هذه مسائل كبيرة.. ولا يمكن تناولها بسطحية وانفعال .. والحديث عنها بمناسبة المفاوضات مسألة في غاية الأهمية .. لأنها ستكون عناصر هامة في تلك المفاوضات. في البداية لا بد من التأكيد أن هذه المسائل، تتعلق أصلا بالموقف والعقل اليهودي والاستراتيجية الصهيونية، القادرة على الفعل حين لا تجد من يقاومها، ولا تتعلق بالأطراف العربية الرسمية مهما كان موقعها لأنها بلا قوة. فالصهاينة هم الذين يستوطنون .. وهم الذين ينظرون إلى شرق الأردن كخيار للتوسع فيه، أو لطرد أهلنا في الأرض المحتلة إليه عند اللزوم، وهم الذين يتحكمون بنوعية أي كيان ونوعية سكانه يسمحون بقيامه داخل الأرض المحتلة.. ما دام لا يوجد من يفرض عليهم عكس ما يريدون. والمسائل السابقة كلها أيضا مسائل تتعلق بالمنطقة وما يخطط لها. والمشاركة العربية فيها، لا تكون فقط بالحديث عنها والتعبير عن رفضها أو عدم واقعيتها أو استحالة أي منها .. بالكلام فقط.
وللتذكير فقط .. يجب ألا ننسى أن الكيان الصهيوني ليس كيانا توريثيا ولا ملكيا أو شموليا .. وأن فيه تبادلا للسلطة بين اتجاهات متعددة بطريقة تبدو ديموقراطية .. (وهم ديموقراطيون فيما بينهم)، وأن اليمين المتطرف قد يأتي في أي يوم للسلطة في هذا الكيان التلمودي الهمجي!! كما يجب أن نعرف أن إسرائيل في نظر دول العالم الغربي ليست سلطة أبومازن الغارقة في الفساد، بل هي دولة ساعدوا في إنشائها لتخدم مصالحهم، وبالتالي لن يحاصروها إذا نجح أي اتجاه فيها كما حاصروا حماس، بل ربما يقدمون لها المزيد من الدعم لتواجه الإسلام الذي يعتقدون أنه يهدد أمنهم!! وللدلالة على ذلك، هذا ليبرمان وزير خارجية الصهاينة المكروه من الجميع.. يفرض نفسه حيث يسير ولا يرفضه أحد رفضا عمليا!! إن تبادل السلطة في دولة اليهود، بالطريقة التي يتم بها، يعني أن الموقف الوحيد الذي يمكن اعتباره "موقف إجماع إسرائيلي" هو الموقف الذي تجمع عليه كل الأطراف اليهودية .. وهذا كما نعرف هو فقط أمن وديمومة إسرائيل .. أما إذا كان الموقف موقفا تتبناه جهة واحدة .. فهو معرض للإلغاء .. فماذا يقدم الرسميون العرب من ضمانات لضمان ديمومة أي اتفاق قد يصلون إليه مع اليهود، ولن يصلوا؟ هناك حالة واحدة تمنع إسرائيل من المضي قدما باتجاه تحقيق أهدافها .. هي حالة أن تُشعرها قوة الخصم أنها ستدفع ثمنا غاليا .. لأنها لا تتحمل دفع ثمن غال .. كما حصل في لبنان.
وعندما نمر مرورا سريعا على مواقف الطرف العربي المقابل، وهو الذي يقول إنه في مواجهة الطرف اليهودي .. نلاحظ ما يلي:
أولا، لا بد من التأكيد أن مجمل التنازلات العربية المقدمة في السنوات الأخيرة .. تؤكد أن الطرف العربي الرسمي لا يبحث عن حلول تتعلق بالشعب العربي .. بل فقط عن حلول تتعلق بالحكومات والقيادات العربية الرسمية. ومن الممكن أن نؤجل الحديث في هذه المسألة قليلا لنعود لها في الوقت المناسب. والمواقف العربية تنقسم إلى أشكال مختلفة: هناك موقف يبحث فعلا عن حل .. ويأمل بشيء ما .. ولكنه غير مكتمل نظريا. وموقف لا تهمه النتائج بل يحاول الوصول إلى أي حالة حتى لو كانت لصالح العدو، وهذا الموقف يعبر عنه عباس حين يقول: "العرب قالوا لي أن أذهب"، و"سأذهب حتى لو كانت احتمالات (السلام) 1%"!! وهو لا يقول سلام من!! 1% فقط! هل يستطيع الذين يقولون أن العناصر الثلاثة المذكورة في عنوان المقال، مجرد خيال ولا وجود لها .. أن يقدموا برهانا واحدا على صحة ما يقولون؟ وهؤلاء عادة إما رسميون عرب .. لا يشاركون بصناعة القرار على الأرض .. أو محميون بالمواقف الرسمية العربية .. وهنا لا أقصد الإساءة إلى أحد .. بل أصف الحالة فقط.
أما الذين يقولون أن العناصر الثلاثة هي جزء من الاستراتيجية اليهودية الإسرائيلية للمنطقة .. ولا يمكن أن يتخلى اليهود عن أي منها إلا بالقوة .. فلديهم البراهين الفكرية والسياسية والعملية. لتجنب الخوض في المتاهات .. رأيت أن أكتفي أولا بتوجيه الأسئلة.
- هل ما زلنا نتذكر لماذا جاء اليهود إلى بلادنا؟؟ ومرحليا فقط ولأغراض التعامل مع المفاوضات، سأتناسى شعار "صراع وجود لا صراع حدود" فبعض المفاوضين حتى لا يعتبرونه صراعا بل مجرد نزاع!! وهل اكتمل المشروع اليهودي الصهيوني؟ أي هل تكتفي الحركة الصهيونية عند العودة إلى حدود 1967 بنصف مشروع؟
- هل تمكنت اي قوة رسمية (المفاوضون هم الرسميون) أن تفشل مشاريع العدو وتبرهن له أنها قادرة على إرغامه على حذف بعض أهداف اليهود من إنشاء دولتهم في منطقتنا؟
- هل يمكن للعقل اليهودي الصهيوني أن يتقبل تدخل الآخرين من أوروبيين وأمريكيين بشؤونه وهم من أكد أكثر من مرة أنهم حتى لو عتبوا عليه فإنهم لن يعاقبوه!
- هل وردت في أي تصريح أو بيان أو كتاب يهودي صهيوني فكرة التنازل عن تعليمات التلمود وعن فكرة شعب الله المختار وفكرة أرض الميعاد.
- هل يمكن أن يفرض الرسميون العرب والسلطة على الصهاينة أن يتوقفوا عن استقبال مهاجرين جدد؟ وإذا قبل التسوويون العرب إلتنازل عن حق العودة للعرب، هل سيقبل اليهود إلغاء ما يسمونه حق العودة لليهود؟
- هل تتسع فلسطين لدولتين قد يصل عدد سكانهما أكثر من عشرين مليونا؟ ولا أقصد فقط الجغرافيا، بل الموارد المائية وغيرها؟؟
- ماذا يحصل للمستوطنين ولأبناء الأرض المحتلة عام 1948، أم سيبقى تداخل التجمعات السكانية قائما، وتبقى اليد اليهودية على الزناد في مستوطنات كريات أربع وعمانوئيل وإيتمار..؟؟ (من مستوطنات غلاة المتشددين) وفي إطار الحرم الإبراهيمي والبراق.
- وهنا يبرز سؤال آخر: إذا كان من أهداف الدولة اليهودية إعادة بناء هيكل سليمان الثالث، (وهو للتذكير فقط، أيضا من أهداف الحركة الماسونية العالمية)، ما هي الضمانات التي يقدمها الرسميون العرب للشعب العربي حول توقف الصهاينة عن النبش تحت المسجد الأقصى، أو عن الاستيلاء عليه لتحقيق الهدف، وهل سيقبل العرب تحويل المسجد الأقصى إلى هيكل سليمان؟ وهل سيكون هناك أمن وسلام بعد ذلك؟؟
- ونعرف أن هذا الجانب العقائدي اليهودي يشمل القدس بكاملها .. فمن يقنع اليهود بالتخلي عنها بدون قوة، وهم الذين يؤمنون أن الله يسكن في علية صهيون في القدس، التي أعطاها الله لهم وحدهم من دون شعوب العالم؟ ونحن نرى عمليا كيف لم يتمكن أي طرف عربي من حماية المقدسات رغم أن الحكومة الأردنية قالت أيام توقيع المعاهدة أنها ستكون مسؤولة عن رعاية المقدسات .. ولم يترك لها الصهاينة القدرة على عمل شيء؟ والقضم اليومي للقدس شغال على قدم وساق، وبفعالية كبيرة.
- في حال تداخل المستوطنات مع التجمعات العربية، هل يستطيع الرسميون العرب تقديم ضمانات يقبلها الصهاينة لانتهاء العمليات الفدائية في المدن والتجمعات اليهودية، وهذه المدن والتجمعات في الاستراتيجية اليهودية يجب ألا تتعرض لأي تهديد لأمنها، ضمن مفهوم "الحرب يجب أن تكون خارج إسرائيل"؟ مع ملاحظة أن كثيرا من الأدبيات الصهيونية تؤكد عدم ثقة الصهاينة بالزعماء العرب ناهيك عن عدم احترامهم للسلطة بكامل شخصياتها.
- من الواضح أن الحلول المقترحة مهما كان شكلها، لأن الرياضيات غير السياسة، وبسبب عجز المساحات عن استيعاب الجماعات، سيكون هناك اتفاق على التوطين خارج الدولتين المشؤومتين المقترحتين، فهل يفرض التوطين على اللاجئين بالقوة في لبنان والأردن وسوريا؟ وهل نسينا صبرا وشاتيلا وأيلول ونهر البارد وحتى بغداد مؤخرا؟ وهل يمكن لليهود إلغاء فكرة الخيار الأردني في مثل هذه الحالة .. أي التوطين شرق النهر، مع الانتباه إلى أن الحكومة الأردنية ملتزمة رسميا بالمساعدة في التوطين ضمن برامج الأمم المتحدة، (كما جاء في نص المادة الثامنة من معاهدة وادي عربة)!
- هل يقبل مئات الآلاف من المستوطنين أن يسلموا مستوطناتهم للعرب، مثل معاليه أدوميم، ويتحولوا إلى لاجئين، بدون قوة؟ وهل يقبل اليهود النتائج المترتبة على ذلك وقد تكون دموية مع ملاحظة أن بعض مستوطنات الضفة هي مدن كاملة مثل معاليه أدوميم؟؟ وهذا وحده، ألا يعني إلغاء فكرة 1967 من العقل اليهودي ما دام يواجه قوى ضعيفة تعترف بقوته، حتى قبل أن تضاف له قضية ديمومة الأمن والمياه والمساحة اللازمة لاستقبال المهاجرين اليهود إلخ.
- هل يستطيع أي قائد عربي أن يفرض على الشعب العربي قبول إسرائيل بالرضى، والرد لا يمكن أن يكون "نعم" والتجارب الحالية في الدول العربية أكبر برهان، لكن الرد على السؤال سينتج سؤالا آخر مرتبطا به: هل سينقل القادة العرب، غير القادرين على مواجهة إسرائيل، الحرب إلى ساحاتهم الداخلية لفرض التطبيع والقبول، حتى تكون إسرائيل آمنة؟ فيلجؤون إلى القمع، وهل ستتحول الحرب العربية إلى حرب على حزب الله وحماس وأي مقاومة جديدة إرضاء لليهود والرباعية وأوباما؟ ويسمى ذلك أمنا وسلاما للمنطقة والعالم؟
- هل يتوقع الرسميون العرب أن يقبل اليمين اليهودي التزامهم بتقديم الضمانات، بالوعود فقط .. وبالدق على الصدور، وليس بينهم من يمثل حتى نصف الشعب الواقع تحت إدارته تمثيلا على طريقة الديموقراطية اليهودية؟
- يقول اليمين اليهودي إن من شروط ديمومة دولتهم، أن تكون دولة ديموقراطية .. كيف يضمن لهم الرسميون العرب ذلك، إذا لم تتحقق يهودية الدولة التي يجب أن تخلو من العرب كما يقولون، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا ديموقراطيين مع غير اليهود فيها، لأسباب كثيرة منها، التلمود، ومنها الرفض الكامن في داخل الفرد العربي للاستعباد والتخلي عن الحقوق (والتجربة من تعاملهم مع الصامدين في الأرض منذ عام 1948 أكبر برهان)؟
- ماذا عن الجولان والأمن المائي للصهاينة؟؟ وهل سيقبل اليهود تسليم مصادر مياههم للعرب بدون قوة؟ أم يجب الفصل بين القضايا والجولان، واعتبارها مسألة لا تهم إلا سكانها؟
- يقول التسوويون إن السلام سيكون "سلاما عادلا".. كيف يكون السلام في حالتنا عادلا؟
ما زال هناك الكثير من الأسئلة، وسوف نقدم المزيد منها
مع ملاحظة أننا، إذا وجهناها سؤالا سؤالا بالمفرّق، يعتقد التسوويون أنهم قادرون على معالجة كل سؤال منها على حدة!! لكن عندما نسأل الأسئلة بالجملة.. وهو ما يجب أن نفعله، وهو ما يفعله الطرف الإسرائيلي، نجد أن التنازلات المطلوبة من الطرف الإسرائيلي لإنشاء دولة لأبي مازن وعيون أوباما أكبر من أن تتحملها دولة اليهود؟ فكيف سيرد التسوويون وكيف يضمنون الأمن للدولتين ولشرق الأردن ولبنان والجولان؟ وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك سؤال نطرحه في نهاية هذه الجزء من المقال: ما هي مواصفات الدولة العربية المجاورة للدولة الإسرائيلية، المحشورة معها بقوة القرارات الدولية المتعسفة المنحازة؟ وسوف نتكلم عن تلك الدولة. وأقسم أننا لسنا ساذجين.. لكننا نطلب منكم الرد المقنع على الأسئلة؟؟
قبل أن نستمر في مسلسل الأسئلة التي بدأناها عن المفاوضات وعن عبثيتها، لا بد من التوقف قليلا عند ما حدث في الأيام الأولى للمفاوضات خلال الأسبوع الماضي فقط ودلالاته: عملية مقتل المستوطنين في كريات أربع، وجرح آخرين في رام الله، وتقلص الخلافات بين نتنياهو وعباس إلى موضوع الاستيطان فقط، وبيان الأجنحة العسكرية الثلاث عشر الرافض للمفاوضات الذي يتبع بيان الفصائل السابق له ضدها، ووضع الإعلانات في الصحف العبرية لكسب تأييد الشارع الإسرائيلي لموقف السلطة، وحملة المطاردات في الضفة الغربية للقوى المؤيدة للمقاومة، والرفض العربي العارم للمفاوضات في الوطن العربي وتأييده للعمليات العسكرية.. وعودة نتنياهو لاستمرار الاستيطان.. في أول أيام المفاوضات. العمليتان وبيان الأجنحة العسكرية تؤكد عدم أهلية المفاوضين لتمثيل أهلنا في الأرض المحتلة وعدم قدرتهم على تقديم أي ضمانات!! وتؤكدان أن وجود المستوطنات المتداخل مع المدن العربية سيظل مصدر اصطدامات ما دام هناك عربي واحد على الأرض وصهيوني واحد يحاول انتزاعها منه أو مشاركته فيها .. ولي في ذلك قصيدة أقول فيها:
نقيض أنت.
وهذي الأرض ما فيها.
مكان يقبل أثنين
ولاحتى لقبرين
ومطاردة القوى المؤيدة للمقاومة في الضفة قبل وبعد عملية كريات أربع، تؤكد استعداد السلطة في ظل تأييد النظام العربي الرسمي لتحويل المعركة من عربية أمريكوصهيونية إلى عربرسمية ضد الشعب العربي الرافض للتنازل .. وكل هذا نبهت له أعلاه. تقلص الخلافات الحادة إلى مسألة الاستيطان فقط، كما أعلن أطراف المفاوضات، يعني بداية التنازل عن القدس وعن رفض يهودية الدولة وحدود 1967، وهي المرجعيات التي ادعت السلطة أنها لن تذهب بدونها إلى واشنطن، والتي لم تعد خلافا حادا، كما هو واضح من تقلص الخلافات إلى مسألة الاستيطان فقط، وأول الرقص حنجلة .. كما نعرف! الرفض الشعبي العربي للمفاوضات يعني عدم أهليّة النظام العربي الرسمي الداعم للسلطة لتمثيل الشارع العربي الذي يرفض التنازل عن عروبة القضية وتقزيمها إلى السلطة الإقليمية الجاهزة للتسوية بأي ثمن لو استطاعت .. وهنا أجد لزاما أن أذكر أن عباسا، لم تنته ولايته فقط، بل هو فاقد الأهلية لتمثيل أهلنا في الأرض المحتلة، عمليا، لأنه بعد أن انتخب بعدة أشهر، لمن يتذكر، فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي ببرنامج معارض له تماما، واعترف العالم كله بنزاهة الانتخابات التي فازت بها .. أي أن الناخب الشعبي تراجع عن موقفه المنتخب لعباس.. وكأنه يقول له.. "نجحت بانتخابات لم يكن لنا إرادة فيها .. وسوف نسقط برنامجك بانتخاب حماس" ..
ونستمر في طرح بعض الأسئلة:
عندما يتكلم الرسميون عن السلام.. حتى غير العادل، فمن أهم الأسئلة التي يجب الرد عليها: أين يقع الجولان في المبادرة العربية للسلام، وفي المفاوضات المباشرة وفي المعاهدات الأردنية والمصرية ووثيقة جنيف وخارطة الطريق وأوسلو. وفي النتائج المفترضة رسميا للمفاوضات أو التي يسعى إليها النظام العربي الرسمي ويدعي أوباما أيضا أنه يريدها (لكن يريدها على طريقة شركات النفط والصناعات العسكرية وشركات الأمن والبنوك الأمريكية لا على طريقة فقراء غزة ولاجئي عين الحلوة والبقعة ومخيم غزة) 1948.. أي سنة نشوئه. .. وأنا هنا لا أدعو النظام العربي الرسمي لتحرير الجولان من خلال المفاوضات .. لكنني أحاول أن أتصور سيناريو ما سيحدث إذا تم أي اتفاق بين السلطة وإسرائيل مدعوم من الحكومة الأردنية والحكومة المصرية .. وهما الحكومتان اللتان تنص معاهدتهما (وادي عربة وكامب ديفيد) على عدم جواز عقدهما أي تحالف لا توافق عليه إسرائيل؟ أي تخليا عن كافة مواثيق الجامعة العربية التي تنص على الدفاع المشترك! ألا يمكن افتراض أن السيناريو يقول: رسميا، ستنفرد إسرائيل بسوريا، وسوف تجد بعض الانتقادات من الثلاثي (السلطة والحكومتين المصرية والأردنية)، لكنها حتما ستواجه تحركات شعبية في مناطق الثلاثي .. من الشعب العربي الذي من المؤكد أنه سيتحرك للمشاركة في مقاومة أي اعتداءات إسرائيلية على سوريا، والشعب العربي لا يمكن تقليصه إلى داة الإقليمية المطالبين بالتفتيت وسحب الجنسيات والطائفيين وكتاب هتافات الملاعب، والهاتفين بها، وإن كانت الأحداث ستضعهم في خنادقهم الصحيحة المدافعة عن العدو، لكن الشعب العربي هو الشعب الذي يرفض المشروع الأمريكوصهيوني .. وقاتله في غزة والفلوجة وقانا وبورسعيد .. مما سيربك هذا الثلاثي الرسمي (السلطوي المصري الأردني) ليجد نفسه مضطرا للتخلي عن التحالف مع أمريكا والتخلي عن المعاهدات، أو للتصدي لأي تحرك شعبي مضاد لإسرائيل تحت شعارات الأمن الوطني وحماية الداخل على طريقة موقف الحكومة المصرية من قضية ما سمته خلية حزب الله، حيث اتهمت حزب الله بتهديد الأمن المصري، رغم أن 11 عنصرا من عناصر الخلية المتهمة والبالغ عددهم 13، هم من المصريين! كذلك على طريقة تجربة السلطة بإنشاء قوات دايتون وملاحقة المقاومين، الذين لا يمكن القضاء عليهم مهما فعلت القوى التسووية في عالمنا العربي .. والذي سيستمر الفكر القومي والإسلامي بإنتاجهم ما دام هناك كيان صهيوني.. ولا ننسى أن أكثر من ستين عاما مرت على إنشاء الكيان الصهيوني .. ومقاومة الشعب العربي له اليوم أكثر من سنة
لكن هذا السيناريو الحتمي إذا وُقِّعت أي اتفاقات (عبثية) .. وهو يعني انتقال المعارك إلى الساحات العربية على طريقة ما تحاول إسرائيل فعله في لبنان.. كما أن هذه النقطة يسبقها سؤال هام، هل الشعب العربي في كل دول الطوق، سيخضع لإرادة الاستسلام الرسمية.. مثل حماس وحزب الله والفصائل الفلسطينية الرافضة والتيارات الإسلامية الجهادية والمثقفين المؤمنين بعدالة القضية والمقاومة العراقية بعد أن تحسم انتصاراتها.. وإيران المستهدفة والتي يرفض كثيرون من العرب أن تضرب بواسطة العدو الصهيوني..؟؟ وكل تلك القوى ترفض الاستسلام والتنازل عن حق العودة.. وهل سيكون الحل هو ربع مليون جندي من جنود أمريكا والرباعية لفرض الحلول التي أثبتت المقاومة العراقية وأحداث أفغانستان عدم جدواها؟ إذا كانت الأطراف العربية الرسمية التسووية مستعدة لتنفيذ استحقاقات المعاهدات، ما هو الذي يلزم إسرائيل المنتصرة على ذلك؟ وهل هي مستعدة لتنفيذ الاستحقاقات، وكل الدلائل تشير إلى عكس ذلك، فمثلا، وبالإضافة إلى الأسئلة المتعلقة بالقدس والمستوطنات والمسجد الأقصى والمياه، والقنبلة الديموغرافية:
- هل ستغير إسرائيل المناهج التلمودية التي تعتبر شرطا من شروط تجمع اليهود فيها ودعم من لا يهاجر إليها منهم، والمعتمدة على عقيدة أرض الميعاد وشعب الله المختار واحتقار غير اليهود؟
- هل تسمح أي جهة إسرائيلية بالصراعات والاقتتال الداخلي (يهودي-يهودي) من أجل عيون السلطة وعيون القمميين العرب؟ وهذا الاقتتال الداخلي سينتج إذا تخلت عن المستوطنات الرئيسية وعن القدس؟ وإذا لم يحصل ذلك التخلي فهذا يعني أن الطرف العربي تنازل عن القدس وعن أراضي المستوطنات .. مما سينقل الاقتتال الداخلي نفسه إلى الساحة العربية!
- هل فعلا سوف تتناسى إسرائيل القنبلة الديموغرافية التي تخاف منها دائما .. أي التزايد الكبير للسكان العرب أمام التزايد شبه المحدود لليهود؟؟ وكيف ستعالج هذه المسألة وبماذا يستطيع أبومازن تطمين نتنياهو حول تلك المسألة، في خلوته معه التي اتفق على أن تكون كل أسبوعين .. هل سيعده بالعمل على نشر العقم بين نسائنا ورجالنا، أم بمزيد من التهجير المستمر نحو شرق الأردن والعالم .. وإذا فعل فهل يقبل نتنياهو بكفالة القمميين الذين لا يثق بهم!
- هل ستتخلى الصهيونية عن وعدها للغرب، عام 1907 وعام 1929، أن تكون يده الضاربة في المنطقة لتفتيت الأمة العربية ومنعها من التكامل والتطور؟؟
- هيكل سليمان وشرق الأردن والجولان وفلسطين بكاملها بما فيها القدس، تمثل مسائل عقائدية في الفكر اليهودي .. واليهود يثبتون كل يوم تمسكهم بالعقيدة اليهودية، فهل يمكن أن يتنازلوا عن الجوانب العقائدية بدون قوة .. لمجرد أن "العربرسميين" تنازلوا قبلهم عن الحوانب العقائدية المتعلقة بهم؟ وهاهي الإدارة اليهودية تسمح باستباحة الحرم الإبراهيمي قبل أيام .. وها هم يستملكون سلوان ويطردون أهلها لمجرد ورودها في التوراة وغير ذلك الكثير.
- هل ستتخلى عن الطمع بمياه لبنان وتتخلى عن العمل غلى إذكاء نيران الفتنة فيه وفي غيره من المناطق العربية؟
وبالمناسبة: إذا كانت القضية تتعلق بكل الشعب، وقضايا الشعب، لماذا تناقش في خلوة بين اثنين .. نتنياهو وعباس، ونحن نعرف أن نتنياهو لن يخفي ما يدور فيها عن كنيسه، في حين يخفي الرسميون العرب كل شيء عن الشعب العربي دائما .. وهم يثبتون كل يوم أن نظرتهم للشعب الذي يحكمون لا تختلف عن نظرة اليهود للغوييم .. ولا بد من التذكير بما قال عباس قبل أيام في سياق التعليق على عودته للمفاوضات المباشرة: (ليس لدينا ما نخسره)، إن عباس بهذا القول يؤكد أنه في حالة اكتفاء، ولا يخسر شيئا لأنه، لا يشعر بما يخسره الشعب الذي يحاول عباس الادعاء أنه يتحدث باسمه.. ويبدو أن الرواتب والمعونات الشخصية مضمونة، والكرامة وحق العودة وكثير من الأراضي والسيادة إلخ .. تم التنازل عنها منذ مدة.
أجوبة هامة على كل التنازلات العربية، تستحق التنويه لها على الهامش، جاءت من نتنياهو باستمرار التوطين، ومن مستوطني كريات أربع بالذات، ومن الحاخام عوفاديا يوسف (89 عاماً) زعيم حزب شاس الذي يشارك في الائتلاف الحكومي، في العظة التي ألقاها هذا الأسبوع ونقلت إذاعة العدو بعضها، والتي دعا فيها إلى "أن يفنى أبو مازن وهؤلاء الأشرار من على وجه الأرض"، وكان نفس الحاخام قد دعا أكثر من مرة إلى إبادة العرب وقال: "إن التسامح معهم حرام". المهم هنا ليس قول الحاخام .. لكن المهم هنا أن نعرف أن التلمود الذي يشكل السند الحقيقي الرئيسي للفكر اليهودي الذي تعتمد عليه إسرائيل في تحديد سياساتها، يقول: إنه في حالة وجود خلاف بين قول الحاخامات المفكرين وأقول الإله، فإن الواجب اتباع أقوال الحاخامات .. لأن الله نفسه اعترف أن أولاده هزموه عندما خسر الجولة مع الرابي أليعازر .. [تلمود Mezi’a 59b)] (لاحظوا هنا إنهم يعطون الأولوية لكلام الحاخامات على كلام الله .. لا فقط على كلام أوباما أو القمميين العرب)!! أما استجداء الموافقة على التنازلات .. فليس أكثر تعبيرا عنه من صرخة عريقات قبل يومين: "إذا فشلت المفاوضات .. ستنزول السلطة"! إنه الخوف على السلطة وعلى إسرائيل .. وربما على الرواتب .. لكنه حتما .. ليس الخوف على القضية.
وعلى الهامش وللتذكير:
نتنياهو: يجب أستخلاص الدروس من 17 عاما من المفاوضات .. ويجب التفكير بصيغ جديدة .. يعني مازال الوقت مبكرا .. الرجل يحتاج للبحث عن صيغ جديدة .. عام، عامان، عشرة أعوام .. إنه ليس على عجل .. ويؤيده ليبرمان الذي قال قبل يومين .. "لن نصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ولا حتى في الجيل المقبل! أما النظام العربي الرسمي فإن محاولة اشتراكه بالضغط، عبر عنها حسني مبارك قبل يومين: لم يعد مقبولا ولا معقولا أن تراوح عملية السلام مكانها .. وأعلن أنه يعتبر المفاوضات مفتاح السلام .. أما طريقة التدخل هي المشاركة في الحصار .. كما فعل ويفعل في غزة .. وتقديم الغاز للصهاينة والتطبيع معهم ..
لا يكفي مقال أو مقالان لبحث كل البنود.
ولكن تكفي جملة واحدة للتعبير عن القضية .. إنه صراع وجود لا صراع حدود .. وكل ما نأمله أن يبقى صراع الوجود هذا بيننا وبين الصهاينة .. وألا ينجحوا بنقله إلى صراع بيننا وبين أنفسنا .. بواسطة هذه المفاوضات .. وفي كل ما ذكرنا .. نجد أن شرق الأردن .. والتوطين في لبنان وسوريا والأردن .. لا يمكن أن تخرج من العقل اليهودي الذي يريد أرضا تتسع له ولمهاجريه .. وشعبا متجانسا لا يهدد أمنه .. ومساحة تكفي لأغراضه وأهدافه .. وجيرانا منزوعي السلاح والكرامة والقدرة على رفضه .. والتزامات من أطراف مؤهلة للالتزام، لأن المسألة بالنسبة له مسألة حساب وأرقام .. ومسألة أمن لا يمكن المقامرة به .. ومسألة عقيدة ووجود .. ولن يوقفه عن التفكير بكل هذا .. إلا مقاومته.
في مقالات قادمة ستتم مناقشة بعض أشكال العلاقات التي يتصورها التسوويون للمنطقة على افتراض نجاح المفاوضات العبثية .. مثل الكونفدرالية والبنلوكس وحل الدولتين وغيرها .. والتي لا بد من دراستها حتى لو بشكل مبدئي .. لفهم ما يدور .. والتي تؤكد عند دراستها .. أننا نعود دوما .. إلى الحقيقة الوحيدة المطلقة .. إنه صراع وجود لا صراع حدود.
عن نشرة كنعان