسوا
أو يذكروا الأسماءَ
أو يُدْلوا بهوياتْ
بل إنهم لا يحفلون باسْمٍ
أو هندام أو عوائدْ
يأتون في مواعد الضوء
الذي يُشعرني بحالة الزيارة
وليس لانـْصِرافِهم وقتٌ معلومٌ
من زمان ضوءٍ أو سوائع رمالْ
لأنهم لا يبرحون
مهما طال الليلُ
أو تباطأ النهار.
5 ـ شُرود
إذا ما كنتُ الآن شاردا
كما تـَرونني
مذهولا في متاهةٍ
أو نفق بلا بداية ولا نهاية
دَعوني في ذهولي
فقد عوَّدني أن يفتح الأبوابَ
فجأة أمام وجهي الساهم المذهولْ
وأن يُنهض الطيرَ من أوكارها
فتاتي لتلمسني بريشها
البديع السلـْس الناعم.
6 ـ مَنفَى
إذا ما كنتُ الآن في منفى
كما ترونني
فقد علمني منفايَ
أن أرى الأشياءَ
في أطيافها الكثيرة
وأن أرى الوجهَ
الذي يَشينه القناعُ أو يَزينه
من نقطة تـَشي بما يحجبه القناع
وإن تبدل الظلّ ُ والضوءُ
واختلفتِ الزوايا!
ياصاحبي
إنْ كان البعضُ خائفاً
مذعورا من مغارة سوداء في ضميره،
مَهْووسا بجدوى حضور الرقصة الأولى
في واجهات الراقصينْ
عساه يبدو واحدا فريداً
في وَجاهة المرآة
على مَرأى ومَسمع الجماعة ،
فقد يُغري مقامُه المرموقُ
جيْبَ تاجر مراب ٍ
في صكوك التزكيات والغفرانْ .
لي كلماتٌ
قد تـَزيد صاحبي قناعة ً
بما لدَى فصيلتي من فائض السذاجة :
ياصاحبي
إن لم تـَسَعْـكَ الأرضُ المقدسة الطهورْ
فلن يزيد الحَـيِّزُ المحجوز لمقامكْ
مهما امتدَّ الفراغُ عن يمين أو شمال
سوى نَسْـل جديد من سلالة الفراغ ْ
أما أنا ،كسائر الفصيلة ،
فأكتفي بركعة في صف السِّـنْديان
وسجْـدة في صف النخْـل الخاشعْ
أمام الجبل المحرابِ
القائم القديم ِ
بين الماء والسماءْ.
ياصاحبي
إن كنتَ أيضا مُولـعاً
بهيبة الهندام وقدْسية القِناع ،
فاخترْ هندامَ قِسّ أو دَعِيّ ٍ
أو مهرج بئيسْ .
أما أنا فاخترتُ أنْ أسْـتـَنْبـِت الجناحَ
من أطرافي
وأرْكب الرياحَ وسحابة المعراجْ
إلى حيث الشروقُ حيثما وليتُ وجهتي
وحيث أصغي صامتاً
قريبا من آذان الكون الخافتْ
إلى صدى آياتٍ مفصَّـلةٍ قصارْ
منقوشةٍ على صخور الجبل المحرابْ
بلا صوتٍ جَهير أو مزمارْ.
ضاحية ُ الغبْن
هناك خلـْفَ الحاجز الوهميّ
حيث تختفي الأكذوبة ،
أطفال يتعلمون ليلا ً
كيف يخدعون الجوعَ
ويُشيِّدون الجنة َ الأخرى
على هوامش المدينة.
وفي نهار الساحة الغبراءْ
لا يحتفي الأطفالُ بنصاعة السماءِ
المُسْـتـَعْليةِ البعيدةِ
التي تـَرى ولا تحِـيد يوماً
عن سكوتها القديمْ،
لا يبصرون لونَ البحرِ
حين يَهرعون نحْو زورق مغامرْ
لا يعرفون مِن سلالة الألوانِ
إلا جلدا شاحبا عليلاً
متناسلا من التراب الباهتْ .
في ضاحيات الغبْنِ
يتعلم الأطفالُ كيف يعشقون الموتَ
كمخَلّص رحيمْ
ويرقبون موكبَ الجنائـزِ
التي تمر نعشا تِـلْو نعشٍ
دُون خوف أو دموعْ
فليس في العيون المنـكسرة الصغيرة
بقيةٌ من دمع أو حَنينْ
وما على النعش سوى مستسْلِـمٍ
أو فارٍّ في فلول الخاسرين
بلا شروط حَـرْب أو جَدارة سلام .
في ضاحية الغبن
لا زمان بين الزّنـْد والسبَّابة
إلا ارتعاش ما قُـبَـيْـلَ النبضة الأخيرة
هناك قاتلون َ
مِن ذَوي الأنيابِ الحُمْر والمخالبْ
ومن ذوي اللِّحَى
ومن حَليقي الوجهِ الباسمْ
وفيهم قناصون ماهرونْ
وآخرون يُخطئون القلبَ
لكنهم يـَقتلونْ
أما الضحية ُ فلمْ يختر أوانَ الصدفةِ العمياءْ
ولا مكان َالموتِ
أو بندقية القاتلْ.
نوفمبر2007
عاشق الشمس
1ـ موسيقى
أعطني العود َ
قد يَسمع العزفََ راعي الجبلْ .
أي جدوى لموسيقايَ
إذا امتصها حجَرٌ
وتجاهلها السامع الحيّ ُ
منصرفا كالحصى والرمال ؟
أي جدوى
إذا لم تـُغيـِّر مسامعَ
كنت أحاول إغواءَها
بمزامير مهموسة ؟
سأتابع راعي الجبلْ
أتعلم منه جديدا
هو ابتدعَهْ
حين كان يراقب شمساً
على رأس زاوية الضوء من صومعة،
ذات فجر دعاها
وحاول إغواءها بنشيد
قضى ليلـَه ينتقي لحنَهُ ويجَوّدهُ
والجبال تـُردِّدُ ما أبدعه،
أجفلتْ شمسُه حين ساد الصخَب
وأصرَّت على الصمتِ
وارتفعتْ متجاهلةً نغمَهْ.
نسيَ النومَ دهراً
وأصغى إلى نغم الصمت دون لغة
وانتقى نايَهُ
من منابت روح القصب
فأتى بمزاميرَ مهموسةٍ
لا تعيها سوى أذنِ الشمس دون صخبْ!
2 ـ نَحلة أو فراشة
بينما نحلة تتجول بين خيوط الصباح
برزت في تمام تبَرُّجها
زهرةٌ أو فراشة
مثلَ سيدة متأنقةٍ
تتزين في شرُفات قرنفلةٍ
لا تبالي بمن يتأملها عاشقاً،
لم تـُطِق كلَّ هذا البهاءَ
مراهقةُ النحلِ
فانجذبت نحوَها
وتـَقـَفَّت رموزَ الجناحين
في لغة الضوءِ
والعطر َ في شعَر السنبلة.
عرفتْ أنها زهرةٌ كالفراشةِ
لما تزلْ غِرةً
وحديثةَ عهد بما في مغامرة الطيرانِ
دعتْها إلى جولة بين طلْح ولونٍ
وكأسِ رحيق مزيج بخمر الندى
حذرتها من الشَّبح المتطاولِ
في يده نصفُ دائرة بمخالبَ
يُدمي بها جسدَ الأرضِ
ينهش خدَّ صغار البراعمِ
وهو يثرثر أو يتشاجرُ
من أجْل ريح تعاكسهُ بالقذى،
طارتا فوق سطح الحقولِ
تأملتا الشبحَ المتطاولَ
يخبط بالمنجل الشبَحِيِّ الغبيِّ
يَحُشُّ البراعم والعشبَ
والحلزونَ البريءْ،
والزهورُ تغار من الزهرتين المحلِّقتين
وتدعوهما أن يطيرا بما يحملانهِ
من طلْح خلـْقٍ جديدٍ
إلى غابة أو حديقة زهرٍ
بعيدا عن المنجل الشبحيِّ
وعن اذرع تتخبط غافلةً
عن حوار الفراشة والزهر
والنحلةِ العاملة.
لا تدري الروحُ ما العـَدَم
1 ـ الغرق الوشيك
اليأسُ من يوم غدٍ
والخوف من حُـلولهِ
سيانْ
كالغَرق الوشيك وحصولِه:
ذِهن مشلول جامدْ
عينان تخبوان في وجه تمثال ساحةٍ
تـَموجُ بالسراء والضراء
ولكنَّ التمثال في الزحامْ
غريبٌ عن مباهج الدنيا
وعن بأسائها
وعن نبْض الزمان الحيِّ الحاضرْ
2 ـ البعد الرابع
لا تدري الروحُ ما العدمْ
تـَجوس في الظلام
حتى تلتقي بنجمها المضيءِ
من مجال بُعْد رابعْ
وبغتة ً تختارهُ شقيقاً حياً دائماً
وتـُلغي ما عداه
وتصطفي شعاعا منه واحدا
رفيقا في أحلامها السرية
وتكتفي بخيط منه خارقْ
يقودها إلى رُكـْن قــَصِيّ من زمانها
وتـُوصد الصمامْ
كـَـنَيْزك مختوم لا يَخرقه دخانْ
3 ـ الأمل
شيءٌ مُجَـنَّح خفيفٌ
قد يَحط فجأة ً
على أغصان الروحْ
يهز شجرتـَها
أوراقاً وجذورا
يُشيع في بستانها نشيداً
من الأمل الموصول بالدواخل ِ
الذي يُشجي الأسماع والأرواحْ
ويبدع القول الذي لم تعرفه المعاجمْ.
قد تـُعْولُ الرياحُ
وتـُوَلـْول العواصفْ
ويَخـْفتُ النشيدُ العَذبُ لحظة ً
لكنه يَعود لحْناً صافياً شَجـِياً
حين تُفرغ الرياحُ
ما في قلبها من دمْع
وتمتلئ الأكوابُ بالندى
وماءِ المطر الطهورْ
وترتوي الطيورُ والزهورْ،
ومَرة ً أخرى
يَحط فوقَ غصْن الروحِ
ذاك الكائنُ المجَنحُ الخفيفْ
ويكتفي بالصمتِ
وإشارةٍ أ ُولى إلى جميع المنْشِدين ،
فلا صوتَ يَعلو
على كلام الصمت العذ ْبِ
وانسيابِ ماء الأمل الجديد.
المَـتْحـف
وجوه وأطيافْ
وجه أليفٌ باسمٌ
يُطل من منعطـَف وداعْ
ووجه يتأمل الزمانَ المتعاقب السريعَ
في وجوه الزائرينْ
ووجه امرأة جميل وارفِ الظلِّ
مدى فصول العاشقينْ
تكاد الشفتان تهمسان ْ
بسرٍّ حيّ ٍ دائمٍ
في زمن الأنثى
وسِحر القبلة الأخيرة
وتمسك الجفنان ْ
دموعَ حُب خائبٍ ذكوريّ المآربْ.
وهيكلٌ عظـْمي من بقايا بندقيةٍ
بلا ذكرى
سوى حوار حاسم ٍ
قصير وأخيرٍ
بين زنـْد وسَبـّـَابة
فطـلْقة بلا جدوى
لم تدْر البندقية البلهاءُ مستقرَّها
قـُبيل نبض الرعشة الأخيرة.
ومدن بلا غدٍ
توارتْ في تعاقب البَوارِحْ
وطائر يحاول التحليق َ
في فضاء لا يُسعفه
بغصنِ سنديانة أو نخلةٍ
أو بُـرْج أو مئذنة أليفة،
لم يبق من جناحيهِ
سوى حلـْم قديم متحفـزٍ
على هواء ساكنْ.
أحيانا تتواطأ الوجوهُ والملامحْ
وتصمت الأشياءُ والأشكال في المتاحف
وترقبُ الزوارَ بسخرية مشبوهة
ولا تقول شيئا قبل أن يَخرج الرائي من زمانه
إلى زمان المتحف المسحورْ
وحين ذاك تبدو المعجزاتُ
وتنادينا الأشياءُ والوجوهُ من زمانها
بلغة نجهل مفرداتها
لكننا نـُتَمْتم الوحيَ
الذي يهمس في آذاننا
من لوحها المحفوظ .
ديسمبر 2008
الغَمْرة الأُولى
1 ـ الموجود
أعرفُ أنه موجودٌ
في مكان ما أو لا مكانْ
خفيٌّ عن عيوننا المبتذَلة
ضَنين بكلامهِ
على آذان الصخَب الصماء.
وذلك تشويق وتحايلٌ رحيم
على مقاس لا يَصْعق ضعفَنا
إذا ارتمى شلالُ الضوء فجأةً
وامتزج الذهولُ بالسعادة الكبرى
والاندهاشُ بالتشنج المُميت .
2 ـ الموت
لكلّ ٍ موتـُه والموت عابرْ
لذاك لا يخشاه الميتونَ
ويخافهُ الأحياءْ
أليس الموتُ صامتاً خـَفِياً
لا نـَرى سوى آثار من خُطاه
يَمُر بيننا سريعاً
لا مبالياً بنا
ولا حقودا ناقما على محظوظ جاحدٍ
أو آسفاً لعاثر بئيس؟
فكيف نخشى كائنا
يُقيم في زمان اللازمان
بعيدا عن همومنا الصغيرة
وكيف نخشى كائناً
مخلوقا من طبيعة أخرى
بلا حقد ولا ضغينة !
الموت ليس ذلك الوحش الذي يرقبنا
وراء باب مغلق رهيب.
فهل نخاف الموتَ أم ترعبنا الحياة؟
لعلنا نخاف من آلامنا
التي ندعوها الموتَ
ونصدّقُ الإشاعة.
3 ـ صلاة
نَعَم
صَليتُ !
لكنْ هل التفتَ الإله
إليَّ مثلما أَصغَى إلى صراخِ
طائر صغير وهو يَرفُس الهواء
برجْليْه النحيلتيْنِ صادحاً:
أريد بعض حظي من غواية الحياة
أريدُ يوما
من نعيم شامل !
فلمْ أكن لأعرف الحياة بلذاتها لولاكْ
أكان مُستقرّي في سلامِ وحيادِ اللاوجود
أَرحم بي من فرَح مؤجَّلٍ
إلى ما بعد حينْ
أو موعدٍ مراوغ مُلغَى
كما يُلغى السرابُ من تِلقائهْ.
4 ـ قيْد
لا قيدَ إلا هذا العَـبْدُ
الساكنُ المقيم في الهواجس،
ولا أقسى من جُرحٍ
لا يُبدي سوى خدْش سليمٍ
في وجه المرآة
ولا أوهى من هيكل هشٍّ
مهمومٍ باقتراب الهوة السحيقة.
ما الهيكل الهَشُّ إلا زجاجة المرآة
وراءه نسيج آخر ٌ
أقوى من قيد كل عبْدٍ
ومن هوة الهواجس.
قد يستقوي القيدُ زماناً
لكن لن ينال من جناح النسر ريشةً
ولا من كبرياء فرْخٍ
شامخ على مشارف العُشِّ
القريبِ من مداخل السماءْ
على أُهْبة الغمْرة الأولى
إلى مَهاوي السفْح الغامض المهيب
فبراير2008
متاهة بلا زمان
بـلا ظِـل يمشي الزمانُ بيْننا
من لا بداية أتى
كما لو كان شبحاً
أو نهرا باطنياً
أو مسافرا غريبا في متاهة العمرانْ
وحين لا تراهُ عينٌ بيننا
يراه الفجرُ قادماً
من جهة الغيب
إلى مجال الحُلمِ حيث لا زمانْ .
مِن لا بداية أتى ذاتَ ظلامٍ
حين كانت دولةُ الفجائعْ
تـَصول وحدَها بسيفِ النار والسَّمومْ
وحيث لم يكن هناك راءٍ
غير الشمس والنجومْ.
بلا صوت ولا لونٍ
ولا صدى مِطرقةٍ
يصيغ من معادن السوائعْ
أشكالاً ومصائـرْ
ليست مصادفاتٍ
لكن لم أر الزمان حين كان ينتقيها
ويمزج الألوان
من تقاطع الظلال والأضواء،
يـُجددُ المخطوطَ كل يومٍ
ويصنف الأجزاء .
وذاتَ غفوةٍ
أطلَّ مِن حلـْم الزمانْ
منتهكُ الحياة وملازمُ الموتِ
ومتناقضُ الأحوالْ
وانتزع الكِـتابَ قسْراً
من يد الزمانْ
ودَوَّن الأسماءَ
في دفاتر الذنوبِ والغفرانْ
وقايـَضَ الموتَ
على خلود المعجزاتِ
ورجوعِ المُومياتِ
وتجدُّدِ الأجسادْ .
ها نحن الآن في متاهة بلا زمانْ
وفي تاريخٍ خالٍ من جمال المعجزاتْ
يراه الفجرُ سائرا حثيثاً
نحو هوة الغروبْ
كما يرانا نائمين
بـَينما تـَخْـتَـلُّ ذاكراتـُنا
على شـَفا ضَبابٍ عِند وَهْدة مَحتومة
فما لأنبياء الوقت حاجةٌ
إلى معجزة كبرى
لمحو الذاكراتِ كلَّ ليلٍ
وبدايةِ التاريخ من صباح اليوم التالي.
ماي 2007
أترى ما أرى؟
1 ـ فَرْحة عابرة
إنّها فرْحة غامرة
مُـتفجرة شاملة
يالِِِفقـْري إذا ما أُصِبْتُ بإغماءة
وتغيبتُ عن سكرات الفرَحْ.
هكذا الفقراءُ
إذا راهنوا في مغامرة ٍ
ورأوا وجه َ فوز غريبٍ يصادفهم
شَـكّـكوا في الغريب الأنيقِ
الذي صار من جنسهم
مع ذلك لا يكرهون الفرحْ.
عَـبَر الوجهُ في يوم فرحتهمْ
قائلا ً
ليس سرّ ُ الحياة سوى ما تـَرَونَ
وما تلمسون،
إنها صدفة عابرة
والزمان تجلٍّ غريبٌ
يُزاوجُ بَين حياةٍ وموتٍ
ولكنه ليس موتا وليس حياةً
ولا شيءَ أسوأ من
تـَبـِعات الهزيمة ،
والنجاح دويُّ الصّدى
ونفيرٌ يَـهُز العواصمَ
حتى تزيِّف أثوابَها ثـُرياتُ السماءِ
تـَصير مخادعة ً كاهنة.
2 ـ نُبوءة مغْبونة
لا شيءَ يَعلو حرصَنا
على شبْه حياةْ
ولا نبالي
إنْ تبخرتْ دماءُ طفلٍ في سمائنا
لكننا نحمي رؤوسَنا
بظل من بخارها البريء العاطرْ
وننحني تحت البخار خجلا
كي لا نرى السماءْ
فتخجل السماءُ من رقابنا المنكوسة
يبدو أن سُباتنا طويلٌ
بعد الرّمية الأُولى
من كفِّ ذلك الطفلِ
الذي من لحْمنا
ومن فصيلة الدم المسفوحِ
بين كافة القبائلْ.
يبدو أن غيابنا موتٌ قديمٌ حاسمْ
بلا قيامة ولا رجوع.ْ
فكيف نفتح النهارَ بعد أن نسُد الليلَ
في وجه الكوابيس التي تقُضُّ نومَنا
نمُرُّ بين ليلتيْنِ
ندّعي الحياةَ دون أنْ نعي
أن غبار المعدنِ
الذي يحمي رؤوسنا
ثمينٌ وبعيدُ الغور نادرْ.
وكيف نلمس الحياة كل يومٍ
دون أن يحرقنا لهيب دمٍ
سائل من شاشة كبرى
أمام العالَم المسلوبِ الاختيارِ
المتعمِّد الغيابِ
المتواطئ المراوغ؟
وهل لنا نصيبٌ من حياةٍ
لا نَصونها جوهرة ً ثمينة؟
وهل نساوي كلُّنا
حصاةَ ذاك الطفلِ المتنبئِ
الذي دعانا صامتاً
بلا معجزةٍ سِوى نبوءةٍ مغبونة.
جزيرة التناسي
ـ محظوظ ٌ أنتَ
قـدْر ما لديكَ من مهارة التناسي
ألا تـَدُلني،
إنْ كنتَ ذاكرا،
على طريق يـَلْتوي
بعيدا عن مستنقع كريهٍ
لا يَمتصه النسيان؟
ـ فَنُّ التناسي
ليس إلا يُسرا بعْدَ عُسْـرٍ
هذا كل ما يقول العارفون،
كَمْ زوْرقا جرى وفي أعقابهِ
إعصارُ العُسرِ
قبل أن يُتيح البحرُ
بابَ الأرخبيل
ويلجأ الناجون من دوامة الذكرى
ومن شواظ نار النـَّدم المَرير
كل إلى جزيرة ٍ
ثمارُها يُسر ٌ
وذكرياتـُها نسيان.
أما أنا
فلم أكسب كبيرَ علْمٍ
لم أصادف حِـيلة ً
أغري بها التناسي .
قل لي
إن كنتَ ذاكرا
من أين آتي هذا الأرخبيلَ
المتجددَ المأهولَ بالتناسي
حيث الزمانُ حاضرٌ ملموسٌ
ومستقــبَـلٌ مشهود.
يوليوز 2008
الساعة البَلْهاء
1 ـ سرنمة
لدينا ما يكفينا من زمان
كي نسابق الزمانْ
ونـُنجز البدء الذي ليست له نهاية
ليس الزمان خصما يستدرجُـنا
ولا الحياة فخـّاً لاصطيادنا
ولا الموت عقابا أو مَـثوبة .
للموت والحياة والزمان ِ
ما يشغلها عن خيط ضوءٍ
ما يكاد يلمس الهواءَ
حتى يدخلَ التلاشي
لا تحفل الموت ولا الحياة والزمانْ
بالطيف الهش العابر السريعْ
لها مَهامٌ قبْلنا
وبَعد كل بََعدٍٍ
ولنا انتظار الفعل ِ
وصناعة السؤال.
لدينا من تقاطعاتٍ
قدْرَ ما يجري من ماء نهر ٍ
كل قطرة تمضي إلى صُدْفتها
تليها قطرة ٌ أخرى
لكل منها حاضرٌ
هو البداية التي ليست لها نهاية
والكل سائر إلى مستقر موهومْ
يحسبه ظِلا ظليلا ساكنا
لكنه ينحلُّ عند الوهلة الأخيرة
في الساعة البلهاءْ
تلك التي تدور حول ماضيها
حتى يغشاها النوم
وتغوص في سَرْنمة لذيذة .
2 ـ محاكاة
أنتعلُ الحذاءَ
وألتحفُ الرداء
وأحزمُ الحقائب القليلة المتاع
وأبدأ الوفاء بالتزامي
أدناهُ عندي في مقام السامي.
أروي زهورا في انتظار موعدٍ
وأوقفُ الزمان لكن لا جدوى
فليس في مِـلـْْكي ممحاة
تحذف الوجود
ولا يمكنني نسيان ذاتي
فما يهلكنا الدهر
ولكن يستهلكنا التناسي
هناك حولنا أزمان من فضاء واسع
وقد تكون عـدَما
أو عالما من الثبات النافعْ
وما لنا إلا المحاكاة ُ
التي نخفي بها
ما نحن في هذا الفضاء الشاسعْ
وما لنا إلا أن ننجز الوعدَ القديمَ
كي تبقى الحواسُ حية
ولكن الجزاء ليس نافذ الوقوع.
قتادة
حنتْ قتادة إلى أن تنفض الأشواكَ
عن هندامها
وتلبسَ الأزهارَ والبراعمْ.
فاستهزأت بها أعشابُ الصيفِ
وأزهارُه النشوى بطيلسانها الجديد.
وكان الثلج يسمع الحوارَ
من وراء الصيف الغافلْ
ويصغي لسخرية الأعشاب ِ
من جفاف شوك كسوة القتادة.
وبينما الأعشاب في تمام عنفوانها
أطل الأرجوان من الأفـُق البعيدْ
وجاءت من شمال الريح رعشة
يعرفها الصيف الذي استفاق من سباته
وأخفى وجهه وراء غيمة ٍ
مرتْ سريعة وأمْلت شرطـَها
واعتكف الصيف على إعادة القراءة
وذكـّـر الأعشابَ بشروط
سيف الريح والصقيع
فكفتْ عن غرورها
واستحضرتْ رطوبة الترابِ
وهشاشة الأوراق
ولزوجة الجليدْ
واعتذرتْ عن نزق الصبا
ما قبل النضجِ
وافتتانها بالحال وتجاهل المآل
واعترفتْ بلا جدوى الهندام الهش الفاتن
في ليلة العراء وتحرش الرياح ،
وغارت من مناعة القتادة
وكانت القتادة تعي حوار العشب ِ
وتستوعب الرسالة
فاعتدّت بهندامها الشوكي
وتغاضت عن بهرجة الألوانِ
وسخرية الشباب .
كـَلمة
الأصل كان كلمة
لكنها لم تكن أي كلمة
البدء كان "لِمَ؟"
ثم انبثقت لغاتْ
أصواتٌ ورموزٌ
وألغاز وأسئلة.ٌ..
هناك كان شاعرٌ
يستقطر الجواب والمعنى
من الجوهر الفرد النادرْ
ومن لغـَط الناس في متاهة الشوارع ْ.
على الأبواب كانت
ثم اضمحلتْ أنواع وفصائل
لم نرها ولم نقطف زهورها
ولم نحفظ بذورها الحوامل .
لم نغتنم خيال شاعر ٍ
ولا كنز المعدن النادر
لأننا نهوى المستنقعات ِ
ونخاف البحر الهادر
نـُشيح عن مرآتنا
لأننا نخاف من رحابة الخيال ِ
ونرتاح لمرأى الإطار الفارغ
ونكسر المرآة
حتى لا نرى
سوى ما تحت أنفنا
وما يسعفنا به قول مكرور سائر.
غشت 2008
جوهرة قديمة
استسلمتُ لنساع متسلط مباغتْ
وفي يدي جوهرة ٌ ثمينة،
وكان الجوّ قائظاً
والريحُ وحْشا شَرساً
وكان ذلك البعيدُ
الأقربُ الوشيكْ
ظلا ظليلا لا تمحوه الريح،
و ضوءا ثابتا قريبا
لكن لا أراه
وجاهزَ الحضور في الذكرى
بلا انتظار أو نداء
وحين انكشفتْ عني غشاوةُ النعاس
لم أجد في حضْن يدي
سوى ذكرى جوهرة قديمة
وربما لم تكن إلا يقظة في حلمٍ
أو حلما خلال يقظةٍ
كهذه التي تلُوح بيننا سريعا
ثم تختفي سريعا ونحسَبها الحياة.
قلتُ نرتقي معاً
أرَيتـُها الأسمى الذي لم أره عيانا
وقلت هلا َّ تصعدينْ ؟
أجابتْ ليس الآنَ،
قلتُ نرتقي معاً
لعلنا نرى سماء لا نراها من قريبْ.
أريتـُها أعشاشا مطمئنة بـِلـَـيْل
والحبـْلََ المتوترََ المشدودَ فوق الهوةِ
التي تمر فوقها الليالي .
ناديتُ من لم أره عيانا
وحين لم أسمع صدى
كبحتُ ما استطعت من حياتي
وفجأة بدا ضوءٌ جليلٌ
وتنامى بشروق وجهها
وبتواري كبريائي .
قالتْ
وضعْـتني أمام الكون ونسِيتـَني
وهالـََكَ اللغزُ فلم أعدْ سوى
أمثولةٍٍ وظل ِوصدى فضاءِ فارغ ْ
وربما مليءٍ بأطياف لا أدري
أهي واجهات الضوء أم خلفية الظلام.
هل يقظة الزرزور وارتعاشُ الغصن ِ
في عز الظلامِ
خيرٌ
أم حلْم لذيذ بالفجر الذي لم يأت بعدُ
أم نومٌ طويل في ظل الزمان الساكن؟
يستيقظ الزرزورُ عند النأمة الأولى
من ريح تـُنذر الأغصانَ بصباح
لا يعقبه نهارْ
لأنه يرى الوجه الخفيَّ للظلام
ويحْدس العواصفََ التي قد تلغي الفجرَ
وتكدّر النهار
ينام بإحدى عينيه
وتستيقظ الأخرى
من قبـْل أن يخدعه الحلمُ بفجر كاذب
يرى الزرزورُ النائمُ اليقظانْ
سماءً لا تـَزينها النجوم
يحس بدغدغةٍ على أطراف ريشِه
تليها رعشة ُ
عبرالوُريْقة القريبة،
لعل حلمَ الغسقِ
والفجرُ لم يحلّ بعدُ،
نوبة هوى وأمنياتُ
ليل باردْ،
يقول للوريقة القريبة
أنا وأنتِ الآن رعشتانِ
في أرجوحة الرياح
أولى بنا السهدُ من حلـْم خادع لذيذ
بفجر لم يحلّ
وصباح قد يخونه النهار .
غشت 2008
سلِيم يَعشق القَمر
سليم يعشق القمرْ
إذا بدا من فوق قمة الجبلْ
تفرغتْ له السماءُ
وصفا مزاجُ الكونِ
واختفى جفاؤه.
يعلو سليمٌ ربوةً
تدنو به شبْراً فشبرا
حتى يلمس القمرْ
فلا يرى في ضوئهِ
سوى قبة المسجدِ
وظل الكوخ الداكنِ
يُصغي لصوت الغيْب والتجَرُّدِ
والحاضر البعيدِ
عن زوائد الحياة والنوافلِ.
شكا سليمٌ خيبتهْ
من ذلك اليوم الذي
طواه الليلُ السائدُ
وعندها أحس بالشعاع الرمح الخافتِ
يَمْرق كالشهاب عبْر جُرحه الخفِي
ــ لعل أمرا غامضا رهيباً
كان حادثاً
فحال اليومُ دونـَهُ
فاشكرْ وغنِّ هذا اليومَ
يومَك الجديدْ
ــ ربابتي بلا وترْ
والقوس عودٌ من حطبْ
والأغنيات صيحةٌ في واد.
وذات فجْر في ختام ليلة القرآنْ
قضى وقتا طويلا في تأمل السماءْ
حتى غفا على بساط الضوءِ
وأرجوحةِ السكينة
بــِغََصّة في الحلْقِ
وتنهيدةٍ عميقة،
والظل يتلاشى
والنجومُ تتهاوى في منامهِ.
ــ من أين لي حقيقةُ الحقيقة؟
من أين لي شفاء هذا الهمِّ
بالمعرفة الوثيقة؟
ــ كم هو حادٌّ جارحٌ
هذا السؤالْ،
كم هو أيضا بلْسمٌ .
أحس بجناحين : يمينا ويسارا
كلاهما شعاع رُمْح صاعدٍ،
تيسر التحليقُ
فليعلُ سليمٌ ذاتَهُ
بقوة النسرِ
وبرشاقة العصفورْ
وخفةِ الخيال ومهارةِ الإنسانْ
وغبطةٍ بدتْ أمامها
همومُ الأرض وزخرفُها
أشياءً مهملاتٍ
في مزبلة الزمانْ.
ــ لعلني قريب من حقيقة الحقيقة
ومن جلاء الهم بالمعرفة الوثيقة.
وفجأة رأى صوتا يعلو
كما يعلو الشعاع الصاعدُ
أصغى إليه من بين الأنين والصراخِ
وهسيس الضوء الخافتِ
ــ من أين هذا الصوت المتصاعد الأليف؟
ــ لعله بقايا من أحزانِ
طفلٍ خائفِ
عطشانٍ للمجهولِ
منذ الصرخة الأولى
ولا يزال فيك خائفا مذعورا
متراوحا ما بين خط صاعدٍ
وهوة رهيبة .
ينهمك سليمٌ في ترميمِ
قوس العزفِ والربابة ،
مرتْ أصباح ،منذ ذاك اليوم، وليال
وحنَّ للربابة الرنينْ
وغنتْ من تلقائها أنشودةً
مزيجا من بكاء الطفل الخائفِ
العطشان للمجهولِ
وهسيس الغصن السامعِ
القريب من دندنة النسيم.
أحلام ذاك الليل لا تزالُ
في دواخل سليمْ
وإن بدا جديداً
وبعيدا عن بكاء ذاك الطفلِ
ودندنة النسيمْ.
أكتوبر 2008
وتَـكتمِل القصيدة
بــِحبْر من حنين ونعيمْ
أدَوّنُ الحبَّ الذي وهبتِني
في لوحيَ المحفوظ ْ
أحْميه باستعادة الزمان ِ
من حتمية الزمانْ
أحرسُه من غفلة البيْنِ
ومن بُرود الاعتيادْ
أذْكره ما بين كل سهْوٍ
والتفاتة خيال ْ
أرسُمهُ بريشة
تَبتدع الألوانَ من تلقائها
أُلاطفُ الذكرى حتى تلينَ
وأسَدِّدُ الفرشاة
أحاكي ما تعكسه المرآةُ
من جزيرتي المحجوبة
حتى تكاد اللوحةُ تَشي بسرِّ ذلك اليومِ
الذي اصطنعنا فيه الصدفةَ الغريبة
أعْدو خفيفا نحوَ ذات الموعد المعلوم
وأفْرش الطريقَ بالزهورْ
وأحبسُ الأنفاسَ بين طَرفة من عينٍ
والتفاتة خيال .
وحينَها تكسو زهورٌ غضةٌ برّية
جزيرتي القفراءَ وتكتملُ القصيدة
نوفمبر 2008
كوْكَبُ النسيان
1- حَذَر
احْذرْ مكيدةَ الحظوظِ
قد تكون هوة ًبلا قرار ماكرة
فلا تمدَّ قـَدما عمياءَ متسرعة
وغامر بالخُفيْن قبل مد القدَميْن
وإن رجعتَ خائبا وحافيا
فرجْلك أولى من الحذاء بالسلامة.
2 - وحدة
إنْ ضاعتْ مني وحدتي يوماً
في غابة الصدى
أو في أسواق اللغو ِ
أو مجّاني الكلام ،
أهوي في بئر وحشة أشَدّ
وأشتاقُ صوتَ وحدتي المعتادة.
أنا في وحدتي أقوى
على كسْر الظلامْ
وسبْر سِرّ اللغزِ
واستعادة السلامْ
لم تُـغْرني ولم تساومني يوماً
بزائف الأماني
لم تَنتهكْ جلالَ الشِّعرِ
لم تـُهِن أحلامي
فقد يكون الموتُ
في طريق شاقٍّ صاعدٍ
قُبيْل أرض الجنة الخضراء
أشهى من موتٍ
في سرير اللذة المحمومة.
3- فرْحة
لمْ اطمئنّ يوما
أنني هنا في بيتيَ الأمينْ
كما لم أشعر يوماً
أنَّ لي هناك بيتاً في انتظاري
في عالم المِثالْ
قد لا تغريني الجنةُ الموصولة الأعيادْ
ولا الجحيمُ الدائم الأهوالْ
أشهى إلي منهما
انتظارُ كلِ يوم وصباحِه المفاجئ
بفرحة صُغرى
وبالقليل من أسرار اليوم الغائب.
4- وشوشة
وشوشةٌ على الأشجار خافتة
تكاد لا تَسمع الريحُ همسَها
ونجمة قريبةٌ
تغويني أن أسعى لها
وليست بالقرب الذي يغريني باكتشافها.
5- قرْية
خط على تِلال العُشب شاحبْ
وقْع أقدامٍ حيةٍ مهموسة
بلا جَلبة تسعى
على طريق ليّن مُعشَوشبٍ
إلى قرى بها رأيتُ كائناتٍ
من ذواتِ الريشِ
والأجنحةٍ الرشيقة ،
ذهلتُ والتزمتُ الصمتَ حائراً
فقال لي فردٌ من العُراة
واصلْ طريقَك بلا خوف من الضياع
فنحن هاهنا أيضا
على طريق واصلْ
6 -كوكب النسيان
أودُّ لو أَلقى خبيرا
حاذقا بصنعة النسيانْ
يمحو من سجلات العُمر شطراً
ويُـثــَبِّتُ الطفولة.
هناك من يقولُ
إن فنَّ الوشم سهلٌ
لكنّ المَحْو أليمْ
وكم قلوباً ماتتْ
من نزيف دَمِ الوشمِ
قبْل أن ترى النسيان.
مررتُ بالمدرسة الأولى
وبالمدرسة الأخيرة
ولم أعرف قليلا أو كثيرا
عن طبيعة النسيان .
قل لي إن كنتَ عالما
هل يكفي ماءُ البحرِ
وتقلُّب الأمواجْ
لمحو سجلاتٍ في الخزائن المحفوظة
وهل هناك وصفةٌ
في كوكب بعيدٍ
لم يطأه بَعدُ فردٌ
هو كوكب النسيانْ؟
نوفمبر2008
كَـفَـى
كفى ياسيدي الشِعرُ
كفاك ياسيدتي القيثارةُ الجميلة
كفى من قول زائد ٍ
عن حاجة الشعر وعن شعرية الأشياء.
لنبحثْ عن شيء جميل آخرْ
لنزرعْ نظراتٍ كالأشجارْ
لنرقُشْ تنهيداتٍ بالحريرْ
لنُصغِ لصحراء الصمت لحظةً
فقد نُصادف الرياحَ في اختلائها
بنايٍ طائرٍ مسحورْ
لا يستعيد النغمة التي ولّتْ
ولا ينأى عن معدن الأنغامِ
المتجدد القديمْ
كفى يأيها الكمان الغارقُ
المكتوم الصوت في نفَق الذاتْ
كفى من الإبحار في الزمانْ
بقوس وسبيب وأنغامْ.
لنحصدْ من غلال البحر قمحاً
بألوانٍ ومذاقٍ لا يُدركها الخيالْ
نحصدُها من بين موج طاغٍ
ورياح لا تنامْ
كفانا عدْوُ واحدٍ
فريدٍ في الميدان
وليعْدُ من تلقائه الميدانْ
تَتْبعه على خلاف العادة الفرسان.
كفى من شعريات الخمارات والأنفاقْ
بلا ظل ولا ضوء ولا جنوح خارقٍ
يُفضي إلى شرارة احتراق.
الشعر ليس طقسا بل دُوارُ حرياتْ
جنونٌ في شوارع الكلامِ
وإفلاسٌ وفضيحة
وصيحةُ بَحّار من سفينة غريقة
مثقلةٍ بما لا يُشترى ولا يباع
حمّالُ ثقل زائد على سكة ماءٍ
وعنادٌ في الإباء
فبراير2009
الحرية
1
ياللْحرية من كل الأشياءْ
من آثار الذكرى
مما أعرِف أو لم أعرف
من جرح في عمق الهوة ينزفْ
منذ زمان يتذكرني
ويُذكّرني بصدى أول صرخة.
ياللْحرية من رسَن يكبح فرَس الريح
ويهيض جناحَ الشِعرِ
إذا اجتاز الآفاقَ وأبصَر مِن أعلى
ما تَحْجبه الأوهام .
ياللحرية في شِعرٍ
ونقيض الشعرْ
في قصيدة مبتدِع ساخرْ
لا يحفل بالنمَط الجاهز
أو بالنقد الناجز
أو بالمتصفِح لكنْ ما هو بالقارئ.
قد يختنق الشاعرُ حينا بطفيْلية النُّكران
لكن الحرية تسمو به في القلق الخاطف
وتلازمُه فوق شراعٍ
لا يطفئ أنوارَهُ
رغم نذير الغرقِ الداهم.
في الموج الصاخب يكتشف الشاعرُ
أسرارَ الشعر ولا يخشى في المرآة نقيضَه
ويرى الحرية رأيَ العينْ
هي بنت البحر
وساكنة الأجواء.
2
أعرف أني جزْءٌ من كل
وأرى في جزئيتي كلَّ الإنسان
الإنسانَ المتألمَ بالسهم المسموم
وبما لا يَعلم من قدَر محتومْ ،
الإنسانَ المتمردَ والخاضع،
كيف أكون المتمرد والخاضع في آن؟
لست على ملة سلطان جائر
لست على خط شريعته وحوافر قطعانه.
لست على ملة عباد الجنس المترفْ
وأنا أعلن أيضا أني شاعرْ
ونقيضُه في آنٍ واحد.
وأُقر بلا وجلٍ
أني والموتُ لصيقانِ
كالعنوان المكتوب على وجه رسالة
فأنا التابع وهو الرائد
أتوكأ عكاز عظامي
أخطو بجواره حيث يشاء
فأنا الطائر والموت سماء
فبراير 2009
سُلالة الكلام
حدثـَني سليمٌ ذاتَ ليل عن أصناف الكلماتْ
فقال:
اعلمْ أن هناك عالَما مسكونا بالحروف والأصواتْ
وعالما موبوءا بأنصاف الكلماتْ
بلا معنى،
وعالما فسيحا تتلاشى في خوائه الأصداء
بلا ألسنة ولا شفاه وأفواه.
وقال لي:
هناك كلمات بظلال كالأشجارْ
وكلمات ذاتيةُ الضوء كالنجومْ
وكلمات تَسرق الأضواءَ كالأقمارْ
وكلمات من شُواظ نارْ
وكلمات ما أنْ تلمس الهواءَ
حتى تختفي وتتلاشى
بلا صدى
وتخبو في جليد سطحِ كوكب مهجورْ.
وقال لي:
لبعض الكلمات سحْرٌ
يجذب الكنوزَ من مكمنها المحفوف بالأسرارْ
وبعضها كالرمل والحصى والطَّمْي
يَطمس المنحوتَ والمنقوشَ والمكتوب والمعمارْ.
يهوَى سليمٌ فرزَ الكلمات من منجمها
ويُصغي لخطابها بالصمت وبالفطرة السليمة
يستشعر الرسالةَ التي تأتيه عبْر الذبذباتْ
من قبل أن ينخدع الهواءُ بتَبَرُّج الحروف
بالعطور المبتذلة الرخيصة
يَمل من ترادُف الأسجاعْ
في صَفٍّ متوالٍ كسلسلة العميانْ
تمشي على إيقاع ضربة العصا
يخطو الأخيرُ وفْقَ خطْو القائد
ولا يحِيد حافرٌ عن حافرْ
بلا أفْق سوى جدار ثلجٍ
أو شفا جُرُف قادمْ
تهوي الأسجاعُ بعضها وراء بعضٍ
في فراغ اللغو أو متاهة الأصداء
بلا ذكرى ولا لسان صدقٍ
في كتاب العالـَمين.
فبراير 2009
حياة
يبدو أني حَيٌّ أُرزق
فالغصن يُصافح كفَّ يدِي
والكَرمة تنبض بالأحياء
وإذا أدنيْتُ إلى المرآة فمي
يَغمر وجهَ المرآة بخارْ،
أَوَليْس النبضُ وأنفاسُه
عربونَ حياة؟
يبدو أني حيٌّ
فأنا في الشرفة أنتظر الزائرْ
ما أروعَ أن تحيَى
وترى من حولك أحياءً
يسعون إلى غَدهمْ
بمزيد حياة.
ما أجملَ أن تحيَى
وترى بوجودك معجزتيْنْ:
معجزةَ الميلاد الأولى
وشعورك بالزمن الصاخب.
مارس 2009
وباء ودواء
ـ وباء
عِبْءٌ على أريكة
أو ربٌّ وثنيٌّ فوق كرسي دوّار
أو صنم يزهو بمعجزاته
بلا رسالة ولا برهانْ
أعمى بلا بصيرة ٍ
أسيرُ خوفٍ دائمٍ
غريبٌ متوجس وحاقدْ
يخاف من عزلتهِ
ومن عيون قد تراه عارياً
إلا من الخطيئةِ
التي تشي بها توجساتُه
يكاد يتهاوى وينهار ْ
معترفاً:
أنا المُدان
ها أنا امْسِكوني!
لكنه جبان يحتمي بريش طاووس
من خوفهِ
ومن عين ترى ما تحت ريشِهِ
المبتذل المصبوغ المتنافر،
تراه عبدا صاغرا
من تحت عبد مثله مُهان،
تراه كالوباء وعدْواهْ
عشوائيا خبيثا..
هل تعتذر العدوى
وهل يستغفر الوباء ! .
من أين لي بشغَب بريء
وفضول طفل نابــِه
لأكْسر الجمجمة التي تؤوي
جرثومةَ الفراغ ْ،
أرى قوقعة التجويفِ
حيث يتورّم الفراغُ
في ذواتٍ مُستعْلية مخدوعة .
ـ دواء
وهل لداء الحظوة شفاء؟
لعله الحُلم اللذيذُ
فلنجربْ يقظةً أخرى
والكل في الوهم نيامْ
لعلنا في حلْم اليقظة نرى
تحقُّقَ الأحلام ِ
وإمكان المستحيل في الكلمة المفتوحة
على كل احتمال واندهاش،
وفي استئناس الكائن الأسير بالفضاء اللانهائي
على جناح الرأي وسمائه المكشوفة
وفي استنبات العشب من خشونة الرماد
ووثبة الزمان واكتشاف لون الظل
وحتمية الخلاصْ
من دوخة الفراغ ودوامة الخواء .
لنعطِ بعضَ الوقت للطريق
لكي يعود غانما بحِمْل الكلمات
المخلَّقة الجميلة.
لنفسحِ الطريق للطريق
فقد نرى يوما على ثنية الوداع
أقلاما وكتابا وبوصلة سليمة.
أبريل 2009
الأشياء
هناك في مجال ما
عينان تتأملان شيئا ما
مُـْرتابتان في ما تـشْهدان،
هل تشهدان الشيءَ
أم فراغا صلـْبا ساكناً
مبثوثا عبر لا مُنتهيات الوجهِ ،ِ
هل رأيتُ الوجهَ
أم هو الذي رآني؟
كلانا لا يرى من الأشياءِ
فوقَ ما لدى عينيه من زوايا
ولن يمتص واحدٌ شيئا مما
يكون قدْ رآه الوجه ُالآخرْ.
أنا أيضا مرتابٌ
ومستـَنفَذ وذابلْ
ولكني أرى أمامي كائناتٍ
تسْكن الفراغ وتراني
تدنو إلى عينـَيَّ وتعْرفني
أحس بأنفاسها قريبة من أذني
أسألها :
أيتها الأشياء ما تكوني ؟
تجيبني :
نحن بناتٌ سبْعٌ
من سلالة الصباح
نطارد القنوط ونزوّق الفراغ
بريش من طوْق الحَمَام الزاجلْ
وبمِداد الأمل العنيدْ
ونرسل الحَمَام بالبشائر
إلى الجهات كلها
لَـَدَى انبثاق يوم متفائلْ .
عُـلبة مَنْسية
حُـدوسٌ وأوراق وحروفٌ
مطمئنةٌ منسية
في علبة مُغبرّة قديمة
لعلها تراني كل يوم وتهمُّ بتذكيري
ولكني أمرُّ غير عابئٍ
بهمسها المكتوم وندائها المحجوبْ.
وذات حلْم
ربما صادفتُها أو صادفتْني بغتةً،
لامستُها بلطفٍ
ونفضتُ عن حروفها غشاوة َالنسيان،
حيّيتـُها فردتْ بفتور وعتابْ،
استرضيتُها
حتى أضاءت خلفياتٍ
كنت قد حسبتـُها توارت في الظلال،
أرتْني ما أخفاه الصمتُ عني
من ذواتي،
ومن مخاوفي التي لم يمحها الزمانْ
وما نسيتُ عالقا
على جوانب الطريق من كينونتي
وما تبقى منها في يدي
وما أكون الآنْ.
وهكذا ينكتبُ العجيب ويغيبْ
في الزمن الممتدِّ
وفي الرمْل المتغير المسافرْ
وربما يصير بعد حينْ
شهادة ًمحفورة في صخر
أو تلاوةَ صلاةٍ
أو تميمةَ شفاءْ
أو لعنةً تطارد السلالة
أو سَـرْحةً
تود أن ترى ما لا يراه الأسوياء:
الظلَّ في الظلام
والحروفَ فوق الماء.
لقاء المتوازيين
1
رأيتُ فيما يشهد اليقظانْ
كأنني في ساحة قفراء باسطا يدي
لعلّ عارفا يَمرّ ُ صدفة ً
ويَمْسك بها إلى مَشارف الصباحِ
المُتـَحفز الوشيكْ،
إذا بنَـيْزكٍ غريب دافئْ
يحط في سلامْ
ويُـتـْحف يدي بشيء كالضحى !
ذُهلتُ
ما رأيتُ يوما كائنا سماوياً
يحط من عليائه
على يد صفراءَ
تستجدي ما قد تجود به الريحُ
المستعجلة ُ العقيمْ ،
يُحَنّي كفَّها
وبالخواتم الثمينة
يُزيّن الأصابعَ الصفراءْ
ويُضْفي طيلسانا قـُزَحيا
متوهجَ الألوانْ
على ميّت حيّ
بين اليأس والرجاء
ويَرفع الحجابَ الأرجوانيَ الحزين
عن لون خافٍ ثامِن ٍ
في سلــَّم الأطيافِ
وسلاسل البقاء والفناء.
وددتُ لو أمسكتُ
بجناح ذاك الكائن الغريبْ
وأشهد العوالمَ التي يراها
حين يعتلي على فواصل الأوهامِ
بين البدْء والنهاية
وأشهد الخطيْن المتوازييْن
في لقاء شائق مفاجئ !
2
من قبل أن يَغيب عني بَصَري
أحِب ـ مِثل كل المبصرين ـ
أن أشهد الحياة من بُعد خفِيّ غائبْ
لكنْ
لو قيل لي إليك الآنَ كل هذه الحياة
فانظرْ كيف تراها !
لانفرطتْ عيني
وتاهتْ في كل اتجاه!
هل تستوعب العينُ
كل هذه الجبال والنجومِ
والضحى الذي لا ينتهي
وحركاتِ الموج والنوارس الغواصة
بنظرة عَجْـلى من فتحتيْنْ،
تحت جبين صلـْب ٍ،
إن التفتا يسارا غاب عنهما اليمين ؟
جـَمْـرة
يأيها الشك العسيرُ الصعبٌ
كم أحبكَ
ولكني بنفس الكَمِّ أكرهكْ
ولم أجد بين الخطيْن المتوازييْن
ما يريحني
من مستحيل الجمع بين الظل والحَرور
ولم أجد إيقاعا تستحقه الحياة
سوى إيقاع الشعر ومعجزة الخيالِ
وتمرد الفنانْ
طريقي لن تقودني وداري لن تسعني
إذا استقال الشعرُ ونضبتِ الأحلامْ
الشك أصل ُ الحُلمِ
والأحلام هي مَشْتل الأفكار.
إذا رأيت جالسا على جمرة نارْ
تكويه ويئن من حروقه
ولا يفرُّ
لا يقوم واقفا
فاعلمْ أن هناك ما يمنعهُ
أقوى من اللهيبِ
وأمَرُّ من جحيمه
توالت الأيامُ
وتـتالت الشهورْ
وانضمتْ وتناسلتْ أعواما
ودهورا وحكايا
وما نزال حيث صادفتْنا
في طريقها الأصباح والأماسي
وقد تعود القهقرى
ونحن هاهنا
كما كنا مكبلين جالسين
ونكتوي بجمرة من تحتنا
وليس ما يمنعنا من الوقوف ساعةً
سوى قيودِ الخوف والأوهامْ.
حوار
تَمُر الريحُ كل يوم مسرعة
على رؤوس الشجرِ القديمْ
وتنسى أن تسألها:
ألمْ تمَلّي يوما من وقوفِِكِ الطويل؟
ألا يُغريك الشوقُ والفضولْ
أن تسحبي الجذورَ وتسافري بعيدا
وتكتشفي أبعادا عن شِمال ويمينْ ؟
ألمْ أحمِلْ إليكِ بالغدو والرواح
رمالا من صحارٍ ورذاذا من بحار؟
تلـْتمس الرياحُ في سرعتها
هنيهةً تسترجع الأنفاسَ
لتُلقي إلى الأشجار بسؤالها
لكنها كدَأْبها تُبعثر الحروفَ
وتغمغم السؤالْ
وتنسى في سرعتها
بعْضا مما أعدّتْ من مقال.
ولكن الأشجار لا تلومها
تأخذها بالعفوِ
و تميل حيث مالتْ
وتُجيبها:
ـ أنا هنا أيتها الرياحْ
في سفَر قديم متواصلْ
من باطن الأرض
إلى مواقع النجومْ
تصِلني الأبعادُ
من مصدرها المحجوبْ.
رسالة إلى مجهول
عندي رسالة إلى شخص مجهولٍ
في مكان ما من هذا العالم
الذي لم أره من قبل قَطُّ
لم يراسلني بحرف
لا يعرفني
فكيف لي بحدس الاسم والعنوان.
عندي رسالة إليه
قد يجدها يوما
تطفو على بحيرة أو نهرٍ
في قارورة مختومة ،
أو ربما يحملها إليه ريحٌ
أو حمامٌ زاجلْ
أو طير فوق غصنٍ
يستريح في ظلاله المسافرُ المجهولُ
بعد سفر طويلْ.
مضمونها محفوظ في ألواحٍ
لا أراها الآنَ
إن صادفتَها يامجهولْ
لا تستعجل لوما ولا براءة
وحاكمني بعدلٍ
وأجبني إن أردتَ
برسالة أخرى إلى مجهولٍ
في متاهة الحروف والقراءة .
دائرة السُّلالة
1 ـ غروب
الغروب لهيبُ نحاسٍ
يُشـَكل شعلتـَه بوثوق
بعيدا عن الخوف مما وراء المساءِ
فكيف يبالي
بمن لا يرافقه في بساطة مَجْد غيابهِ
حين تعالى على كل أنظمة الوقتِ
أو سلـْطة الأكسجين
وغطرسةِ الموتِ ،
حين َ يعدل ميزان جوقتهِ
ويشاركها فرحة ً
قد تدوم سحابة َجيلٍ
وقد تتبخر في لهَب السوق جيلا
وترحل في موكب من بخور صغيرٍ
يقول له الفجرُ :
كنْ لؤلؤاتِ نَدى
تتناثر فوق جزيرة عُشْبٍ
يعيش هنيئا بها الحَلـَزونْ .
2 ـ قطرة
قــَطـْرة يتقاذفها الموجُ
حتى تـَضلَّ وتنسى المسافة َ
بين سماء غمامتها وظلام المحيط ْ
تتنهد آسفة ً:
كنت "كُلا ّ ً" صغيراً
وها أنا جزءٌ من الكلِّ
هل يتذكرني البحرُ
أم يتجاهلني
وهو " الكل " بي
وبسَـيْل من القطرات معي
يتبجح غيرَ مُبال
بما دُون "كلـِّه" من "كليات".
سَخِـرَ البحرُ من زعمها
ومضى صاخباً
والقـُطـَيرة تصرخُ
علَّ المحيط َ يَكفُّ
عن الصخَب المتلاطم ثانية ً
ويُـتيح لها همْسة ً
لتقول له :
"ها أنا "!
3 ـ صباح
الصباح الوشيكُ
افتتاحية بمداد الحليبِ
على وجه يومية الراعي.
الصباح المضيءُ
مقدمة تتصاعد في سُـلــّم اللون
من سحَر يتبين شيئا فشيئاً
إلى زرقة في عيون قـُرى بدوية.
الصباح القريبُ
مخاطرة يتهيبها العاشقْ
وانتظار لذيذ ٌ
يُحاول إخفاءَه المعشوقْ.
الصباح المبينُ
لدى المنهَـكين يقينٌ وتنهيدة ٌ
وبراهين معجزة تتجددُ
لا ريْـبَ فيها .
4 ـ برْق
يُباغتني البرْقُ
يبهرني كلَّ حينٍ
كأن السحابة وهي سَليلةُ ماءٍ
حديثةُ عهد بقدْح الزنادِ
ولم تنفجر قبْـلَ هذا الأوانِ
وتملأ ما حوْلها شرراً كالجبالِ
يضِـيق به بغتةً
ملءُ ما بين مِلْح البحار وماء السماءْ.
حَسِبْـتُه مِثلَ سحابة صيفٍ
تمُر بجانب نافذتي هَـشّةً
في طريق التلاشي
وكان حسابي
على قَدْر نافذةٍ
لا تَرى من لهيب السماء
سوى لمْعة باهتة.
فكيف يُفاجئني البرقُ
في كل عاصفة ٍ
وهو في أُسرة النار جَـدّ ٌ قديمْ ؟
كتاب
كنز معتق ثمينٌ
باقٍ من زمان المعجزاتْ
لقاءٌ دُون موْعدٍ
وحُسْن طالعٍ بلا حُسبانْ
كتاب بلباس عهْد فائت
وجلدٍ مُتغضّن عتيقْ
قديمٌ في انتظار عهد قادم ،
من لمْسة أُولى يُضيء البيتَ
ويبادر الغريبَ بالسلامْ
يَمد يداً غضّةً وقورة
يدعوك للرجوع خطوة أو خطوتين
إلى زمان يافع مشبوب بالحياة
ويفتح الأبوابَ والنوافذَ الكبرى
في وجه الوافد الغريبْ
ويكتفي بالصمت والإشارة اللبيبة :
لكَ الأبوابُ كلها وكلُّ الحجراتِ
حيث عاشتِ الأحلامُ وتجسدتْ وقائعْ
فادخلْ لعل كنزا في انتظارك
أو نهرا يتجاوز البحار َ
أو شجرا يفضي إلى السماء
أو ربما متاهةً أخرى بلا أبوابْ
أو رحلةً في عالم مجهولٍ
تنتهي إلى علامة استفهام .
نزول "آدَم"
انزلْ ياآدم من جَنة مهدكْ
فهُنا حواءُ كما أبدعها اللهُ
على صورة "ريم"،
واملأْ عينيْكَ على سعَة النظرةِ
من ألوان فراشة
رسمتْ لوحات ِجناحيْها
بمهارة فنان حاذق
والْمَسْها على مهَل ٍ
بأناقة عصفور عارف
برموز هِـيروغْليفْيا الألوانِ
بلا خبَر سابق.
واغنمْ يابصَري الآفلُ
ما تهَب اللمحةُ
من شلال الضوء الدافق
من نبْع طفولته الأُولى،
سَجِّـلْ ما لا يحْدث إلا عرضاً
حين يصادف وهجُ الأفق الآفلِ
فجرا يتنبأ باليوم الآتي.
شكرا ياآدم ُ
إذ أشرقتَ على زمني
وأضفتَ إلى قصة "ريم"
ليلةَ ما بعد الألف مُشوِّقةً
لسماع حكايات أخرى
سيبيح الصبحُ تداولـَها
تحْت شعاع الشمس الغامرْ
شكرا ياآدم
إذ أوقدْتَ غدي
بالشوق إلى قصص
ونوادرَ من وطنٍ
لا زلتَ حديث العهد به
ستقص حكايةَ عالَمك المسحورِ
برمزية العصفور
وسيقرأها "أنسٌ"
بنباهة موهوبٍ
وتؤولها "ريمٌ"
بفُجائية الأنثى
وبداهةِ مُعجَمِها الحافلْ.
محمد الميموني
الأعمال المنشورة
1 ـ " آخر أعوام العقم " ( ديوان شعر ) 1974 ـ الدار البيضاء
2ـ " الحلم في زمن الوهم" ديوان شعر سنة 1992 الدار البيضاء
3ـ "طريق النهر" ديوان شعر 1995 تطوان
4ـ "شجر خفي الظل"ديوان شعر 1999 تطوان
5 "الأعمال الشعرية الكاملة" وزارة الثقافة ـ الرباط 2002
وتتضمن ـ إضافة إلى الدواوين المذكورة أعلاه ـ خمسةَ دواوين جديدة هي:
6ـ"مقام العشاق" 1997
7ـ"أمهات الأسماء" 1997
8 ـ "محبرة الأشياء" 1998
9ـ "ما ألمحه وأنساه" 2000
10 ـ"متاهات التأويل" 2001
11–" صيرورات تسمي ذاتها"( ديوان شعر) وزارة الثقافة 7 200
12ـ "موشحات حزن متفائل" (شعر) سليكي إخوان ـ طنجة ـ2008
في النقد الأدبي:
13ـ في الشعر المغربي المعاصر ــ عتبات التجديد ــ سلسلة شراع (34 ) 1998
14ـ في الشعر المغربي الحديث ـ سبع خطوات رائدة ـ منشورات تطاون أسمير 1999
15 ـ "ديوان التماريت" لفيديريكو غارسيا لوركا، ترجمة عن اللغة الإسبانية (مع دراسة وافية عنه) وزارة الثقافة 2005