إِبَرٌ مَعْقُوفَةٌ بِاتِّجَاهِ أَسَفِي
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
نَزَلْتُ أُطْعِمُ فَرَسِي أَمَلاً مُرْهَقًا مِنْ حَقْلٍ ثَلْجِيِّ الشَّكِّ، أَوْرَاقُ تُرْبَتِهِ، الَّتِي لَهَا مَلْمَسُ بُنٍّ مَمْجُوجٍ، وَرَائِحَةُ غُبَارٍ نَائِمٍ، تَخْرُجُ بِصِيغَةِ إِبَرٍ مَعْقُوفَةٍ بِاتِّجَاهِ الأَسَفِ: بِاتِّجَاهِي.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
صَدَمْتُ لاَفِتَةَ إِيقَاعٍ كَاسِدٍ، ثُمَّ رَاقَصْتُ جُرْحِي.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
تَعَثَّرْتُ بِعَثَرَاتِ وُرُودٍ حَافِيَةِ الرَّائِحَةِ، مُنْزَوِيَةِ الشَّكْلِ، مُطَأْطِئَةِ المَكَانِ. حَاوَلْتُهَا، لكِنَّهَا كُلُّهَا، بَهْجَةً وَاحِدَةً مُتَشَابِهَةَ التَّقَوُّسِ كَانَتْ، وَكُنْتُ أَنَا سَهْمًا فَرْدًا خَلْفَ عُرْيِ مَرَايَاهَا.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
رَأَيْتُ مِشْكَاةً مَوْهُومَةً، بَيْنَ أَصَابِعَ مُفْتَرِقَةٍ لِقَبْضَةِ حُبٍّ تَرْتَجِفُ. صَعَدْتُنِي إِلَيْهَا بِسَاقَيْ أَلَمٍ رَسَمْتُهُمَا بِعَرَقِي عَلَى جِدَارِ صَدْرِي، وَلَمْ أَزَلْ أَنْزِفُ مِنْ سُقُوطِي المُتَكَدِّسِ فَوْقِي، وَلِمَ لاَ؟
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
مَرَرْتُ بِهِرَّةِ الحَيَاةِ تَحُكُّ فِرَاءَ ظَهْرِهَا بِخَشِنِ حَصَى النَّارِ وَتُوَقِّعُ السَّمَاءَ الصِّفْرَ بِسِيقَانِهَا أَعْلاَهُ، لِئَلاَّ تَسْقُطَ عَلَى مَا تَبَقَّى لَهَا مِنْ جَبِينِ الضَّوْءِ الأَرْضِيِّ.
فِي الطَّرَِيقِ إِلَيَّ؛
أَشْهَرْتُ حَنْجَرَةَ الغِنَاءِ، بِتَوَاضُعِ دُورِيٍّ عَلَى صَفْصَافَةِ الرُّوحِ، لأَقْرَأَ مَوْجَةً تِلْوَ مَوْجَةٍ مِنْ عَصِيرِ القَلْبِ. أَمَّا الجَسَدُ، فَتَرَكْتُهُ يَرْعَى نَدَى رُمَّانَةٍ اصْطَادَتْهُ مُحَلِّقًا بَيْنَ مِرْوَحَةِ جَفْنَيْهَا.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
رَعَّشْتُ مَا شِئْتُ مِنْ تَوَائِمِ الفَرَاغِ، الهَذَيَانِ، الصَّدَى، العَطَشِ، الرَّيْبِ، العَتْمَةِ، (...)، وَمَا شِئْتُ مِنْ تَوَائِمِ الضَّوْءِ، الصَّوْتِ، النَّارِ، المَاءِ، الفَرَحِ، النَّشْوَةِ، (...)، بِعَزْفٍ مُنْفَرِدِ الحُلُمِ عَلَى رِقَاعِ نُبُوءَةٍ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
عَرَفْتُ مِنْ هُدْهُدِ رِحْلَتِي اتِّجَاهًا خَامِسًا، وَمَا وَشْوَشَ (سُلَيْمَانَ) عَنْ زَغَبِ سَاقَيْ (بَلْقِيسَ) قَبْلَ أَنْ تُشَمَّرَ عَنْهُمَا.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
تَحَسَّسْتُ، بِغَوَايَةٍ، حَيَّةً لَوْلَبَتْ لِي مَدَّهَا مِرَارًا. غَيَّرَتْ أَمَامِي أَثْوَابَ لِسَانِهَا بِدَلاَلِ رِضَابٍ. تَلَوَّتْ وُقُوفًا عَلَى ذَيْلِهَا نَاتِئَةً رَفَّ مُؤَخَّرَةٍ كَأَنَّهَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ.. ثُمَّ وَسْوَسَ لِي شَيْطَانُها البَرِيءُ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
عَلِمْتُ خُبْثَ نَوَايَا (زلِيخَةَ) أَنْ لاَ تَتَّخِذَ مِنْ (يُوسُفَ) وَلَدًا، بَلْ أَجِيرًا لِجَسَدِهَا، ذلِكَ أَنَّ فِتْنَةَ الجَمَالِ المُتَفَرِّدِ، لاَ تُقْرَأُ بِحَاسَّةِ النَّظَرِ فَقَطْ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
فَعَلْتُ، مِنْ مَا فَعَلْتُهُ، أَنْ أَعَدْتُ تَعْلِيقَ تُفَّاحَةِ (نُيُوتُن) عَلَى شَجَرَتِي العَالِيَةِ وَقَدْ قَبَّلْتُهَا قَضْمَةً بَطِيئَةً، وَشَمَمْتُ وُرُودَ (فَيْرُوز) المَنْسِيَّةَ عَلَى سِيَاجِ اتِّكَائِهَا، وَثَقَبْتُ بِأُذُنِي بَلِيغَ صَرْخَةِ (أَرْخَمِيدِس) فِي حَوْضِ وَجَدْتُنِي، وَأَزَحْتُ عَنِّي جَانِبًا شَعَائِرَ الكَلاَمِ المُتَاحِ، وَأَشْعَلْتُ حَطَبَ الحُرُوفِ المُبَاحَةِ، ثُمَّ أَغْرَقَنِي، فِي مَسَائِهِ النُّورِيِّ، ضِيَاءٌ "مُحَرَّمٌ" عَلَى عَيْنِ العَادِيِّ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
نَثَرْتُ حَبَّ حُبٍّ، ابْتَلَعَتْهَا مَنَاقِيرُ النِّسَاءِ العَشْوَائِيَّاتِ، ثُمَّ لَفَظَتْهَا تُهْمَةً لِـ (هِيلُويِزْ): "اسْمَحْ لِي أَنْ أَكُونَ مُومِسَكَ". فَنَثَرْتُ حِجَارَةً ضَوْءٍ، لاَ لأَعْرِفَ الرُّجُوعَ، بَلْ لِيَسْتَضِيءَ بِهَا قَلْبُ غَيْرِي.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
تَعَتَّقْتُ خَمْرَةَ لَهْثِي بِعَصِيِّ السُّكُونِ، وَلَمْ أَسْتَرِحْ، بَعْدُ، خَلْفَ شَمْسِ أَسْئِلَتِي. كَمْ رَأَيْتُ (أَرَى) كَيْنُونَتِي تَبْزُغُ، مِثْلَ قَلَقٍ مُتَوَهِّجٍ، بَرَّ دُوَارِي!
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
شَهِدْتُ أَنَّ "النَّظَرَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ."
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
تَمَنَّيْتُ حَتَّى لَوْ رَكْلَة جَزَاءٍ، عَلَى مُؤَخَّرَةِ العُمْرِ، تُطَيِّرُنِي إِلَى حَلِيبِ حُلُمِ أُمِّي، وَحَلِيبِ نَيِّئِ التِّينِ، وَحَلِيبِ مُرِّ اللَّوْزِ، وَحَتَّى إِلَى مَا قَبْلَ تَوْقِيتِ الحَلِيبِ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
التَقَيْتُ ظِلاًّ بِلَوْنِي. أَجْلَسَنِي فِي تَجْوِيفِ حِضْنِهُ كَتَشَبُّثِ أَعْمًى لَمَسَ شَيْئًا مَا، بَعْدَ فَرَاغٍ دَائرِيٍّ يَتَشَاسُعُ كُلَّمَا رَآهُ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
شَاهَدْتُ مَعَهَا أَمْسِ "مُسْتَقْبَلاً أَرْهَقَهُ الأَمَلُ."
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
غَنِمْتُ مَا شِئْتُ لَوْ لَمْ أَفْتَحْ قَبْضَتَيَّ حِينَ رِيحِ النُّبَاحِ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
انْتَبَهْتُ إِلَى مَسَارِ البُؤْسِ يَأْخُذُنِي بِيَأْسٍ، إِلَى أَنْ أَفْقِدَ مَا وَجَدْتُهُ.
فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ؛
لَمْ تَكُنْ لِي مِنْ طَرِيقٍ، وَلَمْ ... أَكُنْ ... أَنَا!
بَيْتُ الشَّاعِرِ
حَمَلَكَ كَلاَمٌ، تَوَاثَبَ مِنْ فَمٍ شَرِهٍ، ذِي سِكَّتَيْ أَنْيَابٍ، إِلَى مَحْضِ كَلاَمٍ؛ وَجَدْتَ أَنَّكَ فِيهِ سُلَّمَ عَاطِفَةٍ، وَطَائِرَ حَاجَةٍ أَسِيرًا، بِخُطَّةٍ مَطْلِيَّةٍ بِزُبْدَةِ أَلَقٍ، وَمَحْشُوَّةٍ بِلَوْنٍ مُتَخَثِّرٍ لِضَحَايَا سَابِقِينَ مَوْعِدَكَ كُلَّ مَرَّةٍ.
مِزَاجُ الخُدْعَةِ- البَيْتِ، امْتَزَجَ بِأَيّ شَيْءٍ؛ نَكْهَةِ العُزْلَةِ المُرَّةِ، يَقَظَةِ النَّوْمِ المُجَفَّفِ، أَرِيكَةِ الحُلُمِ اليَابِسَةِ، شُبْهَةِ الحُبِّ المُرَاقِ، مُكَابَدَةِ الأُسْرَةِ المَهْجُورَةِ، أَعْطَالُ شَرَايِينِ القَلْبِ، اخْتِبَاءِ بَطْنِ الـ"قَيْصَرِ"، غُبَارِ بَارُودِ النَّقِيضِ، ...
لكِنَّ هِرَّةَ نَشِيدِي بِسَبْعِِ أَرْوَاحٍ؛ كُلَّ دُوَارِ يَأْسٍ طَهُورٍ، وَرَغْمَ مُؤَخَّرَةٍ خَؤُونَةٍ أُخْرَى سَقَطَتْ، خِلْسَةً، عَلَى الكُرْسِيِّ، أَنْهَضُ مِنْ رُكَامِ البَيْتِ. لِذَا:
لَنْ يَتَخَطَّانِي مَا أَرَدْتُ أَنْ أَكُونَهُ.
قَدْ
أَنْزِلُ
عَنِ
الشَّجَرَةِ
لكِنِّي لَنْ أَهْبِطَ عَنِ الجَبَلِ أَبَدًا.
(نابلس، 2010)
m.h.risha@gmail.com