الصِّـحافة الأدبـية المغـربية تتعـزّز بإصـدار جـديد

فريد أمعضشو

أطلق موقع الأساتذة المبرّزين والباحثين المغاربة في اللغة العربية وآدابها، في نونبر الماضي، نشرة أدبية نقدية رقمية بديعة في إخراجها، غنية بمحتواها، أشرف على تصميمها، وتولّى أمْرَ تنسيق موادّها الدكتور محمد بنلحسن الذي عهدْناه باحثاً نشيطاً متمكناً من إواليات البحث العلمي الجادّ، ذا إسهامات مشهودة في خدمة العربية. ويفتح هذا المنبر الإعلامي الإلكتروني ذراعيْه لحَمَلَة القلم، مُستهدِفاً بالخصوص أولئك الذين يتوافر في إنتاجهم المعرفي شرطا الرصانة والعِلمية، علاوة على التقيُّد بأعراف البحث الأكاديمي المعروفة في مجال التأليف.

وقد تصدَّرتْ العددَ الأول من هذه النشْرة (42 صفحة) كلمةٌ افتتاحية لمُديرها ألحّت على أهمية النشر الرقمي، وأوْضحت مزاياه، ونبّهت إلى حاجة العربية الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى الانخراط في هذا الضرب من النشْر، والإفادة ممّا يتيحه من إمكانات الذيوع والسَّيْرورة. إذ ذكر في كلمته هذه أن المواظبة على الكتابة الإلكترونية الوازنة من شأنها أن تجعل لغتنا العربية مُواكِبة لروح العصر وثقافته ومستجِدّاته، وأن الشابكة اليومَ تضمَنُ للّغة قوة الانتشار والتداوُل؛ وهي من الأمور التي تمنح اللغة، أيَّ لغةٍ، إذا ائتلفت، أجنحةً للتحليق بعيداً، والخروج من النسيان الذي يرادف، في أحايينَ كثيرة، الموت.

وجاء العدد المذكور مقسَّماً إلى ثلاثة أبواب رئيسة. فأما أولها فخاصّ بالدراسات النقدية، ونقرأ فيه مقاليْن اثنين؛ أحدُهما لفريد أمعضشو حاول أن يُقارب فيه نصَّ معلقة امرئ القيس الكندي باعتماد المنهج الأنثروبولوجي الذي مكّنه من الوقوف على كثير من ملامح حياة العربي على عهد الجاهلية التي أشارت إليها تلك المعلقة، والثاني لعبد المجيد العابد اختار عَنْوَنَتَه بـ"المثقف العربي بين شقاء الوعي والوعي الشقيّ"، وقدّم فيه قراءة مركزة لكتاب حسن مسكين "أزمة النُّخَب العربية: الثقافة والتنمية" (2007)، الذي شكّل، حسب العابد، قطيعة ابستيمولوجية في مسار صاحبه المعرفي؛ لأنّا ألِـفْناه ناقدَ أشعارٍ، مهْووساً بدراسة الشعر الجاهلي، منفتحاً على المقاربات النقدية والمناهج الغربية الحديثة، متوسِّلاً بآلياتها في معالجة النص الإبداعي العربي القديم. على حين يتراءى لنا في هذا الكتاب باحثاً يخوض غمارَ عالمٍ آخرَ، ويطرُق باباً يكثر طرْق الناس له في الآونة الأخيرة، ويسلط الضياء على علاقة الثقافة بالتنمية، وعلى واقع النخب، أو الأنتـلجنسيا، العربية في زمننا الحاضر.

وعرّف البابُ الثاني بثلاثة إصدارات حديثة، هي: "تقابُلات النص وبلاغة الخطاب: نحْو تأويل تقابلي" لمحمد بازي، وهو يعدُّ تكملةً وامتداداً لكتابٍ آخر صدر له قبْلاً بعنوان "التأويلية العربية: نحْو نموذج تسانُدي لفهْم النصوص والخطابات"، والكتابان معاً صادران عن الدار العربية للعلوم (بيروت)، ومنشورات الاختلاف (الجزائر). والإصدارُ الثاني المُعرَّف به في هذا الباب هو "القراءة العربية لكتاب "فنّ الشعر" لأرسطوطاليس"، وهو من تأليف عبد الرحيم وهّابي، وتقديم محمد العُمَـري. وخُتِم بابُ الإصدارات بإلقاء أضواء على كتابٍ صدر حديثاً عن دار "عالم الكتب الحديث" بالأردنّ، مثلَ سابقه، وهو "التلقي لدى حازم القرطاجنّي من خلال "منهاج البلغاء وسراج الأدباء""لمحمد بنلحسن، وقد بلغت صفحاتُه أربعاً وثمانين وخمسمائة (من القِطْع المتوسط).

وخُصِّص الباب الأخيرُ من هذه النشرة لنشْر تقاريرَ عن بعض أطاريح الأساتذة المبرزين والباحثين في اللغة العربية، التي نوقِشت مؤخراً في بعض الجامعات المغربية. ويتعلق الأمر بأطروحات أحمد المسناوي، وعلي صديقي، وفريد أمعضشو، وعناوينُها على التوالي كالآتي: "تداخُل الأجناس في رباعية عبد الله العروي السردية: التجلّيات والدلالات" (بإشراف د. محمد الظريف/ كلية آداب المحمدية)، و"إشكالية التحيُّز في النقد الأدبي العربي المعاصر" (بإشراف د. مصطفى اليعقوبي/ كلية آداب وجدة)، و"المصطلح النقدي وقضاياه في كتابات عبد الملك مرتاض النقدية" (بإشراف د. مصطفى اليعقوبي/ كلية آداب وجدة).

إن هذه النشرة المتخصِّصة تشكل منبراً سيُظهر، بلا شك، مدى إسهام الأساتذة المبرزين والباحثين في اللغة العربية بالمغرب في خدمة الأدب المغربي والعربي عامة، وستلقي مزيداً من الضوء على مجهوداتهم في مضامير البحث العلمي الرصين، وعلى اهتماماتهم المُوازية لعملهم في قطاع التربية والتكوين.