تقرير من البحرين

مركز عبد الرّحمن كانو الثّقافي

إعداد: زينب.ع. م. البحراني

 

المسرح.. أبو الفنون، وصانع ما جاء بعده من إبداعٍ بصريّ حركيّ لا يُحدّ بحدّ، لهذا استحقّ أن يحظى بأمسيةٍ ثريّةٍ تتناول مُستقبله على أرض البحرين بالتّحليل والمُناقشة من خلال عرض ثلاث تجارب مُختلفة لمُخرجين مسرحيين يحملون الفنّ على عاتق أرواحهم همّا ورسالة، استضافهم (مركز عبد الرّحمن كانو الثّقافي) ليلة الثلاثاء 26أكتوبر 2010م، ليتحدّثوا عن تجاربهم في المجال المسرحيّ، وطموحاتهم المُستقبليّة في المجال ذاته، ووجهات أنظارهم بشأن أفضل الطّرق للارتقاء بمُستواه والحفاظ على مكانته.

استهلّ الحديث مُدير الحوار؛ الأستاذ/ أحمد الصّائغ، مُعربًا عن مدى أهميّة المسرح كفنّ جامعٍ لفنون أخرى كثيرة، الأمر الذي تنبثق منه ضرورة الحوار البنّاء في شأنه لعلّنا بذلك نُساهم في إيجاد العوامل التي تُبقي على حياة المسرح وتُحسّن من إنتاجه، مؤكّدًا أنّ الرّقيّ بالمُستوى المسرحي  يعني وضع حجر أساس هام للثّقافة على أرض البحرين. ثُمّ شرع بتقديم ضيوف حوار الأمسية وهم المُخرج (عبد الله يوسف)، المُخرج (أحمد جاسم)، والمُخرج (محمّد الحُجيري). وجاء في تعريفه للمُخرج (عبد الله يوسف) أنّه مدرسةٌ مُتنقّلة للفنّ في البحرين؛ فهو من المُهتمين بفنّ الإخراج، والفنّ التّشكيلي، والنّحت، والموسيقى، والأدب بنثره وشعره، وفنون أخرى كثيرة.. عضو مؤسس لمسرح (أوال)، ومُخرج لنُخبةٍ غنيّةٍ عن التّعريف من المسرحيّات والبرامج والتّمثيليّات التّلفزيونيّة التي حققت نجاحًا فنيّا وجماهيريّا مُتميّزًا. يُحاول في جميع أعماله توثيق الواقع، كما أنّ موهبته واهتمامه بفنّ التّشكيل أعطاه لمحةً بصريّةً فريدةً من نوعها، وصيّره يعتبر كلّ مشهد من مشاهد أعماله المسرحيّة والتّلفزيونيّة لوحةً تشكيليّة مُنفردةً بذاتها.

أمّا المُخرج (مُحمّد الحجيري) فهو من المُتخصصين بالمسرح الإسلامي، كما أنّه عضو مؤسس للمسرح المدرسي. عمل في العديد من المسرحيّات والأعمال التلفزيونيّة كمُخرج ومُعدّ، ونال عدّة شهادات تقديريّة في هذا المجال.

بينما يُعتبر المُخرج (أحمد جاسم) من المُتخصصين بمسرح الطّفل، وهو أمين سرّ (مسرح البيادر)، وكاتب لعمودٍ صحفيّ على صفحات إحدى الصّحف المحليّة، ومؤلّف ومُخرج للعديد من مسرحيّات الأطفال، كما أنّه مُعدّ لبرنامج (مجلّة الصّغار) الإذاعيّ.

ثُمّ بدأ المُخرج أحمد جاسم بالحديث؛ قائلاً أنّ الإنتاج المسرحيّ في الوقت الرّاهن يتأرجح بين الطّموحات والإمكانات، وكيف أنّ مما يُحبط فريق العمل المسرحيّ عملهم بجدّ بين شهرين وثلاثة أشهُر لإتقان مسرحيّةٍ، ثُمّ تُعرض في ليلةٍ واحدة أمام عددٍ مُخيّبٍ للآمال من الحضور. وعزا قلّة حضور الجمهور إلى المزاج الكسول للمُتلقّي الذي صار ينتظر قدوم الفنّ إليه، وليس قدومه إلى الفن. وإلى تصاعُد عدد وسائل التّرفيه الأخرى التي يلجأ إليها المُتلقّي في عصرنا الذي لم يعُد فيه الخروج إلى المسرح من وسائل التّرفيه النّادرة كما في السّابق. كما تحدّث عن ضرورة إيجاد الفضاء المسرحيّ البديل الذي يهب المسرحيّة فُرصة العرض في أيّ مكانٍ وتحت أيّ ظروف، وعن التحدّيات التي واجهها مع فريق عمله المسرحيّ وواجهوها مع الميزانيّة المحدودة، والتّقنيات، والتّسويق، ونقل الدّيكور، فضلاً عن بعض المواقف المُحرجة والمُزعجة والطّريفة في هذا الإطار. مؤكّدًا أنّ الفنّان يستطيع خلق الإبداع وتجاوز العقبات التي تقف في طريق فنّه بابتكار أفكار جديدةٍ كُلّ مرّة.

ثلاه المُخرج (محمّد الحجيري) الذي تحدّث عن أزمة النّص المسرحيّ الجيّد، وعن تجربته مع المسارح الرّيفيّة كقادمٍ من تلك المنطقة بكلّ ما يُحيط بها من خصوصيّةٍ دينيّة، والإحباط الشّخصيّ الذي واجهه في بداياته في بيئة يرى أفرادها الذّهاب إلى المسارح الأهليّة مروقًا عن الملّة الإسلاميّة. وعن الصّحافة والإعلام ودورهما في انتشار المسرح وتشجيع المُبدع المسرحي. كما أشار إلى (المسرح الحُسينيّ) وضرورة اهتمام المُثقّف بإيجاد طريقة لتقديمه بطريقة تختلف عن البُكائيّات العامّة، لأنّ قصّة الحُسين بن عليّ ليست حكرًا على طائفة أو انتماء دينيّ، بل رسالة لعالم أجمع. وأكّد أنّ التّكريم للفنّان يُعطي حافزًا ودافعًا كبيرًا للاجتهاد والإنتاج، لكنّنا في الوطن العربيّ لا نُكرّم الفنّان إلا بعد موته بكُلّ أسفٍ كبير، وهي قضيّة يجب الالتفات إليها بالفعل، كما أنّ التّهجّم النّقديّ يُسيء إلى الفنّان كثيرًا ويهبط بمعنويّاته، وعبّر بصراحةٍ شُجاعة عن استيائه الكبير من أحد النّقّاد المُتهجّمين، وكيف أنّه لن يغفر له لما تسبب به من إيذاء نفسيّ رُغم مكانة النّاقد الكبيرة.

أمّا المُخرج (يوسف عبد الله) فقد قال بأنّ واقع الإنتاج المسرحيّ في البحرين هو نفس الواقع في الوطن العربيّ بأسره. ففي السّابق كان جمهور المسرح يأتي من حضارة عربيّة مُتقدّمة، انبثقت من صُلب فترة الزّخم الفكريّ والسّياسيّ فوهبت المسرح فُرصة للرّقيّ والانتعاش، وكان للحركة الأدبيّة خلال ستّينات القرن العشرين دورًا رئيسيّا في ذاك التّقدّم لتصنع زخمًا مسرحيًا استمرّ من أواخر السّتينات إلى بدايات السّبعينات. كما أكّد أنّ المسرح ليس نصّا وفكرةً ومواهب تمثيليّة فحسب، وإنّما إمكانات ماديّة كافية لتحقيق الرؤى الإخراجيّة القادرة على إبراز العمل في أجمل صورة، ولا شكّ أنّ عدم وجود معمار مسرحيّ يُتيح تحويل الرؤى أحدث خللاً كبيرًا في واقع المسرح. ولولا تطوّر دور السّينما تطوّرًا مُذهلاً لما تمكّنت من قبول الأفلام الجديدة ذات التقنيات الحديثة وعرضها على شاشاتها، بالإضافة إلى أخذ ضرورة ارتباط المسرح بالنّاس من حيث الفكرة والمضمون بالاعتبار، وحاجة الفنّ المسرحيّ عمومًا إلى فنّانين شاملين يمتلكون ثقافة شموليّة واسعة، ومن دون كُلّ ذلك لا يُمكن تحقيق حركة مسرحيّة. وأشار إلى أنّ هُناك إشكالات كثيرة لا يُمكن السّيطرة عليها إلا بإتاحة فٌرص وتقنيات وميزانيّات تُحقق له تقديم رؤى جديدة قادرة على تجاوز تدنّي مُستوى العروض وعددها.

 

ثمّ اختُتمت الأمسية بحفل عشاءٍ خفيف بعد مُداخلاتٍ غنيّةٍ وتساؤلات طُرحَت على لسان عدد من الحاضرين المُهتمّين بالشأن الفنّي والمسرحيّ على وجه الخصوص.