تقديم:
فيما يلي سردية السودان المؤسلم وقد خصمت على ما عداها من السرديات المحلية تباعا وباطلاق احيانا.(1) وكانت جماعات تائهة فى الصحراء قد هبطت فيما هبطت جزيرة النيل ازرق وما حواليها وقري التى باتت عاصمة العبدلاب حتى حلفاية الموك شمال الخرطوم لتكرس سلطة دينية مالكية متشددة Formalist تمأسست فوق الدفاع عن عقيدتها بوصف ان الاخيرة اكثر امتيازا مقارنة مع نظيراتها السابقة عليها فى السودان وحيث تعينت تلك الجماعات على الدفاع عن عقيدتها، بهذا الوصف فقد كانت فى الواقع تدافع عن مكانتها الاقتصادية الاجتماعية مما قيض لها فى المحصلة النهاية مشارفة حواف الدائرة الداخلية لسلطة امراء وملوك سلطنة الفونج وصولا الى الاستيلاء على سلطة الفونج. وترتب ان بات السلطان فى سنار المحروسة جراء ذلك رهين وزيره ابو لكيكلك مثلما حدث لنظائر اخرى يلاحظها الناس فى كل مكان من المنطقة العربية، منذ اخر الصحابة والخلفاء وامراء المؤمنين وملوك المسلمين عبورا بالامويين فالعباسيين والعثمانيين فالاندلسيين. فقد تعينت تلك الجماعات الاتية غالبا من الشمال غب سقوط غرناطة عبورا بشمال افريقيا فغربها على احتواء شبه القارة السودانية تلك التى يعود تاريخها الى 200 الف عام قبل الميلاد(2). ذلك ان اعراب ورحل ومهاجرين بعنف فى وجه الاضطهاد الموحدي والكاثوليكى الاسبانى معا فى شبه القارة الايبيرية غب سقوط غرناطة اخر المدن الدول الاندلسية ما انفكوا ان استقروا فى ارض جزيرة النيل الازرق وما حواليها وشندي وبربر والدامر وحلفاية الملوك الخ بالسودان الاوسط. وفيما راحت تلك الجماعات الوافدة تبشر بعقيدتها وتدافع عنها ازاء العقائد السابقة على حلولها فقد كانت تلك الجماعات فى الواقع تدافع عن مكانتها الاقتصادية الاجتماعية. خصما على نظائرهم من الاهالى الاصليين.
فقد كانت الطرق الصوفية قد اكتسبت باكرا من الفونج التسامح العقائدى ومن سلاطين الفونج التواضع المنسحب امام ثقافة غازية سواء اعتبروها بحق متميزة superior culture على نظيرتها المحلية أو/و اذعانا لابتزاز الصوفيين. ورغم ان معظم السودانيين الشماليين اعتنقوا الاسلام الصوفى المالكى الحنفى المحافظ على التقاليد والمراسيم الرسمية Formalist المتشدد- الا انهم كعهد الاجزاء والمنظومات الثقافية الغازية سودنوا الاخيرة مما تحاول الدراسة مجادلته فى بحث اخر. وكان اسلام الصوفيين التجار الوافدين تنويعة على عقائد اسلام ما بعد سقوط عهد الخلافة عبورا بعهد الطوائف فالمرابطين وصولا الى الموحدين فمملكة غرناطة الى ممالك شمال افريقيا. وكانت طوائف المرابطين والموحدين طوائف رديفة لنظيرتها الفاطمية(3). وقد جاء صوفيو الاندلس بتوليفة من اسلام كان حريا بان يتشدد فيثابر على شكليات العبادة وشعائرها كمحصلة للصراع من اجل بقاءه.
وكان الصراع من اجل بقاء الاسلام المذكور حريا بان يتعين على ما اعتبر نقاء العقيدة مما قد لا يوصل دائما الى نقاء العقيدة كما رأينا على عهد الموحدين فى مواجهة ملوك الاندلس وحلفائهم نصارى أوربا الغربية واليهود. فمن طبع مقاومة الاندثار تكريس منتجات روحية تتصل بادوات الصراع اكثر مما تتصل باصل العقيدة وقد حوصر المسلمون طويلا فى الاندلس وغيرها تباعا. وليس ادعى من لحظة الانكسار الفاجعة الاخيرة من تكريس ما قد يفضى الى الاصولية فى مواجهة الفناء. الا ان الثقافات والمنظومة القيمية السودانية المحلية استعصت على الانمحاء كليا امام الثقافة الغازية رغم امتيازها واصوليتها وقد اجتمعتا بهذا الوصف على الأولى(4). المهم ورغم ان مفردات لغة مادة البحث الاساسى قد تبدو "قديمة"- بوصف ان اللغة والمفردات سابقة كثيرا على التحولات المتسارعة - وقد تجاوز بعضها بعض العلوم الاجتماعية ما بعد الحداثية سوى أن التحولات المعاصرة قد لا تزيد عن افرازات ما بعد حداثية ما تنفك تعبر عن نفسها فيما اسميه ما بعد تقليدي. ذلك انه رغم تسارع "التطورات" ما بعد الحداثية وربما بسبب ذلك الا ان نظائر للطرق الصوفية والقبائل وقادتها وقادة التنظيمات المسماه حديثة ما ينفك يعيد انتاج نفسه فى تجليات أو تحورت Mutated فعبرت عن نفسها فى تنويعات لا متناهية من التشوهات حسب ظروف الاقتهار والسماحة.
تنويعات لا متناهية على نفس اللحن:
رغم أن هذه الدراسة تتكئ أكثر من أي شيء آخر على التنأول السيوسيولوجى الا انها ايضا تستعير التحليل الاقتصادي السياسي كلما دعت الضرورة، ومن ثم فإنها تنظر إلى الطرق الصوفية وتأثيرها على تشكيل الفرد والجماعات السودانية، وبالتالي إلى نظم القيادة الاجتماعية السياسية-الاقتصادية بالضرورة كما سيتضح من أسلوب إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع الصوفي في القرنين الثامن والتاسع عشر، وحتى بداية الحكم الثنائي في السودان. فمنذ عشرينات القرن الماضي عنى الاستعمار البريطاني بإعادة هندسة القبائل والطرق الصوفية وإعادة تعريف مفاهيم الملكية الزراعية وتقسيم المياه والأراضي وتوزيع الإمتيازات الاقتصادية التجارية كركائز اقتصادية اجتماعية لإعادة هيكلة أهم خصائص المجتمع السوداني وعلى رأسها الخصائص القبلية التي تم له استيعابها منذ الحكم التركي /المصري الأول. وازعم ان الاستعمار المتردد كرس بدوره وباكرا وقبل الفتح التركى الأول مسارات “التنمية” الإمبريالية" باحلال فئات اجتماعية مكان اخرى بالوصف اعلاه. وكان الاستعمار المتردد بريادة الفتح التركى الأول بالوصف اعلاه قد تعين ابان المرحلة الأولى من الفتح على اعادة انتاج التعليم الاهلى وبخاصة التعليم القرآنى للخلأوى واحياء الطرق الصوفية باستجلاب طريقته معه وهى الطريقة المحمدية وبفتح الرواق السنارى لما بات ينتج علماء الدين السودانيين.
وقد كرست التركية الأولى ايضا النظام القبلى وكان أول من منح القاب البكوية زعماء كبريات القبائل مثل زعيم قبيلة الشكرية. وحيث تعينت التركية الأولى ايضا على تكريس قيم سابقة على أواخر السلطنة الفونجية كتجارة الرقيق فقد كان من بين العناصر التى تعينت التركية على اصطفائها والحاقها بشرائح السلطة بل تمييزها بالقاب وفضاءات حركة واسعة الزبير رحمة وابنه سليمان. وقد صار الأول باشا وقيض له ولسليمان ما بات يعرف بامبراطورية الادغال أوالغابة Bush Empires وكانت تلك الامبراطورية عبارة عن محطات نقل العبيد وقد اقيمت على شكل ذرائب فى الخلاء مسورة بالشوك. وكان تفكك السلطنة قد قيض لتجار الرقيق الاجانب وعملائهم احتكار تلك التجارة وقد راجت اسواقها فى أكبر مدن الفونج كشندى وبربر والدامر على أواخر ايام الاخير. ذلك ان السلطنة كانت على أواخر ايامها اما منيت بتفكك ابنيتها المركزية التى كانت ترتكز على نمط الانتاج الشرقى ويجمع الاخير كما لاحظت فى دراسات عديدة بين تنويعتى العبودية غير المنفولة والقنانة غير المربوطة بالارض معا. وكان اهم ابعاد قطاع تجارة القواقل عابرة الحدود القبلية والقومية وتسمى ايضا تجارة المسافات الطويلة Long Distance Trade ويشار اليها بالتجارة العالمية International Trade وتجارة القوافل عابرة الصحراء.Trans-Saharan Caravan Trade ان التجارة كانت حكرا على الدولة الخراجية المركزية الا انها لم تلبث ان فقدت خصمت على السلطان فى سنار تباعا منذ تجارة الملح والذهب ابان التجارة الصامتة الى تجارة الرقيق العبر اطلسية مع التوسع الأوربى والغزو الاجنبى. ولم تنفك التجارة بين القبائل وحراسة الابار ان باتت حكرا على شيوخ الصوفيين وحلفائهم زعماء القبائل وكان معظمهم تنويع على بعص او-و نفس الجماعات مثلما الحال عبر التاريخ بالنسبة لرجال الدين والتجار والاعيان والحكماء الخ. وما الت تلك السلطة للاخيرين خصما على السلطان حتى سيطروا على المجتمع على غرار ما يخلق احتكار السلطة الاقتصادية شرط السيطرة السياسية والثقافية على مر الاف السنين مما يلاحظه الناس اليوم فى كل مكان مثلما باتت السيطرة على اموال العالم تعنى السيطرة على العالم . هذا وكان السلطان فى سنار المحروسة ان اجبر باكرا على التنازل لشيوخ الطرائق عن حق حراسة طرق وابار تجارة القوافل فجمع الجبايات وفرض الضرائب على تجارة العبور أو انه لم يعد يملك القدرة على منافسة الاخيرين فى التجارة.
وكان شيوخ الطرق الصوفية قد أوصلوا وجهاء واعيان الفونج كما سنرى الى املاق-بالالوان الطبيعية ان صح التعبير وذلك على غرار املاق الطبقات الوسيطة المعاصرة. حيث لم يبق لاعيان الفونج امام منافسة سر التجار الصوفى سوى مظهر خارجى وقد خلى وفاض اعيان الفونج من المال ومن كل اقتدار اقتصادى ومن ثم سياسي. ذلك ان اعيان الفونج لم ينفكوا ان باتوا يؤلفون الشرائح الوسيطة بين السلطان والملوك الصغار وامراء الفونج فى اقاليم السلطة. وازعم ان تلك السابقة الفت تنويعة على تنويعات لاحقتة وسابقة باكرة على تفريغ مراكز وادوار الفئات او أوالشرائح "الطبقات" السودانية الوسيطة من قدراتها التنظيمية فالاقتصادية السياسية جميعا فلم يبق منها اكثر مما يشارف خيال المآتة. وقد عقد قياسا فى مكان اخر بين حالة تلك المجاميع- وقد احل مكانها اشباه مشوهة- ومن اطلقت عليهم فئات خيال المآتة(5).
المهم لم يبق لاعيان الفونج ولا للفئات الوسطى الفونجية مع تفريغ مركزها الاقتصادى والسياسى سوى مظهرها الخارجى. ورغم أن محمد احمد المهدي كان قد ألغى الطرق والطوائف الا ان المهدية لم تلبث أن احلت فئات اجتماعية دينية مكان اخرى فالغت الطرق الصوفية. فكيف قيض للصوفيين التجار بالضرورة المبشرين بالتنيجة- وليس العكس- احتلال مكان شرايح السلطة الفونجية وامراء النوبة خصما على مرحلة تطور المجتمع المضيق؟ وهل الف ذلك الاختراق سفر تكوين الاسلام السياسي الفطير تباعا؟ هل الهجرة المنوالية خارج دائرة الدولة المركزية الخراجية وظيفة نشوء جماعات بديلة لتلك الدولة؟ أم العكس؟ أزعم ان معظم الطرق الصوفية كان حريا ان يخرج بعد القرن الثانى وصولا الى الرابع على سيطرة السلطة القائمة. واجادل ان البدايات الاولى لما شارف الطرق الصوفية كان قد اتصل منذ مقتل عثمان وفتنة البيعة الاموية وتباعا. فقد عبر معظم الحركات الصوفية النخبوية اللاحقة لعصر الراشدين عن نفسه فى استقطاب العامة والاقنان والعبيد فيما يشارف ثورة مضادة كحركة عبد الله بن سبأ مرة، وعبر بعضها الاخر عن نفسه فى كونه ثورة على السلطة القائمة مرة اخرى. ولعل عبد الله بن سبأ اول من تعين على الثورة المضادة تحت راية الامر بالمعروف والنهى عن المنكر. فقد كان الاخير أول من حرض على ونظم ثورة مضادة على خليفة راشدى وبادر بتسييس الاسلام واستعدى ولاة الامصار و"العامة" على الخلافة مثلما فعل من بعد الملاحدة والزنادقة والخزمية والراوندية والخوارج وتنويعاتهم على مر الخلافات الرشيدية والاموية والعباسية والفاطمية والايوبية الى المماليك والخلافة العثمانية فالاندلسية وصولا الى لورانس العرب نيابة عن أو باصالة جماعات مشبوهة. فقد استغل عبد الله ابن سبأ قولة حق اريد بها باطل، فأطلفها دعوة متخاتلة بـ "الامر بالمعروف والنهى عن المنكر" لاثارة الفتنة مثلما تثار الفتنة باسم الدمقرطة والحرية وغيرها من مدلسات قاموس عولمة الاذعان للرأسمالية ما بعد الصناعية ومشروع القرن الامريكى الجديد مما يلاحظ تنويعاته اليوم فى كل مكان مزاودة على اى جماعة أو خطاب بديل.
هذا وحيث كانت جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قد انتحلت لنفسها منذ خلافة عثمان الراشدية وربما فى تنويع على نظائر باكرة من الثورات المضادة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد لنفسها صفة الحركة الشعبية تكاذبا فقد خصمت تلك الحركات ومنها بعض الطرق الصوفية على مناطق نفوذ الدولة الفيزيقية الجعرافية. كما تخصم تلك الحركات على سطوة الدولة المركزية والنيل من الدولة المركزية على مر تاريخ الدولة الاسلامية منذ القرن الرابع الهجرى على الاقل. وفيما كانت تنويعات على الطرق الصوفية قد نشأت دون ان تعلن عن نفسها بهذا الوصف فى الخوارج والاباضية والمعتزلة ونظائرها خصما على الخلافات الاسلامية فقد نشأت نظائر "محدثة" بين جنبات ما يسمى بالدولة "الحديثة" فى المنطقة العربية والاسلامية فعبرت عن نفسها فى ظاهرة الاسلام السياسى. ذلك ان الاخير كان قد نشأ فى ثلاثينات القرن العشرين على الاقل بوصفه تنويعا على المطالبة بحق تقرير المصير. وكان حق تقرير المصير قد روج تخاتلا من اجل تيسير قيام دولة اسرائيل وليس من اجل عيون العرب او المسلمين. المهم ازعم ان الاسلام السياسى كان حريا بان يشارف طائفة يقوم عليها قطب او شيخ طريقة تقف بدورها كنظائرها التاريخية خارج الفضاء القانونى للدولة المركزية Central State Jurisdiction وفى صراع معلن او خفى معها. وقد تنافست معظم حركات الاسلام السياسى وما تبرح مع الدولة والقبيلة والاحزاب السياسية الطائفية وغير الطائفية على الاتباع و"المريدين". الا ان الاسلام السياسى لم ينفك ان تبرأ من سلالة الصوفية وناصب بعض الحركات الاسلامية الاخيرة العداء او-و تستر على نسبته اليها مثلما فى السعودية. على انه من المفيد تذكر ان الطبقات الحاكمة وحلفائها من بعض الاعراب الاستثنائيين المذكورين فى مكان اخر كانت تعمل بدورها على تحريض جماعات مشبوهة بدورها مثلما رأينا فى الخلاقة الايوبية مثلا.
أعادة ترتيب الاحداث بمادة التاريخ المسكوت عنه او الخام:
قال احدهم ما معناه ان محض تعين بحث ما على ترتيب الاحداث ان هو بحد ذاته امرا جديرا بالاعتبار. وتطمح هذه المجادلة فى اعادة ترتيب احداث مجتمع سودانى استضاف كغيره رحالة ومسافرين عابرين ومكتشفين ودعاة ومبشرين بعقا\د كريمة او-و مشبوهة اخرين توطنوا وجعلوه ملكهم منذ بدئ التاريخ المكتوب والمسكوت عنه. وتأخذ النجادلة السردية الفونجية نموذجا فتحاول اطلاق سراح سردية تبدو وكأنها بقيت تحدق بكل باحث-ارهقه كاهل المنهجية الغربية-و قد تخاتلت الاخيرة من وراء زوايا واركان النص المتحذب. وتصدر هذه النجادلة عن شروح على متون التاريخ الرسمى وعلى غير التاريخ غير المكتوب والمسكوت عنه لاعتاق السردية المحلية من مغبة الاضطهاد الثقافى الذى يوقعه التحذب بلا احتشام. فالتاريخ الرسمى تعاد كتابته وتنحت قسمات وجوه حكامه فوق الحكام السابقين كما وجوه عائلة اختاتون فوق وجوه اسرة امنحاتب الثالث فى معبد ادفو وبروفيل السادات فوق وجه ناصر على الشاهد البرونزى على السد العالى وهكذا كما فى كل مرة بحيث قد لا يزيد التاريخ الرسمى على البيان الاول لمجلس قيادة الثورة. وتتعشم هذه المجادلة فى اعادة تعريف وربما نحت مفردات تيسر التعرف على فاستهلال قسمات السردية الفونجية. وربما قيض تحقق ذلك العشم المنهجى فك اسر السردية الفونجية من المفردات البائرة واعتاقها من الاطار الفكرى-البراديجما-البائنة التى حبسها بعض الباحثين فيه. ورغم ان تلك البراديجمات تبدو وكأنها تجدد نفسها فصليا الا ان البراديجمات المذكورة لا تزيد على تدوير نفسها مجددا Re-cycles itself a new فى كل مرة مع تعاقب فصول دورة المال والمراكمة. ففى زمان الاكاذيب وأنصاف الحقائق يتخصص بعض العلماء والخبراء والكتاب ومعظم السياسيين فى التكاذب اخفاءا لجريمة التنكيل بالحقيقة والتمثيل بها وتقطيع اوصالها to dismember the truth. فالافضاء بالحقيقة كاملة يغدو بمثابة الخطيئة المميتة بحق الرأسمالية مثلما كانت دائما تجديف بحق الآلهة او-و الوقوع فى مغبة النظرية التآمرية مجانبة لاحبولة ما يسمى ب "الصواب السياسى" .Political Correctness فما علاقة الاخيرات بمنهجية البحث وبأثر الرحالة ومن اسميهم الاعراب الاستثنائين والمكتشفين والغواريين والتجار الصوفيين على مجتمع الفونج؟
تعالق تاريخ وادي النيل الاسراتى والبدو خصما على المستقرين:
حيث ينسب تاريخ الحضارة الوادى نيلية بالكامل الى سيرة مينا-أقدم واهم البدو الرحالة التاريخيين-الآتى من جبال وادغال القرن الافريقى حيث ترعد السحب ولا تمطر ليوحد الوجهين القبلى والبحرى ويجعل مينا من طيبة عاصمتة فى 3000 قبل الميلاد الا ان توحيد الوجهين القبلى والبحرى يعمش على الوجهين المذكورين وكأنهما لم يوجدا قبل توحيدهما فيغدو تاريخ وادى النيل تاريخ ملوكهم وينسب الملوك "الاعراب كالهيكسوس مثلا" انفسهم الى الالهة ويغدون انصاف الهة وصولا الانساب السلطانية والشريفية حيث اتصل نسب الفونج بالامويين بقدرة قادر حيث لم تنفك الانساب السلطانية الفونجية ان باتت بليل أموية(6) ما ان اتصل نسب العبدلاب بالعباس(7). وكأن شعوب وادى النيل لم توجد ويبدأ كل شئ فى كل مرة كعلامات المرور مناويل تصدر عن حلول فرد أو هبوط جماعة مترحلة اعرابية استثنائية غالبا على وادى النيل. ولا ينتج الاخير شيئا الا ما خلا رد الفعل على ذلك الحلول سواء ايجابا او سلبا اذ لا يملك الناس سوى انتظار المهدى او المخلص فى كل مرة.
محاولة في المنهجية: تعريفات اجرائية محورية كمحصلة للمادة الخام:
بقدر ما اثرت مناشط الدعاة والمبشرين والصوفيين وبعض موجات التجار الرحالة-رغم ان وربما بسبب كون بعضهم يعود الى البدو والاعراب-فى التاريخ عامة وفى تاريخ المنطقة العربية والاسلامية منذ نهاية عهد الخلفاء الراشيدين فلعل افراد ومجاميع اؤلئك الاقوام كانت حرية بان تنتمى تنظيميا بنفس القدر الذى انتمت فيه اثنيا الى تنوبعات محددة من "القبائل أو "الطبقات. وتحاول هذه النجادلة التعرف على تلك القبائل والطبقات بوصفها:
أ-اعراب قيض لفبائلهم وبطونهم وطوائفهم حسم صراعاتها وحروبها الاهلية. فقد بقى من اعرفه ب"الاعراب الاستثنائيون" على الخصوص يجد صعوبة فى حل مشاكله على مر التاريخ الشفاهى المتوارث وغير المكتوب خاصة. الا ان بعض الاعراب الاستنائيين لم ينفكوا ان تيعنوا على تصفية حساباتهم فى حروب اهلية وبناء مؤسسات سلطوية وتراتبات طبقية تخصهم هم قبل ان يحلوا بين ظهرانى المجتمعات المضيفة المستقرة مثلما فعلت قبائل اعراب وسط اسيا من الهيكسوس الى الانكشارية اللذين اطاحوا بالامبراطورية الرومانية- عكس ما نسب الى القبائل الجرمانية-البربر يخاصة وصولا الى بعض قبائل السودان المتاخمة للمراكز الحضرية الكبرى مثل الدامر وشندى وسواكن على ايام عز الاخيرات حتى عشية القرن التاسع عشر.
ب-اما اعراب الجزيرة العربية أى العرب فقد بقوا وقد استغرقتهم ثلاث حروب اهلية على مدى 80 عاما قبل ان يستقروا ليؤسسوا دولا وامبراطوريات الخلافات الاسلامية البازغة المتعاقبة. وتقول باتريشا كورن أن العرب اشعلوا حربا اهلية لغاية انشاء تنظيم سلطوي واخرى لتكريس الاخيرة وثالثة لم تنفك ان اثبتت ان التنظيم السلطوى بات زائدا عن الحاجة(8). ومن ثم يصح القول بان العرب كانوا حريون- مثلهم مثل مغول الصين- بان يهبطوا فضاءات الفتوحات والتوسعات الجديدة وقد عصمهم تجانسهم الثقافى الاثني. فلم يكونوا بحاجة الى تنظيم المجتمع الاسلامى على هدى خطوط اثنية. على انه رغم ان الشعبين يملكان خصائص ثقافية واثنية متجانسة مما قد ييسر تنظيم المجتمع اثنيا الا ان الاثنين قد يختلفان كثيرا. وقد نجح المغول فى تأسيس أرستقراطية مغولية سابقة على الفتوحات. ولم ينفكوا ان الحقوا الصين وغيرها بتلك الارستقراطية. وقياسا وظف عرب الجزيرة العربية تجانسهم الاثنى فى الاحتماء بمدن القلاع وكأنهم فى مدن الجزيرة العربية وقد احاطت بها البيداء والاعراب الاستثنائيون. هذا وكانت مدن الجزيرة العربية وغيرها من عواصم الاسلام الشرقية على الخصوص كبغداد والقاهرة حرية بان تبقى نائية على نحو لا يؤلف ملاذا او يطرح مسألة "عودة" للعرب والمسلمين اللذين ترحلوا بعيدا عن المواطن او حتى المضارب الاولى للبدو والاعراب التقليديين تفريقا لهم عن الاستثنائيين. ذلك أن، المدن المذكورة والبيداء التى تحيطها باتت فضاءا نائية. فقد بقى البدو والاعراب التقليديين يترحلون فى مسارات دائرية تعود بهم الى مراعيهم ومسايلهم أى فى منوال الدورات الشتوية والصيفية فى كل مرة من ناحية. ومن ناحية اخرى لا يمارس الاخيرون الترحال المغامر خارج اوطانهم الاصلية الا بقدر ما قد يتبعون المرعى والمسيل مما قد لا يقودهم وحسب الى ما هو لا يبعد بعيدا خارج حدود بلادهم السياسية-الملفقة على كل حال.
وقياسا فرغم ان عواصم الخلافات الغربية مثل قرطبة وغرناطة لم تكن نائية نظرا لقربى الاندلس من شمال افريقيا الا ان تلك المدن بقيت تصدر- مثلها مثل مدن العبدلاب والمجاذيب وقراهم الصوفية من شندى والدامر وسواكن وغيرها-عن عزلة منوالية عن محيطها مما ازعم انه كان واحدا من عوامل تيسير اجتياحها. ومع ذلك ينبغى الاستطراد فى بعض العوامل الاخرى-مخلفين ما قد لا يسمح به حيز الورقة. فقد كانت عوامل اخرى حرية بان تؤلف مصادرة على مطلوب اثبات زعم ان العزلة كانت وحدها وراء ما شارف تفكك المدن الدول الاندلسية. فقد كانت سلطة الدولة السفيانية مثلا قد بقيت قبلية حتى فى قلب متروبوليس امبراطورى وقد كرست جاهزية او استحالة استدعاء الحواضر القديمة مثل المدن الاحدث مثل بغداد والقاهرة كونهن نائيات على نحو يستحيل معه الاستمرار فيما بعد فى اعتبارهن قواعد قبلية للسوفيانيين(9)، ولعل واقعة مقتل عثمان حرية بان تؤكد مثل تلك الفرضية(10) .
الرحالة وتنويعات شائعة عليهم:
يتمثل الرحالة فى نماذج منها المبادر بالسفر من اجل المعرفة ومعظم المفكرين والمؤرخين والعلماء المسلمين والعرب من ابن سينا وابن رشد واين خدلون الى رفاعة الطهطاوى الخ مشافر من اجل المعرفة وقد يكون من اجل البحث والرزق ومنهم من اجل الارتزاق واخر من اجل الحج وزيارة الاماكن المقدسة وغير المقدسة. ولعل معظم اؤلئك الرجال بادروا باكر بما يسمى العولمة. فقد كان بعضهم كالطيور المهاجرة ومنهم من كان يحمل اخبارا وحكايات عوالم بعيدة. وكان معظم الرحالة الغربيين المحدثين نسبيا: تجار ومضاربون واجراء لدى كل من اصحاب اسهم شركات الاكتشافات البازغة من ملوك وملكات مثلما كان الكابتين جيمس كوك مثلا فى 1771 شبه موظف لدى الملك الذى سمح له بقيادة الباخرة HMS Endeavour ليبحر الى جنوب المحيظ الهادى فيجمع فصائل النبات والطير والبشر ويدرس الناس وعاداتهم عبر جزيرة جافا حنوب غرب الجزر الاندونيسية. وكانت شركات الهند الهولندية بدورها قد استقرت وهيمنت على تلك الجزيرة باكرا لتقوم بمشاريع مماثلة جراء نشاط مغامرين ورحالة وكشافة يسبقو اساطيل والجيوش الاستعمار والتوسع الامبراطورية.
ولفهم الابعاد الحقيقية والغايات الموضوعية للرحالة ابان القرن الثامن عشر فمن المفيد تذكر أن الرحلات اللاحقة لاكتشاف العالم الجديد كانت حرية بان تتمثل فى مناخ التنوير وكأن الاخير حافز عليها ومبرر لها رغم مقولات وشعارات العصر الانسانوى الذى سبق او تساوق والتنوير وانفرز عنه تخاتلا. فلم تكن رحلة الكابتين جيمس كوك وزميله الفرنسى الادميرال بوجانفيل Bougainville سوى بداية تصدير صراعات الدول الاوربية الى تلك الاقاليم التى ما انفكت ان تعينت على تقسيم العالم فيما بينها على مر 015 عاما(11) .
وإن كانت هذه المجادلة قد سعت لطرح شئ فهو انها حولت توسيع مفهوم الرحالة وتعريف فئات من الاعراب والبدو كونهم اقوام مترحلة بخاطرها او-و تذرعا. وقد لاحظ البحث مجددا أن المستقرين والبدو وبخاصة الاعراب يتبادلون خصومة دائمة تتجدد كلما شحت الموارد او-و لان الاعراب يريدون لتلك الخصومة ان تبقى مما يبرر عدوان الاعراب الاستثنائيين على المستقرين عبر التاريخ المكتوب والمسكوت عنه فى كل مرة. وفيما يتصور المستفرون انهم اصحاب التاريخ المكتوب كونهم يكتبون تاريخهم الا ان الاعراب ومن اسميهم بالاعراب الاستثنائيين اؤلئك اللذين يرفضون الاستقرار ويستقرون ان استقروا بالتكل By Default وحسب وهم اللذين سجلوا تاريخا بقى مسكوت عنه متستر ومتخفى عنه غالبا وخصما على المستقرين. وهذه الفرضية هامة فى تحليل اهم الاحداث والظواهر من القدم وحتى اليوم فى تنويعات على تلك الاحداث والطواهر التى يثتمثل بعضها فى استعداء المستقرين لنهب ثرواتهم وفى الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية والخبراء والمستشارين وممثلى المنظمات الدولية الخ باسباب وذرائع للتسللل الى المستقرين فالاقامة بينهم وجيزا بالتنكل من ثم والخروج بعف. يبرر الخروج العنيف لتلك الكيانا مبررا ناجرا ونجددا للاغارة على المستقرين مجددا وهكذا فى كل مرة. من بحص من جزئبن بحث بالبرتغالية والانجليزية شاركت فيه حول مفهوم الرحالة والمكتشفين والمبشرين والمغامرين بوصفهم تنويع ظاهرة ما اسميناه الاعراب استثنائيين وهى مفردة نحتت كفائض انتاج الدراسة الم1كورة وصولا الى تعريف اجرائى لظاهرة اغارة الاخيرين على المستقرين بصورة منوالية عبر التاريخ.
مفهومات بديلة للمصطلح النمطى للرحالة النبيل:
اجادل فى هذه المناقشة ان الرحالة والمكتشفين غالبا ما يتوزعون بين الباحث عن الذهب او ما يسمى صياد الكنوز وبين "الباحث عن الطريق" وكأنه حاج الى بيوت الله وغاية الاخير ومبتغاة بلوغ سفارة يعقد بها صلات بين شعوب البشرية. وفيما يتعين صياد الكنور على فلصفة-من الفالصو-الفوارق بين الشعوب ويثابر على تكريس تنافضاتها ونقائص بعضها تبريرا لنهبها يسعى الرحالة "النبيل" الى فهم تلك الشعوب وتكريس فضاءات تبادل تلك الشعوب فيما بينها من اجل اغنائها. وتزعم هذه النجادلة أن ظاهرة الرحالة كانت حرية بان تعبر عن نفسها فى تنويعات بين رحال Traveller مكتشف Explorer وغوارى وجواب itinerant جواب افاق wondererومسافر ومغامر وتاجر وصوفي وداعية فوق تراب السودان القديم والحديث نسبيا بوصف الاخير مجتمعا مضيفا. وقد مر بعضهم مرورا وبقى آخرين مؤقتا واستقر أخر. فقد كان السودان معبرا عظيما للمسافرين منذ مينا موحد الوجهين القبلى ومؤسس الاسرة الاولى من الممالك القديمة 2925-2775 قبل الميلاد تقريبا أو تكاذبا تعين عليه علماء اثار ومكتشفين امثال هاوارد كارتر 1874-1939. وقد بقى السودان ذلك المعبر العظيم من كل مكان الى كل مكان من القارة الافريقية وما ورائها وما يبرح السودان معبر الحجاح الى مكة وطالبى العمل والمحتمين من المخاطر من الجنوب والغرب على الاقل. ولم يقيض لتاريخ السودان رصد معظم تلك الرحلات الفردية والجمعية الا بقدر ما تجاوز معظمها او-عمش بعض المؤرخين على طبيعتها واثرها وبخاصة على تداعياتها واحيانا مغبتها على السكان الاصليين. فقد كان بعض تلك الرحلات والزيارات حريا بان يترك اثارا باقية لم يقيض للبحث بعد استبصار اصلها ومرماها او-و تحاشى ذلك. على ان تلك الرحلات وموجات هجرة المسافرين المغامرين والغواريين والمكتشفين تركت بالمقابل اجزاء ثقافية اضفت على قسمات السودان تمييزا وتعددا وغنى بلا مثيل- الا ما خلا الولايات المتحدة ربما سوى أن الاخيرة لا تملك ادعاء اصالة تاريخ يعود 300 الف عام قبل الميلاد(12) .
تشارك حصاد الدعوة والتجارة واالترحل واتساع فضائه الفيزيقى والحضارى:
ومما يمييز الفضاء السودانى الذى اجتازه معظم الرحالة واستقر فيه ان ذلك الفضاء يتسع فيزيقيا وحضاريا من القرن الافريقى الى الجزيرة العربية الى البلفان وصولا الى افغانستان-و بلاد الاكراد والمجر– ثمة اسماء عشائر وقبائل-قبيلة الماجآراب Mag- Arab مثلا وهى قبيلة ذات اصل مجرى من شرق السودان-و مدن سودانية فى الشمال والوسط تستدعى صدى واخيلة نظائر من الشرق وعبر البحر الاحمر واخرى من جنوب شبه الجزيرة العربية واليمن ل "صغر حجم الفاصل البحرى .. ووجود موانئ طبيعية فى الشط الافريقى". فقد كانت "السواحل المواجهة لليمن بشرق افريقيا تعيش بيئة عربية واحدة ما بين القرنين العاشر والسابع قبل الميلاد" وكان الطريق البحرى للتجارة قد نشط "منذ القرن الثانى قبل الميلاد بين اليمن وحضرموت وشرق افريقيا". وقد بدأت الهجرات "و تصاعدت ما بين 1500 الى 3000 قبل الميلاد فى عهد دولتى معين وسبأ حتى وصل وادى النيل فتحكم العنيون والسبأيون-و ليس السبئيون-بتجار البحر الاحمر وفى القرنين السابقين للميلاد عبر الحميريوين وبعض الحضارمة البحر الاحمر واستقروا فى الحبشة وتوغل بعضهم حتى بلاد النونة وصاهر قبائل البجة". ويدعى المؤلف المذكور ادناه ان المعنيين والسبأئيين جاؤا السودان "و علموا الوطنيين استعمال المعادن وانظمة متقدمة فى الرى والزراعة وانماط جديدة للنظام الجماعى وفى الكتابة كما ادخلوا نباتات جديدة واحضروا معهم حيوانات مستأنسة"(13).
وفى اتصال ذلك الحراك الفيزيقى والحضارى يقال ان الطريقة الادريسية وصلت قبائل البجا شرق السودان من اليمن حيث اتصلت السيرة الصوفية بين البلدين وقد درس المجذوب الصغير حفيد المجذوب الكبير موسس حركة المجاذيب فى السودان وابراهيم الرشيدى صاحب الطريقة الرشيدية فى السودان" فى اليمن(14) . وقد جائت اجزاء ثقافية من عمان منذ الاصحاح القديم ومملكة بلقيس. وثمة تقاليد وعادات تعود الى جنوب شرقى اسيا والى الصين والهند ومنغوليا والقوقاز وتركيا وكردستان والبوسنة والهرسك الى شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة ايبيريا وشمال افريقيا وافغانستان وكردستان وتركيا وشمال افريقيا ومصر بالطبع والتطبع. وقد تركت تلك الفضاءات النائية وشعوبها اثارا بادية على قمسات السودانيين مما راح معه الفرد السودانى الشمالى يتعرف على نفسه به بوصفه احمر اخضر اصفر ازرق. ويحمل كل من الوان الطيف تلك معه تداعيات حمولات من رموز وايقونات تاريخية وثقافية كما تستدعى تلك الحمولات فوق كل شئ امتيازات فارقة تصدر عن اسبقية الحق فى التوطن او الاستقرار Right of prior settlement (15)وقد تكون الجلباب والعمة والطاقية والثوب السودانى وطقوس الزفاف والحناء والبخور والفركة والسلم السباعى فى الموسيقى الى الجاموس البقرى والساقية والشادوف التى ادعى البطالمة انهم ادخلوها الى وادى النيل مع الاسرة ال 31 قد جاء بعضها او معظمها من الصين ومن منغوليا والقوفاز عبورا بشبه القارة الهندية وبالجزيرة العربية واليمن ومن شال اقريقيا الى السودان. ومن الشمال جاءت السودان اسماء مدن وطرق صوفية وشيوخ طرائق وتقاليد مزارات وثقافة قباب اولياء وأول مسجد فى النوبا المسيحية باكرا. وكان تجار المسلمين المتجولين قد تعينوا منذ القرن التاسع على اقامة مسجد لهم فى النوبا المسيحية تيسرا لعبادة التجار المسلمين العابرين وتكريسا لسيادة الاسلام من على البعد على النوبا المسيحية باكرا.
وقد تواترت اثار الاسلام على بلاد النوبة عن طريق التجارة والخراج للخليفة فى قاهرة المعز مثلما كان للخليفة فى بغداد بدوره جعل سنوى من الرقيق السودانى مما يكون قد عبر عن نفسه فى ثورة الزنج 869 883. وكانت الجماعات التى قامت بالاخيرة استقلت ذاتيا –مثلما فعل الهمج- فحكمت نفسها عشر سنوات خارج اعتبارات السيادة القانوينة للدولة المركزية فى بغداد. وقد يمكن اقتراض ان ثمة علاقة تناسبية بين اوقات الشدة التى كان حلول بعض الجماعات المترحلة غالبا تخلق شرطها وبين الهجرات الطاردة centrifugal بعيدا عن مركز السلطة النابذة او عند حواف السلطة الخراجية المركزية تعبيرا عن الضغط على موارد الداخل والانكماش والقحط وسقوط المحاصيل والجفاف المنوالى والفيضانات العارمة الخ، وقياسا كانت الهجرة نحو الدولة المركزية centripetal migrations تعبيرا عن كل من وفرة المركز أو-و تقلص فائض انتاج الهوامش. ومن ثم فقد تترجع هجرات الاهالى امام موجات الرحالة والمهاجرين من الخارج بعيدا عن مراكز السلطة المحلية والمركزية القائمة. فهل ثمة علاقة طردية بين خراج بقط النوبة السنوى لوالى مصر فى شكل رقيق وثورة الزنج فى بغداد ياترى؟ هل اثر السودانيون نوبا ومحدثن فى احداث الجوار بالهجرات العنيف ةو الرحلات والاسفار الفردية والجمعية؟ الم يؤثر مينا حواب الآفاق فى وادى النيل وفى اليونان. وهل لم يترك بيانخى الجنرال التوسعى العظيم فى فلسطين وبلاد الشام باكرا؟
من المفيد ملاحظة ان "السودانيين" كانوا بدورهم قد اثروا برحلاتهم المزعنة غالبا فى فضاءات اتسعت من بغداد الى المكسيك باكرا.حيث حارب السودانيون غواريين فى صفوف الحملة المكسيكية فى حروب نابليون بقيادة الامير عمر طوسون فى ستينات القرن التاسع عشر the 186O's Mexican Campaign وسافر السودانيون محاربن فى صفوف قوات العراق وايران ابان حرب الخليج الاولى وافغانسان بصفوف العرب الافغان الى جوانتانامو حيث الرجل الآتى بدوره من الجبال(16). فليس ثمة فعل بدون رد فعل. ولا تأت ظاهرة من فراغ ولكل شئ ثمن. وقياسا هبط التجار الصوفيون الجوالون الفضاءات البينية عند حواف المدن الدول والمقاطعات القبلية المسيحية الفونجية نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس عشر. فبعد سبة قرون من معاهدة البقط ( ترجمة Pact ( وثورة الزنج تعين تجار صوفيون او غير صوفيين على اكمال ما كانت معاهدة البقط قد بادرت ببواكير قسماته على تحقيق أسلمة الشرائح السلطوية لسلطنة الفونج. وكانت اسلمة الفونج قد قيضت اكثر ما قيضت للتجار الصوفيين بالتجارة بالوساطة بين ملوك القبائل المسيحيين وبعضهم وبينهم وبين شعوبهم. كما كانت قد قيضت بما اسميه الهزيمة بالزواجconquest by marriage وما يعرفه استاذنا الجليل حسين مروة ب " معاهدات الانطفاء"(17) هذا وازعم وساطة الصوفيين بين ملوك القبائل المسيحيين وبعضهم وبينهم وبين شعوبهم الفت سفر تكوين ثقافة ما يسمى بالاجاويد-بمعنى توسط الاعيان فى حل المشكلات وكفى المؤمنين شر القتال. وان تلك الثقافة كانت حرية بان تحيد السخط الشعبى وتستبق الصراع الطبقى بخلق شرط انتفاء الحس الطبقى وكاننا امام نظائر معاصرة تعبر عن نفسها فى مفاهيم حزب العمال الجديد والمحافظين الجدد والليبراليين الجدد من مثل مفهوم الامة الواحدو والمجتمع الكبير الخ . ولعل مفهوم الاجاويد بات من يومها سمة من أهم سمات دبلوماسية السلطة فى السودان. ومن المفيد تذكر ان تلك السمة كانت وظيفة احتباس الصراع بين شرائح السلطة القائمة فيما بين اعضاء الدائرة العليا للتك الشرائح. كما انها افرزت بدورها احتباس الصراع فى السماوات العليا للطبقات الحاكمة كون الاخيرة بقيت عازية وغريبة على شعوبها على نحو ملحوظ-و داخل الدائرة الضيقة لشرائح السلطة. وقد اتصلت تلك الثقافة بين معظم الاحزاب السياسية سواء حاكمة او معارضة وصولا الى ايام الاحزاب ومنذ عهد الاحزاب.
فما هى مغبة الرحلة على المجتمع المضيف فتعريفها اجرائيا؟
تنزلت رواسب ثقافات الرحالة والعابرين والمتوطنين تذرعها و-او اللذين استقروا مؤقتا والمكتشفين والمغامرين الخ فى الادب والفن الشعبى المضيف فوسع الاخير الدنيا وما عليها. فان لم يقيض للفولكلور المضيف ان يجمع ويسجل رسميا بالقدر الكافى الا ان ما جمع منه وسجل ما ينفك باهر وعجيب فاخيلته وتجلياته تعود الى ذواكر تصدر عن ازمنة بعيد امتدت طويلا فى التاريخ وفضاءات وسعت اجزاء كبيرة من العالم القديم. ومن فضائل مثل هذا الفولكلور او تلك الذاكرة الشعبية العنيدة أن أى عملية انتقائية selective تميرية تكاد تعجز عن ان تطال تلك الذواكر أو تملك انغلتها to bastardise-من نغل –رغم وربما بسبب موجات الغزاة والعابرين والمقيمين ضيوفا او سكانا. فلم تؤنغل الهجرات القديمة ولا نظائرها الحديثة الضيفة والمقيمة الواسعة الآتية من غرب افريقيا ووسطها التراث الشعبى المضيف ولا اثننته باثنياتها. بل العكس سودن التراث الشعبى المضيف الغزاة والرعاة المترحلين والعابرين. فليست مصر وحدها التى بقيت تمصر الغزاة منذ اسرة الملوك الرعاة الثامنة عشر وانما هو السودان الذى سبق ممفيس وحتى طيبة الافريقية الجنوبية السوداء بمئات الاف الستيين فى المثابرة على اجترار صلابة ازاء الانغلة. وهو الذى كان حريا بالمقابل ان يسودن-يؤفرق-مصر منذ الاسرة الاولى الى الثامنة عشر فالثالثة والعشرين والخامسة والعشرين وصولا الى البطالمة. فقد كانت النوبا علم علي حضارة وادى النيل ورموزها حتى نهاية الامبراطورية الرومانية. وقد استعصى كل من اخناتون وتوتعنخ امون اكثر من اى ملك راع اخر على الانغلة رغم المثابرة المتمركزة اوربيا او غربيا او مصريا ومن ثم على فلصفة Falsify-من الفالصو-تاريخ وادى النيل الاسراتى. المهم فورا هل كافة الرحالة نبيل غايته معرفة احوال الشعوب ومراكمة معارف انسانية؟ ام ان ثمة تنويعات على ذلك الرحالة والمهاجر دوما بخاطره الرافض للاستقرار بعناد الاعرابى الاستثنائي الذى يعمل لمصلحته وفى جيبه اجندة تخصه وتدل عليه؟
استعصاء السودان على أحندة الدعاة والرحالة النببل والرحالة القرصان صائد الكنوز:
تتأمل هذه المجادلة سلطة الفونج كونها تعبير عن أهم واحدة من احدث التجليات النسبية لمجاميع الرحالة والمقيمين والعابرين والمكتشفين والتجار والصوفيين وغيرهم وتحاجج فى بحث أوسع ان الفونج كان تنويعا على مناخ وقراة فى سفر تكوين الاحزاب السودانية الفطير مما تأثر بكمياء ظهور الشيعة والخوارج والمعتزلة الى ما بينهما من احزاب المرجئية على اواخر عهد العباسيين، وكانت الاخيرة حرية بان تنذر بنهاية الدولة العباسية البازغة رغم ازدهارها وتألقها وربما بسبب ذلك كمثل ما يفيض الغدير قبل ان يغيض. وثمة تنويع على نفس اللحن العباسى عبر عن نفسه مع نهايات الخلافة العباسية من ظهور جماعات اثنية عند حواف الدولة المركزية وهجرة السكان خارج دائرة الاخيرة الى تفاقم الاختلاط بين اجناس جديد وفورة فكرية وتنظيمية مثلما حدق مع نهايات الفونج على اواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. فكما عبر التنويع التعددى والثقافى والتنظيمى عن نفسه بدوره فى الفونج ابان دخول الاسلام السودان الشمالى فى القرن السادس عشر وبخاصة الثامن عشر تباعا فى "اختلاط عناصر عديدة .. حملت معها معتقداتها ومبادئها وافكارها"(18) فقد حلت ظواهر مماثلة فى الفونج ابان نهاياته فى نهاية القرن الثامن عشر بداية القرن التاسع عشر.
فقد كانت موجات الرحالة والمكتشفين والمبشرين والمغامرين والتجار الغربيين هذه المرة قد عبرت عن نفسها فى احلال شرط سقوط السلطنة فى بداية القرن التاسع عشر. وكان بعض الرحالة والاعراب الاستثنائيين وعناصر من الغواريين الخ يستقر وكان بعضهم يتواطأ فى اجتياح مجتمع الفونج ناشطا فى تكريس عمليات تشطيره. وكان اخرون يحومون عند حواف السلطنة وكان غيرهم يكاد لا يستقر الا بقدر ما يتحين فرصة الرحيل مجددا وقد تحققت مآربه كما فى كل مرة وهكذا. وكانت طواقم قيم معظمهم تكاد تشارف الاستهانة بالسكان الاصليين وقد تبدو عنصرية جراء صلافة بعضهم وبخاصة غير العرب منهم مما كان حريا بان يتنزل ولو بالتماس الى طواقم قيم من عداهم. فما هو التعريف الاجرائي لاهم الظواهر التى أحلتها جماعات التجار الصوفيين والمبشرين والرحالة اللذين هبطوا السلطنة الفونجية صبيحة سقوط الاندلس؟ وهل ألفت بعض الاحداث الكبرى مكونات من قسمات أسملة الفونج؟
عنصرية التاريخ الرسمى وسمات الوطاويط التشريحة:
كانت عملية اسلمة الفونج رسميا قد تساوقت فى غضون 6 وسنوات وحسب وسقوط غرناطة كما تعاصرت تماما وما سمى ب "الكتشافات الجغرافية الكبرى". فقد قيضت الاخيرة بقدرة قادر فى نفس العام الذى سقطت فيه غرناطة. وكان كريستوفر كولومبوس الايطالى المولد-و يرجح انه من عائلة يهودية اسبانية-بمعنى اندلسية- ادعى الانتساب الى البرتغال التى لم تنشأ بهذا الوصف حتى القرن الحادى عشر(19)، وقد عرف بممارسة اعمال القرصنة منذ سن الرابعة عشر ثم قد تنصر. ليس صدفة ان كولمبوس كان يشاهد عند شواطئ البرتغال وفى جيبه كتاب الادريسى العالم الجغرافى الكبير طوال الوقت قبل بداية واثناء رحلته الى "العالم الجديد". ولم يكن ذلك العالم جديدا بل كان "مكتشف" سلفا بسكانه وببعض الرحالة النبلاء بقرينة كتاب الادريسى، ويعتقد ان الفينقيين-ابناء عمومة القرطاجيين خصوم روما الالداء-قد سبقوا من عداهم من العالم القديم فى الهبوط على شواطئ ما يسمى ب"العالم الجديد" يوم كانت روما محض قرية بأكواخ من الطين والخشب.
وبغض النظر عن دور العرب والمسلمين فيما شارف "الاكتشافات الكبرى" فان خبايا جديدة ترفع حتى لا يكاد يبقى معها مجالا للشلك فى ان الصينيين كانوا قد سبقوا كولمبوس الى "اكتشاف العالم الجديد" حيث كانت السفن الصينية تمخر البحار وترسو عند موانئ واطراف الارض لجمع الخراج من الاوربين المسيحيين "البرابرة". ويقول دليل حركة الملاحة الصينية ان الصنيين هبطوا شواطئ العالم الجديد قبل "الاكتشافات الجغرافية الكبرى" بقرن تقريبا. فقد قام رحالة فلكى بحار صينى مسلم من اصل منغولى باول رحله فعبر المحيط الهادى الى "العالم الجديد" منذ 600 عام. وكان رحالة ومغامرون وقراصنة ككريستوفر كولومبوس وماركو بولو وفاسكو دى جاما وقباطنة سفن شركات الهند الغربية وغيرهم من صيادى الذهب والكنوز يقومون برحلات الحملات التوسعية فاخضعت القوات الاوربية الغربية وبخاصة البريطانية شعوب شبه الجزيرة الهندية ونهبت كنوز ابناء واحفاد جينكيز خان وتيمور لنك وكانا مغول من أصول صينية حكما شعوبا مسلمة وعربية.
وقد تعين كريستوفر كولومبوس مثله مثل مكتشفى امريكا الجنوبية الكونكيتسادوريس Conquistadores الاسبان والبرتغال وابنائهم واحفادهم على ابادة معظم السكان الاصليين ل ألعالم الجديد" فى الامريكيتن وبخاصة امريكا الشمالية وكندا وامريكا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندا بدرجات المقياس وتدمير ثقافة السكان الاصلين وتحطيم شواهدها الحجرية وتذويب رموز عباداتهم الذهبية والفضية وحلمها الى اوربا بصلافة الجهل والعنصرية. فقد عاد اؤلئك المغامرون بحصاد عنصرى يجأر بالتفوق الغربى العرقى ودونية من عداه بمغبة القضاء على كل شاهد حجرى او ذهبى او رمزى على ومن يومها تكرست على ثقافة وتراث السكان الاصليين. فقد ثابر اؤلئك الرحالة على تهشيم أنوف كل تمثال وحجرى فى طريقهم قضاءا على ملامحها فتعميشها. ولعل الكيفية التى تفعم بها ارواح الاوربين الغربيين ضغينة على او هوسا بانوف اعدائهم ورموزها من انف تماثيل الصينين والسكان الاصليين فى العالم الجديد وغيرها الى انف ابى الهول جدير بدراسة منفصلة لعنصرية التاريخ الرسمى الغربى وتمركزه الجنسانوى(20). المهم وقياسا لم تكن الرحلات والاكتشافات التى انشأ لها الادميرال الاغا السفن البحرية بغرض الاحتلال والتوسع بل كانت البحرية الصينية تساهم فى وتنشئ مجتمعات على طول سواحل اسيا والتعرف على جيرانها. وقد نشرت تلك الرحلات بالمقابل اجزاء ثقافية وحضارية على طريق التبادل والتجارة عند موانئ تلك الاقاليم طريقا بحريا مواز لطريق الحرير. وقياسا على القوات البريطانية التى استخدمت قواتها البحرية والارضية لاخضاع شعوب افريقيا والامريكيتين واسيا كانت الادميرال الاغا معنيا ببلاد العرب والمسلمين والسواحل الافريقية عبورا بالهند ومنغوليا ووصولا الى مدغشقر فشواطئ افريقا الشرقية. فقد قاد الادميرال الاغال سبعة أساطيل امبراطورية ما بين الاعوام من 1405 الى 1436 غربا فزار 37 بلدا فى جنوب شرقى اسيا والشرق الاوسط وافريقيا. وكانت سنغافورة اول ما وصلت اليه سفن الصين ولم تكن لتزد وقتها على قرى صيادين. وكانت اساطيل الادميرال الاغا تبحر من سنغافور الى مالاكا أو جزيرة ماليزيا وغيرها من الموانئ التى شملتها حماية ورعاية البحرية الصينية مما غدت معه تلك الموانئ تعج بالتجار العرب والمسلمين حتى اطلق على ماليزيا منذ 600 عام اسم بابل الشرق الاقصى.
فقد شمل اسطول الادميرال الاغا مالاكا بحمايته فقبلتها مالاكا بحماس مقابل الخراج. وما بقى الملاكيون-الماليزيوين-يسبحون بحمد جان هير لانه طورهم وساعدهم على مواجهة خصومهم التجار والقراصنة الاجانب(21). وقد زاعت شهرة الجنرال الاغا باصوله الاسلامية المعربة حتى سمى السندباد البحرى الصنيى الا أن الاوربيين لم يجدوا فى قلوبهم المتمركزة اوربيا Eurocentric القدرة على تصور ان مسلما-كان قد اخصى طفلا منذ سن العاشرة-جدير بان يصعد الى واحد من اهم واقوى مكانات كبار ادميرالات بحرية واحد من أكبر اساطيل امبراطورية كبرى ليكتشف العالم الجديد قبل كلومبوس ب 70 عاما(22). فما هى تداعيات كل ذلك الحل والترحال والاكتشافات الكبرى وغيرها على السودان؟
شرح على متون السردية الفونجية:
أسلم مجتمع الفونج رسميا كما قلنا فى 1504. وكان تجار متصوفة حلوا على مسرح اقتصاد والفضاء السياسى الفونجى وتعينوا تباعا على احلال آليات سلطة صوفية مالكية ورسمية Formalist بمعنى"متشبثة بالتقاليد" مكان ايدولوجية وسلطة ملوك سنار المسيحية أو-و الاحيائية الاوراحية Animist مما يؤرخ به الاسلام السودانى رسميا. ذلك ان تاريخ السودان الحديث قد لا يشير كثيرا الى عقيدة سنار قبل اسلمتها الا لماما مما يبدو معه احيانا وكأن ثمة انقطاع بين ممالك علوة والمقرة ونشوء السلطنة السنارية المؤسلمة رغم ان قطاعات قبلية هامة من السودان الشمالى السابق على الاسلمة –كالشكرية-بقى مسيحى حتى القرن الثامن عشر. بل ما تنفك رموز مسيحية واحيائية وغير ذلك مما هو سابق على الاسلام مستقر فى مسام الاسلام الشعبى السودانى الشمالى مثله مثل نظائره فى كل مكان.
على انه من المفيد تذكر ان السودان لم يكن غريبا على السودان اذ حلت بعض سماته فى النوبا منذ القرن التاسع الميلادى. وكانت النوبا حرية بان تستدعى اجزاء ثقافية تخالطت فيها الاحيائية والمسيحية والاسلام تباعا منذ ان الزم النوبا بكنس المسجد والاحتفاط به لائقا للعبادة فى كل وقت يأتى فيه التجار المسلمون من كل مكان. وقد بقى راسب من ذلك التقليد فى الخاطر الجمعى مبهما ومتسامحا معا حيث يشير سكان بعض المدن الشمالية مثل شندى حتى اليوم الى المسجد باسم الكنيس مما يشير الى عناد الاجزاء الثقافية السابقة على الاسلام بزمان طويل جدا جراء كيمياء التعددية السودانية البازغة(23) .وقياسا فقد تفتقت حركات صوفية تطهرية عشية اندلاع الثورة المهدية السودانية فى 1885 فى تنويع على حركات الموحدين والمرابطين المغاربية والاندلسية-فيما يشارف الامر بالمعروف والنهى عن المنكر-و كانت الاخيرات رديفات نظيراتها الفاطمية والايوبية كما يقول فاضل الانصارى(24). ذلك ان السردية السودانية ارتهنت من يومها بسير بضعة جماعات تاهت فى البيداء طويلا قبل ان تحط الرحال فى الفونح فلم تنفك ان استقطبت سنار بين سلاطين وملوك وامراء فونجية ومناجيل ومكوك قبلية عبد اللابية. وقد اعتنق الاول الثقافة الاسلامية بوصفها اكثر رقيا More superior مما عداها من ثقافات الاقوام الاصليين بما فيها الثقافة الوادى نيلية القديمة فخصما على السكان الاصليين. وقد راح الاخيرون يتوارون فى الزوايا والاركان وقد دفع ابتزاز بعض احفاد الموحدين والمرابطين الفونج من سلاطيهم الى امناء اسواقهم الى الشعور بالتقصير حتى A blackmailed Funjite Sultanجأر سلطان "فيما خلا مكان خلو من الناس ومسقى او مسيل مدفنا فانى غير راغب فى شئ" growled; “Beyond a site of unoccupied land and a watering hall for burial I want nothing”.(25) ومع ذلك فان شيئا من ذلك كله لم يغيير من طبيعة قدرة المجتمع المضيف على امتصاص ابداعات ما تنفك تجلياتها مستقرة فى مسام المجتمع.
قسمات النسيح السودانى الرائع المروع:
تعبر اثار وأجزاء ثقافية من كل مكان كونها موروثات وصور من أماكن بعيدة تمتد من القرن الافريقى وجزيرة ايبيريا وافغانستان والمجر والبوسنة والهرسك وبقية البلقان الى كردستان وتركيا وافريقيا الشمالية الى مصر فالهند حتى الجزيرة العربية عن نفسها بين طيات النسيج الاجتماعى وجنبات المخيلة الشعبية السودانية. وقد ادعى الفونج فى لحظة حماس ثقافى انساب اتصلت بالاموييين مثلما اتصلت انساب او اصول بعض طرق الجزيرة كالعركيين- . –و اطن ان اصها عراقيين-و العباسيين والامويين والمماليك الفارين فى وجه المذابح. وترسل تلك الاماكن باثارها بعيدا فى مسام سلالات بعض الاسر السودانية حيث تذهب اصول الاخيرة الى جذور بعيدة في القدم لا تقتصرعلى اصول مسلمة وانما تتصل جذور بعضها بمسيحيين تأسلموا وبيهود من طوائف السفارديم(26) .
فما هو سفر تكوين تلك الجماعات؟ هل هى تنويعات من الدعاة والتجار والصوفيين والاعراب والرحالة والغوارييين والمترحلين والمتطوعين-لقاء قسمة من غنائم الفتوحات-و المهاجرين بلا نية فى الاستقرار او ممن لا يقيم فى الاوطان المضيفة الا تذرعا وحسب؟ وهل ثمة قياس بينهم وبن من أعرفه بالاعراب الاستثنائيين؟ وقبل محاولة الاجابة على هذه الاسئلة قد يجوز مجادلة الخلقية التى افرزت بعض قسمات الاسلام الصوفى المالكى المتشدد أو الاحرى المائل الى التمسك بالاصول الاسلامية فى بداية القرن السادس عشر على الخصوص وقد تمأسس فوق بعض السلالات الحقيقية والاقتراضية و-او الملفقة.
كيمياء دخول الاسلام السودان:
عاصر الدعاة والمبشرون والتجار الصوفيون الذين هبطوا ارض سنار وغيرها من المدن الفونجية السابقة على اسلمة السلطنة رسميا عاصروا تيارات متضاربة فى الاوطان التى عاشوا بين ظهرانيها من الخلافات الاسلامية الشرقية الى الغربية. وكان بعض اسلافهم- كالموحدين- قد أنشأ دولا فى المغرب ابان صراع المرابطين بقياده أبو عبد لله المهدى محمد بن تومرت-485-524 هجرية. وكانت دولة الموحدين الاندلسية تأسست بدورها بعد صراع بدأ فى 541 هجرية بين المرابطين والموحدين بهبوط عبد المؤمن بن الكومى زميل كفاح ابن تومرت جبل طارق فى 555 هجرية مهاجرا على رأس جماعة كبيرة من العلماء والمفكرين والرحالة والمتكشفين على شواطئ الاندلس.
وقد اتصلت دولة الموحدين فى الاندلس ما بين 1061-1147، ولم تلبث الأوضاع الاجتماعية والسياسة الاندلسية-بحلول سلطة جامعى الضرائب وحصار الدول المدن-أن راحت تؤذن بانهيار دولة المرابطين فسقوطها وصولا الى حلول سلطة الموحدين. وكان الموحدون اتهموا المرابطين بالانصراف الى المبالغة فى الفقه المذهبى وفروعه مما "أدى" الى "ضعف روح الاسلام" وقد باتت "بعض الافكار عتمة-بفتح العين وكسر التاء-النقاء تكدر صفاء العقيدة الاسلامية وتخالف الفهم الاسلامى السليم". وقد اعتبرت جماعة العلماء الدفاع عن صفاء التوحيد تلك "الشوائب مفاهيم مخالفة للاسلام.. فاطلقت على نفسها اسم "الموحدون"(27) .
ولم تلبث دولة الموحدين نشأت كمحصلة للتنازع على حماية العقيدة لصراعات فى المغرب وفى الاندلس جراء تحريض ملوك وامراء وولاة الاندلس على بعضهم وانقسام ممالكهم على نفسها مما ادى الى لجوء بعض ملوك الاندلس الى خصومهم الفرنجة-فى تنويعة تكاد تكون نمطية على ما حاق بالفونج عشية انهياره بصور نهائية ممثلا فى كل من موجات التجار الرحالة والاعراب والاعراب الاستثنائيين المتتالية وغيرهم كالتجار الصوفيين. ولم تلبث ان سقطت جراء تآمر بعض الاعراب الاستثنائيين على دولة المرابطين من الداخل وامست كنظيراتها من بعد مستهدفة لحركات "شعبية" غامضة الاصل ومنها حركة ربط اهل البيازين التى تسببت من بعد فى سقوط غرناطة مثلا كما تسببت حركة الهمج فى سقوط سنار. ومن المفيد تذكر ان "الاسلام قد ضعف ايام المرابطين وقد راحت بعض طوائفه تتطرف" حتى شارفت حركات الخوارج والمعتزلة من الدعوة للعمل بالمعروف والنهى عن المنكر الى أصولية الميل فى تفسير النص مما كان حريا بان يضر بالثفاقة والفكر الاسلاميين العربيين فى تنويع على مناويل تعمر التاريخ على مر السينين مما تزل فى اعصاب الحركات الصوفية والطوائف المتصارعة يعبر بعضها عن نفسه حركات غامضة كان معظم الناس قد لاحظها اذ كانت قد راحت تنتشر اما خصما على الخلافة أو-و بتشجيع الحاكمية من العباسية فالاموية الى الايوبية الى الممالك الاندلسية الخ. وقد عاصر بعض المتنفذين فى عمليات أسلمة السودان بعض تلك الحركات او-و استجاب لها او رد الفعل عليها كما عاصر بعضهم على نحو اكثر فاعلية امبراطورية الامازيغ وقيام ما سمى بدولة الاندلس المراكشى ابان اواخر ايامها فى 1492 حين كان الموحدون يحكمون غرناطة اخر مدن الاندلس حتى سقوط الاخيرة (28). وكان جوابو افاق الكون من العرب والبربر قد قطعوا بوادى وفضاءات عابرة القارات والبحار من اليمن ويقال من فارس حتى شمال غرب افريقيا وشمالا الى جنوب جزيرة ايبيريا. كما عاصر اؤلئك الجوابين الى ذلك نشوء ما سمى بالنهضة الاوربية مترحلين بدورهم تجارا من المدن الاندلسية وكانت غرناطة اخرها الى البندقية التى كانت قد تمثلت غرناطة وتماهت معها حتى باتت البندقية عنوانا على كل من التبادل الثقافى الفكرى التجارى العربى الاسلامى.
ولم يجد الفاتيكان سوى التسليم باستقلال البندقية بل راح يتنافس معها مع الاندلس على رعاية الفنانين والنحاتين والمعماريين فى بناء الشواهد الحجرية من أضرحة وكنائس ونصب تذكارية وتماثيل المسيح ومريم عليهما السلام والقديسين الخ. ورغم ان الكنيسة ناصبت الثفافة العربية العداء وحرمت قراءة او تعلم العربية وكانت لغة العلم وانشأت قائمة بالمصنفات المحظورة بقيت فى الفاتيكان حتى 1992 الا ان اوربا الغربية لم تنفك ان راحت تدعى حضارة الاندلس. وكان تمازج غرناطة والبندقية والاخيرة والخلافات الشرقية بدورها بالتبادل والتجار واختلاط تجار ومفكري وعلماء كلاهما جريا بان يؤلف مناخا سلسا لتبادل الرحلات والزيارات والسفارات. وقد بات حاصل جمع ذلك التبادر الاساس المادى لما زوق Euphemized فى السردية الرسمة تكاذبا بوصفه النهضة الاوربية. ولعل المبشرون التجار الصوفيون الخ- وكانوا كما ذكرت فى مكان اخر -عاصروا امبراطورية الامازيغ وقيام ما سمى بدولة الاندلس المراكشى على اواخر ايامها فى 1492 حين كان الموحدون يحكمون غرناطة-حريون مع ذلك ان يستدعوا مخيلة اسلافهم ممن عاصر انحسار زمان التسامح الدينى وأيام التبادل بين الاديان الثلاث. فقد كانت طليطلة وما تبرح-بمحض الشواهد الحجرية التى تعبر عما اورث طليطلة مكانة خاصة فى التراث الاندلسى كونها تزويق لذلك التبادل المتسامح فى الزمان المكان. فقد كان فضاءا واسعا على نحو غير مسبوق ولم يقيض من بعد ايضا قد وفر مناخ ارتياح التبادل والحوار الفكري فى الاندلس. وكان من تجليات ذلك ان تفتحت الحدود متفتقة بالتفاهم العميق بين الاديان على تبادل غير مسبوق لبعض الايقونات والرموز الطقسية. فكان الكنيس-المعبد اليهودى-يحوى تمثال مريم السمراء او السوداء الوحيد فى أوربا وقتها فيما تتوسط العذراء السمراء باحة ما بات كنيسة طليطلة وتزين الآيات القرآنية الكنيسة فى طليطلة وما تبرح الاخيرة تسمى القدس الغربية. وقد دخل الاسلام السودان صبيحة العهد الزاهر للخلافات اسلامية الشرقية والغربية-و بعد سقوط الاندلس على الخصوص بستة سنين. وكانت الاخيرة قد راحت تتراجع امام هجمات الاوربيين الغربيين فى تنويع على ما يحيق بالعرب والمسلمين على نحو طردى لحساب مشروع القرن الامريكى الجديد(29). فما هى اوليات البحث عن الحقيقة الموضوعية فى السردية المسكوت عنها؟
فما هى مغبة البداوة الاستثنائية او الاعراب الاستثنائيين كونهم سفر تكوين البداوة المترحة بالخاطر والتنكل مع؟ وما هى الخصوصيات الاكثر تعبيرا عن مغبة تلك الفئات التحليلية على الواقع الموضوعى للمجتمع المضيف لتنويعات الرحالة والمكتشفين من البدو والاعراب الاستثنائيبن على الخصوص؟ أ- مغبة حل وترحال البدو والاعراب على المجتمعات المضيفه
خلق شرط انتفاء نشوء ارستقراطيات محلية:
أجادل ان تلك الجماعات المترحلة كانت حرية بان تخلق شرط القضاء على الارستقراطيات المحلية ولم تنفك تلك الجماعات ان راحت تتعين على سلطات لا تزيد على اتقلابات وانقلابات مضادة بين جماعات متصارعة. ولعل التصارع حول السلطة بهذا الوصف كان حريا بان يصدر عن فبركة ولاءات قبلية وصوفية بين اعضار قبائل وحواري اكثر منها مركزية وطنية بين مواطنين او حتى رعايا. ورغم ان بعض القبائل القديمة كالشايقية تشارف من وقت لاخر اسرتقراطية سلطوية الا انها هى الاخرى بقيت تصدر عن الانقلابات العسكرية او-و اختراق السلطة القائمة فمشارفة الدائرة الداخلية للسلطة القائمة بصورة شبه متصلة فلم تخلو سلطة مدنية او عسكرية من الشايقية وكأنهم تنويع على الاسكتلنديين الذين بقول يحكمون بريطانيا على مر قرون جراء قدراتهم القتالية والتجارية والمعرفية الفائقة على ما عداها من نظائرها من سكان الجزر البريطانية.
ازعم ان ألأعراب الاستثانئيين كانوا حريون غالبا ان يستبقوا مزاج وكيمياء التحولات الحالة فى المجتمع المضيف بوصف ان بعضهم لم يكن ضيفا وجارا على مر الاف السنين وحسب. فقد كان الاعراب الاستثنائيين الضيوف الجيران حريوين بان يغدون اكثر استبصارا لأحوال مضيفيهم وجيرانهم من المضيفين والجيران على ذلك. فالضيف او الجار "الغريب" امل الى امتلاك قدرة اقوى على الملاحظة من غيره. ولعل حاصل جمع ذواكر اجيال المترحلين بخاطرهم وبالتنكل كالاعرا ب الاستثنائيين حرى بان يغدو تنويعة باكرة على شبكة المعلومات أو جوجلز Goggles وقد بقي حاصل جمع تلك الذواكر قاصر على ولمصلحة الاعراب الاستثنائيين دون سواهم من معظم المجتمعات المضيفة على مر التاريخ.
ومن مغبة حلول الاعراب الاستثنائيين على المستقرين ما تمثل فى المجتمعات الاسلامية منذ ظهور الاسلام فى الجزيرة العربية حيث يدخل بعضهم فىhanibaraka60@hotmail.com دين المجتمعات المضيفة ليرتد عنه وما ينفك يشكك فيه مثلما فعل بعضهم فى معظم المجتمعات المضيفة من ألأسراتية والرافدية الخ الى الاندلس وصولا الى مصر والسودان مثلا. وقد اسلم بعض اعراب سلطنة الفونج واسلم اعراب المهدية ثم لم ينفك اغلبهم أن ارتد ثم راح يشكك فى القرآن(30). وكان معظم الاخيرين من سفارديم الاندلس بخاصة والاخيرون هم اليهود اللذين هاجروا فى القرون الوسطى من الاندلس الى اوربا. وأجادل أن المستعمرين تنويع على المترحلين المستعصين-فيما خلا المستوطينين-على التوطين بالخاطر وعلى بعض الاعراب الاستثنائيين. وكان السودان قد منى بتويعات من الاخيرين على مر التاريخ المكتوب والمسكوت عنه. وقد بقى اؤلئك الاخيرون يكتبون بالوصف اعلاه تاريخ السودان بتماس المناهج والاكاديميا الغربية كون معظم طلاب العلم السودانيين مرغمون او-و يتطوعون مثلهم مثل حوارى شيوخ الطرائق معنيون باعادة كتابة التاريخ فى مناويل تدويرية كما فى كل مرة كون المراكمة المادية وغير المادية بقيت وما تبرح تتصل عضويا بتكريس سردية بعينها لحساب اصحاب المصالح وخصما على من عداهم.
اختراق الاعراب الاستثنائيين للسودان الحديث:
أزعم انه ان كان المستعمرون مثلهم مثل المبشرين والمغامرين والاداريين حريون بان يؤلفوا تنويعة على الاعراب الاستثنائيين كون الاول بدو بحر يستبيحون فضاءات شواطئ وموانئ توسعات أفقية ورأسية من مجتمعات المستقرين فيرغمونها على استضافتهم مما يتضح اليوم على نحو فاحش فى اقامة قوات الاحتلال فى العراق "بدعوة من الحكومة العراقية" من حكومة برمر الى ابراهيم الجعفرى واياد علاوى- فى حالة ما فاز تحالفه فى انتخابات منتصف ديسمبر 2005. وكان مثل ذلك التخاتل قد عبر عن نفسه فى سودان الحكم الثنائى حيث قال بعض اعيان الاقاليم السودانيية الداخلية لدوجلاس دودز باركر مدير مديرية كردفان عشية "الاسقلال"و قد قابله بعد الانتخابات "لو انك ترشحت عن أى دائرة فى كوردفان لفزت بلا ادنى شك"(31) .
هل يقف الرحالة والعابرون والمكتشفون ضيوفا خارج المجتمع المضيف؟ حيث يتمثل الاداريون المستعمرون مثلهم مثل المبشرين والمغامرين فى تنويعة على ألأعراب الاستثنائيين فانهم ليسوا وحسب حريون باستلاب المستقرين وانما تقيم تلك التنويعات مثلها مثل الاعراب الاستثنائيين-فيما خلا المستوطنين منهم- بالتنكل By Default سوى انهم يتركون فيما يبدوا فراغا من بعدهمم بعد رحيلهم. وكان الاخيرون حريون بان يقفوا خارج المجتمع المضيف كما فعلوا على مر التاريخ منذ المجتمعات القديمة وصولا الى نظائرها ما بعد الحداثوية ما بعد ألرأسمالية كالمنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات والخبراء الاجانب الخ، ومن المفيد تذكر ان قوانين الاستعمار البريطانى كانت تمنع المستعمرين فى السودان ومصر مثلا من الزواج بنساء الاهالى ومن اقتناء عقار وقد عوقب هيكس وامين باشا الالمانى وعمر طوسون على مقارفة او محاولة مثل تلك المشاريع بتهمة مخالفة تلك القوانين. على ان المستعمرة–المحمية حرية بان تغدو اقطاعية مملوكة جماعيا للمستعمرين فتشارف المستوطنة من حيث القانون الدولى او اللا قانون الاستعمارى الاوربى الغربى. الحيازة الرسمية بحد القانون او اللا قانون. ذلك انه ما ان غدت الرأسمالية لا مثيل لها ولا سبيل الى مقارنتها بما عداها فى اى زمان ومكان(32) لم يكن واردا ان يبقى من اوطان السكان الاصليين ولا من سمات الشعوب المهزومة بالاستعياب الخ سوى ما ييسر الذراية بها. وقياسا لم يعد واردا ان يبقى ولم يبق من وجه السودان الافريقى بل افريقيا بكاملها-ان بقى-سوى جملة ف حيث كان الاستعمار المتردد قد راح يخترق السودان تباعا منذ نهاية القرن الثامن عشر على الاقل بتغلغل التجار الأجانب في اقتصاد سلطنة الفونج خلسة والرحالة والمغامرين(33) لم ينفك الاخيرون ان شارفوا سلطة داخل سلطة سلطنة الفونج على أواخر ايام عزها. وكانت بعض اجزاء الاخيرة قد تحورت Mutated الى ما زوق فيما يشار اليه بمملكة الهمج. وكان الوزير الأول قد بات حاكما فعليا متنفذا فى السلطنة-عشية اجتياح التركية الأولى للسودان-نيابة عن المصالح الاجنبية سواء مصرية او اوربية او "همجية" الى التجار الاجانب فمصر الى هوايتهول ووزارة المستعمرات تيسرا لتقاسم المصالح بين مبدونين ورحالة ومكتشفين واعراب استثنائيين وشذاذ افاق من كل مكان خصما على اصحاب الحقوق الاصلييين.
وقد استعدى المغامر الداعية -غردون Gordon of Khartoum ولورانس العرب Laurence of Arabia معظم الملوك والامراء والحكام الاقليميين على عروش اباطرة وسلاطين وخلفاء الامبراطوريات السابقة على البرجوازية الصناعية لقاء وعود بالاستقلال أو-و توسعات نسبية أوما شابه. وكانت مصر محمد على قد الحقت نفسها بصورة غير مباشرة بالمشروع الامبريالي خصما على الخلافة العثمانية وقد راح محمد على مثلا ينافس الاستانة بالتوسع فى الشام والجزيرة العربية. وقد اتصلت الحروب المصرية العثمانية-بايعاذ من بريطانيا طوال اعوام 1824-1832-حتى عقد اتفاقية لندن فى 1832 لحساب بريطانيا وقوى اوربية اخرى ومحمد على خصما على اللخلافة العثمانية والشعوب العربية فى احداى مناويل تاريخ المجتمعات المضيفة للاعراب الاستثنائيين كما فى كل مرة. وكان محمد على-و قد وعدته بريطانيا بالاستقلال مسبقا فاستقوى بتلك الوعود على الخلافة-قد توجه نحو التوسع فى السودان منذ 1821 و1822 ولم يكن السودان ولاية عثمانية بل كان يصك عملته ولا يدفع خراجا ربما منذ معاهدة البقط. مثلما بقى يتاجر فى الفرن التاسع عشر مع الشمال مثلما مع الشرق عبر البحر الاحمر الخ.
هل تناسبت تنويعة حديثة على الدعاة والمكتشفين والاستعمار المتردد؟
استبقت التوسع العسكرى التركى الاول والثانى من بعد سواء معلنا او-و معمش عليه موجات نمطية من الرحالة والمكتشفين والمبشرين صاحبتها حملات اجتياح متسترة او متخاتلة كالعادة من الحصار الاقتصادى والى اختطاف الصفقات التجارية والتسلل أو الاختراق والتخريب المالى وخلق شرط التضخم مع اتساع نشاط التجار العرب الوافدين من الشمال الافريقى والاجانب من اوربا. وكان ذلك السيناريو واحد من مسبقات نهب افريقيا بعد ان نهب العالم الجديد الغربى والشرقى-الامريكتين واسترآسيا ونيوزيلاندا تحت ستار دخان ما سمى بالتدافع نحو افريقيا The scramble for Africa. وعندما حطت قوات التركية الأولى على مشارف سنار "كانت اشجارغابات سلطنة الفونج الكثيفة قد قطعت وتداعت قصور السلطان وبات الملك ضعيفا يرتجف توترا وقد غدى رهينا للوزير الأول وكان الاخير من الهمج . “most of the forests were cut downthe palace was crumbling and the weak and nervous king was entirely in the hands of his grand vizier،" a Hamaj، (Moorehead: 1972:2OO).The only option left for King Adlan and his cousin was to negotiate capitulation"(Holt:1961:19). ومن المفيد تذكر ان تنافس تنويعة محلية من الرحالة والمترحلين من التجار الصوفيين مع السلطان على تجارة القوافل العالمية وتجارة العبور وجمع الضرائب واستلاب الخراج وعلى المسايل والمراعى وعلى آبار الخ- كما رأينا فى مكان اخر- كان قد راح يخصم بدوره على قوة السلطة السنارية فراح ينحت فى جدران صلابتها على نحو حاولنا تحليل بعض ابعاده فى بحث اوسع. وليس صدفة أن تتحول السلطنة إلى ما يشارف المحارة الفارغة اقتصاديا وقد استبدل المجيدى بريال ماريا تريزا-و راح الناس يتقايضون بذراع القماش(34) في الدامر وسواكن وكانت الاخيرتان مدنا ومواني تجارية ومراكز عامرة بالتبادل مع شمال أفريقيا وعبر البحر الأحمر حتى عشية غزو التجار الاجانب(35). وكانت تلك مدنا كالدامر وشندى وسواكن قد ازدهرت باكرا على عهد المجاذيب من التجار الصوفيين كالحاج عيسى وابنه حمد بن عبد الله وتجار البجا وغيرهم وقد اشتهر الاخيرون باجادة التجارة والمقاصة سوى انهم لم يلبثوا ان راحوا يهيئون انهيار السلطنة بالوساطة بين اقاليم وملوك الاخيرة وبعضها . كما كان زواج اميرات وبنات الفونج لبعض اؤلئك التجار الصوفيين مثل الحاج عيسى حريا بان يوفر للحاج عيسى ونظائره ما أعرفه بهزيمة خصومهم الفونجيين بمثل ذلك الزواج. ولم تنفك دولة الفونج الانفصالية ان الفت لها دولة منشقة جعلت لها عاصمة اسمها لولو فى الجوف السودانى مثلها مثل ما فعلت عواصم ومدن وموانى العالم القديم والحديث ومن تلك تل العمارنة فى جوف وادى الملوك مكان طيبة فى قلب الاخير ونبومكسيكو وابوجا مكان لاجوس. فقد بدون الاعراب الاستثانئيون المدن والعواصم والآلهة وتحويل مجرى نهر النيل جميعا والعكش صحيح(36) .
آخر سلاطين الهمج الرهينة والسلطة الافتراضية:
بات آخر سلاطين الهمج محمد ود عدلان وهو وريث سلاطين الفونج-و كان غريما لبعض التجار الصوفيين والعبدلاب فى مرحلة-رهينة لوزيره الأول أبو لكيليك. وكان الاخير قد سيطر على السلطنة حتى بات المفاوض الأول والأخير ليس وحسب فى العقود والمعاهدات وانما غدت سلطته بحيث باتت سلطة السلطان محض سلطة متخيلة أوافتراضية Virtual من حيث البت فى امر او تقرير مصير الفوج. فقد كان الوزير الأول أبو ليكيليك هوالذى تفأوض مع قوات الفتح المصرى التركى الأول بشأن شروط التسليم والحماية نيابة عن السلطان(37). وكان الخيار الأوحد امام الملك عدلان وابناء عمومته هو التفأوض على الاستسلام(38). وكأنه الامبراطور هيروهيتو عشية نهاية الحرب العالمية الثانية.فلم يكن قد بقى للسلطان سلطة حتى على تعيين أمناء السوق وقد استقطب الوزير الأول السلطة فاحتكر عقد المعاهدات والصفقات السياسية والتجارية الى تعيين متنفذى الدولة حتى بات مركز الجندي ودوره ملحقا بسلطة الوزير والجماعات الأجنبية الوافدة على سنار وقد راحت الاخيرة تخترق بدورها شرائح السلطة السنارية المركزية.
وبامعان النظر لا يتكرر منوال قيام وسقوط السلطنات والممالك الكبرى على مر تاريخ مجتمعات المستقرين وحسب وانما تستدعى القياسات ان عقدت الدهشة. فثمة قياس على سلطنة الفونج فى قيام وسقوط امبراطورية المغول فى شبه القارة الهندية. فقد كان اخر ايام الفونج وممالك المغول قد شهدت اجتياح المغامرين ممن انتهت على ايديهم كلا المملكتين فى سيناريو يكاد يكون نمطيا. وقد تعاصرت سلطنة سنار عشية انقضاء ايام عزها الاول وممالك المغول فى شبه الجزيرة الهندية فى أوج مجد الاخيرة حتى بداية القرن الثامن عشر بحيث يمكن عقد قياس بين ما حل بالسلطنة السنارية وبالامبراطورية المغولية فى شبه القارة الهندية وما حولها وفى تنويعات الرجال اللذين تسببوا فى سقوطها وايلولة كل منهما مستعمرة ضعفية منقسمة على نفسها ومقسمة.
خاتمة:
أنحن بسبيل استثناء على القاعدة؟:
حاولت هذه الدراسة التعرف على واعادة تعريف تنويعات الرحالة النبيل ومبتغاه التعرف على شعوب جديدة واضافة معارف محايدة لسجل المعرفة الانسانية وذلك الذى يترحل وفى جيبه اجندته الخاصة يتعين على تحقيقها. وفى سياق المفهومين اعلاه ومن قلب كيمياء احداث وتطورات معاصرة اوسع واشمل حاولت التعرف على قسمات سلطنة الفونج. وقد جادلت الدراسة هذين المفهومين وما يشارف فائض انتاجهما منهجيا كون بعض تداعياتهما وتجلياتهما كان قد أستقر فى اعصاب الفونج المؤسلم. وقد يسرت مفهومات بعينها مثل المدن الحصون والقلاع ومفهوم "العزلة الحضرية" التعرف على المدن القرى الدول الصوفية العبدلابية المؤسلمة قياسا على المدن الفونجية السابقة على الاسلام. وقد قيض المفهوم قياسا بين بعض الاخيرة والمدن الاندلسية التعرف على كل من الطبيعة الانعزالية للمدن العربية الاسلامية ومفهوم الحصار الفضائى والفيزيائي. وقد قيض التناسب العكسى بين مفهوم "الحضر" الذى جاء به العرب من الجزيرة العربية ومفهوم الاعراب التقليديين والاستثنائيين تعريف تنويع على مفهوم العزلة. وليس ثمة غرابة فقد كانت المدن الوادى نيلية سواء مدن كهنوتية او السلطة الوضعيه-ان صح التعبير-قد عبرت عن نفسها فى عزلة مكانية واضحة وكان منتجو الخراح نوعين نوع مقيم واخر خارج اسوار المدينة. وقياسا ما تبرح مدن اليمن كصنعاء مثلا ذات اسوار وبوابات بقيت تغلق بعد الغروب. ولم تجد المناقشة غرابة فى محاججة أن ثمة قياس بين مدن النهضة الايطالية كالبندقية-المدينة الدولة-كونها تنويع على المدن الدول الاندلسية وربما كانت قرى ومدن الخلاوى الفونجية تنويع عليها؟
تزعم المناقشة- وقد اصدرت عن بحث اوسع-ان المدن الدول ليست ظاهرة قديمة وحسب وانما تتعين الطبقات الوسيطة الثرية المعولمة على الاحتماء بالاسيجة داخل مقاطعات سكننية بحراسها واسواقها وشرطتها الى غير ذلك فى مواجهة موجات المهاجرين واللاجئين السياسيين والعمال الموسميين من بيفرلى هيلز حتى مانيلا. وكان مجتمع المستقرين قد تعين باكرا منذ طيبة وبابل وغيرهما على بناء الاسوار تطيرا من تنويعات البدو والاعراب التقليديين وقد ثابروا على "الحوامة" عند مشارف المستقرين تحينا لفرص الانقضاض عليهم. وازعم مرة اخرى ان الاعراب التقليديين ونظائرهم الاستثنائية تحايلوا على تطير المستقرين بان ادعوا الرغبة فى محض المتاجرة معهم ثم تسللوا الى الحياة بين ظهرانيم منذ ان جاء يعقوب يوسف طالبا اليه التوسط لدى الفرعون للسماح لهم ب"اقامة" لم تكن سوى اقامة متذرعة يقينا. وفى محاججة بعض تلك التداعيات فلربما امكن عقد علاقة طردية بين ما سمى بالنهضة الاوربية خصما على ممالك الاندلس الزاهرة وانحلال الممالك الاسلامية فى جنوب اوربا الغربية كون ذلك التعالق الف سياقا موضوعيا لمناخ اسملة السودان. فقد كانت العلوم والثقافة والافكار بل حتى الاديان تتنقل متبدونة بين مدن اوربا الجنوب غربية من شبه جزيرة ايبريا الى شبه الجزيرة الايطالية وصولا الى شبه الجزيرة العربية عائدة الى نفسها مجددا فى كل مرة بتجارة طريق الحرير وبالرحالة والمكتشفين وبالفلكيين وبالعلامة وبالبحارة وباعراب الفيافى والقفار واعراب البحار والمتطوعين من غير المسلمين فى جيوش الفتوحات الاسلامية الكبرى ومن شذاذ الافاق جميعا.
وقد يعادل تعدد وكثرة الرحالة والمكتشفين والتجار الاجانب والمغامرين عشية سقوط الفونج موجات الرحلات الماكوكية الغربية من والى المجتمعات المهزومة بالعولمة لفرض سياسات وممارسات معلنة وخفية على شعوبها كما قد تشارف جيوش المنظمات غير الحكومية والشركات متعدد الجنسيات وقوات الامن المصاحبة لجيوش الاحتلال والقوات الدولية لحفظ السلام وقوات التحالف الدولى لتحرير الشعوب المضطهدة ومتنفذى وعملاء دمقرطة الشرق الاوسط الكبير. وفى تتبع المجادلة السردية السودانية الشمالية-وقد سطرت على وقع خطوات الصوفيين والتجار الجوالين غب سقوط اساطيل التجارة الاسلامية فى القرن الثالث عشر وتباعا لحساب المغامرين الغرب أوربيين-عشمت هذه المجادلة فى فتح مغاليق على وقع خطوات "الجلابة"-أى التجار الشماليين الجوابين. ولعل حاصل جمع خبرة السودانى الشمالى من التجار الصوفيين حري بان يرجع-بشد وكسر الجيم-تداعيات مشابهة بين جنبات سيناريو أسلمة السودان الجنوبى من بعد-و لو فى جملة اعتراضية او شرح على متون السردية الشمالية أو حتى طرح اسئلة مجددة. وتتساءل هذه الدراسة فى سياق اوسع ما اذا كانت كيمياء تحلل فسقوط الثفافة العربية الاموية المشرقية والغربية الشمال افريقية والاندلسية فالعثمانية اثر على طبيعة الاسلام السودانى مرة واحدة والى الأبد؟
هل تعالق ما يشارف العنصرية وتفتيت شبه القارة السودانية؟
يسود الاعتقاد بين كثيرين وعلى رأسهم كل من ينتمى الى ما يسمى بالعرب والمسلمين السودانيين فى ان ما يمنى به السودان اليوم- وكان قد بدأ يمنى به منذ حوالى القرن التاسع عشر-يعود الى عنصرية عرب السودان. واجادل ان لم يكن معظم الاخيرين يوما اكثر من مؤسلم يستدعي العروبة ازاء الاهالى الاصليين. وما يبرح بعضهم يتساءك حتى اليوم ما اذا كان بالسودان عرب فيما يفخر اخرون بنسبتهم الى العباس وعلى ابن ابى طالب رضى الله عنهما(39). الا اننى ازعم ان العنصرية لم تكن السبب وانما كانت العنصرية عرض sympton وحسب. فقد كان السبب بتمأسس فوق الامتلاك والاستحواذ واستلاب فائض وخالص العمل الحي فى شكل خراج وحق الفاس وحق البليلة وحق الاربعاء والجبايات على السلع والاتاوات على تجارة العبور الخ عن طريق الدولة المركزية وما هو بمثابة او يقوم مقام الدولة فى اطراف السلطنة بين الممالك الصغيرة وقد تحورت الاخيرات الى اداة مركمة بامتياز. وقياسا ترتب ان تحور نمط الانتاج الشرقي او الاسيوى فراح-مع اختراق رأس المال الفطير والمتردد على اواخر سلطنة الفونج- يجمع بين نمط انتاج واعادة انتاج العبودية غير المنقولة والقنانة غير المربوطة بالارض جراء مناويل النزوح العنيف والهجرة بعيدا عن الدولة مما كانت الفضاءات الشاسعة فى شبه القارة السودانية تلك قد يسرته وما تبرح. وكانت السلطنة قد انفسحت فيما وراء السودان الاوسط جنوبا وغربا امام الاستحواذ على الارض المشاع والتحارة والاستلاب .
وازعم ان ما قد يتبدى وكأنه عنصرية منشأؤها التفاوت الطبقى او-و الثروة المادية وغير المادية لم ينفك ان اسقط على العامة الشعب تباعا رغم وربما بسبب التسامح الظاهري للمجتمع الصوفى ومجتمع الخلاوى الذى جادل كثيرون وانا منهم طويلا انه بات مجتمعا اشتراكي يتفاسم السلطة الثروة فيه الشيخ والحواري. فيما يدعو هذا الامر للتأمل حيث كانت تلك المجتمعات تقوم على العمل العبوديى مما اذكر فى بحث اخر. المهم فورا هو ان الاسلام السوداني وكان قد سييس باكرا قد تعين على استلاب العامة المنتجين فى درجات المقياس بين المسلمين الذين باتوا عربا بالاسلمة وبين غير المسلمين مما حرم من حظيرة العروبة بالنتيجة رغم ان العرب والمؤسلمون يتفضل على الاهالى الاصليين فيعرفهم باصحاب كريم المعتقدات فى افضل الشروط. وقد يسر الاستلاب بهذا الوصف ما يشارف التمايز الطبقى متمأسسا فوق توزيعات وتقسيمات نوعية وعرقية وبالتالى خلق شرط فرز الناس بين جماعات شبه طبقية واثنية وثقافية ودينية مرة واحدة والى الابد. وكان الاسلام السياسي الفطير حريا بان يجد فى مثل تلك الفوراق متسعا مرة وتبريرا مرة اخرى للتمييز بين الناس ومن ثم تيسير شرط مزيد من الاستلاب تحت راية التبشير او-و محاربة خصوم مفبركين او حقيقيين مما أوصل السودان الحديث الى مشارقة التفتيت تباعا.
اكسفورد 18 يناير2011
المراجع والشروح على المتون:
المراجع
(1) هذه الدراسة مهداة الى ذكرى استاذى وصديقى الاستاذ محمد ابراهيم ابو سليم رحمه الله خديجة م. صفوت
(2) فاضل الانصارى:2000:قصة الطوائف الاسلام بين المذهبية والطائفية:دار الكنوز الادبية:بيروت ودمشق. ص:300-304
(3) أنظر(ى)- لمزيد من التفاصيل عبد الرحمن على الحجى:1997:التاريخ الاندلسى من الفتح الاسلامى حتى سقوط غرناطة:92-897 هجرية-711-1492 ميلادية:الطبعة الخامسة: دار القلم: دمشق. كذلك -أنظر(ى)- حسن ابراهيم حسن:1964: تاريخ الاسلام السياسى والدينى والثقافى والاجتماعى:مكتبة النهضة المصرية:4 اجزاء: الأول 1964 الثانى 1964 الثالث 1965 والرابع: 1967.
(4) O'FAHEY، R.S.O & SPAULDINO، J.L. (1974) Kingdoms of the Sudan: London: P: 85.
(5) انظر(ي) الفقيه محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضل:كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان: -دار المطبعة المحمودية-القاهرة-الطبعة الأولى.
(6) انظر(ي)London The British Museum:2003:Sudan: Ancient Treasures:
(7) انظر(ى) النطاسى الشيخ ابو فريد نزار بن محمد عبده غانم القرشى:1994-2000:جسر الوجدان بين اليمن والسودان: صنعاء المقدمة.
(8) شرحه ص:51-55
(9) انظر(ى) راديو 4 "اسطر من الاغانى": /www.bbc.co.uk /songlines /6.2.2002
(10) Hussein Murowa:1979: Al Itigahat al- Madia fil al phalsapha al-Islamia: (Materialist traits in Arab Philosophy: Vol: I: 203.
(11) انظر(ي) فالح الربيعى:2001: تلريخ المعتزلة: فكرهم وتقاليدهم:القاهرة:ص:20.
(12) أانظر(ى) Siobhan Summerville :Scientific Racism and the Invention of the homosexual Body in Roger N. Lancaster & Michaela di Leonardo: the Gender Sexuality: Reader: Culture، History، Political Economy: 1997: PP; 37-52.
(13) Beyond the Faith: www.bbc.uk/radio4: 21.3.2003
(14) الا ان الصين تعيد انتاج عظمة حضارتها مجددا باكتشاف ماضيها العظيم ناشئة تباعا الى قوى عظمى مرة اخرى انظر(ى) www.bbc.co.uk/radio4/ Steven Frrier :2005:the Swinging Dragon:London: in Making History
(15) حديث مع الاستاذ عبد الماجد بشير الاحمدى:الخرطوم يوليو-2001.
(16) أنظر(ي) فاضل الانصارى:2000:قصة الطوائف الاسلام بين المذهبية والطائفية:دار الكنوز الادبية:بيروت ودمشق:ص:1-3.
(17) O'FAHEY، R.S.O. (1970) States and State Formation in Eastern Sudan:
African Studies Seminar Paper No. 9. Sudan Research (18)Unit Khartoum: PP: 85 6.
(19) انظر(ى) مكى ابو قرجة:2004:اليهود فى السودان: قراءة فى كتاب الياهو سولومون ملكا "اطفال يعقوب فى بقعة المهدى".
(20) انظر(ي) عبد الرحمن على الحجى:التاريخ الاندلسى من الفتح الاسلامى حتى سقوط غرناطة:92-898هجرية (711-1492م):دار القلم-دمشق:1997:ص:455-8 و498-500
(21) لمزيد من التفاصيل انظر(ي) Crone، Patricia:2003: Cambridge: pp:29-30
(22) لمزيد من التفاصيل انظر(ي) Crone، Patricia:2003:Cambridge: pp:29-30
(23) أنظر(ي) Lewis، B:1956: The Arabs in Hiatory: London :p:55.
(24) انظر(ي) مكى ابو قرجة:2004:اليهود فى السودان: قراءة فى كتاب الياهو سولومون ملكا "اطفال يعقوب فى بقعة المهدى": ص:41-42. ويقول ابو قرجة ان كاهنا يدعى المستر ريفنجتون "كان يحمل نسخة صغيرة من القران الكريم باللغة الانجليزية ملأ هوامشها بالتعليقات. وكان يحاول ايجاد بعض سور القران الكريم وبعض ما ورد فى التلمود والمصادر اليهودية الأخرى للتشكيك فى الاسلام.
(25). "People I met in 196O's ، said to me، 'If you had been here during the elections we would have elected you and sent you to represent us in Khartoum. They did not want to go to parliament، they were happy in their villages and tribal abodes nothing that happened in Khartoum made much difference to them "(Dodds Parker: Interview:1979). 1979
(26) أنظر(ى) موسى المبارك :تاريخ دارفور السياسي : بلا تاريخ: مطبعة جامعة الخرطوم : كذلك
Mudathir(27) ، A. R: -1969-Imperialism and Nationalism in the Sudan. A Study in Constitutional and Political Development-1899 1956- Oxford، University. Pr.
(28) (28) Moorehead، A: 1977: The Blue Nile. London
(29) يمتر ذراع القماش من تحت الكوع إلى منتصف البنصر مع إضافة عرض 3 أصابع أنظر(ى) Rolgnoli -SNR Vol. XVIII: No. 48: 1976.
(30) انظر(ي):P200. Moorehead:1979: Travels in Nubia .London
(31) انظر(ى)Mustafa Awad al Said (1977) The Majdhubiyya Tariga: Its Doctrine، Organization and Politics. Mac. Thesis. University of Khartoum
(32) أنظر(ى) Moorhead: 1972:2OO.
(33) When the forces of Mohammed Ali's campaign approached Sennar"...the only option left for King Adlan and his cousin was to negotiate capitulation" (Holt:1961:19) and "most of the forests were cut down، the palace was crumbling and the weak and nervous king was entirely in the hands of his grand vizier،" a Hamaj، Moorehead: 1972:Page:2OO. 9
(34) يمكن عقد قياس افتراضي بين الاخيرين ونظائر محدثة ممن عصف به من الفئات اوسيطة المحدثة وقد احلت مكانها اشباه مشبوهة يطلق عليها احيانا صفة "الطبقات الثرثارة" Chattering Classes و"الطبقات الاجرائية Operational أو طبقات وظيفية Functional وقد راح يعمر صفوف تلك "الطبقات من أعرفهم بالليبراليين الجدد Neo-Liberals فى مكان اخر تفريقا لههم عن الليبراليين اللذين انجبتهم البرجوازية الصناعية والديمقراطية البرلمانية الوجيزة كون الليبراليين الجدد تنويع مخصي اقتصاديا من المحافظين الجدد.
(35) ارجو ان تلاحظ(ي) ان هذا البحث يتعين على رصد قاموس تكاذب التاريخ والجغرافيا الغربيين بوضع هلالات حول بعض المفاهيم ترميزا للشك فيها أصلا. فالى حين توفر البحث العربى ونظائره من البحث غير المتمركز غربيا على محاججة تلك المفهومات واعادة تعريفها فاعادة كتابة تاريخ غير الغرب فتاريخ البشرية اراكم تلك المفردات المتكاذبة كونها قاوموسا للاستحواذ فى بحث بهذا العنوان .
(36) وبالمقابل لم يبيض المسيح ولا مريم حتى عصر النهضة. ذلك ان الارستقراطية الاوربية الغربية كانت قد بقيت حتى "الاكتشافات الجغرافية الكبرى" تمييز نفسها عن العامة من الشعوب المحكومة باحتكار القربى من الارباب الوثنيين واستدعاء التمييز الدينى والقوى الروحية تكاذبا بالطبع. ولم تنفك شراح السلطة الاوربية وقد نصرت ان ادعت صفات الانبياء والرسل والمسيح الخ. وليس ثمة غرابة قد اتصل نسب العبدلاب بالعباس والانساب السلطانية الفونجية بالامويين.
(37) تجاوزا للثوب السودانى التقليدي ووالجلابية والعمة والطاقية مراسيم الزواج والفركة القرمصيص وام صفيحة والحناء والبخور والجرتق وبخ اللبن والحلى كالزمام والفدوة والحفلة الخ فللهند اثر بعيد فى وادى النيل مما مابرحت اثاره الزراعية باقية من الساقية والمحراث والجاموس البقرى.
(38) الرجل الآتى من الجبال هو هوذى مارتى وجواب افاق امريكا اللاتينية فكرا وشعرا واغان ثورية على الاقل. فكمثل جورج امادو شارع الثورة البرازيلية كان هوذى ثورى وشاعر الحرية. وما يبرح بيت سيجر بيت(ر) سيجار Pete(r) Seegar(1919-) وقد ناهز التسعين عاما شاعر ومغنى الثورة الامريكية الآتية والغوارى المترحل بالخاطر يغنى قصيدة مارتى جواننتاناميرا –اى المرأة الآتية من حوانتاناموا- ويتجاوب مع سيجر الغوارييون وكافة ثوار العالم فى كل مكان "انا رجل صادق آتى من حيث تنمو النخيل" و"فقراء الارض سيرثون الارض" . ورغم ان جوانتاناميرا ابتذلت حيث راح السكارى يغنونها فى الحانات فى السبعينات سوى انها غدت اغنية ثورية مرة اخرى فى 1984 حيث راح العمال ينشدونها ابان اضراب عمال المناجم يصاحبهم المارة والمتعاطفون لوجع قلب وضغينة الشرطة البريطانية. وكان جان زيمين-الرئيس الصينى يستطيع ان يغنى جوانتاناميرا كاملة
(39) ما يبرح بعض السودانيين يتساءل ما اذا يوجد بالسودان عرب؟ ويستفز السؤال الكثيرين. وبقول استاذ بقسم التاريخ والانساب والعادات والتقاليد بان كثيرا ما سأله "أحد الطلبة السودانيون الذين يدرسون اللغة الصينية عن هويتنا . وأنا اصلا اعتز بهويتي التي لا تنتمي الي العرب ولا الافارقة .وقد وجدت في بعض المنتديات ما يسئ الينا كسودانيون احدهم يقول تخيل السودانيون يقولون عرب وهم ابعد مايكونون عن العرب هل لانهم يتحدثون العربية كيف يقولون عرب وهم سود سابقا اعترضت لبنان لانضمانا لجامعة الدول العربية وحينها قال محمد احمد المحجوب افضل لنا قيادة الافارقة من ان نكون آخر العرب.فهل نحن حقيقة عرب؟" ويقول اخر "ما فى ذلك شك الم تسمع بخرطوم اللاءات العربيه الثلاث والله ما سمعتا بى تحرير سينا فى 73 والله ما سمعتا بى ضربت اسرائيل للقوافل التى تساعد عرب فلسطيين والله ما سمعتا بى بيوت الميرغنى رضى الله عنه فى مكه والله ما سمعتا بالعرب والزرقه حالم ديل الجنجويد فى دارفور والله ما سمعتا نسب الجعليين للعباس بن عبد المطلب والله ما سمعتا بى نسب اهلك الانقر ياب لى للكاظم ابن زين العابدين ابن الحسين ابن على بن ابى طالب حفيد الزهراء بت رسول الله صلى الله عليه وسلم .انتا يا زول ما سمعتا بى المرحوم عبد الله الطيب قاعد يقول شنو والله ما سمعتا بى لسان العرب وفراج الطيب" انظر(ي) ود ديابتيو على موقع الباوقة على شبكة المعلومات
(40) لم تنشأ البرتغال بهذا الوصف حتى القرن الحادى عشر. ففد كان هنريك أوف بيرجاندى ابلى بلاءا حسنا فى معارك الفرنجة المسلمين حيث سقطت بعض المدن الدول الاندلسية الشمالية مثل طليطلة للفرنجة تباعا فاعطى هنريك اقطاعية غرب جزيرة ايبيريا. ولم يلبث الفونسو هنريك دى برتغال أحد ورثة هنرى اوف بيرجاندى أن بات ملكا على متلك الاقطاعية فى القرن الثانى عشر فأن اطلق عليها اسم البرتغال.
(41) استقرت القسمات التشريحية لنظرية ذكورة الوطواط بين جنبات خواطر الاوربيين الشمال غربيين على الخصوص اشفاءا لتطير الاوربيين الشمال غرب اوربيين على الخصوص من القسمات التشريحية لخصومهم. ويثابر الاول منذ موتيسكيو حتى مدرسة "التخلف النشوئى" عبورا بمدرسة سمات الانحطاط على تكريس ما هفت اليه قبولهم من وصم خصومهم وبخاصة العرب وللمسمليمن بالتوحش وبالتدنى آدميا. وحيث بقيت السمات التشريحية للاجناس غير الغربية تبعث قلقا "علميا" لم تشفه سوى براديجماتهم الداروينية تتعين الاخيرة على الاصدار عن قياس العلاقة الطردية بين حجم مخ الوطواط و""فحولته". وكانت "العنصرية العلمية" Scientific Racism وجدت طريقها الى اوربا عبر "ادب" المستوطنين من روديسيا وجنوب افريقيا فى كتابات ومذكرات ثم فى نظريات رحالة من شذاذ الافاق انتحلوا صفة مستوطنين ومستعمرين من امثال سيسيل رودس وايان سمتس Ian Smuts وفى النظريات اليوجينية لصاحبها فرانسيس جولتون Galton، r Francis ٍ1822-1911
(42) باتت الاندلس تسمى دولة الموريسكيين احيانا نسبة الى مراكش عاصمة مملكة الامازيع اللذين حكموا دولة "شمال افريقيا" أو افريقيا-حيث بقى الرومان يشيرون الى تونس بهذا الاسم لان قرطاج بقى يصيب الرومان بحساسية بالغة.
(43) خصم تقدم اوربا البازغ وما سمى ب"النهضة" على الخلافات الاسلامية والعربية تباعا منذ ذلك الحين. وأجادل ان السودان كان حريا بان يمنى بما منيت به امتدادات الخلافات الاسلامية على نحو مضطرد كون السودان كان قد الف الحوش الخلفى لمصر وكانت الاخيرة قد بقيت منذ الامبراطورية الرومانية مطمح كافة ملوك واباطرة وابطال اوربا القوميين. فمن يوليوس قيصر ونابليون وفيكتوريا الى ديزرائيلى وغردون وكرومر وكيتشينر وغيرهم حلم باجتياح أو اجتاح وادى النيل. وتصدر هذه النجادلة عن بحثين واسعين باكرين أحدهما غير منشور بعنوان تنويعات الاستبداد الشرقى والغربى بالانجليزية والثانى بعنوان الطرق الصوفية وسفر تكوين المنظمات الحديثة بالعربية تحت الطبع.